15-فبراير-2022

الممثلة القانونية لأنا يقظ: الأفضل دائمًا أن تدخل مسألة مكافحة الفساد في السياسات العامة ولا تبقى في دائرة الشعارات السياسية

 

في 20 من فيفري/شباط القادم، يكون قد مر على إغلاق المقر المركزي للهيئة الوطنية لمكافحة الفساد ستة أشهر بقرار من المكلف بتسيير وزارة الداخلية والذي تعطلت بموجبه أعمال الهيئة في تلقي شكاوى المبلغين ومطالبهم في الحماية وكذلك التقصي في ملفات شبهات الفساد وتوجيهها إلى القضاء، مما عمق من مخاوف المبلغين من إمكانية تسريب معطياتهم الشخصية وتركهم فريسة للتهديد والانتقام، وغذى الشكوك حول مصير الملفات المودعة لدى الهيئة سابقًا أو تصاريح المواطنين بالمكاسب.

عائشة، مسؤولة عن الفرع الجهوي لهيئة مكافحة الفساد بإحدى المحافظات: لـ"الترا تونس": لم أتحصل على أجوري المتخلدة لكني ملتزمة بالتحول إلى المقر لأني مسؤولة على الوثائق والملفات المودعة لدى الفرع

عائشة، مسؤولة عن الفرع الجهوي لهيئة مكافحة الفساد بإحدى المحافظات تتوجه كل يوم إلى مقر العمل رغم إعلامها بانتهاء فترة التعاقد لتقضي يومها في المكتب، تقول لـ"الترا تونس" إنها التحقت بالهيئة بعد الخضوع إلى مناظرة منذ سنة 2019 وأنها لم تتحصل على أجورها المتخلدة غير أنها ملتزمة بالتحول إلى المقر لأنها  مسؤولة على الوثائق والملفات المودعة لدى الفرع، مشيرة إلى أن هذه الوثائق تحتوي على معطيات شخصية للمبلغين، كما أنه من المفترض أن يتم الانطلاق في تلقي مطالب التصريح بالمكاسب الذي يحين موعدها كل ثلاث سنوات.

اقرأ/ي أيضًا: موظفو هيئة مكافحة الفساد يطالبون بـ"بتوضيح رسمي لمصيرهم"

وقد أصبحت تداعيات توقف العمل داخل الهيئة، التي تشغل قرابة 150 موظفًا، ماثلة في حياة المبلغين عن الفساد، إذ تقول نوال المحمودي لـ"الترا تونس" إن الشعب ينتظر إجابة رسمية عن سؤال لماذا تم إغلاق الهيئة؟ وماهو ذنب المبلغين عن الفساد الذين تركتهم الدولة عراة أمام اليأس والخنوع والرضوخ إلى اللوبيات والتهديد بالقتل والهرسلة وتوجيه التهم إلى عدد منهم لإسكاتهم. 

والمحمودي هي التي فضحت ملفات تتعلق بتوريد قمح فاسد إلى تونس، تضيف لـ"الترا تونس" أن الدولة التونسية هي من عينت رئيس الهيئة وهي المسؤولة عن تنصيب أشخاص تقاعسوا عن مكافحة الفساد، وفق توصيفها. 

اقرأ/ي أيضًا: حوار| نوال المحمودي: فساد وسرقة بمركز السل بسوسة ومرضى ينقلون العدوى دون رقيب

وهكذا تتزايد مخاوف المبلغين عن الفساد في تونس، في غياب الغطاء المؤسساتي الذي يحميهم اعتمادًا على القانون عدد 10  لسنة 2017 المتعلق بالإبلاغ عن الفساد وحماية المبلغين، إذ يعطي الهيئة حصرياً سلطة إعطاء صفة مبلغ وتوفير الحماية للمبلغين وهو امتياز يسند للأشخاص الذين يتوجهون ببلاغاتهم إلى الهيئة بعد التدقيق في جدية الملفات التي تقدموا بها.

نوال المحمودي (مبلغة عن الفساد) لـ"الترا تونس": الشعب ينتظر إجابة رسمية عن سؤال لماذا تم إغلاق الهيئة؟ وماهو ذنب المبلغين عن الفساد الذين تركتهم السلطة عراة أمام اليأس والخنوع والرضوخ إلى اللوبيات والتهديد بالقتل والهرسلة؟

  • فاعلون في منظومة مكافحة الفساد: لا معلومة عن مصير الهيئة

يسيطر الغموض على الفاعلين في منظومة مكافحة الفساد، في هذا السياق، تقول الممثلة القانونية لمنظمة أنا يقظ آية الرياحي لـ"الترا تونس" إن المعلومة غائبة حول  مصير الهيئة وحول الملفات المودعة لديها خاصة وأن المبلغين توجهوا بهذه الملفات إلى الهيئة دون غيرها من مؤسسات الدولة لثقتهم باستقلاليتها وهو أمر يمنع أي مؤسسة أو جهة من الاطلاع أو استعمال هذه الملفات.

"فسوء الحوكمة"، إن صح، وفق الرياحي، "لا يقدم مبررًا لغلق الهيئة دون تقديم بديل فهناك مبدأ في دولة القانون هو علوية الحق، أما إذا كانت السلطة غير مؤمنة بوجود الهيئة وتريد إجراءات جديدة لإدارة المسألة فهناك مبدأ الأحكام الانتقالية وهو ما يفرض تواصل عمل الهيئة".

وتضيف الرياحي أن تواصل تعليق عمل الهيئة يخلق إشكالات عديدة، فالأشخاص الذين بلغوا لدى الهيئة وفي الأثناء تم غلقها هم معرضون إلى إجراءات انتقامية ويمكن أن تصل إلى إجراءات تأديبية يعقبها الرفت من العمل ويمكن أن تصل إلى حالات اعتداءات مادية أو معنوية مما يؤثر في وضعهم النفسي. أما الصنف الثاني فيشمل المبلغين الذين تقدموا بمطالب الحماية وفي الأثناء تم إغلاق الهيئة وهؤلاء لا يعرفون مآل مطالبهم. 

الممثلة القانونية لمنظمة أنا يقظ آية الرياحي لـ"الترا تونس": سوء الحوكمة إن صح لا يقدم مبررًا لغلق الهيئة دون تقديم بديل وهناك مبدأ الأحكام الانتقالية وهو ما يفرض تواصل عمل الهيئة

وتشير الرياحي، خلال حديثها إلى "الترا تونس"، إلى أن هناك صنف ثالث رفضت مطالبهم للحماية وتوجهوا إلى المحكمة الإدارية وحصلوا على مقررات حماية  وهؤلاء يجدون صعوبة في تنفيذ القرارات القضائية وهو شكل من أشكال الفساد.

ويعاقب القانون كشف معطيات شخصية عن المبلغين ففي حالة كشف هوية مبلغ يمكن أن يهدد ذلك حياته وعائلته فإذا ما رافق غلق الهيئة الاطلاع على الملفات والمعطيات الشخصية فإنه يعرض مرتكبه إلى تحمل المسؤولية القانونية.

في سياق متصل، يقول شرف الدين اليعقوبي، ناشط في المجتمع المدني، لـ"الترا تونس" إنه ليس من السهل إعادة الثقة في المؤسسة واحترام سرية الملفات والتحقيقات لأن الهيئة تقوم أيضًا بعمليات التقصي في الشكاوى المودعة لديها فمنذ إغلاق الهيئة ليس هناك بديل واضح لأن تونس وضعت القوانين والهياكل التي تستجيب للمعايير الدولية في مكافحة الفساد وإلى حد الآن لا نعرف هل ستفتح الهيئة من جديد أم لا وهل ستؤسس هيئة  دستورية وفق ما ينص عليه الدستور.

ويشير إلى "غياب أي إجراءات حقيقية لمكافحة الفساد فالمؤسسات تراجعت كما غابت الإصلاحات الإدارية وبقي موضوع مكافحة الفساد في مستوى الخطاب الذي زاد من تضخمه ضمن مقاربة فئوية استعراضية، لكن مكافحة الفساد تتطلب حوكمة الدولة وفق مقاربة علمية".

 شرف الدين اليعقوبي، ناشط في المجتمع المدني، لـ"الترا تونس": هناك غياب لأي إجراءات حقيقية لمكافحة الفساد فالمؤسسات تراجعت كما غابت الإصلاحات الإدارية وبقي موضوع مكافحة الفساد في مستوى الخطاب الذي زاد من تضخمه ضمن مقاربة فئوية استعراضية

اقرأ/ي أيضًا:  ما مصير الهيئة الوطنية لمكافحة الفساد؟



 

  • خطر التراجع في مؤشر مدركات الفساد

وباتصال "الترا تونس" بالقاضي الإداري والعضو السابق في مجلس هيئة مكافحة الفساد محمد العيادي، والذي اعتذر عن الحديث في البداية، لكنه علق فيما بعد عن ما قدمه وزير الخارجية التونسي لأطراف أجنبية كتفسير لغلق الهيئة و"هو غياب الحوكمة داخلها"، بالتساؤل "ما الذي يمنع الدولة من مراجعة تعيين رئيس هيئة يكون قادرًا على حسن الإدارة وتأسيس جهاز الوقاية والتقصي الذي تقاعست الدولة في إحداثه منذ صدور المرسوم سنة 2011".

العضو السابق في الهيئة محمد العيادي اعتبر أيضًا أنه من الطبيعي أن يؤثر الغلق على سمعة تونس وترتيبها في مكافحة الفساد عالميًا، فالدولة لديها التزامات خارجية والهيئة جزء من المنظومة القانونية والهيكلية اللازمة لمساعدة تونس في المرحلة الانتقالية سواء فنيًا أو تقنيًا أو ماليًا ومؤشر مدركات الفساد الأخير لم يتحسن ومن بين الأسباب غياب الإطار الهيكلي الذي يحمي المبلغين ويفعل منظومة مراقبة التصاريح على الممتلكات". 

العضو السابق في الهيئة محمد العيادي لـ"الترا تونس": مؤشر مدركات الفساد الأخير لم يتحسن ومن بين الأسباب غياب الإطار الهيكلي الذي يحمي المبلغين ويفعل منظومة مراقبة التصاريح على الممتلكات

من جهتها، رجحت أية الرياحي، الممثلة القانونية لمنظمة أنا يقظ، أن تتراجع  تونس في ترتيب مؤشر مدركات الفساد والأفضل دائمًا أن تدخل مسألة مكافحة الفساد في السياسات العامة ولا تبقى في دائرة الشعارات السياسية.

وحافظت تونس على المرتبة 70 من 180 بلدًا في مؤشر مدركات الفساد لسنة 2021 وهو دليل تقول الرياحي على عدم التقدم في مكافحة الفساد بل إن النصف الثاني من السنة لا يؤشر إلى أن "صورتنا ذاهبة نحو التحسن بل إن إغلاق الهيئة يدعم  شكوكًا حول مدى نجاعة سياستنا في مكافحة الفساد"، وفق تقديرها.

 

اقرأ/ي أيضًا:

تونس في المرتبة 70 عالمياً و6 عربياً في مؤشر مدركات الفساد 2021

مكافحة الفساد: بضاعة تحت الطلب في سوق الشعبوية

"تصفية الأجسام الوسيطة".. عنوان المرحلة القادمة في تونس