26-أبريل-2022
سوق فتحي بلعيد

أمام ارتفاع الأسعار عديد التونسيين باتوا يلجؤون لـ"الفريب" لشراء ملابس العيد (فتحي بلعيد/ أ.ف.ب)

 

تقلّب منى (29 سنة) أكداس الملابس يمنة ويسرة في نصبة "فريب" (ملابس مستعملة) بسوق "باب الفلة" بتونس العاصمة، على أمل العثور عن ثيابٍ مستحبّة قد تصلح لتُلبسها لطفليها في عيد الفطر، في ظلّ الأسعار المشطّة للملابس الجديدة. 

"لم يكن الأمر هينًا بالنسبة لي، فأيّ أمّ ترضى إلباس أطفالها ملابس مستعملة في العيد؟ لكنّ الظروف الراهنة اضطرتني للجوء للفريب في ظلّ ارتفاع الأسعار"، تقول منى لـ"الترا تونس"، مشيرة إلى أن أسعار الملابس الجديدة تصل إلى 250 دينارًا (83 دولارًا) للطفل الواحد في محلات الملابس الجاهزة، وهو ما أعجز عن توفيره لطفلين، بالتوازي مع تكاليف مختلف متطلبات العيد الأخرى، من ألعاب وحلويات وغيرها.

منى (أم لطفلين): أيّ أمّ ترضى إلباس أطفالها ملابس مستعملة في العيد؟ لكنّ الظروف الراهنة اضطرتني للجوء للفريب في ظلّ ارتفاع أسعار الملابس الجديدة التي تصل إلى 250 دينارًا للطفل الواحد

منى هي والدة طفلين ومعطلة عن العمل، على الرغم من أنها خريجة تعليم عالٍ منذ حوالي 6 سنوات، وزوجها يعمل تقنيًا في شركة خاصة، راتبه لا يتجاوز 900 دينار (حوالي 300 دولار) شهريًا، وهو بالكاد يكفي معاليم الكراء وفواتير الماء والكهرباء والمصاريف اليومية من مواد غذائية وغيرها، وفق تصريحها. 

وتضيف محدثة "الترا تونس" وهي تشير إلى ياقة فستان ورديّ أنيق، حيث خُطّت علامة إحدى الماركات العالمية المعروفة: "قد نقتني ملابس مستعملة من أجود الماركات وأشهرها صيتًا بـ5 دنانير فقط، وتكون ذات جودة أفضل بكثير من ملابس جديدة سعرها يتجاوز عشرات الأضعاف وبالكاد تُلبس لأسابيع، وربما أيام، لتبلى ويكون مصيرها منشفة للمطبخ في أفضل الأحوال"، حسب تقديرها.

سوق
سوق "باب الفلة" بتونس العاصمة (فتحي بلعيد/ أ.ف.ب)

وما منى إلا مثال عن الكثير من التونسيين الذين يخيّرون اللجوء إلى "الفريب" لشراء الملابس، سواءً للعيد أو لمناسبات أخرى، كحلّ بديل أمام انحدار المقدرة الشرائية للتونسيين في ظل ارتفاع نسبة التضخم التي وصلت إلى مستوى 7,2% في مارس/آذار 2022 بعد أن كانت في حدود 7% خلال فيفري/شباط و6,7% خلال شهر جانفي/يناير 2022. ومن بين أسباب هذا التطور في نسبة التضخم تسارع نسق ارتفاع أسعار الملابس والأحذية، من 8,9% إلى 9,8%، وفق بيانات للمعهد الوطني للإحصاء. 

الكثير من التونسيين باتوا يلجؤون  إلى "الفريب" لشراء الملابس، سواءً للعيد أو لمناسبات أخرى، كحلّ بديل أمام ارتفاع الأسعار وتدهور المقدرة الشرائية 

لكنّ أمام الإقبال المتزايد عليه، ونظرًا لمختلف العوامل المرتبطة به في الداخل والخارج، شهد قطاع "الفريب" بدوره ارتفاعًا لافتًا في الأسعار، وفق ما يؤكده رئيس الغرفة الوطنية لتجار الملابس المستعملة ''الفريب'' الصحبي المعلاوي.

ويقول المعلاوي، في تصريح لـ"الترا تونس"، إن "أسعار الفريب سجلت ارتفاعًا بحواليْ  10% مقارنة بأسعار السنة الفارطة، مشيرًا إلى أن "الفريب" كغيره من القطاعات يتأثر بمختلف العوامل، سواء داخليًا في علاقة بالأزمة الاقتصادية للبلاد، خاصة بعد مخلفات جائحة كورونا، أو خارجيًا في علاقة بالتوريد مع ارتفاع سعر الحاوية الواحدة الموردة، خاصة في ظلّ تدهور قيمة الدينار مقارنة باليورو والدولار، باعتبار أن أغلب الملابس المستعملة يقع توريدها من دول أوروبية ومن الولايات المتحدة الأمريكية، وفقه. 

الصحبي المعلاوي (رئيس غرفة تجار الملابس المستعملة) لـ"الترا تونس": الفريب أضحى ملاذ عديد الفئات من المجتمع التونسي، وارتفعت نسبة الإقبال عليه في الأعياد بـ30% 

ويتابع: "لاحظنا خلال السنوات الخمسة الأخيرة، أصبح إقبال المواطن التونسي في الأعياد متجهًا للملابس المستعملة، وهي ظاهرة جديدة، باعتبار أنه في العادة يتم التوجه خلال الأعياد إلى الملابس الجاهزة الجديدة"، مؤكدًا أن "الفريب أضحى ملاذ عديد الفئات من المجتمع التونسي، وارتفعت نسبة الإقبال على الفريب في الأعياد بـ30%"، على حد قوله. 

وأشار إلى أنه "مع تدهور المقدرة الشرائية التي باتت محدودة جدًا، وارتفاع نسب الفقر وتآكل الطبقة الوسطى، أصبح الفريب ملاذ نسبة كبيرة من التونسيين"، حسب تقديره. 

كما لفت محدث "الترا تونس" إلى أنه "قد برزت أيضًا ظاهرة جديدة في السنوات الأخيرة تتمثل في لجوء ميسوري الحال أيضًا إلى "الفريب الرفيع" الذي تتوفّر فيه ملابس مختلف الماركات العالمية ذات الجودة العالية بأسعار منخفضة، مقارنة بسعرها الأصلي في الملابس الجديدة"، وفق تأكيده.  

سوق
أمام ارتفاع الأسعار عديد التونسيين باتوا يلجؤون لـ"الفريب" (Godong/Getty)

تتصفح أسماء (36 سنة) صفحات لبيع الملابس الجاهزة على منصات التواصل الاجتماعي عساها تظفر بما يحقّق معادلة بين السعر والجودة والجمالية، وسط انتشار الصفحات المتحيلة وأمام غلاء الأسعار. تقول لـ"الترا تونس": ليس لديّ الوقت للتنقل إلى العاصمة حيث توجد محلات بيع الملابس بكثرة، لذلك ألجأ إلى الصفحات على فيسبوك وإنستغرام"، مستدركة القول إنها تبحث منذ حواليْ أسبوعين عمّا يعجبها".

أسماء، أم لثلاثة أطفال، وهي أستاذة تعليم ابتدائي، راتبها يناهز 1500 دينار (حوالي 500 دولار)، ومتزوجة من موظف بشركة خاصة وراتبه حوالي 1000 دينار (330 دولار تقريبًا) شهريًا. 

أسماء (أستاذة): كلفة كساء أطفالي الثلاث لعيد الفطر تناهز الألف دينار، دون احتساب تكاليف الألعاب وحلويات العيد.. وبسبب ارتفاع الأسعار بالكاد يكفي راتبي وراتب زوجي لتلبية حاجيات الأسرة

تشير، في حديثها لـ"الترا تونس"، إلى أنها قدّرت بعملية حسابية بسيطة، إثر تواصلها مع عشرات الصفحات لبيع الملابس، أن كلفة كساء أطفالها الثلاث لعيد الفطر تناهز الألف دينار، أي ما يعادل راتب زوجها، دون احتساب تكاليف الألعاب وحلويات العيد. تضيف ضاحكة: "حتى أنني سأُحرم من "حق الملح" هذا العام" ("حق الملح" هو عادة تونسية تُكرّم فيها المرأة من زوجها كمكافأة لها على تعبها في الطهو طيلة شهر رمضان، وتتمثل مكافأتها عادة في إهدائها قطعة ذهبية سواءً أكانت خاتمًا أو أقراطًا أو سوارًا، أو غيرها).

وأكدت أسماء، في سياق متصل، أنه بسبب الارتفاع المطرد في أسعار المواد الغذائية الأساسية، خاصة خلال شهر رمضان، إضافة إلى الارتفاع المتواتر لأسعار المحروقات، أصبح راتبها وراتب زوجها بالكاد يكفيان لتلبية كلّ حاجيات الأسرة، وفقها، معقبة: لا أبالغ عندما أقول لكِ إننا نعيش بـ"اللازم في اللازم" رغم أنّ كلينا نعمل، وأن راتبينا يُعتبران جيدين بالمقارنة بعديد الأسر التونسية الأخرى"، وفقها.

ملابس
ارتفعت أسعار الملابس بنسبة 1,4% في مارس 2022 وفق معهد الإحصاء (ياسين القايدي/ الأناضول)

ووفق آخر بيانات رسمية نشرها المعهد الوطني للإحصاء، في نشرية مؤشر أسعار الاستهلاك العائلي لشهر مارس/آذار 2022، شهد مؤشر أسعار الاستهلاك العائلي ارتفاعًا بنسبة 0,8% خلال شهر مارس/آذار بعد الارتفاع بنسبة 0,3% في شهر فيفري/شباط و0,7% في جانفي، ويعزى هذا التطور بالأساس إلى الارتفاع المسجل في أسعار المواد الغذائية بنسبة 1,1% وأسعار الملابس والأحذية بنسبة 1,3%، وغيرها.

وقد ارتفعت أسعار الملابس والأحذية بنسبة 1,3%، حيث ارتفعت أسعار الملابس بنسبة 1,4% وأسعار مكملات اللباس المختلفة بنسبة 1,4% وأسعار الأقمشة بنسبة 1,3% وأسعار الأحذية بنسبة 1,2%، وفق النشرية ذاتها.

عمار ضية (رئيس منظمة الدفاع عن المستهلك) لـ"الترا تونس": توجهنا بنداء إلى التجار بتخفيض هامش ربحهم، استثنائيًا هذه السنة، مراعاةً للمقدرة الشرائية للتونسيين التي تدهورت كثيرًا ما قد يحول دون أن يتمكنوا من كساء أطفالهم ويحرمهم من فرحة العيد

ويوعز رئيس منظمة الدفاع عن المستهلك عمار ضيّة الارتفاع المسجل في أسعار الملابس، إلى عوامل مرتبطة بالسوق العالمية، وأخرى مرتبطة بالداخل، ويوضح: "فيما يخص الداخل، إن ارتفاع أسعار مختلف المواد الأولية والمحروقات التي تؤدي إلى ارتفاع أسعار النقل والشحن، يؤثر آليًا على أسعار المنتجات، فضلًا عن أن المنتجات التي موادها مستوردة تترتب عنها أسعار إضافية أكثر من العادة، وذلك في علاقة بالسوق العالمية وما يرتبط بها من تطورات على غرار ارتفاع أسعار النفط والحرب بين روسيا وأوكرانيا.

ويؤكد ضيّة، في تصريح لـ"الترا تونس" أن منظمة الدفاع عن المستهلك قد تلقت عديد التشكيات من مواطنين بخصوص ارتفاع الأسعار الذي لم تعد عديد الفئات قادرة على تحمله، معقبًا أنه "أصبح هناك شعور عام بارتفاع كلفة الحياة بصفة عامة في تونس، خاصة على مستوى الطبقات الضعيفة وحتى الطبقات المتوسطة". 

وتابع قائلًا: "مع اقتراب عيد الفطر، وما يتطلبه من شراءات من ملابس وألعاب وحلويات، العائلة التونسية تجد نفسها منهكة خاصة مع ما أنفقته خلال شهر رمضان الذي شهد بدوره ارتفاعًا لافتًا في أسعار المواد الغذائية"، مقدّرًا أنّ "العيد هذه السنة سيكون مختلفًا عن السنوات الماضية بالنسبة للأسرة التونسية، في ظلّ ما نسجله من ارتفاع واضح في أسعار الملابس الجاهزة والأحذية".

سوق
منظمة الدفاع عن المستهلك تحذر من اللجوء إلى السوق الموازية (فتحي بلعيد/ أ.ف.ب)

وأشار رئيس منظمة الدفاع عن المستهلك إلى أن "نقابات وغرف الملابس الجاهزة تقول إن الكلفة عند الإنتاج ارتفعت باعتبار ارتفاع أسعار المواد الأولية، وهو ما يضطرها إلى الترفيع في أسعار منتجاتها عند البيع"، مستطردًا: "نعلم أن من حق التاجر أن يحقق أرباحًا، لكن يجب مراعاة المقدرة الشرائية للمواطن البسيط"، حسب رأيه.

ولفت، في هذا الصدد، إلى أن "المنظمة توجهت بنداء إلى التجار بتخفيض هامش ربحهم، استثنائيًا خلال هذه السنة، مراعاةً للمقدرة الشرائية للتونسيين التي تدهورت كثيرًا ما قد يحول دون أن يتمكنوا من كساء أطفالهم في عيد الفطر المبارك، وحرمانهم من الفرحة. فضلًا عن ارتفاع الأسعار من شأنه أن يزيد من تدهور المقدرة الشرائية للمواطن أكثر فأكثر وهو ما يشكّل خطرًا على الاقتصاد التونسي"، على حد تقديره.

وأكد، في ذات الإطار، أن المصانع والمعامل والتجّار بدورهم سيتضررون في حال تدهور المقدرة الشرائية وعدم إيجادهم حرفاء يقتنون منتجاتهم، مستطردًا القول: "هي حلقة مرتبطة عناصرها ببعضها البعض، لذلك أمام هذا الوضع ندعو التجار إلى محاولة الضغط قدر الإمكان لتقليص هامش الربح".

رئيس منظمة الدفاع عن المستهلك يدعو التونسيين إلى "تجنب اللجوء إلى الأسواق الموازية بحثًا عن منتجات أقلّ سعرًا"، منبهًا إلى أن "هناك منتجات مجهولة الهوية والمكونات وبالتالي من الممكن أن تشكّل خطرًا"

وفي سياق متصل، دعا محدث "الترا تونس" المستهلك التونسي إلى تجنب اللجوء إلى الأسواق الموازية بحثًا عن منتجات أقلّ سعرًا من الأسواق المنظمة، منبهًا إلى أن "هناك منتجات مجهولة الهوية والمكونات وبالتالي من الممكن أن تشكّل خطرًا سواءً أكانت ملابس أو ألعاب"، معقّبًا: "يجب ألا ينجر المستهلك خلف الأسعار التي قد تبدو مغرية وفي متناول المقدرة الشرائية للمواطن، لكنها في الحقيقة قد تكون مضرّة وذات انعكاسات سلبية"، وفق تصريحه. 

وكانت وزارة الأسرة والمرأة والطفولة وكبار السنّ في تونس قد نبهت، في بلاغ نشرته الاثنين 25 أفريل/نيسان 2022، إلى أن "الألعاب المعروضة للبيع خارج المسالك المنظمة وغير الخاضعة للمراقبة الرسمية، وخاصة منها الألعاب الشبيهة بالأسلحة النارية والأسلحة البيضاء و"المتفجّرات" وعاكسات الأضواء الليزريّة، لها انعكاسات سلبية شديدة على التنشئة السليمة للناشئة ويمكنها التسبّب لضحاياها من الأطفال في حوادث خطيرة وأضرار بدنيّة ونفسيّة جسيمة"، وفقها.

ونوهت إلى أهميّة الاكتفاء باقتناء ألعاب الأطفال من المسالك المنظّمة مع مراعاة تناسبها مع الفئات العمريّة للأطفال وعدم احتوائها على مواد خطرة وسامة ومكوّنات كيميائية مضرة، حسب ما ورد في البلاغ.