18-فبراير-2022

أيمن البوغانمي، لـ"الترا تونس": تأثير النزول للشارع يضعف كل ما ابتعدنا أكثر عن لحظة الثورة (Getty)

 

نجحت المعارضة في تونس بمختلف مكوناتها منذ الثورة في إحداث تغييرات على المشهد السياسي ومسار البلاد بالكامل، لتتمكن عبر المراوحة بين ضغط الشارع والأساليب السياسية من فرض توجهات وتغيير حكومات والدفع نحو مسارات جديدة في مناسبات عدة.

ورغم تشتت مكونات المعارضة في تونس حاليًا، يظل أهم نجاح لها حسب مراقبين، هو إحداث توازن في البلاد بين رئيس يتحكم في السلطة في البلاد ومعارضة قادرة على تعبئة الشارع والوقوف ضد توجهاته.

وعقب إعلان الرئيس التونسي قيس سعيّد عن توجهاته منذ 25 جويلية/ يوليو الماضي، دخلت المعارضة في تونس، بمختلف مكوناتها في سلسلة تحركات احتجاجية عبر تعبئة الشارع وإصدار البيانات، وصولاً إلى إضراب الجوع، وذلك أمام تواصل رفض الرئيس التونسي الإصغاء لصوت المعارضة رغم تمكنها على حشد دعم في الشارع. فهل فقد الشارع التونسي قدرته على التأثير في المشهد السياسي؟.. وأي تحركات أمام المعارضة لاتخاذها في قادم الأيام؟

اقرأ/ي أيضًا: تشتت المعارضة في تونس يضعف صفوفها


  • عضو الهيئة التنفيذية لـ"مواطنون ضد الانقلاب": تجربة الانتقال الديمقراطي جعلت من الديمقراطية قرينة الفقر والفوضى في فكر ومخيلة التونسي

هذه التساؤلات طرحها "الترا تونس" على عضو الهيئة التنفيذية لمبادرة مواطنون ضد الانقلاب زهير إسماعيل، الذي اعتبر أن "الشارع الذي يواجه الانقلاب هو الشارع السياسي أي شارع النخبة السياسية، وفق تعبيره، ولا حضور للشارع الاجتماعي بعد رغم تفاقم الأزمة المالية الاقتصادية والاجتماعية".

زهير إسماعيل (مواطنون ضد الانقلاب) لـ"الترا تونس": الشارع الذي يواجه الانقلاب هو الشارع السياسي أي شارع النخبة السياسية ولا حضور للشارع الاجتماعي بعد رغم تفاقم الأزمة المالية الاقتصادية والاجتماعية

وبيّن إسماعيل أن نجاح الشارع الديمقراطي في كسر الصمت الذي ساد بعد أكثر من خمسين يومًا على إعلان إجراءات 25 جويلية، ودحض سردية التفويض الشعبي للرئيس، بحيث أصبح المطلب الديمقراطي مطلبًا سياسياً في ظل ترذيل غير مسبوق للديمقراطيّة ومسارها، على حد قوله.

وقال اسماعيل، لـ"الترا تونس" إن تحركات المعارضة مكنت من توسيع دائرة الاشتباك مع الانقلاب وعزله داخليًا وخارجيًا، والتأسيس لمسارين، الأول بمواجهة قيس سعيّد الذي وصل إلى الجهات والأعماق، والثاني لبناء البديل الوطني لما بعد سعيّد، مشددًا أن "دائرة أنصار قيس سعيّد تضيق في حين يعرف الشارع الديمقراطي امتدادًا عموديًا  من الجانب النوعي، وأفقياً في امتداده إلى الجهات".

وفي رده على سؤال "الترا تونس" حول ما إذا كانت قد أضرت تجربة الحكم بالأحزاب، وأدت لرفض استجابة الشارع لدعوتها الوقوف ضد سعيّد،  يؤكد زهير إسماعيل صحة هذا الطرح، مفسرًا أن تجربة العشر سنوات من الانتقال الديمقراطي وما عرفته من تعثر وفشل في الملف الاجتماعي والاقتصادي، نفرت الشارع من السياسة، وجعلت من الديمقراطية قرينة الفقر والفوضى في فكر ومخيلة التونسي.

زهير إسماعيل (مواطنون ضد الانقلاب) لـ"الترا تونس": تحركات المعارضة مكنت من توسيع دائرة الاشتباك مع الانقلاب وعزله داخليًا وخارجيًا، والتأسيس لمسارين، الأول بمواجهة سعيّد الذي وصل إلى الجهات والأعماق والثاني لبناء البديل لما بعد سعيّد

أمام تواصل رفض الرئيس التونسي الإصغاء للأصوات المعارضة له، يرفع "مواطنون ضد الانقلاب" حسب زهير إسماعيل، عنوانًا مفاده "يَدٌ تسقط الانقلاب وأخرى تُعدّ البديل الوطني"، مفسرًا أن الشارع على أهميته ليس الأسلوب الوحيد المتبقي في مواجهة الرئيس.

وبيّن إسماعيل أن سعيّد يواجه اليوم ثلاث جبهات مفتوحة، بين "الشارع الديمقراطي"، إضافة للأزمة المالية الاقتصادية المستفحلة وعجزه على مواجهتها وثالثها شركاء تونس الذين يشترطون شريكا ديمقراطيا ومؤسسات منتخبة تضمن ما يسند من قروض من جهة صرفها وسدادها في آجالها المضبوطة" 

ويشدد زهير إسماعيل أن المعارضة في الخارج لعبت دورًا أساسيًا، ومكنت من "كشف المغالطات وحقيقة ما يحدث في تونس أمام إصرار قيس سعيّد على إخفائها".

اقرأ/ي أيضًا: تونس: سعيّد يتجنب كشف أوراقه والمعارضة تتجهز لشهر من الضغط والاحتجاجات

  • برلماني بالخارج: نشاط النواب بالخارج كان بهدف إسقاط سردية أن "الشعب التونسي بأكمله يدعم إجراءات سعيّد"

من جانب آخر، يقول زياد الهاشمي، أحد النواب المعارضين وهو الموجود (والناشط) حاليًا خارج تونس، لـ"الترا تونس" إن "الخروج للشارع أسقط حاجز الخوف الذي زرعه سعيّد من خلال إيقافات النواب والمحاكمات العسكرية"، فالبعض ظنوا، حسب قول الهاشمي، أن قوس حرية التعبير في تونس تم إغلاقه مع تجميد البرلمان.

وأكد الهاشمي أن مساعي النواب والنشطاء في الخارج كانت تهدف إلى إسقاط سردية تزعم أن "الشعب التونسي بأكمله يدعم إجراءات 25 جويلية"، إضافة لكشف صورة الوضع الحقيقي لتونس أمام المفوضية السامية لحقوق الإنسان.

وكشف لـ"الترا تونس" أن عددًا من النواب أعضاء البرلمان الدولي، الذي لم يعترف بحل البرلمان التونسي، سيكونون ضمن الوفد الذي سيزور تونس يوم الاثنين المقبل 21 فيفري/شباط 2022.

زياد الهاشمي لـ"الترا تونس": "سعيّد يتهمنا بالتخوين والمساس بصورة تونس.. وأصبح يرى أنه هو تونس ومن يعارضه كمن عارض البلاد بأكملها"

وتحدث زياد الهاشمي عن أعداد الوقفات الاحتجاجية المعارضة لإجراءات وتوجهات الرئيس التونسي في الخارج أمام غياب تام، حسب قوله، لأي تحرك داعم لسعيّد من الجالية التونسية في الخارج، مضيفًا "رئيس الجمهورية يتهمنا بالتخوين والمساس بصورة تونس.. وأصبح يرى أنه هو تونس ومن يعارضه كمن عارض البلاد بأكملها".

وفي رده عن سؤال "الترا تونس" حول الاتهامات والنقد الموجه للنواب الذين ينشطون خارج تونس، يقول الهاشمي إن المعارضة داخل تونس أصبحت محفوفة بالمخاطر، بدليل ما يواجهه النائب سيف الدين مخلوف و6 نواب من ائتلاف الكرامة والنائب ياسين العياري وغيرهم. 

واعتبر الهاشمي أن "الخطوة المقبلة هي توحيد الصف المعارض لسعيّد"، كاشفًا نجاح مجموعة من اللقاءات بينهم وبين ممثلي عدد من الأحزاب كان من المستحيل، على حد قوله، أن تجمعهم نفس طاولة الحوار، مضيفًا "هذا يعتبر اللقاء الثالث بين سياسيين من مجموعة أحزاب كبرى كان بينها خلاف سابقًا وتسعى اليوم للخروج بجبهة موسعة عبر وساطات جدية".

وكشف الهاشمي لـ"الترا تونس" أن جلسة برلمانية عامة أخرى يقع الإعداد لها حاليًا، سيتم خلالها تمرير لائحة، يقع التصويت عليها بـ109 أصوات، مؤكدًا التحصل على موافقة ما يفوق 100 نائب على المشاركة في هذه الجلسة، وموافقة نواب من التيار الديمقراطي المشاركة في الجلسة مع اشتراط عدد من النقاط، على حد قوله.

وشدد الهاشمي أن التداول في صيغة اللائحة النهائية لا يزال قائمًا بين ممثلي 5 أحزاب، بعضها يريد رفع سقف محتوى اللائحة إلى الأقصى.. والبعض يريد حلولاً وسطى، مؤكدًا تجاوز هذه الأحزاب لمعركتها السابقة في تحميل المسؤوليات حول المرحلة الماضية في تونس.

زياد الهاشمي لـ"الترا تونس": جلسة عامة أخرى يقع الإعداد لها حاليًا، سيتم خلالها تمرير لائحة ستكون مفاجئة وقد تقلب المعادلة خاصة وأن الرأي العام الدولي لا يعترف بحل البرلمان التونسي

وختم زياد الهاشمي حديثه لـ"الترا تونس" بالقول إن الجلسة العامة المذكورة ستحمل مفاجأة،  خاصة مع وجود لائحة ستمكن حسب قوله من قلب المعادلة تماماً، مفسرًا حديثه هذا بأن "الرأي العام الدولي لا يعترف بحل البرلمان التونسي وأي قرار  يخرج عن هذه الجلسة ستكون له استجابة دولية فورية وموسعة"، وفق تقديره.



 

  • قيادي بالتيار الديمقراطي: المواطن أنهكته خيبات الأمل وأصبح يريد الابتعاد عن المشهد فقط..

"المواطن التونسي أنهكته خيبات الأمل من الأحزاب ومن رئيس الجمهورية قيس سعيّد، وأصبح يريد الابتعاد عن المشهد فقط.."، هكذا فسر النائب والقيادي بحزب التيار الديمقراطي نبيل حجي الحالة التي يعيشها الشارع التونسي حاليًا، قائلاً إن "الشارع آمن بقيس سعيّد وخذل فيه، ولا يثق أيضًا في الأحزاب السياسية بأكملها".

واعتبر حجي أن رفض التونسي النزول للشارع دعمًا للأحزاب أمر مفهوم، مرجحًا نزول الشعب فقط دفاعًا عن قوت يومه وحول مسائل اقتصادية معيشية لا غير.

وواصل نبيل حجي حديثه لـ"الترا تونس" بالقول "قراءتي هي أن قيس سعيّد لن يكمل 2022 رئيسًا للجمهورية"، مفسرًا ذلك بانفجار الوضع على جميع الأصعدة، بين تشنج سياسي كبير ومؤسسات يقع حلها، ووضع اقتصادي واجتماعي مترد، وغلاء معيشة، بالإضافة لأزمة تمويل الميزانية.. كل هذا سينفجر قريبًا في وجه الجميع فالبلاد لن تصمد أكثر"، على حد تعبيره.

نبيل حجي لـ"الترا تونس": "قراءتي هي أن قيس سعيّد لن يكمل 2022 رئيسًا للجمهورية بالنظر لانفجار الوضع على جميع الأصعدة، بين تشنج سياسي كبير ومؤسسات يقع حلها، ووضع اقتصادي واجتماعي مترد، وغلاء معيشة، بالإضافة لأزمة تمويل الميزانية.."

وتحدث نبيل حجي عن ما اعتبرها "كذبة الزخم الكبير واقتناع الشعب برسالة رئيس الجمهورية"، مشددًا أن سعيّد يتعمد عدم المساس بحركة النهضة لكي تبقى بارزة في المشهد السياسي التونسي ويقتات من وجودها.

وبيّن الحجي نجاح قيس سعيّد في شق جميع الأجسام، وفق تقديره، بدء بالاتحاد العام التونسي للشغل وصولًا إلى المنظمات مروراً بجميع الأحزاب دون استثناء، كلها تعيش سردية "إما أن يصب الأمر في صالح سعيّد أو لصالح حركة النهضة"، حسب قوله.

ويقدر نبيل حجي أن الوضع غير سهل بالمرة، قائلاً "اليوم بالإمكان النزول للشارع والحديث في وسائل الإعلام.. لكن بعد قليل سأمنع من ذلك.. يقيني أني سأوضع في الإقامة الجبرية ويقع إيقافي لو صرحت بمثل هذا الحديث في الفترات المقبلة".

نبيل حجي لـ"الترا تونس": "اليوم بالإمكان النزول للشارع والحديث في وسائل الإعلام.. لكن بعد قليل سأمنع من ذلك.. يقيني أني سأوضع في الإقامة الجبرية ويقع إيقافي لو صرحت بمثل ما أقول الآن في الفترات المقبلة"

واستغرب حجي، خلال حديثه لـ"الترا تونس"، من الذين يعتقدون حقًا أن الرئيس التونسي قيس سعيّد سيسلم السلطة ويقوم بإجراء انتخابات في 17 ديسمبر،  قائلاً "هم مخطئون ومن يؤمن بذلك لا يعرف قيس سعيّد..".

ونبه إلى وجوب بلورة مشروع ورؤية على اعتبار إمكانية حدوث السيناريو الأسوأ، حسب قوله، وهو الانقلاب العسكري أو قدوم شخصية أخرى تجد البلاد دون مؤسسات قائمة ويكون الوضع أسوأ.

اقرأ/ي أيضًا: قرار إلغاء التجمعات قبل مظاهرات 14 جانفي.. هل توظف الجائحة سياسيًا في تونس؟

  • الباحث أيمن البوغانمي: حالة الخمول التي يعيشها الشارع هي لحالة الانفصال بين مطالبه ومطالب الأحزاب

حالة البرود التي يعرفها الشارع التونسي، كما يصفها الباحث في الشؤون الاقتصادية والاجتماعية أيمن البوغانمي، "كانت بسبب تجاوز المناخ الثوري فتأثير الشارع كان بما يثيره من مخاوف لدى السياسيين".

ويؤكد البوغانمي، لـ"الترا تونس"، أن تأثير النزول للشارع يضعف كل ما ابتعدنا أكثر عن لحظة الثورة، قائلاً إن الشعبية التي يحظى بها سعيّد على الرغم من تراجعها إلا أنها لم تصل إلى حد الانقلاب ضده، وهو حسب تعبيره الشيء الوحيد الذي لا يزال يحمي سعيّد من غضب الشارع.

وفسر البوغانمي حالة الخمول التي يعيشها الجزء الأكبر من الشارع  التونسي بالانفصال بين مطالب "الشعب والأحزاب". فالشعب تخلى، حسب البوغانمي، عن مطلب الديمقراطية وأصبحت المسائل الاقتصادية والاجتماعية أولويته، في مقابل سعي الأحزاب العودة للمسار الديمقراطي.

الباحث أيمن البوغانمي لـ"الترا تونس": السلطة مركزة عند الرئيس التونسي الآن وقد أصبحت عاجزة عن التعبئة ولكنها قادرة على الفعل، في مقابل المعارضة التي تمتلك القدرة على التعبئة دون امتلاك وسائل الفعل السياسي

وأضاف البوغانمي أن قيس سعيد فقد هو أيضًا الكثير من قدرته على التعبئة، على اعتبار عدم استجابة الشارع لدعواته يوم 17 ديسمبر ويوم 6 فيفري، وكانت الأقل استجابة والأضعف منذ 25 جويلية الماضي.

وختم حديثه لـ"الترا تونس" بالقول إن السلطة مركزة عند الرئيس التونسي الآن وقد أصبحت عاجزة عن التعبئة ولكنها قادرة على الفعل، في مقابل المعارضة التي تمتلك القدرة على التعبئة دون امتلاك وسائل الفعل السياسي، ما يتركها أمام حتمية انتظار حدوث تغيير تحت الضغط الاقتصادي والاجتماعي المتزايد الذي قد يؤدي للاحتقان والنزول للشارع.



 

اقرأ/ي أيضًا:

أحزاب ومنظمات في تونس تتجه بخطى ثقيلة لإجراء "حوار وطني مشروط"

تقارير دولية تتعرض لخطر "انهيار الدولة" في تونس.. قراءات ومحاولات للفهم