12-مايو-2022
شيرين أبو عاقلة

طريق الخلاص يحرسه صحفيون وصحفيات كشيرين أبو عاقلة (عصام الريماوي/الأناضول)

مقال رأي

 

تدخل على محرّك البحث غوغل. دقائق بعد اغتيال الصحفية شيرين أبو عاقلة. مئات الصحف الإلكترونية ووسائل الإعلام العربية والدولية التي تنقل الخبر وتدين وتندّد. على صفحات التواصل الاجتماعي، يتفّق الجميع أنّ الجرم فضيع وأنّ شيرين ضحيّة غطرسة الاحتلال. بداهة الأمر لا تتطلّب إجراء تحقيق – لن تُكشَف تفاصيله.

الصحفيّة شيرين أبو عاقلة مثّلت تهديدًا لا بما تقوله فقط بل أيضًا بحضورها في الميدان بجسدها. لذلك قتلت رغم ارتدائها لسترة كانت تدلّ على وظيفتها

لكن اللافت أنّنا لم نخرج من بوتقة الطابع المناسباتي للتعامل مع الأحداث بعبارة المفكّر الفرنسي رولان بارت. اغتيال شيرين يعود بِنَا إِلَى دائِرَة نقاشٍ تغمُرها أمواجُ تَسَارُعِ اليومي بتفاصيله ثمّ سرعان ما تطفو بلون ورائحة الدّم. شيرين أعادت، مرّة أخرى، قضية وضعيّة الصحافة عمومًا وصحافة الميدان بشكل خاص.

لا يتعلّق الأمر بالتّأبين أو الوعيد. لنواجه الواقع كما هو. هل ينتظر من الكيان الصهيوني أن يعترف باستشهاد شيرين أبو عاقلة؟ يبدو أنّ الأمور محسومة سلفاً لنظام عنصريّ يهجّر ويفرّق ويقتل بشكل يوميّ. فالمتمعّن في الأمور بشكل رصين، يتأكّد أنّ حريّة الصحافة تخضع لمقاييس محدّدة على مقاس القوى الإقليمية والسياقات الدوليّة.

 

 

موجات التنديد بمقتل شيرين أبو عاقلة لن تتجاوز صفحات العالم الافتراضي وفي أفضل الأحوال ستظلّ حبيسة جلسات ومنظومة راكدة قائمة على الخطابة وممعنَة في التنظير مقابل عدوّ مرّ إلى السرعة القصوى منذ عشرات السنين.

والحقيقة أنّ عبثيّة الوضعيّة - الخاضعة إلى تفضيل دول على حساب دول أخرى (ومواطنين على حساب مواطنين آخرين) – يمكن أن تجعلنا كصحفيّين أمام إحراج حقيقي. فنحن جيش من العزّل سلاحه الكلمة أو القلم في مجابهة ترسانة حرب مستعدّة للتّدمير في أيّ وقت. من جهة، نكون -كصحفيّين – مندّدين بما حصل من خلال المقالات والبرامج في وسائل الإعلام بكلّ أنواعها. لكن عندما يتوقّف أحد وينظر في أمره، هل يمكن أن يغيّر هذا شيئاَ ما؟

عبثيّة الوضعيّة - الخاضعة إلى تفضيل دول على حساب دول أخرى (ومواطنين على حساب مواطنين آخرين) – يمكن أن تجعلنا كصحفيّين أمام إحراج حقيقي

لا نعلم. فهي رحلة طويلة لافتكاك حريّة وتخليص شعوب من الخوف والوهم. طريق الخلاص يحرسه صحفيون وصحفيات كشيرين أبو عاقلة. صحيح أنّ الأمور لم تتغيّر على أرض الواقع – على الأقل حينيّا – لكن كل من يمتهن الصحافة مُطالَبٌ باستشراف الأمور، وما أن تشرئبّ الأعناق حتّى تظهر نهاية النّفق.

شيرين أبو عاقلة، عاشت لهذه المهنة واستشهدت وهي تمارِسُهَا. قدرها كان مرتبطًا بتسليط الضوء على الأحداث وتفسيرها مع نقل الخبر بكلّ أمانة. يغيّر اغتيال شيرين ربّما عقليّات البعض وربّما يقنع البعض الآخر بقداسة الصحافة ونبلها. نعم، اغتيال شيرين يمكن أن يكون حدثًا يغير مصير جزء من جيل ينتظر أن يكون له قدوة وسط ضجيج وسائل التواصل الاجتماعي ومجتمعِ استهلاك في ذروته.

اغتيال شيرين يمكن أن يكون حدثًا يغير مصير جزء من جيل ينتظر أن يكون له قدوة وسط ضجيج وسائل التواصل الاجتماعي ومجتمعِ استهلاك في ذروته

ولا يمكن أن نغفل بأيّ حال من الأحوال عن الحروب الرّمزيّة التي تخوضها الصحافة العربيّة منذ عقود. فيما يتعلّق بالوضعية في الكيان الغاصب، ربحت الصحافة العربيّة كل المعارك. ذلك أنّ الأمر لا يتعلّق بالخبر والكتابة. صحافة المقاومة، كما كانت تمارسها شيرين، فيها نزعة لإقحام الجسد كعنصر من عناصر الوقوف في وجه الطغيان.

ههنا، يمكن أن نخلص إلى أنّ الصحفيّة شيرين أبو عاقلة مثّلت تهديدًا لا بما تقوله فقط بل أيضًا بحضورها في الميدان بجسدها. لذلك قتلت رغم ارتدائها لسترة كانت تدلّ على وظيفتها. ستكون شيرين حاضرة دائمًا وصدى صوتها يتردّد في كلّ الأذهان. قتلوها فخلّدوهَا.