26-فبراير-2020

من أبرز أعلام النضال النسوي في تاريخ تونس

 

وأنت تجول في أروقة الذاكرة النسوية التونسية، يأسرك نور منبعث من سراج وهّاج، نور أزال بعضًا من العتمة في الماضي ولم يمنعه الزمن من الامتداد إلى الحاضر ومعانقة المستقبل أيضًا، هو نور المناضلة النسوية راضية الحدّاد.

هي امرأة تحمل هموم النساء في قلبها وتعلي راية النسوية حيث ما مرّت، امرأة تحدّت كل الظروف وكل الصعاب وتحدّت الرئيس التونسي الراحل الحبيب بورقيبة دون أن تتخلى يومًا عن فلسفتها القائمة على تغيير الواقع وإصلاحه.

غادرت راضية الحداد هذا العالم سنة 2003 عن عمر يناهز الواحدة والثمانين سنة إلا أنّها تركت وراءها تاريخًا من النضال يقف حاجزًا بينها وبين النسيان

والمناضلة التي قدمت إلى هذا العالم سنة 1922 نشأت في عائلة بورجوازية محافظة ومتطوّرة في نفس الوقت إذ كان والدها مسؤولًا في جمعية"الناصرية والخيرية" وباني جامع في منطقة العمران حيث كانوا يقيمون، أما أمّها فترعرت في وسط ديني كما جاء في مذكراتها "حديث امرأة".

اقرأ/ي أيضًا: تاريخ الفكر النسوي بتونس: كيف أثّرت حركة ماي 68 في بروز النسوية؟

خمس سنوات بعد ولادتها، تنال راضية الحدّاد حظوة الالتحاق بالمدرسة الفرنسية بـ"فرانس فيل" لتحوز الشهادة الابتدائية في الثانية عشرة من عمرها وتقعد بالبيت وتتلقّى دروسًا في اللغة العربية من قبل معلّم يحضر إليها قبل أن تتزوّج في الثامنة عشرة من ابن خالتها حمودة الحداد، وفق ما ضمّنته في مذكّراتها.

والمرأة التي كفرت بكلّ أشكال الوصاية رفضت "السفساري" وغطاء الرأس عند الخروج قبل أن تذعن لضغط العائلة. وفي سوسة حيث كان زوجها وحبيبها يعمل في ديوان الحبوب، كانت راضية الحدّاد تنسج ملامح عائلة ستكون لها سندًا في مسيرتها النضالية.

وإن غادرت هذا العالم سنة 2003 عن عمر يناهز الواحدة والثمانين سنة إلا أنّها تركت وراءها تاريخًا من النضال يقف حاجزًا بينها وبين النسيان، كما تركت مذكّراتها التي كتبتها باللغة الفرنسية وباحت فيها بتجربتها المتفرّدة في النضال النسوي.

وراضية الحدّاد لم تستسلم لكل القيود التي تكبّل المرأة وجسدها وفكرها في ذلك الوقت، وإنّما ساءلت واقعها بأبعاده السياسية والاجتماعية والثقافية، وأوجدت طرحًا جعلها تثور على السائد والنمطي وتمضي نحو إعلاء مكانة المرأة متحدّية كل تجلّيات الذكورية المقيتة.

والعمر الذي أفنته في ملاحقة الحقوق لم يشفع لها عند الحزب الحاكم إذ لم تخل مسيرتها النضالية من المتاعب التي تجلّت إثر مؤتمر الحزب الاشتراكي الدستوري سنة 1971 حينما انساقت مع تيّار أحمد المستيري

والمرأة التي لم تتعامل مع صوتها على أنه عورة، بل جعلت منه صوت كل النساء المهمّشات تحت مسمّيات عدّة فتجاوزت به كل الحدود وكانت أوّل برلمانية تونسية وترأست الاتحاد القومي النسائي التونسي عامين إثر استقلال تونس بعد أن خاضت النضال التحريري.

وامتدت مسيرتها النضالية على ثلاثة عقود، عقدان منها في حضن الحزب الحاكم إذ اُنتخبت عضوًا باللجنة المركزية سنة 1968 لتظلّ صلبها حتى سنة 1972، وهو ما ضمنته في شهادتها عن عملها السياسي والحقوقي.

"الاتحاد النسائي الإسلامي التونسي" و"حبيبات الكشافة" هما من عناوين نضال راضية الحداد الحقوقي والمدني، وكانت فيهما امتداد لفكرها النسوي وهي التي لم تدّخر جهدًا لبعث هياكل مدنية نسائية وشبابية وفيّة لتصوّراتها التي تقوم على الارتقاء بوضع المرأة.

اقرأ/ي أيضًا: يسرا فراوس: يجب تحرير الجسد بتونس وهذا موقفنا من أحكام الشريعة الخاصة بالنساء

والعمر الذي أفنته في ملاحقة الحقوق لم يشفع لها عند الحزب الحاكم إذ لم تخل مسيرتها النضالية من المتاعب التي تجلّت إثر مؤتمر الحزب الاشتراكي الدستوري سنة 1971 حينما انساقت مع تيّار أحمد المستيري.

وسنة 1973 رُفعت الحصانة البرلمانية عن الحدّاد وغادرت المجلس بعد فصلها من كل أنشطة الحزب الاشتراكي الدستوري في مارس سنة 1974 تاريخ بدء التضييقات الأمنية والملاحقات القضائية حتّى أنها اتهمت بـ"الإثراء غير المشروع".

والتضييقات والملاحقات كانت بعضًا من الحكايا التي ترويها في مذكراتها "حديث امرأة" التي نشرها المعهد الأعلى لتاريخ الحركة الوطنية ومركز البحوث والدراسات والتوثيق والإعلام حول المرأة (الكريديف) سنة 1993، حتّى انّ ابنتها نائلة الحداد تقول في تقديمها لهذه المذكرات إنها مُنعت من النشر إلى جانب هرسلة صاحبتها والتضييق عليها.

وهي تقدّم كتاب والدتها في تكريمها من قبل "الكريديف" في فيفري/شباط 2020، تسرد نائلة الحداد أحداثًا وأفكارًا ومواقف عايشتها المناضلة راضية الحدّاد كان للزمن البورقيبي نصيب الأسد منها دون إغفال المسيرة الحقوقية التي كانت تسير بالتوازي مع المسيرة السياسية.

كانت التضييقات والملاحقات بعضًا من الحكايا التي ترويها في مذكراتها "حديث امرأة" التي نشرها المعهد الأعلى لتاريخ الحركة الوطنية و"الكريديف" سنة 1993

وعن المسيرة النضالية لرائدة النسويات في تونس، تستحضر مديرة مركز البحوث والدراسات والتوثيق والإعلام حول المرأة "الكريديف" نجلاء العلاني، إسهامها في تحقيق المشروع البورقيبي وإثرائه عبر جولاتها في جهات مختلفة من الجمهورية التونسية بغية التعريف بمجلة الأجوال الشخصية ناهيك عن التنظيم العائلي ومشاريع تخص الفتاة الريفية.

وأمّا وزيرة المرأة والأسرة والطفولة وكبار السن حينها نزيهة العبيدي، التي حضرت تكريم راضية الحدّاد، فتحدّثت عن دورها في بناء تونس الحديثة لا سيّما في فترة رئاستها للاتحاد الوطني للمرأة التونسية إذ لم تدخر جهدًا في الدفاع عن حقوق المرأة إلى جانب إسهامها في محو الأمية من خلال برامج تعليم الكبار آنذاك.

ومن جهتها، ذكّرت رئيسة الاتحاد الوطني للمرأة التونسية راضية الجربي بما عاشته المناضلة من صراعات لبناء الدولة الحديثة وما واجهته من عقاب واتهامات لمواقفها السياسية، وهو ما مثّل محاولة لعرقلة الحركة النسوية آنذاك، محاولة تجاهلتها راضية الحداد ومضت في دربها لتكون سراج النسوية الوهاج.

 

اقرأ/ي أيضًا:

نساء مستقلات: لقد أصبحنا الرجال الذين كنا نريد أن نتزوج!

الحركة النسوية..بين الأبوة السياسية والحنين للماضي