18-نوفمبر-2020

المقرّر المساعد للجنة المالية في البرلمان

قدمت الحكومة مؤخرًا نسخة جديدة من قانون المالية التعديلي لعام 2020 وذلك بعد سحب النسخة الأول بطلب من لجنة المالية والتنمية والتخطيط في البرلمان، باعتبارها نسخة غير قابلة للتطبيق خاصة بالنظر للسقف المرتفع للاقتراض الداخلي.

وأعاد مشروع القانون النقاش بين خبراء الاقتصاد والفاعلين السياسيين حول مسألة استقلالية البنك المركزي وسط تساؤلات عن دور البنك في دعم مجهودات الدولة لمجابهة فيروس كورونا وبالخصوص مخلّفاتها المالية.

هشام العجبوني: طلبنا من الحكومة تقديم تقديم نسخة لقانون المالية التكميلي تكون قريبة من الواقع وقابلة للإنجاز والتطبيق

إذ بينما يطالب فريق البنك المركزي بتحمّل مسؤولياته في تمويل المالية العمومية، يتمسّك فريق آخر باستقلالية البنك المركزي حتى لا يصبح أداة تستخدمها الحكومة لأغراضها السياسية. وقد قدمت الكتلة الديمقراطية، في هذا السياق، مقترح قانون لتعديل قانون البنك المركزي.

حول جملة هذه المسائل الاقتصادية، أجرى "ألترا تونس" حوارًا مع النائب عن الكتلة الديمقراطية والقيادي في التيار الديمقراطي والمقرّر المساعد للجنة المالية هشام العجبوني. 

اقرأ/ي أيضًا: المشيشي وسياسة الهروب إلى الأمام في مواجهة مأزق عجز الميزانية

ما جديد قانون المالية التكميلي؟

أوضح هشام العجبوني، في بداية حديثه معنا، أن مشروع قانون المالية التعديلي الجديد للعام 2020 خفّض نسبة العجز من 13.4 إلى 11.4 في المائة، مذكرًا أن لجنة المالية هي من طلبت من الحكومة "تقديم نسخة أخرى قريبة من الواقع وقابلة للإنجاز والتطبيق".

وأضاف أن التراجع بنقطتين في العجز لا يُعلم إن تحقق بفضل مداخيل جبائية بحوالي 300 مليون دينار أو بتأجيل بعض نفقات الدعم المتعلقة بالسنوات الماضية إلى سنة 2021 أو 2022 بقيمة حوالي 1750 مليون دينار تقريبًا، معلقًا "مازلنا لا نعلم".  وأوضح أن الحاجة للاقتراض الداخلي تراجعت من 10.3 إلى 8.1 مليار دينار، والحال أن البنك المركزي أكد أن عمق السوق المالية التونسية لا يسمح بتعبئة هذا المبلغ الضخم، مبينًا أنّ البنك يمكنه التدخل في حدود 3  أو 3.5 مليار دينار، ليظلّ ينقصنا 4.6 مليار دينار، وفق تأكيد محدثنا.

هشام العجبوني: قامت الدولة مؤخرًا بإصدار رقاع خزينة بقيمة 1 مليار دينار لكنها لم تنجح في تعبئة كلّ المبلغ ونجحت فقط في تعبئة 762 مليون دينار فقط

وأضاف أنّ "المعلومة السيئة هو إصدار الدولة رقاع خزينة آخر الأسبوع الماضي بقيمة 1 مليار دينار لكنها لم تنجح في تعبئة كلّ المبلغ ونجحت فقط في تعبئة 762 مليون دينار فقط، وهو مؤشر سلبي، يعني أنّ السوق المالية غير مستعدة للتفاعل مع سندات خزينة أو رقاع خزينة تصدرها الدولة في ظرف شهر فقط". واصل العجبوني: "إذ لو تعجز الدولة عن تعبئة مليار دينار، لا نعلم كيف لها أن تقدر على تعبئة 8.1 مليار دينار، أمر يبدو صعب جدًا في الفترة المقبلة".

يُذكر أنه بخصوص النسخة الأولى من المشروع الحكومي، أشار محافظ البنك المركزي التونسي مروان العباسي أمام أعضاء لجنة المالية في البرلمان، إلى أنّ أنه "يتضمن عجزًا يفوق بكثير تداعيات جائحة كورونا، وهو ما يتطلب إفراطًا في الاقتراض الداخلي في وقت وجيز". واعتبر أن لجوء الحكومة للاقتراض الداخلي يُسلط "ضغطًا عاليًا من قبلها على السيولة المالية" عوض توجيهها لدفع الاستثمار والتشغيل، ودعا الحكومة لمراجعة مشروع قانون المالية التعديلي باتجاه خفض الإنفاق بدل التداين.

وقد ذكر البنك المركزي، في بيان له، أن اللجوء إلى التمويل الداخلي، وفق المشروع المقدّم، سيصل إلى 14.3 مليار دينار (5.20 مليار دولار أميركي) في مشروع قانون المالية التعديلي مقابل 2.4 مليار دينار (870 مليون دولار) حسب قانون المالية الأصلي وهو ما سيكون له تداعيات سلبية على التوازنات الاقتصادية، وفق البنك المركزي.

ضرورة الحل الجذري لأزمة المالية العمومية

يتحدث العجبوني لألترا تونس: "هناك صعوبة في الحقيقة للمصادقة على قانون المالية التعديلي سنة 2020 وكذلك لقانون المالية لسنة 2021. فعندما تكون هناك أزمة في قانون المالية التعديلي يعني سيقع ترحيلها إلى السنوات المقبلة، لذا أنا وصفت قانون المالية التعديلي بقانون ترحيل الأزمة. يعني مثلما فعل ذلك يوسف الشاهد في حكومته التي قامت بعمليات تجميل الأرقام وحاولت إيهام الرأي العام والفاعلين الاقتصاديين أنّها تحكمت في عجز الميزانية بـ3 في المائة. وقد قلنا أنّ هذا العجز غير صحيح ووهمي، وأنّ العجز أكبر من ذلك. وقد أسقطنا قانون المالية التعديلي لسنة 2019 في المجلس، وكنا مضطرين إلى إعادة التصويت لتغيير فصل فقط. وهذا ما قامت به الحكومة. ونحن كنا في المعارضة الكتلة الديمقراطية وصوتنا معه لأنّه يوجد 200 مليون دينار تقريبًا منحة العودة المدرسية، وكنا مجبرين على المصادقة عليها حتى يقع صرفها للأستاذة الذين انتظروا لعدّة أشهر". 

هشا العجبوني: لم نجد حلولًا جذرية لمسألة المالية العمومية نتيجة لغياب الإصلاحات الكبرى

وأكد العجبوني ضرورة الحل الجذري لأزمة المالية العمومية قائلًا: "دائمًا ما يقع تأجيل الأزمات ولم نجد حلولًا جذرية لمسألة المالية العمومية نتيجة لغياب الإصلاحات الكبرى التي تحدثنا عنها منذ سنوات منها إصلاح المنشآت العمومية ومنظومة الدعم والإصلاح الجبائي والصناديق الاجتماعية والتجارة الموازية، أي جميعها يجب أن تحدث فيها عملية إصلاح جذرية حتى نتمكن في السنوات المقبلة من أن نحقق توازنًا في المالية العمومية ولا نلجأ إلى المديونية".

كما أضاف عضو لجنة المالية أنّ "مشكلتنا اقتصادية بالأساس ومشكلة حوكمة لأنّ اقتصادنا غير قادر على خلق ثروة. فعند خلق ثروة ونمو حينها المداخيل الجبائية ترتفع. ولكن نحن لم نحاول مراجعة المنوال الاقتصادي التونسي حتى يصبح خالقًا للثروة، ولكن حاولنا الترفيع في الضغط الجبائي لأنه كانت هناك عديد الطلبات الاجتماعية ورفعنا في الضغط الجبائي بطريقة كبيرة وقمنا بإدخال مداخيل جبائية على حساب النمو وعلى حساب ديمومة المؤسسة الاقتصادية خاصة الصغرى والمتوسطة. وبالتالي الحلول الظرفية والترقيعية لا يمكنها أن تعالج المشاكل الهيكلية. والوضع اليوم صعب جدًا بالفعل وينذر بانفجار اقتصادي واجتماعي خلال النصف الأول من السنة المقبلة".

"قلب تونس" يضغط على الحكومة في مقابل تعيينات؟

على صعيد متصّل، اعتبرنا محدثنا، المنتمي للكتلة الديمقراطية المعارضة لحكومة المشيشي، أن حزب "قلب تونس" عبّر عن رفضه لقانون المالية التعديلي معقبًا "أنا أعتقد شخصيًا أنّه ليس موقفًا مبدئيًا، وهو يأتي في إطار الضغط على الحكومة في مقابل تعيينات، وفي مقابل تحوير وزاري أي عملية ابتزاز. مثلما تعود ذلك نبيل القروي وحزبه".

اقرأ/ي أيضًا: حوار| محمد صالح العياري (خبير جبائي): هذه الإجراءات اللازمة للإصلاح الجبائي

حول مبادرة تعديل القانون الأساسي للبنك المركزي

لسدّ العجز عبر تمويل خزينة الدولة من طرف البنك المركزي، تقدمت الكتلة الديمقراطية بمقترح قانون لتعديل الفصل 25 من القانون عدد 35 لسنة 2016 المؤرخ في 25 أفريل 2016 والمتعلق بضبط النظام الأساسي للبنك المركزي، في اتجاه فسح المجال أمام البنك المركزي لتمويل خزينة الدولة بنسبة معينة ومحددة في القيمة والمدّة. وتتضمن مبادرة الكتلة الديمقراطية التنصيص على أنه "يُمكن للبنك المركزي أن يمنح لفائدة الخزينة العامة للدولة اعتمادات مكشوفة على الحساب الجاري في حدود مبلغ يساوي أقصاه 5 في المائة، من الناتج القومي الخام، وألا تتجاوز مدته الجملية 240 يومًا غير متتالية أثناء سنة كاملة.

وفي هذا الصدد، أوضح هشام العجبوني أنّ هذا التعديل يسمح للبنك المركزي بإعطاء تسهيلات للحكومة ملاحظًا "البنك المركزي ليس من دوره تمويل عجز الميزانية، ولكن الدور الأساسي للبنك المركزي هو التحكم في التضخم والمحافظة على سعر صرف الدينار وعلى التوازنات المالية الكبرى".

هشام العجبوني: اقترحنا أن يقوم البنك المركزي بتسهيلات لصالح خزينة الدولة على أن لا تتجاوز 5 في المئة من الناتج الداخلي الخام أو 20 في المئة من المداخيل الجبائية للسنة الماضية

وواصل: "تمويل عجز الميزانية بمبلغ ضخم دون أن يقابله إنتاج للبضائع والسلع والخدمات يعطي منحى تضخمي ويتسبب في انزلاق سعر صرف الدينار، ويزاحم الشركات الصغرى والمتوسطة في مستوى التمويل. يعني لا يمكننا تمويل الاستثمارات والاستهلاك لأنّ الدولة هي التي ستتحصل على الأموال التي سيصدرها البنك المركزي. واقتصادنا ليس بالمتانة التي تسمح لنا بضخ مبالغ ضخمة واقتراض داخلي دون خلق ثروة في المقابل. وهو ما حذّر منه البنك المركزي".

كما أكد محدثنا أنّ القانون الأساسي للبنك المركزي أشار في الفصل 25 إلى أنّه "يُمنع أن تقوم الدولة بالاقتراض مباشرة من البنك المركزي" مضيفًا "لذلك قمنا بتنقيحه، وقلنا أنّه استثنائيًا يمكن أن يمنح البنك المركزي تسهيلات لصالح خزينة الدولة على أن لا تتجاوز 5 في المئة من الناتج الداخلي الخام، أو 20 في المئة من المداخيل الجبائية للسنة الماضية. ويسمح ذلك بضخ تقريبًا حوالي 5 أو 6 مليار دينار في السنة على أن ترجع الدولة كل المبلغ في ظرف 240 يومًا. يعني لا يمكن منحها قروض والسماح لها بإرجاعها متى تريد ذلك، بل إقراضها مباشرة دون المرور على البنوك التجارية، ولكن على الدولة أن تكون قادرة على إرجاع المبلغ في وقت محدد. وهذا هو المقترح المقدم ونحن استأنسنا بقوانين البنوك المركزية في المغرب ومصر وغيرها والتي تسمح بضخ هذه التسهيلات".  وأكد النائب عن الكتلة الديمقراطية أنه تم استعجال النظر في التعديل وسيقع تقديم هذا القانون إلى لجنة المالية في أقرب وقت.

 

اقرأ/ي أيضًا:

تونس واتفاقيّة الأليكا.. من نحن وماذا نريد أن نكون؟ (1 - 3)

تونس واتفاقيّة الأليكا.. من نحن وماذا نريد أن نكون؟ (2 - 3)

تونس واتفاقيّة الأليكا.. من نحن وماذا نريد أن نكون؟ (3 - 3)