24-يناير-2020

رئيس الاتحاد التونسي للفلاحة والصيد البحري (ألترا تونس)

 

يعدّ قطاع الفلاحة قطاعًا حيويًا وإستراتيجيًا، وركيزة لا يُستغنى عنها في اقتصاديات الدول، وهو حجر الأساس لضمان الأمن الغذائي، وتزخر تونس بتنوّع منتوجاتها الفلاحية. إذ تُعتبر الفلاحة في بلادنا ضلعًا محوريًا في الاقتصاد المحلي، غير أنه تُوجه الانتقادات لغياب إستراتيجية واضحة للدولة لتطوير القطاع الفلاحي وتثمينه، وذلك على ضوء المشاكل التي يعانيها الفلاح التونسي سواء كان الإنتاج وفيرًا أو قليلًا.

في هذا الجانب، حول مشاكل القطاع الفلاحي بالخصوص في قطاعات زيت الزيتون والحبوب والحليب، وحول الانتظارات من الحكومة الجديدة لتطوير هذا القطاع، وبخصوص الموقف من اتفاقية "الأليكا" وحول ملفات أخرى إجمالًا، أجرى "ألترا تونس" حوارًا مع رئيس الاتحاد التونسي للفلاحة والصيد البحري عبد المجيد الزار الذي حدثنا عن استهداف الدولة، عبر سياساتها، للمنتج الفلاحي المحلي، وعن فسحها المجال أمام لوبيات التوريد، وفق تأكيده. وفيما يلي نص الحوار:

اقرا/ي أيضًا: من "الشتيوي" إلى "البركة".. فلاح عصامي يقود معركة حماية البذور التونسية


  •  ماهي انتظاراتكم من رئيس الحكومة المكلف خاصة وأنكم أبديتم ارتياحكم لتكليفه؟

المشكلة ليست مشكلة أشخاص بقدر ما نتحدّث دائمًا عن الكفاءة والبرامج والآفاق. وعبرنا في بيان المكتب التنفيذي عن انتظاراتنا من أجل تشكيل حكومة قوية وقادرة على مواجهة التحديات وتغيير منوال التنمية باعتبار القطاع الفلاحي هو المحور والحلّ، مع ضرورة الاهتمام الكبير بهذا القطاع وفضّ مشاكله وفتح الآفاق أمامه.

  • ماهو تقييمك للاعتمادات المالية المرصودة لقطاع الفلاحة في قانون المالية 2020؟

الاهتمام بقطاع الفلاحة هو الأصل لأننا نرى تهميشًا لهذا القطاع، وهو لا يحظى بأهمية كبرى لا في ذهنية الحكومة ولا في خياراتها المترجمة على مستوى قانون المالية.

عبد المجيد الزار: قطاع الفلاحة مهمّش وهو لا يحظى بأهمية كبرى لا في ذهنية الحكومة ولا في خياراتها المترجمة على مستوى قانون المالية

في هذا القانون لا يوجد ما يهم الفلاحة وإن وُجد فهو ضئيل على غرار الحديث عن تخصيص 150 مليون دينار للجانب الاستثماري ولكن توجد تسويات لمستحقات في حدود 100 مليون دينار، وهذا لا يعبّر عن رغبة في النهوض بهذا القطاع. وبالتالي، لا بد من رسم إستراتيجية وتسخير الإمكانيات المادية لدعم الاستثمار وتثمين المنتوج الفلاخي.

وأذكّر أن تونس أمضت على اتفاقية تنص على تخصيص 10 في المائة من الميزانية للاستثمار الفلاحي، ولكن هذا غير مطبّق بتاتًا. 

ولا بدّ كذلك من رصد ميزانية معتبرة للبحث العلمي في قطاع الفلاحة أمام التحديات الكبرى والتغيرات المناخية والتكنولوجيات الحديثة من أجل تطوير حزمة الدعم لفائدة الفلاحين والبحارة ودفع الاستثمار لرفع الإنتاجية وتحسين القدرة التشغيلية.

  • هل تعتقد أن سياسة الدولة في ترشيد المنتوج الفلاحي الوطني فاعلة؟ كيف ذلك؟

بخصوص سياسة الدولة، نتساءل إن كان لديها خيار لحماية المنتوج التونسي.

نحن، في الحقيقة، نعتبر أن الدولة متخلية عن دورها في حماية المنتوجات الفلاحية التونسية بل تضرب المنتوج التونسي عبر التوريد المقنن وغير المقنن، ومنع التصدير وإجراءات عديدة تستهدف المنتوج المحلي وتجعل الإتلاف يتفاقم ما يؤدي إلى ضرب منظومات الإنتاج وتهديد اقتصاد البلاد وأمنها الغذائي.

  • في ضوء ما ذكرت، هل توافق البعض بأنها سياسة ممنهجة لصالح لوبيات المال والأعمال؟

لا نستطيع عنونة سياسة الدولة إن كانت ممنهجة أو غير ممنهجة، فبقطع النّظر عن التوصيف المهم أن الحاصل والنتيجة هو ضرب المنظومة.

عبد المجيد الزار: الدولة متخلية عن دورها في حماية المنتوجات الفلاحية بل تضرب المنتوج التونسي عبر التوريد المقنن وغير المقنن ومنع التصدير 

أعطي مثالًا، عندما تدعو وزارة الفلاحة الفلاحين إلى عدم زراعة البطاطا لقلة المياه لكن تقوم وزارة التجارة في موسم حصاد البطاطا بتوريد هذه المادة، ويتم رفض خزن البطاطا المحلية، فنحن كأننا أمام عملية تدفع الفلاح للخسارة وبالتالي الامتناع عن الإنتاج وهو ما يعني فسح المجال أمام لوبيات التوريد.

  • تابعنا مؤخرًا إفراد الفلاح في قطاع الزراعات الكبرى بتسهيلات للحصول على قروض، كيف تقيمون هذه الاجراءات؟

لا يوجد أي امتيازات، هي قروض موسمية بل بإخلالات كثيرة لأنها لا تُعطى في وقت الزراعة وتأخرها يجعل الفلاح يمرّ بصعوبات، وهي بمدة انتفاع قصيرة، ولا يمكن لكل الفلاحين الانتفاع بها لشروطها المجحفة. ونحن، في هذا الجانب، نطالب بمراجعة شروط منح هذه القروض وشروط تسديدها.

  • تابعنا عدة إشكالات تعلقت بقطاع الحبوب الذي يعدّ قطاعًا حيويًا، أي تقييم لتفاعل الوزارة مع تحديات موسم البذر الحالي؟

تراجعت نسبة البذور الممتازة ولا نفهم عدم تشجيع الدولة للفلاحين على زراعة البذور التي أثبتت التجارب جدواها وارتفاع إنتاجيتها بتعلة أنها ليست مدعمة. وهي تجعل الفلاح مجبرًا على اختيار البذور العادية. وأكثر من ذلك، سجلنا غياب مادتيْ "الديابي" خلال موسم البذر والآن نشهد غياب مادة "الأمونيتر".

مراسلة "ألترا تونس" مع رئيس الاتحاد التونسي للفلاحة والصيد البحري (ألترا تونس)

 

اقرأ/ي أيضًا: ما معنى أن تكون حبوب الكسكسي جزءًا من كرامة التونسي؟

  • نفت وزارة الفلاحة غياب "الديابي" واعتبرت أن الاستعمال عشوائي من الفلاحين لا يترجم حاجة الأرض الحقيقية للسماد، ما تعليقكم؟

إجابة وزارة الفلاحة في حد ذاتها تحمل الوزارة المسؤولية لأن مسؤوليتها القيام بالإرشاد الفلاحي لتوعية الفلاحين. وأكثر من ذلك، هل توفر الدولة مخابر تحليل التربة؟ هي لا توفر ذلك والحال أن هذه المخابر هي التي تحدد حاجة الأرض للسماد من عدمه وبأي كمية، وهذه خيارات الدولة بالنهاية.

  • يحتج المنتجون على انخفاض سعر زيت الزيتون ويطالبون الديوان الوطني للزيت بالتدخل لتعديل السوق، ماهو تقييمكم لتفاعل الديوان في هذا الخصوص؟  

 المفروض أن ديوان الزيت نشأ لحماية قطاع الزيتون وتحسين الإنتاجية وتثمين المنتوج، ولا يعقل أن يخرج عن دوره التعديلي. نحن نسجل ارتفاعًا في صابة الزيت مرة كل سنتين، ولكن نشهد الآن تضررًا للإنتاج في الموسم المقبل بسبب تأخر موسم الجني المتوقع إلى غاية شهر أفريل في حين أن الشجرة تستعد في شهر مارس للإزهار.

عبد المجيد الزار: تراجعت نسبة البذور الممتازة ولا نفهم عدم تشجيع الدولة للفلاحين على زراعة البذور التي أثبتت التجارب جدواها وارتفاع إنتاجيتها 

للأسف الدولة أيضًا في مجال الزيت لم تحدد آليات التدخل رغم معرفة وقت التدخل اللازم، والتأخير مقصود حتى يستفيد من يستفيد ويتضرّر الفلاح. وشهد هذا الموسم فسح المجال للوبيات التصدير في الزيتون والزيت، رغم أننا مع التصدير ونعتبرهم حلقة من حلقات المنظومة ولكن ليس بالتغول في هامش الربح على حساب الفلاح المنتج.

  • كيف يتصدى الاتحاد التونسي للفلاحة والصيد البحري لمنافسة المنتوجات الفلاحية المستوردة؟

  نحن نعتمد بالأساس على الجانب الإعلامي، ونتواصل مع رئاستي الجمهورية والحكومة لإبلاغ رؤيتنا لكن التفاعل غير موجود على هذا المستوى، على عكس وسائل الإعلام التي تبنت هذه القضايا ودافعت عنها.

  •  حذرتم مؤخرًا الفلاحين من المجازفة بزراعة الطماطم الفصلية المعدّة للتّحويل إلا بالتزام المصّنعين بقبولها بسعر 218 م /كغ، كيف حددتم هذا السعر المرجعي؟ وكيف يمكن ان يكون هذا الالتزام برأيكم؟

حددنا السعر المرجعي استنادًا على رأي خبراء في هذا القطاع الذين حدّدوا السعر بالنّظر إلى تكلفة الانتاج، وبما هو متوفر لدينا للمواسم السابقة والأسعار الحالية للمدخلات ومعدّل الإنتاج.

والسعر المرجعي يقع بموجب اتفاق بين الاتحاد التونسي للفلاحة والصيد البحري واتحاد الصناعة والتجارة والصناعات التقليدية، وهو محدّد لمدة 3 سنوات وهو الآن منتهي الصلاحية.

اقرأ/ي أيضًا: تونس.. أين تهدّد كلفة الإنتاج والاستيراد الأمن الغذائي

  • ما هو موقف اتحاد الفلاحة من مفاوضات "الأليكا" التي يحذر مراقبون من آثارها السلبية على قطاع الفلاحة خصوصًا؟ وماهي نقاط تحفظكم على وجه الخصوص؟

نحن نرفض اتفاقية "الأليكا" لأننا نعتبر أن القدرة التنافسية غير متكافئة بين الفلاحين في تونس وفي الاتحاد الأوروبي على مستوى الدعم والحزمة الفنية والتكنولوجيات، لذلك نادينا بالنهوض بهذا القطاع.

عبد المجيد الزار:  نرفض اتفاقية "الأليكا" لأننا نعتبر أن القدرة التنافسية غير متكافئة بين الفلاحين في تونس وفي الاتحاد الأوروبي

كما أن هناك جوانب أخرى خاصة منها أن مواطني الاتحاد الأوروبي لديهم حرية الدخول الى تونس فيما يفرض على المواطنين التونسيين والعاملين في القطاع الفلاحي تأشيرة الدخول.

  • يعرف قطاع إنتاج الحليب أزمة متفاقمة طيلة السنوات الأخيرة وسط تصاعد ظاهرة بيع صغار المربين لأبقارهم، ماهي الحلول المقترحة من اتحاد الفلاحة لتجاوز أزمة هذا القطاع؟

أمضينا، في هذا الإطار، اتفاقية شراكة مع الحكومة منذ أفريل الماضي ولم يقع تفعيلها إلى اليوم، وهي اتفاقية تعالج ملف قطاع الحليب من الأعلاف إلى دعم الاستثمار لإعادة بناء القطيع ثم الأسعار. وأشير إلى أن الأعلاف هي أهم جزء في تكلفة الحليب خاصة في ظلّ تصاعد أسعار العلف.

  • تحدثت في عديد المناسبات على تسجيل نسب مهمة من إتلاف المنتجات الفلاحية بما في ذلك الحيوانية في تونس. ماهو سبب ذلك والحلول لتجاوز معضلة الاتلاف؟ 

عندما يجد الفلاح نفسه يتكبد خسارة يفضل عدم جني الزيتون وهو إتلاف للمنتوج، وفي الحليب أيضًا كثرة الإنتاج التي لا تستوعبها المصانع تؤدي بالضرورة إلى الإتلاف، وكذلك الأمر بالنسبة للغلال الصيفية خاصة. والسبب يعود لمنع التصدير، وغياب إستراتيجية ورؤية لإعطاء المنتوجات الفلاحية قيمة مضافة من خلال الخزن أو التحويل.

عبد المجيد الزار: نحن نهتم أكثر بالفلاحين الصغار ونستمع لمشاغلهم، والمنظمة تضم كل القطاعات وكل الفلاحين كبارا كانوا أو متوسطين أو صغارًا

  •   هناك اتهامات لاتحاد الفلاحة والصيد البحري أنه اتحاد "الفلاحين الكبار" وأنه لا يهتم بالفلاحين الصغار. ما ردكم على هذه الاتهامات؟

 بالعكس، نحن نهتم أكثر بالفلاحين الصغار ونستمع لمشاغلهم، والمنظمة تضم كل القطاعات وكل الفلاحين كبارا كانوا أو متوسطين أو صغارًا.

  • بالنسبة لقطاع الصيد البحري، كيف ترون تفاعل الدولة مع الإشكاليات التي يعانيها القطاع وأهمها المحروقات للبحارة وتجديد الأسطول؟

تتعامل الدولة بنفس العقلية ونفس المنطق مع كل القطاعات الفلاحية بما في ذلك قطاع الصيد البحري. هو تعامل لا يقوم على تحديد الاستراتيجيات والرؤى وتثمين المنتوج والتكنولوجيات ورفع تحديات الإنتاج والإنتاجية.  

 

اقرأ/ي أيضًا:

مبارك بن ناصر:القمح والزيتون تحيط بهما الأخطار وتهريب الجينات كارثي (حوار1/2)

مبارك بن ناصر: "الشملالي" و"الشتوي" أفضل مشاتل الزيتون في الكون (حوار 2/2)