01-نوفمبر-2018

الهيئة الوطنية لمكافحة الاتجار بالأشخاص تعتمد استراتيجية جديدة في مرافقة الضحايا

كشفت رئيسة الهيئة الوطنيّة لمكافحة الاتجار بالأشخاص روضة العبيدي عن حالات الاتجار بالأشخاص في تونس وعن طرق تفاعل الهيئة مع هذه الحالات.

وأعلنت العبيدي في حوار أجرته مع "الترا تونس" عن تبني استراتيجية جديدة في المرافقة القضائية للضحايا الذين تتعهدّ بهم هيئة مكافحة الاتجار بالأشخاص، مبرزة أنّ عمل الهيئة لا يتوقّف عند مرافقة الضحايا بل هي تعمل على إعادة إدماجهم في المجتمع عبر مسار مستحدث في الهيئة.

وفيما يلي نصّ الحوار كاملاً:


  • أعلنت هيئة مكافحة الاتجار بالأشخاص في شهر أوت/أغسطس الماضي أن عدد حالات الاتجار بالبشر بلغ 742 حالة، ماهي آخر الإحصائيات؟

من المنتظر أن يصدر التقرير السنوي للهيئة الذي ضم إحصائيات رسمية عن الاتجار بالأشخاص في تونس في 23 جانفي/كانون الثاني 2019، وهو تاريخ رمزي يتصادق مع تاريخ إلغاء العبودية والرقّ في تونس.

لا أريد أن أستبق الأمر لأنّه من غير الممكن تقديم جرد بعدد الحالات قبل التنسيق مع مختلف المتداخلين في هذا المجال من وزارات وتجميع إحصائياتهم وإحصائيات الهيئة، لكن نحن في الشهر نتلقى قرابة الـ50 إشعارًا عن حالات اتجار بالأشخاص لكن هذا وحده غير كاف لتحديدها.

روضة العبيدي: تمكنت الهيئة الوطنية لمكافحة الاتجار بالأشخاص من رصد 742 حالة اتجار بالأشخاص

وقد تمكنت الهيئة، وهي حديثة الإرساء، من رصد 742 حالة اتجار بالأشخاص رغم غياب التكوين في صفوف المعنيين بهذا المجال من العاملين في الوزارات ومندوبي حماية الطفولة والقضاة والأمنيين. وأصبح الآن المواطنون أكثر وعيًا بهذه الإشكالية وصاروا يشعِرون بمثل هذه الحالات كما أنّ الاجانب باتوا يتنقلون إلى مقر الهيئة ويبلّغون عن استغلالهم.

والحديث عن ارتفاع عدد حالات الاتجار بالأشخاص ليس مرتبطًا فقط بعمل الهيئة، فنحن نعمل مع كلّ مؤسسات الدولة وكل الوزارات المتداخلة في هذا المجال، ومن ثمّ نقوم بحوصلة الحالات سواء تلك التي يشمل فيها التعهد الحالة الصحية والاجتماعية أو اتخاذ مسار التقاضي.

اقرأ/ي أيضًا: حوارـ غازي الشواشي: الشاهد وظّف "أساليب غير ديمقراطية" لتكوين كتلته البرلمانية

  • كيف تتدخّل الهيئة في مسار التقاضي؟

نحن نساعد ضحايا الاتجار بالأشخاص في تكوين ملفاتهم، وفي الإعانة العدلية، ونوفّر لهم محامين. ونحن نتعامل في هذا المستوى مع منظمة "محامون بلا حدود".

 كما أنّنا تبنّينا طريقة جديدة في المسار القضائي، هي إضافة لعملنا، تتمثّل في إنجاز استراتيجية دفاع عن الضحية داخل الهيئة من خلال تجميع الأدلة والقرائن وذلك للتحضير مسبقًا للدفاع عنها.

  • هل تواصل الهيئة مرافقة الضحايا أم ينتهي الأمر عند مرحلة التقاضي؟

أخذت الهيئة على عاتقها إعادة إدماج ضحايا الاتجار بالأشخاص من خلال مساعدتهم على تركيز مشاريع خاصة بهم لتجنب عودتهم إلى الوضعية السابقة، وقد تعهّدت وزارة الشؤون الاجتماعية بوضعية إحدى الحالات التي تمكّنت من فتح محل حلاقة وتمكنت من خلق مورد رزق.

روضة العبيدي: أخذت الهيئة الوطنية لمكافحة الاتجار بالأشخاص على عاتقها إعادة إدماج ضحايا الاتجار بالأشخاص من خلال مساعدتهم على تركيز مشاريع خاصة بهم لتجنب عودتهم إلى الوضعية السابقة

وللهيئة برنامج ومسار كامل لإدماج 30 ضحية من بينها 4 ضحايا متحصلات على شهائد عليا، وذلك عبر تمكينهم من تركيز مشاريعهم الخاصة بإسهام منظمات دولية على غرار منظمة الهجرة الدولية، وهو ما يساهم في إعادة الأمل للضحايا والاطلاع على الجانب الآخر للإنسان.

ولن يتوقف هذا المسار عند الـ30 فتاة بل سيتواصل. وفي نجاح هذه المشاريع، حماية ودعم لضحايا الاتجار بالأشخاص، وكذلك نجاح لتونس في مكافحة هذه الظاهرة.

  • عند حديثك عن الإحصائيات الخاصة بحالات الاتجار بالأشخاص في تونس، تحدّثت عن عمل الهيئة بالتنسيق مع عدّة جهات أخرى. ماهي أوجه هذا التنسيق؟

نحن بصدد إجراء سلسلة من اللقاءات مع عدد من الوزراء في إطار تفعيل الاستراتيجية الوطنية لمكافحة الاتجار بالأشخاص والبحث عن مجالات تعاون مع الوزارات.

تواجه الهيئة الوطنية لمكافحة الاتجار بالأشخاص على سبيل المثال إشكالًا على مستوى إيواء الضحايا. لا تطرح الهيئة إمكانية تركيز مركز إيواء لهؤلاء الضحايا على اعتبار الكلفة ومحدودية عدد الضحايا، ولذلك انتهجنا سياسة الترشيد من خلال الاستفادة من إمكانيات بعض الوزارات. وفي هذا الجانب، طلبنا من وزير الشؤون الاجتماعية غرفة في كل مركز إيواء، وقمنا بالتنسيق مع وزارتي الشباب والرياضة والمرأة والطفولة والأسرة في علاقة بإيواء الضحايا وبالتحسيس بالاتجار بالأشخاص. وقد لاقينا تفاعلًا واستعدادًا للمساهمة في مكافحة الاتجار بالأشخاص.

روضة العبيدي:  نستعدّ لتنظيم حلقات ليلية مع الطلبة في المبيتات في كامل تراب الجمهورية تكون مرفقة بمحمل فيه معلومات على الاتجار بالأشخاص في شكل حاملة مفاتيح

كما قمنا بتركيز دورات تكوينية لمندوبي حماية الطفولة ومتفقدي الشغل ومكونات المجتمع المدني والإعلاميين والأمنيين بهدف التمكّن من هذا المجال على اعتبار أنّ بعض الجرائم أو الحالات الاجتماعية قد تخفي وراءها اتجارًا بالأشخاص.

وأنجزنا أيضًا دليلًا للقضاة في علاقة بهذا المجال لفهم أكثر لهذه الجرائم. ونحن نعكف على إعداد دليل للأمنيين، كما أنّنا نستعدّ لتنظيم حلقات ليلية مع الطلبة في المبيتات في كامل تراب الجمهورية تكون مرفقة بمحمل فيه معلومات على الاتجار بالأشخاص في شكل حاملة مفاتيح.

اقرأ/ي أيضًا: جنان الإمام: منابر دينية وإعلامية توظّف للحشد ضدّ الحق في الإجهاض (حوار)

  • لماذا اختارت الهيئة أن تكون حلقات النقاش في المبيتات؟

الطلبة معنيّون بقضايا الاتجار بالأشخاص وعدد من القضايا المطروحة على نظر الهيئة ضحاياها من خريجي الجامعة ممن غادروا تونس للعمل بعقود شغل وهمية وتعرّضوا للاستغلال الجنسي والاقتصادي.

كما أنه من المهم التحسيس بهذه المسألة نظرًا لتفاقم نسبة البطالة وبحث المتخرجين حديثًا عن شغل دون وعي منهم بإمكانية تعرّضهم للاستغلال الجنسي أو الاقتصادي، وبالتالي ستكون حلقات النقاش في المبيتات بمثابة لفت النظر.

  • كانت الهيئة قد دقّت ناقوس الخطر في علاقة بمكاتب التشغيل الوهمية، هل لاقت تفاعلًا؟

الهيئة اهتمت كثيرًا بهذه المسألة، وقامت بعدّة حملات تحسيسية وتحدّثت إلى وسائل الإعلام عن مشاكل مكاتب التوظيف التي تعمل خارج إطار القانون.

روضة العبيدي: قريبًا قانون يتعلق بمكاتب التشغيل لحلّ الإشكاليات المتعلقة بمكاتب التشغيل الوهمية والعقود المزيفة

 وقد راسلنا مجلس نواب الشعب وعرضنا على النواب مؤيداتنا وحالات الفتيات اللاتي تضررن من هذا الأمر. واجتمعنا مع وزير التشغيل والتكوين المهني فوزي عبد الرحمان حيث تحدّثنا على الفراغ التشريعي في هذا المجال.

وصغنا طيلة 6 أشهر وبمشاركة الوزارات المتداخلة مشروع قانون يتعلّق بعمل مكاتب التشغيل، ومن المنتظر أن يصدر قريبًا ليحلّ الإشكالات المتعلّقة بمكاتب التشغيل الوهمية والعقود المزيّفة. وسيتضمن هذا المشروع فصولًا للعقوبات والرقابة.

  • هل نسق إشعار المواطنين بحالات الاتجار بالأشخاص عبر الرقم الأخضر في ارتفاع؟

تصلنا يوميًا إشعارات عن حالات اتجار بالأشخاص، وهو ما ينم عن وعي المواطنين واستبطانهم لخطورة هذا الأمر إذ نتلقى إشعارات عن فتيات يعملن في المنازل أو أطفال يبيعون "المشموم" في مفترق الطرقات، ونحن نتدخّل مباشرة إثر هذه الإشعارات، ونتحرّك أيضًا إثر تلقي معلومات أو صور على مواقع التواصل الاجتماعي.

وقد ساهمت هذه الإشعارات عبر تدخّل هيئتنا ووزارة الداخلية وكل الأطراف المعنية في الحدّ من ظاهرة بيع الأطفال لـ"المشموم" في مفترقات الطرق. نحن بإمكاننا القضاء على مثل هذه الظواهر بالتحسيس وتطبيق القانون ضد كل من يستغل الأطفال ويتاجر بهم على غرار الأولياء الذين يرسلون الفتيات للعمل في المنازل، و"سماسرة" الفتيات الذين يرسلون هؤلاء الفتيات في كل فترة إلى منزل، وعمومًا ضد كل من يستغلهن على وجه الخصوص في الجريمة المنظّمة.

اقرأ/ي أيضًا: باعة المشموم.. عندما يتحوّل الياسمين إلى خبز

  • لو تحدّثيننا عن تدخّل الهيئة في قضايا اتجار بالأشخاص تتعلّق بالأطفال؟

الأطفال هم أكثر شريحة معنية بالاتجار بالأشخاص في تونس لأن الطفل هش ويسهل استغلاله، وعدد كبير من قضايا التسوّل وتشغيل الأطفال محالة على قاضي الأسرة وقاضي الطفولة.

وفيما يتعلّق بالجرائم المنظمة، هناك شبكات وسط العائلة من ذلك أنّ أحد الأفراد يجمع كل الأطفال ويقلهم في شاحنة للعمل وفي آخر اليوم يعود بهم إلى المنزل وتتقاسم العائلة محصول عملهم. وأما الشبكات خارج العائلة، فهي تمس عادة الأطفال المشرّدين الذين يتم استقطابهم لمجال الجريمة على غرار السرقة والنشل أو توزيع المخدّرات.

  • ماذا عن الاتجار بالأجانب في تونس؟

بالنسبة لحالات الاتجار بالأجانب في تونس، يتمّ إشعارنا بها من قبل المنظمات الدولية ومكوّنات المجتمع المدني.

حضر اليوم مثلًا إلى مقرّ الهيئة أجنبيّين من ضحايا الاستغلال الاقتصادي، فكما يتم الاتجار بالتونسيين في الخارج فإنّ الأجانب أيضًا عرضة لحالات الاتجار بالأشخاص في تونس.

روضة العبيدي: الأطفال هم أكثر شريحة معنية بالاتجار بالأشخاص في تونس لأن الطفل هش ويسهل استغلاله، وعدد قضايا التسوّل وتشغيل الأطفال كبير

وغالبًا ما يكون الأمر متعلّقا بشبكة في بلدهم لديها ممثلين في تونس يوهمونهم بالذهاب للدراسة أو العمل في شركات ليجدوا أنفسهم عاملين في المنازل أو المقاهي دون أوراق هوية ودون راتب على اعتبار أن الوسيط تقاضى أجرهم لسنة كاملة.

وعدد ضحايا الاتجار بالأشخاص الأجانب في تونس أقل بكثير من عدد الضحايا التونسيين، ولكن بالنسبة لي فضحية واحدة لها وزنها لأن قضايا انتهاك حقوق الإنسان لا تقاس بالعدد. يجد الأجنبي نفسه في وضعية اقتصادية واجتماعية صعبة، ولا يتقن اللغة وهي نفس الوضعية التي يواجهها التونسيون ضحايا الاستغلال في الخارج بدرجة متفاوتة وفي مجالات مختلفة. وللإشارة يوجد ضحايا تونسيون للاستغلال الجنسي في الخارج.

  • هل كل حالات الاتجار بالأشخاص الأجانب تتعلّق بالأفارقة من ذوي البشرة السوداء أم هناك جنسيات أخرى؟

نعم. كل الضحايا الأجانب الذين مروا على الهيئة من الأفارقة أصحاب البشرة السوداء.

  • ماهي حالات الاتجار بالأشخاص في تونس، وهل سجّلت الهيئة حالات تجارة بالأعضاء؟

الاتجار بالأشخاص يسمّيه البعض العبودية الحديثة، وفي أذهاننا العبودية تعني بيع وشراء الأشخاص. لكن الأمر اليوم لا يتعلّق بمنصة لبيع الأشخاص على شاكلة فيلم "الرسالة"، فهناك طرق حديثة ومستحدثة للاتجار بالأشخاص منها الاستغلال الاقتصادي والجنسي وإرغام الفتيات على الدعارة. والاتجار بالأشخاص هو كل فعل ضحيته الانسان الغاية منه الاستغلال الاقتصادي أو الجنسي، ويتم فيه استعمال القوة والنفوذ والتحيل.

روضة العبيدي: هناك طرق حديثة ومستحدثة للاتجار بالأشخاص منها الاستغلال الاقتصادي والجنسي وإرغام الفتيات على الدعارة

ولم نسجل في تونس أية حالة للاتجار بالأعضاء، وإذا سجّلنا سنعلنها لأن بإخفائها يمكن أن تنفلت الأمور، ونحن سنشهر بكل طرق الاتجار بالبشر من اجل حماية المجتمع ومصداقية الهيئة.

  • ماهي أشنع طرق الاتجار بالأشخاص التي صادفتها هيئتكم؟

من أشنع الحالات التي صادفناها حالة فتاة تعرّضت للاستغلال الجنسي والاقتصادي في الخارج ثم تمّ إلقاؤها من الطابق الرابع. ومن الحالات الأخرى الموجعة للاتجار بالأشخاص هي كراء أم لابنها الرضيع لتتسول به امرأة أخرى ثم تعيده لها آخر الليل ومعه مبلغ 10 أو 15 دينارًا، وكذلك حالة إجبار فتاة تبلغ من العمر 9 سنوات من طرف أمها وزوج أمها على المبيت كل ليلة عند رجل جديد.

 

اقرأ/ي أيضًا:

فوزية باشا: 673 مليون دولار ديون الشركات الأجنبية النفطية لصالح تونس (حوار)

منية.. أمّ لـ8 أطفال لم تلدهم