23-فبراير-2022

محمد مذكور: على الرئيس أن يسرّع بوضع حدّ للوضع الاستثنائي وتجميع كلّ من الدولة والجهات الفاعلة القادرة على تنفيذ القرارات الاستراتيجية

 

مع عودة المحادثات بين الحكومة التونسية وصندوق النقد الدولي والبنك الدولي. عاد النقاش الاقتصادي على الساحة. وباتت التساؤلات ملحّة حول برامج الحكومة، ومن ورائها الرئيس التونسي قيس سعيّد، في ظلّ ضغط الجهات المانحة وإصرار الاتحاد على عدم التراجع عن موقفه رغم لقاء أمينه العام والرئيس مؤخّرًا. في هذا السياق ومع تفاقم الأزمة الاقتصاديّة، يأتي حوارنا مع المختص في التنمية، محمد مذكور، في محاولة قراءة واقع التنمية في تونس واستشراف لما يحصل من تطورات في المستقبل مع الأخذ بعين الاعتبار ما تمرّ به البلاد من ظروف استثنائية. 

  • كيف تقرأ الوضع الاقتصادي والاجتماعي في تونس خلال هذه الفترة؟ 

الوضع الاقتصادي والاجتماعي في تونس مثير للقلق. لم تتعافَ الدولة بعد من آثار الوباء، مع معدل بطالة يزيد عن 18٪ (دون الحصول على أرقام حديثة تشير إلى عدم استقرار على مستوى بعض المؤسسات)، أي أكثر من ثلاث نقاط مئوية مقارنة بـ"ما قبل كوفيد".

النمو الاقتصادي غير موجود، كنتيجة مباشرة لحالة الركود التي تؤثر على القطاعات الاستراتيجية في كل من الخدمات والصناعة والتي تضعف النسيج الاقتصادي الذي يُحرم من الوصول إلى التمويل، لكن قبل كل شيء نتيجة لمشاكل هيكليّة تزداد سوءًا يومًا بعد يوم. القدرة الشرائية منهارة، والمطالب الاجتماعية تتواصلُ في بلدٍ يكون فيه موظّفو القطاع الخاص في وضعيّة هشّة للغاية. في حين أنّ موظفي القطاع العام، الذين يتم سماعهم بصفة أوضح لأنهم يتلقون دعمًا أكبر من قبل النقابات، مطالبهم لا تتحقّق مع الحكومات المتعاقبة. 

محمد مذكور: الوضع الاقتصادي والاجتماعي في تونس مثير للقلق، خاصة وأن الدولة لم تتعافَ بعد من آثار الوباء، مع معدل بطالة يزيد عن 18٪، أي أكثر من ثلاث نقاط مئوية مقارنة بـ"ما قبل كوفيد"

ومع ذلك، لا يزال التخوّف الحالي قائمًا على مستوى آخر مع أزمة المالية العموميّة والدولة المثقلة بالديون التي ربّما لن تكون قادرة على تأمين وسائل لتوفير حاجياتها إذا لم تقدّم ضمانات كافية للجهات المانحة. لذلك، فإن الوضع الاجتماعي والاقتصادي يُنذر بالخطر، وهو نتيجة طبيعيّة للإصلاحات الاقتصادية التي تأخّرت كثيرًا.

  • حسب رأيك، أيّ المجالات يجب أن تكون أولويّة ضمن خطّة الإصلاح؟ 

من المؤكد أن مسألة المالية العمومية والالتزام بالإصلاحات هي من الأولويات نظرًا للوضعيّة الحرجة التي تمرّ بها الدولة. ومع ذلك، من منظور اجتماعيّ، سيكون من الضروري تكوين خطة إنقاذ اجتماعية واقتصادية حقيقية تكون قادرة على إعطاء بداية أمل للمواطنين والشركات، والتي يمكن أن تثبّت ديناميكيّات صغيرة للنمو وتدفع نحو "العودة إلى العمل". 

اقرأ/ي أيضًا: تضمّن التحكم في الأجور ومراجعة منظومة الدعم.. الحكومة تنشر برنامج "الإصلاحات"

لا يمكن رؤية ثمار الإصلاحات الهيكلية والاقتصادية الكليّة إلا على المدى المتوسّط، على الرغم من حقيقة أنها ستؤسس ضمانًا لضرورة احترام عمل الدولة والمؤسسات العموميّة (التي سجّلت في أكثر من مرّة تأخّرًا في خلاص أجور موظّفيها). 

اليوم، يتعلق الأمر بمساعدة المواطنين الأكثر هشاشة على الصمود، على الرغم من فقدان أكثر من 150ألف وظيفة، وزيادة معدل الفقر وتقهقر للقدرة الشرائية، وبالالتزام بخطّة طوارئ اجتماعيّة حقيقيّة، كذلك بضرورة الاستجابة السريعة للمؤسسات الصغرى والمتوسّطة، التي تأثرت بشدّة جرّاء الأزمة الصحية والاقتصادية. 

محمد مذكور: مسألة المالية العمومية والالتزام بالإصلاحات هي من الأولويات. ومع ذلك، من منظور اجتماعي، سيكون من الضروري تكوين خطة إنقاذ اجتماعية واقتصادية حقيقية تكون قادرة على إعطاء بداية أمل للمواطنين والشركات

نعيش منذ بضع سنوات، دون أن نعلن ذلك رسميًا، في دولة لا تلتزم إلاّ بنفقاتها مع غياب شبه كلّي لميزانيّة التنمية الضامنة الوحيدة لعناصر النمو. بالإضافة إلى ذلك، نظرًا لتوجّه الدولة بطلبات كبيرة للقطاع المالي، فإن النسيج الاقتصادي الخاص، يواجه أزمة على مستوى الحصول على تمويلات. في مواجهة هذا الوضع، لم نتمكن من إطلاق خطة إنعاش حقيقيّة، مثل تلك التي طُبّقَت في بلدان أخرى.ذ

لا مفرّ من الاستجابة المباشرة لمطالب الفئات الأكثر ضعفًا والأكثر هشاشة في نسيجنا الاقتصادي نظرًا لصعوبة الوضع وتوفّر الإمكانيات والحلول (نذكر أنّ أكثر من 85٪ من الفاعلين الاقتصاديين في القطاع الخاص يعملون بشكل مستقل).

  • كيف تفسّر غياب استراتيجية حقيقيّة للتنمية الجهويّة في تونس لمدّة عقود؟ 

دون أن نرسم صورة سوداء، يجب أن نأخذ بعين الاعتبار نتائج خطة التنمية الاجتماعية والاقتصادية (أو الخطّة الخماسية) والتي تتضمّن خطط التنمية الإقليمية منذ عام 2011.

لقد ظهر في البداية نوع من الذنب خاصة تجاه المناطق الأكثر تهميشاً، والذي لم يجعل من الممكن بالضرورة وضع استراتيجيات تنمية إقليمية حقيقية. في الأساس، كان العنوان الساذج للمحاولات الأولى "لسياسات" التنمية الإقليمية للعصر الجديد هو تمكين المناطق الأكثر فقرًا من وسائل التنمية، مع العلم أن هذا ما تمّ الإعلان عنه حتّى قبل عام 2011، بتدخل الدولة، من خلال استثمارات عامة كبيرة إلى حد ما في المناطق الداخلية مقارنة بالمناطق الساحلية.

لم يكن أداء خطة 2016-2020 أفضل من خلال وضع تدخلات الدولة في نماذج تتجاوز القدرات المحددة للبلد والمناطق. على هذا النحو، لم نجرؤ حتى على صياغة الأرقام بالتفصيل.

اقرأ/ي أيضًا: حوار| باعث شاب: الدولة أجهضت مشروعي لتحويل النفايات إلى طاقة متجددة

أما بالنسبة لجوهر المشكلة، فسيكون بالفعل فهم ماهية التنمية الإقليمية، والتي تتجاوز فكرة التخطيط الإقليمي من خلال تركيز النقاش على البنية التحتية فقط. في الواقع، من المهم أن نلاحظ أنّنا نواصل حصر مسألة التنمية الإقليمية في عدد المدارس أو مراكز الرعاية الأساسية التي سيتم بناؤها في كل منطقة من الولاية، بينما يجب علينا الانخراط في النقاش حول المستقبل الاجتماعي والاقتصادي المناطق والولايات.

محمد مذكور: نحن غير قادرين على تغيير مناهجنا لتحديد أولويات التنمية الإقليمية الشاملة، نظرًا لأننا مستمرون في البقاء على مؤشرات مبسّطة لا تسمح لنا بتصميم استراتيجيات تنمية إقليمية حقيقية

وتجدر الإشارة هنا إلى أن الدولة قد اعترفت ضمنيًا بفكّ ارتباطها بالاستثمار الإنتاجي مع ترسيخ رغبة حقيقيّة في الانخراط في شراكة بين القطاعين العام والخاص لتقديم مشاريع اقتصادية هيكلية جديدة، هي الوحيدة القادرة على تحفيز جزء من الاستثمار الخاص في المناطق الأكثر تهميشًا. هذه الرغبة للأسف لا تتحقق بشكل كافٍ مع المشاريع المحدَّدة والمصمَّمة منذ ما يقرب من عشرين عامًا، مثل إعادة تحويل النشاط الاقتصادي، وتنمية الموارد الطبيعية (مثل الجبس في جنوب تونس أو الطاقة الشمسية)، والتكيّف مع تغيّر المناخ وظهور السياحة الجديدة وما إلى ذلك.

أخيرًا، نحن غير قادرين على تغيير مناهجنا لتحديد أولويات التنمية الإقليمية الشاملة، نظرًا لأننا مستمرون في البقاء على مؤشرات مبسّطة لا تسمح لنا بتصميم استراتيجيات تنمية إقليمية حقيقية. 

لن يكون من المهم التفكير في إنشاء مستشفى جامعي في قابس أو مدنين، إذا لم نركز بدلاً من ذلك على إيجاد حلول عمليّة لمعدل الوفيات. 

وبالمثل، لن نتمكن من تثبيت استراتيجيات تنمية إقليمية حقيقية إذا لم ندرك أنها في البداية قضية مساواة بين الجنسين في جميع المناطق. أخيرًا، لن نتمكن من تثبيت استراتيجيات تنمية إقليمية حقيقية إذا لم نركز على مشكلة المياه وتغيّر المناخ التي هي في طور التغيير الكامل للوضع في العديد من المناطق التي تعتمد بشكل كامل تقريبًا على الزراعة. النقاش حول حقيقة الكوارث البيئية والعوامل الخارجية السلبية لبعض الصناعات يتطلّب برامج طويلة الأمد، مثل التجربة التنموية الأولى في فجر الاستقلال حيث كانت خطط التنمية تمتدّ لعشر سنوات كاملة.

  • أمام هذه الإشكاليّات، هل تمّ تطبيق التمييز الإيجابي، كما تمّ التنصيص عليه في دستور 2014، في الجهات الأقل حظًّا؟ 

من الصعب تقييم وجود تأثير محتمل لأنّنا لم نضع الآليات اللازمة لذلك. لكن الأمر الأكثر إثارة للقلق هو أننا لم نتمكن بعد من تحديد ماهية "التمييز الإيجابي".

كانت المحاولات الأولى لتجسيد هذا المبدأ ساذجة من خلال استحضار نهج المساواة بين الولايات، كما لو أن التقسيم الإداري (وخاصّة السياسي) للمناطق يعكس واقعًا اجتماعيًا اقتصاديًا. هذا التمشي جعلنا أمام منح ميزانيّة لولاية توزر -التي يبلغ عدد سكانها 100 ألف نسمة- نفس ميزانية ولاية تونس (العاصمة) التي يبلغ عدد سكانها عشرة أضعاف ذلك. كلّ هذا نتيجة لعدم أخذ الخصوصيات الاجتماعية والاقتصادية المتباينة بين المناطق. 



وبالمثل، فإننا نضع تمييزًا إيجابيًا كاذبًا، عبر ضمان الولوج إلى الوظيفة العموميّة للخريجين العاطلين عن العمل (دون الإلمام بالتفاصيل الظاهرة). كما نرفض التمييز الإيجابي بهدف الإدماج لصالح النساء بحجة أن ذلك يشكّل تعارضًا مع مبدأ تكافؤ الفرص.

التمييز الإيجابي هو بالتأكيد مسألة وسائل. لكنها ليست بأي حال من الأحوال مسألة منح نفس الوسائل للجميع. لم يسبق أن تم الخوض في هذا النقاش، وتم نقله أكثر من خلال المشاعر والأسئلة الرمزية دون أي تأثير حقيقي.

اقرأ/ي أيضًا: حوار| عدنان بوعصيدة: أطراف سياسية تهمش اللامركزية تمهيدًا للبناء القاعدي

مع المصادقة على الدستور، فكّر المسؤولون المنتخبون في إنشاء دوائر وهي تمثل تكوُّنًا أعلى من المجالس الإقليمية. وذلك بحلم ربط الساحل المزدهر مع المناطق الداخلية الضعيفة. اليوم، صناّع القرار لا يعرفون حتى ماذا يفعلون بهذا التقسيم. ههنا تظهر سذاجة بعض صانعي القرار الذين يفكرون في "الأدوات" بدلاً من التفكير في "الأهداف".

وبالمثل، فقد كتبنا في أنظمتنا فيما يتعلق بالسلطات المحلية أن كل تونس ستكون "بلديّات" وبالتالي محو "الريف" من قاموسنا، كما لو تم فرض التحضر أو أن الريف مرادف لعيب يجب تصحيحه والتخلّص منه لجعل التمييز الإيجابي حقيقة واقعة.

التمييز، حسب رأيي، ينبغي التركيز من خلاله على الإنسان. كيف يمكن طمأنة الشّباب أن لديهم مكانًا في بلدهم ويعيشون حياة كريمة بدلاً من التفكير في الهجرة؟ لا يتمّ ذلك من خلال إنشاء مركز شباب في منطقة ريفيّة كمركز الشباب في منطقة ساحلية، هذا لن يحلّ المشكلة.

  • إذَن، يمكن أن تستنتج أنّ الدولة التونسية حافظت على آليات تهميش المناطق الداخلية؟ 

للأسف نعم، لأننا لم نتمكّن بعد من تحقيق المساواة في الوصول إلى الحقوق والخدمات. هل لشاب من القصرين نفس الحظوظ للوصول إلى وسائل الترفيه مثل شاب من مدينة كبيرة؟ عدد دور السينما لدينا اليوم أقلّ ممّا كان عليه في فجر الاستقلال.

العديد من صانعي القرار (من الدولة أو من المجتمع المدني) في المناطق الداخلية والجنوبية وجدوا حلولًا مع تعيين معلّمين بدوام جزئي في مدارسهم بحجة أن ذلك سمح "لأبناء المنطقة" من الحصول على وظيفة في التعليم. في حين أنّ ذلك يضرّ بمستقبل الأجيال القادمة بالنّظر إلى المستوى المثير للجدل لهؤلاء الشباب الذين تم توظيفهم دون عقلانية كبيرة.

محمد مذكور: الدولة حافظت على آليات تهميش المناطق الداخلية إذ أننا لم نتمكّن بعد من تحقيق المساواة في الوصول إلى الحقوق والخدمات. هل لشاب من القصرين نفس الحظوظ للوصول إلى وسائل الترفيه مثل شاب من مدينة كبيرة؟

وهكذا، يُعاد إنتاج هذا التّهميش من قبل سكّان مناطق الداخل والجنوب الذين يقبلون بآليّات تحبسهم كمحتاجين للمساعدة أو ضحايا الهشاشة. وأكبر دليل على هذا "شركات البستنة" التي تدفع رواتب مقابل وظائف وهمية.

  • كيف يمكن قبول ضخ ملايين الدنانير في هذه العقود وعدم المطالبة بخطط تنمويّة أفضل؟

هذه الخيارات القصيرة المدى مقبولة تمامًا من الدولة ومن قبل صانعي القرار في المجتمعات المحلية في المناطق الأكثر هشاشة. 

  • أمام هذه الوضعيّة الحرجة، هل يمكن للرئيس التونسي قيس سعيّد أن يغيّر الأمور؟ 

لديه الوسائل والصلاحيّات لذلك. من خلال امتلاك قوة الدولة، والتي تنعكس فيما يقرب من 700 ألف موظّف مدني وميزانية تشغيل وتطوير. تمكنا من رؤية ذلك أثناء إدارة المراحل الأولى للأزمة الصحيّة من خلال حشد المساعدات الدولية لتنسيق الحصول على اللقاحات وغيرها من المعدّات الضروريّة، تمامًا كما تمكّنا من رؤية تعبئة الجيش لدعم عمليّات تطعيم السكان في المناطق النّائية.

لدى الرئيس أيضاً قوّة رمزيّة تسمح له بأن يكون قادرًا على تحديد أهداف أو إعطاء توجيهات معيّنة بفضل الثقة التي يحظى بها، والتي رغم أنّها في انخفاض إلاّ أنها تبقى مهمّة للغاية.

أخيرًا، بالإضافة إلى صلاحياته، لديه إمكانية تعبئة الفاعلين والمهنيّين -من المجتمع المدني وآخرين- للشروع في خطط الإصلاح وخطط الإنقاذ وتحديد الأولويات.

  • الرّئيس يتحدّث عن نتائج سوء الحوكمة والفساد في العشريّة الفارطة. وهي أسباب، من وجهة نظره، أدّت إلى مزيد تأزّم الأوضاع. حسب رأيك، هل يملك الرئيس مشروعًا اقتصاديًّا بديلًا؟ هل يقدّم حلولًا أو استراتيجيّات متعلّقة بالتنمية الجهويّة؟ 

البرنامج الاقتصادي لأيّ صانع قرار، يظهر في خطاب تنصيبه أو خطاب من يمثله في منصب السلطة التنفيذية، ولا سيما في الخطاب والتوجهات العامة لسياسات البلاد. بعد ذلك، يتم نسخ البرنامج الاقتصادي، على الأقل في عادات المؤسسات التونسية، في قوانين المالية، وبالتالي في خطط التنمية أو أي استراتيجيات حكوميّة.

محمد مذكور: على ضوء الوضع الاستثنائي الذي تعيشه البلاد، فإن البرنامج الاقتصادي للرئيس التونسي ليس واضحًا بصرف النظر عن بعض القرارات المحددة أو بعض البيانات الرئيسية

اليوم، وبالأخص على ضوء الوضع الاستثنائي الذي تعيشه البلاد، فإن البرنامج الاقتصادي ليس واضحًا بصرف النظر عن بعض القرارات المحددة أو بعض البيانات الرئيسية. يمكن أن ينبثق هذا البرنامج من الديناميكيات التي بدأها وزير الاقتصاد والتخطيط مؤخرًا، والتي تهدف إلى تزويد البلاد بخطة استراتيجية 2023-2025. نحن ننتظر لنرى ماذا سينتج عنها.

ومع ذلك، فإنّ الرئيس لديه خطاب يثبت وجود رؤية. إذ تضمن محاربة الفساد وإصلاح العدالة، بديهيًا، واقعًا اقتصاديًا جديدًا. وتبقى هذه في الوقت الحالي عناصر الخطاب المرتبطة بالقرارات السياسية وليس الاقتصادية.

النقطة الوحيدة، التي ظهرت لبعض الوقت، هي مسألة "المصالحة" المقدَّمَة إلى الجهات الفاعلة التي اتُّهمت بارتكاب أعمال فساد واختلاس والذين سيتم "دعوتهم"، وفقًا لمنطق التحكيم إلى "المصالحة" من خلال الاستثمار في المناطق الأكثر تهميشًا.

وهناك مشروع مرسوم قيدَ التطوير والذي من شأنه أن يجعل من الممكن حشد الأموال في إطار هذه المصالحة والتي من المحتمل أن تُسْتَخْدَم لتمويل المشاريع من خلال الشركات "الأهليّة" لسكان هذه المناطق المهمّشة. هذا تحليل وافتراض على أساس عناصر الخطاب فقط.

اقرأ/ي أيضًا: إنشاء "شركات أهلية" في تونس.. هل تساهم في حل الأزمة؟

  • بما أنّك أشرت إلى عناصر خطاب الرئيس، دعنا نسلّط الضوء على الخطاب الموجّه للشّباب المفقّر والمهمّش، هل يملك قيس سعيّد آليّات لتحقيق وعوده؟ 

حسب رأيي، يمكن للرئيس التركيز على عناصر أكثر براغماتية. كما ذكرنا سابقًا، هناك خطط جاهزة لتثبيت آليات الإنقاذ وآليات الدّعم للفئات الأقلّ حظّاً. هناك حاجة لكسب ثقة الشّباب من خلال إحداث تغييرات سريعة في القضايا الملموسة.

محمد مذكور: يمكن تطوير المراسيم التشريعية بسرعة لتغيير الوضع الاقتصادي والاجتماعي، مع إجراء تصحيحات على المسار من خلال قانون المالية، كما يجب إجراء مراجعة للأولويات في فترة زمنية قصيرة جدًا

يحتاج الشباب أولاً إلى رسالة أملٍ لرؤية تغييرات صغيرة في حياتهم اليوميّة. لدينا الفرصة لتلبية احتياجات الشباب الذين انقطعوا عن الدراسة والذين توجد برامج حكومية من أجلهم بميزانياتها التي تتطلّب فقط تسريعها. لدينا إمكانية تسريع تنفيذ الدعم المالي لتمويل مشاريع الشباب. لدينا المئات من البرامج المعلّقة أو التي لا تحقق تقدمًا كبيرًا ويمكن للرئيس تحديد وتيرة جديدة. لقد رأينا خلال فترة الحجر الصحّي أنه يمكن اتخاذ الإجراءات بسرعة كبيرة.

يمكن تطوير المراسيم التشريعية بسرعة لتغيير الوضع الاقتصادي والاجتماعي، مع إجراء تصحيحات على المسار من خلال قانون المالية. كما يجب إجراء مراجعة للأولويات في فترة زمنية قصيرة جدًا. لا يمكننا أن نحبس أنفسنا بنسق بطيء في مثل هذه الظروف الاستثنائية والتي تخضع لتحفظات و / أو أسئلة من قبل الجهات الفاعلة المؤسسية التونسية الأخرى ومن الخارج.

يبدو الوقت في مثل هذه الظروف، مشابهًا لما عاشه التونسيون بعد 14 جانفي/يناير 2011، خاصة وأن الثّقة ليست بالضرورة مشتركة بين الجميع. يجب على الرئيس أن يطمئن بسرعة ويسرع بوضع حدّ للوضع الاستثنائي وتجميع كلّ من الدولة والجهات الفاعلة القادرة على تنفيذ القرارات الاستراتيجية.


 

اقرأ/ي أيضًا:

"إصلاحات" اقتصادية موجعة ومنتظرة في تونس.. عن "الضرورة" والجدوى

ضعف ثقة في الأحزاب وخذلان من سعيّد: أي مستقبل لتحركات الشارع في تونس؟