26-مارس-2022

هنا بين أزقة المدينة العتيقة في سوسة ترى النسوة والفتيان والرجال يعرضون بضائعهم (Loop Images/ Getty)

 

قبل أيام قليلة من حلول شهر رمضان يستعيد العديد من الحرفيين وصغار التجار مهنهم الموسمية للتمكن من بعض الدخل الإضافي الذي يجابهون به مصاعب الحياة.

هنا بين أزقة المدينة العتيقة في سوسة، ترى النسوة والفتيان والرجال يعرضون بضائعهم تحت الأسوار وأمام الأسواق، ترى في وجوههم أملًا في يوم يكسبون منه ما يسد حاجياتهم الأساسية، ولعل الإقبال المتزايد على سلعهم قد يمكنهم من مجابهة التكاليف المتزايدة لمنتوجاتهم.

عند مدرج "باب الجديد" بسوسة، عادة ما تتواجد النسوة لبيع الخبز، وهناك في الركن الآخر يتزاحم العديد من الحرفاء على مكان مميز لبيع "الملسوقة"، وفي الجهة القبلية، يضع شيخ كبير أمامه قوارير بلاستيكية من الزيت وآخرون يثبتون عربات صغيرة لبيع الحلويات والتوابل عند الأبواب الرئيسية للمدينة.

اختفى العديد من الباعة الموسميين الذين دأبوا على النشاط قُبيْل أيام من رمضان وذلك بسبب شحّ المواد الأولية في السوق وارتفاع أسعارها مما أفقد بعضًا من رونق الأسواق التقليدية

لكن ما يمكن مشاهدته اليوم، اختفاء العديد من الباعة وتراجع هذه التجارة الصغيرة بسبب شحّ المواد الأولية في السوق وارتفاع أسعارها، مما أفقد بعضًا من رونق الأسواق التقليدية مقابل اكتساح ظاهرة بيع الملابس المستعملة (فريب) والملابس الجاهزة في السوق الموازية على حساب تجارة المواد الغذائية، وهو ما نلاحظه في جولة في الأنهج والأزقة الضيقة للمدينة العتيقة.

اقرأ/ي أيضًا: المهن الموسمية في رمضان.. باب رزق

اختفى العديد من الباعة الموسميين الذين دأبوا على النشاط قُبيْل رمضان (ماهر جعيدان/الترا تونس)

في "باب البحر" على مشارف المدينة العصرية دأبت العديد من الحرفيات على تخصيص مكان مجمّع لبيع منتوجاتهن بشكل منظم، عسى أن تمكنهن عطلة الربيع التي تسبق شهر رمضان من بيع بضائعهن لزوار مدينة سوسة من منتوجات غذائية وحلويات ومواد تجميل وصناعات تقليدية يدوية محلية وغير ذلك مما أعدت أناملهنّ.

وفي هذا الإطار، عبرت رئيسة رابطة الحرفيات التونسيات بسوسة عفيفة مزابي، في تصريح لـ"الترا تونس"، عن "قناعتها بأن ارتفاع الأسعار وشح المواد الأولية قد دفع الكثير من الحرفيات والنساء إلى عدم عرض سلعهن في هذه السوق الصغيرة التي تنتظم لأيام معدودة".

عفيفة مزابي (رئيسة رابطة الحرفيات التونسيات بسوسة) لـ"الترا تونس": ارتفاع الأسعار وشح المواد الأولية قد دفع الكثير من الحرفيات والنساء إلى عدم عرض سلعهن في هذه السوق الصغيرة التي تنتظم لأيام معدودة

وأضافت مزابي أن عطلة الربيع كانت مناسبة لإقبال العديد من الزوار على منتوجاتهم، مشيرة إلى أن "الكثيرين منهم عبروا عن رغبتهم في اقتناء المنتوجات، لكن أغلب الزبائن لا يقبلون رفعًا في أسعار البضاعة رغم اقتناعهم بارتفاع التكاليف مما تسبب في انكماش ملحوظ للسوق"، حسب تصورها.

ترى عادة مع اقتراب رمضان عربات صغيرة لبيع الحلويات في الأسواق(ماهر جعيدان/الترا تونس)

وتقول عفيفة مزابي: "نحن هنا لمجابهة صعوبة الحياة والتشجيع على استهلاك المنتوج اليدوي التونسي، ورغم الصعوبات التي دفعت بالعديد من النسوة إلى عدم المشاركة في هذه السوق الصغيرة نجد البعض منهن قد أصر على المجيء من أجل كسب حريف جديد، كما أن أغلب من تعرضن إلى صعوبات هن من صانعي الحلويات، وذلك لشحّ مادة الفارينة والسكر وارتفاع سعر الزيت خاصة في الأيام الأخيرة، فلا يمكن لهن بيع المنتوجات بأضعاف السعر لعدم رغبة الزبون في قبول هذه الزيادة المشطّة"، وفق تقديرها.

اقرأ/ي أيضًا: من بيع "الملسوقة" إلى "الطابونة".. تونسيات كادحات "يراودن" لقمة العيش في رمضان

ومن جهتها، تحدثت سميرة باشا، وهي صانعة حلويات أصيلة ولاية زغوان تختص في إعداد "كعك الورقة"، لـ"الترا تونس"، عن الصعوبات الكبيرة التي تعترضها بسبب "ندرة المواد الأولية في السوق على غرار مادة الفارينة والزيت وكذلك اللوز والزبدة التي تعتبر موادًا أساسية لصناعة منتوجها".

سميرة باشا صانعة حلويات أصيلة ولاية زغوان مختصة في إعداد "كعك الورقة" (ماهر جعيدان/الترا تونس)

وأضافت سميرة أن "الزبون لا يقبل أي زيادة في أسعار المنتوج عند البيع ويصر على الثمن الذي اعتاد عليه، وهذا ما يسبب عناء شديدًا للحرفيات مما دفع العديد منهن إلى التوقف نهائيًا عن العمل رغم أن من يمتهن صناعة "كعك الورقة" في ولاية زغوان كنّ قد تلقّين تكوينًا وتحصلن على شهادة في ذلك ولجوء أغلبهن إلى الحصول على قروض صغرى لمجابهة البطالة".

سميرة باشا (صانعة حلويات) لـ"الترا تونس": الزبون لا يقبل أي زيادة في أسعار المنتج عند البيع ويصر على الثمن الذي اعتاد عليه، وهذا ما يسبب عناء شديدًا للحرفيات مما دفع العديد منهن إلى التوقف نهائيًا عن العمل

بدورها، لم تُخفِ آمال المجدوب، حرفية في إعداد "البسيسة" والأكلات التونسية التقليدية، استياءها من "الصعوبات التي اعترضتها نتيجة فقدان المواد الأولية"، مشيرة إلى أن "الكيلوغرام الواحد من المقروض كان يناهز 5 دينارات فأصبح بـ 12 دينارًا مما دفع الزبون للعزوف عن اقتناء المنتجات"، وفقها.

اقرأ/ي أيضًا: "رائحة رمضان".. كيف تستعدّ المدينة العتيقة بسوسة للشهر؟

وأضافت المجدوب أن "الإشكال الحقيقي اليوم يكمن في عدم التمكن من تأمين المواد الأولية التي تضمن للحرفي الاستمرارية في العمل حتى وإن توفرت له السيولة المالية"، حسب تصريحها.

تلجأ عديد الحريفات إلى الأسواق الموسمية لعرض سلعهن (ماهر جعيدان/الترا تونس)

مصاعب تجارية عديدة تعترض الحرفيين التونسيين في مستهل شهر رمضان، يقابلها أمل في أن يقع تجاوز هذه العراقيل في التزود التي كانت محل اهتمام شديد لدى السلطة والمتداخلين الاقتصاديين في تونس، وأثارت الجدل حول ضرورة تأمين الأمن الغذائي للتونسيين بمقاومة ظاهرة الاحتكار ومحاولات تجفيف السوق من السلع خاصة وأن آلاف العائلات التونسية تقتات من هذه المناسبة الموسمية من أجل تعزيز الدخل لتأمين العيش الكريم.

آمال المجدوب (حرفية في إعداد مأكولات تقليدية) لـ"الترا تونس": الإشكال الحقيقي اليوم يكمن في عدم التمكن من تأمين المواد الأولية التي تضمن للحرفي الاستمرارية في العمل حتى وإن توفرت له السيولة المالية

وتشير الإحصائيات الأخيرة المنشورة في شهر جانفي/يناير 2022 من قبل المعهد الوطني للإحصاء إلى أن "الأسعار ارتفعت عند الاستهلاك بنسبة 0,7% خلال شهر جانفي/يناير 2022، مقارنة بشهر ديسمبر/كانون الأول 2021 بعد الارتفاع بنسبة 0,5% في الشهر الذي يسبقه. ويعزى هذا التطور بالأساس إلى الارتفاع المسجل في أسعار المواد الغذائية بنسبة 1,3%"، وفقه.

من بين البضائع التي تعرض في الأسواق الموسمية قبيل رمضان البقول والتوابل (ماهر جعيدان/ الترا تونس) 

وشهد مؤشر أسعار مجموعة التغذية والمشروبات "ارتفاعًا بنسبة 1,3% مقارنة بالشهر المنقضي بعد 0,7+% خلال الشهر الفارط. ويعود ذلك بالأساس إلى الارتفاع الهام المسجل في أسعار البيض بنسبة 11,4% وأسعار مجموعة الأجبان ومشتقات الحليب بنسبة 2,6% وأسعار الزيوت الغذائية بنسبة 2,3% ولحم الضأن بنسبة 2,1%. وفي المقابل شهدت أسعار الدواجن تراجعًا طفيفًا بنسبة 0,1-% وأسعار الفواكه الجافة بنسبة 0,5-%، وفق معهد الإحصاء.

كما تشير آخر الإحصائيات الرسمية المنشورة إلى "ارتفاع نسبة التضخم لشهر جانفي/ يناير  2022إلى مستوى 6,7%، بعد ان كانت في حدود 6,6% خلال شهر ديسمبر/كانون الأول و6,4% خلال شهر نوفمبر/تشرين الثاني و6,3% خلال شهر أكتوبر/تشرين الأول 2021".

تحاول الحرفيات استغلال فرصة الأسواق الموسمية من أجل الترويج لسلعهن (ماهر جعيدان/الترا تونس)

 

اقرأ/ي أيضًا:

تونس.. عندما تتوفّر المواد الأساسية في وثائق السلطات وتغيب عن قفة المواطن!

"كيلو سميد".. عن تذبذب البوصلة وضياعها من جديد