03-فبراير-2022

رغم تشابه الأهداف واشتراكهم في معارضة سعيّد فإن معارضة الرئيس في تونس لا تزال مشتتة صورة أرشيفية/كريستوفر فورلونغ/Getty)

 

يتسم المشهد السياسي في تونس ما بعد الثورة، بالتعددية والتنوع والاختلاف وقد ساهم ذلك في خلق تجاذبات سياسية واختلاف في الرؤى والتصورات، لكن الإجراءات التي أعلن عنها الرئيس التونسي قيس سعيّد يوم 25 جويلية/ يوليو 2021، وما تلاها من إجراءات بمقتضى المرسوم عدد 117، وضعت معظم الطبقة السياسية في خانة واحدة وحملتها مسؤولية ما آلت إليه أوضاع البلاد كما تم استبعادها من المشهد السياسي بتجميد أشغال البرلمان وإقالة الحكومة، وهو ما دفعها للخروج إلى الشارع ورفع شعارات تندد بتواصل حالة الاستثناء والمطالبة بعودة العمل بمقتضيات الدستور.

ورغم تشابه الأهداف واشتراكهم في معارضة سعيّد فإن معارضة الرئيس في تونس لا تزال مشتتة.

اقرأ/ي أيضًا: تونس: سعيّد يتجنب كشف أوراقه والمعارضة تتجهز لشهر من الضغط والاحتجاجات

  • غازي الشواشي: اختلاف الرؤى وآليات العمل يشتت المعارضة

أقر أمين عام حزب التيار الديمقراطي غازي الشواشي بوجود تشتت في المبادرات التي أطلقت لإنقاذ البلاد وتجنب الانفراد بالسلطة والعودة للانتقال الديمقراطي ولمؤسسات الدولة، وفق تقديره، معزيًا هذا التشتت إلى اختلاف قراءة الأطراف المعارضة للمشهد الراهن وآليات العمل للفترة القادمة.

ويوضح الشواشي لـ"الترا تونس": "هناك أطراف رافعة لشعارات ضد الانفراد بالسلطة ولكن هدفهم العودة إلى ما قبل 25 يوليو أي برلمان برئاسة راشد الغنوشي، فيه أغلبية متكونة من حركة النهضة وائتلاف الكرامة وقلب تونس، وكذلك العودة إلى حكومة منبثقة عن البرلمان والعمل بنفس القانون الانتخابي وقانون الأحزاب والمنظومة الانتخابية وهذه رغبة حركة النهضة مثلاً، أما  الأحزاب الديمقراطية وعديد الشخصيات الوطنية فلديها قراءة أخرى ونعتبر أن ما قبل 25 يوليو هو مشهد رديء وعاجز عن تحقيق انتظارات التونسيين خاصة على المستويين الاقتصادي والاجتماعي ولهذه الأسباب تعددت المبادرات والأهداف المرجوة منها".

غازي الشواشي: تنسيقية الأحزاب الديمقراطية ترفض أي حوار مع الدستوري الحر بسبب ممارساته غير الديمقراطية وترفض كذلك الحوار مع النهضة والكرامة وقلب تونس لأنهم السبب في تردي الأوضاع وترذيل المشهد

كما بيّن أن التشتت الحاصل من شأنه أن يضعف الجبهة المعارضة لإجراءات قيس سعيّد ويمكنه من المضي في مشروعه والهيمنة على الحكم، مشددًا على ضرورة إيجاد حل وطني جامع لإنقاذ البلاد وهذا الحل يستوجب تنازلات من العديد من الأطراف الفاعلة والتي مازالت لم تدخل على الخط لتكون فاعلة وعلى رأسها الاتحاد العام التونسي للشغل الذي بإمكانه لعب دوره لإنقاذ البلاد وتصحيح البوصلة، وفقه.

ويرى الشواشي، خلال حديثه لـ"الترا تونس" أنه على الأطراف التي أخطأت في الماضي أن تعتذر وتقوم بمراجعات ونقد ذاتي وتكون قادرة على الالتزام مع التوجهات الجديدة والمبادرات الديمقراطية لتصحيح هفوات الماضي والبحث عن مشهد أكثر صلابة ونجاعة لبناء دولة القانون، مشيرًا إلى أن تنسيقية الأحزاب الديمقراطية "تضم أحزاب التيار الديمقراطي والجمهوري والتكتل" ترفض أي حوار مع الحزب الدستوري الحر بسبب ممارساته غير الديمقراطية والتي لا تتماشى مع مبادئ الأحزاب الديمقراطية وترفض كذلك الحوار مع حركة النهضة وائتلاف الكرامة وقلب تونس لأنهم السبب في تردي الأوضاع وترذيل المشهد السياسي قبل 25 يوليو وهي التي قدمت هدية لقيس سعيّد لينقلب على الدستور، وفق تقديره.

وتابع "على هذه الأحزاب التي فشلت أن تقوم بمراجعات وتستسلم للأمر الواقع وتتواضع لباقي الأطراف السياسية وتقدم التنازلات المطلوبة وفي حال مواصلة تعنتها ومراوغاتها وتكتيكاتها الخبيثة، أعتقد أنه لا فائدة من الجلوس معهم على طاولة الحوار وإيجاد مخرج".

غازي الشواشي: ضرورة إيجاد حل وطني جامع لإنقاذ البلاد وهذا الحل يستوجب تنازلات من العديد من الأطراف الفاعلة والتي مازالت لم تدخل على الخط وعلى رأسها اتحاد الشغل

كما اعتبر أمين عام حزب التيار الديمقراطي أنه لا بد من البحث عن مشهد بديل مغاير للمشهد الحالي لما فيه من انفراد بالسلطة وانحراف عن الدستور وتكريس لدكتاتورية جديدة في ظل وجود تهديدات جدية بانهيار الدولة، مشيرًا إلى أن الحل في مشهد سياسي يقطع مع الحاضر العبثي ولا يعود بالبلاد إلى الماضي أسسه الديمقراطية ومؤسسات منبثقة عن إرادة الشعب ومسؤولة وقادرة على تغيير أوضاع البلاد الاقتصادية والاجتماعية. 

اقرأ/ي أيضًا: قرار إلغاء التجمعات قبل مظاهرات 14 جانفي.. هل توظف الجائحة سياسيًا في تونس؟

  • لمين البوعزيزي: "هناك معارضة مستفيدة من الانقلاب وتفاوض لتشريكها لا غير"

تنتهج الأحزاب وعديد الشخصيات الوطنية والمبادرات المناهضة لإجراءات الرئيس التونسي سياسة التداول والتفرق في الاحتجاج فقد شهدت تونس العاصمة في ذكرى الاحتفال بالثورة يوم 14 جانفي/يناير 2022 أكثر من وقفة احتجاجية بأماكن مختلفة بعضها بشارع الحبيب بورقيبة والبعض الآخر بساحة الجمهورية تفاديًا لأي تلاحم بين المتظاهرين وتأكيدًا على أن الخلافات السياسية لا تزال قائمة بين معارضة سعيّد في تونس.

العضو في مبادرة "مواطنون ضد الانقلاب" لمين البوعزيزي يقول إنه يميز جيدًا بين من يعارض ومن يقاوم فالمعارضة، وفق تقديره، تكون في نظام  شرعي لكن عندما يكون النظام غير شرعي تصبح مقاومة، معتبرًا أنه لا حل إلا بإنهاء وضع الاستثناء.

لمين البوعزيزي: من يقدمون أنفسهم  معارضة في تونس اليوم، معارضتهم مجرد خيبة لأن سعيّد لم يشركهم في برنامجه ولم يحققوا انتظاراتهم في استئصال خصومهم 

وأوضح البوعزيزي في تصريحه لـ"الترا تونس" أن من يقدمون أنفسهم  معارضة في تونس اليوم، معارضتهم مجرد خيبة لأن سعيّد لم يشركهم في برنامجه ولم يحققوا انتظاراتهم في استئصال خصومهم والتحقوا بالمعارضة بعد أن حررت مبادرة "مواطنون ضد الانقلاب" الساحة وأصبح التظاهر ضد الانقلاب على الدستور متاحًا.

كما اعتبر أن "حزب التيار الديمقراطي مثلًا لعب دورًا وظيفيًا داخل البرلمان للإطاحة بالمؤسسات ويلعب اليوم دور المعارضة الوظيفية لتخريب الساحة المناهضة للانقلاب"، وفقه، مضيفًا "في الكفاح الوطني هناك أناس تطرح المقاومة داخل الاحتلال وناس تطرح الحقوق داخل نظام الاحتلال". وتحدث الأمين البوعزيزي عن صراع مصالح لمجموعة مستفيدة من الانقلاب ويفاوضون لتشريكهم ويستغلون الشارع كورقة ضغط. 

لمين البوعزيزي: هناك صراع مصالح لمجموعة مستفيدة من الانقلاب وتفاوض لتشريكها ويستغلون الشارع كورقة ضغط

واستبعد عضو مبادرة مواطنون ضد الانقلاب إمكانية استفادة رئيس الجمهورية من هذا التشتت الحاصل معتبرا أن الانقلاب غير قادر على الاستفادة وعاجز اليوم عن مقاومة الغلاء وتوفير الأجور حتى، وفق توصيفه.

 

اقرأ/ي أيضًا:  إلغاء امتيازات أعضاء المجلس الأعلى للقضاء في تونس.. هل هي مقدمة لحله؟

  • عماد الخميري: النهضة تضع نفسها على ذمة الحوار الجاد من أجل إنقاذ تونس

بدورها تعيش حركة النهضة ما يُشبه "العزلة السياسية الداخلية" منذ الإعلان عن إجراءات 25 يوليو وقد تم تحميلها ما آلت إليه الأوضاع في تونس على المستوى الاقتصادي والاجتماعي والسياسي. 

ولئن أعلنت العديد من الأحزاب عن رفضها الانخراط في أي جبهة أو حوار تكون الحركة طرفاً فيه فإن الناطق الرسمي باسم حركة النهضة عماد الخميري أكد أن "الحركة تضع نفسها على ذمة الحوار الوطني الجاد الذي يعد لبرنامج من أجل إنقاذ تونس"، وفقه، مشيرًا إلى وجود مشاورات ومحاولات للالتقاء على الحد الأدنى قائلاً "المكونات السياسية يجب أن تدرك أكثر من أي وقت مضى أنه لا يمكن لأي جهة أن تعالج مشاكل البلاد بمفردها وأن تونس أحوج ما يكون اليوم إلى جميع أبنائها". 

عماد الخميري: "المكونات السياسية يجب أن تدرك أكثر من أي وقت مضى أنه لا يمكن لأي جهة أن تعالج مشاكل البلاد بمفردها وأن تونس أحوج ما يكون اليوم إلى جميع أبنائها"

واعتبر الخميري في حديثه لـ"الترا تونس" أن ما يقع هو مجرد تبادل اتهامات لا يؤثر على ولادة جبهة وطنية وتقديم بديل، مشيرًا إلى ضرورة قيام كل الأطراف بتقييم ونقد ذاتي والتجميع حول طاولة الحوار دون إقصاء لأن التجاذبات والإقصاء من شأنهما أن يتسببا في تواصل الأزمة السياسية ومزيد تعقيد الأوضاع، على حد تعبيره. 

وأضاف الناطق باسم حركة النهضة أن الاختلاف بين النخب السياسية يعزى إلى اختلاف تجاربها ومساراتها وإلى التقديرات المختلفة حول المرحلة التي تسبق 25 يوليو وكذلك إلى عدم الثقة بين المكونات السياسية مما يستوجب تغليب المصلحة الوطنية والالتقاء سريعًا على طاولة الحوار الوطني والتفكير لا فقط في السلطة بل في بديل لهذا النظام القائم أساسه علاج الوضع بالبلاد من الجوانب الاقتصادية والاجتماعية.

ويرى الخميري أن دائرة المعارضين لإجراءات رئيس الجمهورية قيس سعيّد بدأت تتوسع وتوصف من قبل الجميع على أنها انقلاب على الدستور وإجراءات لا تستند إلى مرجعية دستورية ولا قانونية.

عماد الخميري: "كل المعارضين لإجراءات قيس سعيّد أصبحوا في مرمى الاستهداف والملاحقة خارج إطار القانون"

ويتابع لـ"الترا تونس" "كل الأطراف على اختلاف مواقفها وتموقعها ترى أن هذه الإجراءات تجمع كل السلطات بيد شخص وهناك نوع من الانزياح للحكم الفردي والحكم الفردي فيه مفسدة ومناهض للنظام الديمقراطي والتعددي الذي اختاره الشعب التونسي.. كل المعارضين لإجراءات قيس سعيّد أصبحوا في مرمى الاستهداف والملاحقة خارج إطار القانون". 

كما ختم بالتأكيد أن البلاد تتجه بسرعة نحو الانهيار وتعجز عن توفير الحد الأدنى للمواطن التونسي من مواد تموينية وجرايات ومرتبات وأن النظام الحالي رغم  تجميعه لكل السلطات وإمساكه بمقاليد الحكم منذ 6 أشهر ينتهج سياسة اتهام الآخر بأنه وراء تدهور الأوضاع في البلاد، وفق تقديره.

اقرأ/ي أيضًا: تأخر صرف أجور القطاع العام وشبح فقدان مواطن الشغل.. هواجس يومية في تونس

  • الاتحاد الشعبي الجمهوري يدعو لبعث مجلس أعلى للأحزاب

يشكل انقسام النخب السياسية عائقًا أمام تحقيق معارضي الإجراءات الاستثنائية لأهدافهم ودفع الرئيس التونسي إلى العودة للعمل بمقتضيات دستور 2014 فيما تنبه أحزاب أخرى من هذا التشتت، وهو ما ذهب إليه محمد الجلاصي، عضو المكتب السياسي للاتحاد الشعبي الجمهوري، الذي أكد أن حزبه كان قد نبه للتشتت الحاصل ودعا لبعث مجلس أعلى للأحزاب لكنه واجه العديد من الصعوبات بسبب الحسابات الضيقة للأحزاب فهناك أحزاب ترفض الالتقاء مع أخرى لسببين اثنين، وهما خوف الأحزاب من قواعدها ومن انقلاب الرأي العام عليها.

وارتأى الجلاصي في حديثه لـ"الترا تونس" أنه بقطع النظر عن الاختلاف الإيديولوجي وجب الالتفاف حول نقطة الالتقاء الوحيدة والتجميع لمجابهة الإجراءات الاستثنائية والضغط على رئيس الجمهورية للبحث عن رؤيا تشاركية لمستقبل البلاد معتبرًا أن الديمقراطية تستوجب احتواء الاختلاف.

محمد الجلاصي: حزب الاتحاد الشعبي الجمهوري كان قد نبه للتشتت الحاصل ودعا لبعث مجلس أعلى للأحزاب لكنه واجه العديد من الصعوبات بسبب الحسابات الضيقة للأحزاب

وشدد عضو المكتب السياسي للاتحاد الشعبي الجمهوري أن حزبه لا يقصي أي حزب في الساحة السياسية إلا من أقصى نفسه وكان قد دعا في مبادرته سنة 2020 إلى تكوين حكومة إنقاذ وطني والتفاف جميع الأحزاب حول برنامج للحكم، مضيفًا "بعد 25 جويلية/يوليو، تونس دخلت في نفق مظلم ومشاكلنا الحقيقية لا تحل إلا بالالتقاء حول رؤية مشتركة للمرحلة القادمة لوضع البلاد على السكة الصحيحة وعندما نجد أرضية للحوار نفهم أن أي اختلاف يمكن أن يدار بالحوار".

وبيّن محمد الجلاصي أن تونس ليست في منأى عما يحدث في العالم على اعتبار أن الديمقراطية التمثيلية تعيش في أزمة وبرزت العديد من التيارات والشخصيات الشعبوية وهذا ما حدث في تونس وبالتحديد في الانتخابات الرئاسية والتشريعية لسنة 2019 حيث ظهرت تيارات شعبية ساعدها فشل الأحزاب على النجاح والتشكيك في دور الأحزاب في بناء الديمقراطية، مضيفًا "في ديمقراطية ناشئة من الطبيعي أن يكون هناك نقص لكن الديمقراطية هي الطريقة الوحيدة لاحتواء الاختلاف". 

 

اقرأ/ي أيضًا:

إقالة/استقالة لمديرة الديوان الرئاسي في تونس.. أي خلفيات واستتباعات؟

مستقبل الديمقراطية والحرية في تونس من منظور دولي