11-مايو-2021

لا سبب منطقيًا إلا غياب الإرادة السياسية، رغم توفر عناصر تخدم التوجه نحو تجريم التطبيع مع الكيان قانونيًا (ياسين القايدي/ الأناضول)

 

تتعدد المبادرات في تونس، إبان ثورة 2011، للمطالبة بسن قانون يجرّم التطبيع مع الكيان الصهيوني أو لتضمين التجريم في الدستور التونسي أو نص قانوني آخر، ولا يقتصر الداعون لذلك على طرف معيّن إذ تبقى القضية الفلسطينية ولو ظاهريًا أكثر ما يجمع التونسيين قبل الثورة وبعدها. اللافت أن كل هذه الدعوات والمطالبات لم تمر للتفعيل ولم تتجند من أجلها كتل برلمانية وتوافقات بل على العكس صارت محل اتهامات متبادلة من كتل مختلفة تشكك كل واحدة في نية الثانية دعم هذا التوجه ضمن قانون خاص دون أي تقدم ملحوظ. 


إبان ما تشهده الأراضي الفلسطينية المحتلّة وخاصة القدس مؤخرًا من تصعيد خطير في ممارسات جيش الاحتلال والانتهاكات المتتالية لحرمة المسجد الأقصى، والاعتداءات على الفلسطينيين وتمدد سياسات الكيان التوسعية الاستيطانية من خلال هدم وانتزاع البيوت وتهجير العائلات الفلسطينية وعمليّات الطرد الأخيرة في حي الشيخ جراح وغيره، عادت للواجهة الدعوات لسنّ قانون تونسي يجرم التطبيع مع الكيان الصهيوني وكان الاتحاد العام التونسي للشغل (المنظمة الشغيلة) من أبرز الداعين لذلك.

تتعدد المبادرات في تونس للمطالبة بسن قانون يجرّم التطبيع مع الكيان الصهيوني أو لتضمين التجريم في الدستور التونسي أو نص قانوني آخر لكنها لم تمر للتفعيل ولم تتجند من أجلها كتل برلمانية وتوافقات

  • أحدث المبادرات التشريعية

تزامنًا مع الذكرى السنوية الرابعة لاغتيال الشهيد محمد الزواري، وتحديدًا في  15 ديسمبر/كانون الأول 2020، قدمت الكتلة الديمقراطية (ثاني كتل البرلمان التونسي عددًا بـ38 نائب وهم نواب حركة الشعب والتيار الديمقراطي (معارضة))، مشروع قانون لتجريم التطبيع مع الكيان الصهيوني، وكان ذلك بالشراكة مع عدد من النواب غير المنتمين إلى كتل.

ويُذكر أنه إثر اغتيال الزواري في منطقة صفاقس جنوب تونس، أعلنت حماس انتماءه لكتائب الشهيد عز الدين القسام وإشرافه على مشروع تطوير طائرات دون طيار التي أطلق عليها اسم أبابيل1، متهمة الكيان الصهيوني باغتيال الزواري عبر جهاز "الموساد".

#مقترح_قانون_لتجريم_التطبيع_مع_الكيان_الصهيوني. #الكتلة_الديمقراطية #لا_صلح_لا_إعتراف_لا_تفاوض --------

Posted by ‎الكتلة الديمقراطية بالبرلمان - Bloc démocratique au parlement‎ on Tuesday, December 15, 2020

يتضمن مقترح القانون ديباجة و8 بنود تعرف جريمة التطبيع في مختلف المجالات السياسية والرياضية والفنية، وينص على عقوبات على المطبعين تتراوح بين سنتين وخمس سنوات سجناً وبغرامات مالية تصل إلى 100 ألف دينار تونسي.

في الفصل الأول تعريف التطبيع وهو التالي "إقامة علاقات طبيعية مباشرة أو غير مباشرة مع إسرائيل وأجهزتها ومواطنيها ويقصد بإسرائيل الكيان الصهيوني المحتل والغاصب للأراضي الفلسطينية وللجولان ولمزارع شبعا".

ويوضح الفصل الثاني مواصفات وأفعال من قام بجريمة التطبيع مع إسرائيل ويتعرض الفصل الخامس للعقوبة "يعاقب مرتكب جريمة التطبيع مع إسرائيل بالسجن لمدة تتراوح بين سنتين و5 سنوات وبغرامة تتراوح بين 10 آلاف ومائة ألف دينار. ويجوز للمحكمة بالإضافة إلى العقوبة الأصلية المذكورة أن تحكم على المدان بإحدى العقوبات التكميلية المنصوص عليها بالفصل 5 من المجلة الجزائية.

آخر المبادرات التشريعية قُدمت في ديسمبر 2020 وتلت موجة تطبيع عربية مع الكيان الصهيوني، موجة تسعى لفرض إسرائيل دبلوماسيًا في المنطقة وتصفية القضية الفلسطينية تدريجيًا

مع العلم أن هذه المبادرة تأتي إثر موجة تطبيع عربية مع الكيان الصهيوني، انطلقت مع اتفاق لتطبيع كامل للعلاقات بين إسرائيل والإمارات في منتصف أوت/ أغسطس الماضي بعد مسار استمر لسنوات من التحالف غير المروّج له علنًا في معظم الملفات الإقليمية، إضافة إلى زيارات ولقاءات متبادلة، ومساع من أجل الترويج لسردية جديدة بشأن الصراع العربي الإسرائيلي في العالم الإسلامي.

في منتصف سبتمبر/ أيلول الماضي، كان البيان الثلاثي البحريني- الأمريكي- الصهيوني، الذي ينص على إقامة علاقات دبلوماسية كاملة بين الكيان الصهيوني ومملكة البحرين، ثم انضمت السودان نهاية أكتوبر/ تشرين الأول ثم ركب المغرب قطار التطبيع في ديسمبر/كانون الأول 2020، ليصبح البلد الرابع في العالم العربي الذي يعلن الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب، في ذات السنة، توقيعه اتفاقية تطبيع كامل مع الكيان.

ومع العلم أيضًا أن هذه الخطوات التطبيعية الأربع تأتي في سياق مختلف من ناحية أنها ليست اتفاقيات سلام فعليًا، ولم تأت بعد مواجهات عسكرية، وإنما تتعلق أكثر بصياغة رسمية لنمط من التحالف قد لا يكون جديدًا غالبًا وهي تسعى إلى فرض إسرائيل دبلوماسيًا في المنطقة وتصفية القضية الفلسطينية تدريجيًا.

اقرأ/ي أيضًا: الديمقراطيّة والتطبيع في بلاد المغرب العربي

  • مبادرات تشريعية سابقة 

عديدة هي مطالب التنصيص على تجريم التطبيع مع الكيان الصهيوني في تونس انطلاقًا من الهيئة العليا لتحقيق أهداف الثورة والانتقال الديمقراطي سنة 2011 (هيئة أسست في 15 مارس/آذار 2011 بعد أسابيع من انطلاق الثورة التونسية، وهدفها الإشراف على مسار الانتقال الديمقراطي في تونس، أنهت أعمالها في 13 أكتوبر/ تشرين الأول 2011 أيامًا قليلة قبل تنظيم انتخابات 23 أكتوبر، أول انتخابات حرة في تاريخ البلاد، لتفسح المجال للمجلس الوطني التأسيسي، المجلس التشريعي الجديد المنتخب حينها). وكانت هذه الهيئة قد صادقت على وثيقة العهد الجمهوري، وهي وثيقة تتضمن مبادئ أساسية التزمت بها الأطراف الفاعلة في المشهد السياسي التونسي حينها ومما تضمنته "مناهضة الصهيونية والتصدي لكل أشكال التطبيع مع الكيان الصهيوني".

وقد تجددت هذه المطالب لتضمين تجريم التطبيع، خلال فترة عمل المجلس الوطني التأسيسي، ضمن دستور الجمهورية الثانية أو في قوانين خاصة، كان الهدف في البداية أن ينص الدستور التونسي على ذلك لكن لم يحظ المقترح بموافقة أغلبية برلمانية ورفضته كتلة النهضة، الكتلة الأكبر حينها بالمجلس الوطني التأسيسي. أما الحجة فهي أن الدستور يهم الشأن الداخلي للبلاد وأن تجريم التطبيع يفضل أن يفرد بقانون خاص.

في هذا السياق، اقتصر الدستور التونسي على ما جاء في نهاية توطئته ".. وانتصارًا للمظلومين في كل مكان، ولحق الشعوب في تقرير مصيرها، ولحركات التحرر العادلة وفي مقدمتها حركة التحرر الفلسطيني، ومناهضة لكل أشكال الاحتلال والعنصرية..".

في أواخر سنة 2015، قدمت كتلة الجبهة الشعبية بالبرلمان التونسي مشروع قانون يتعلق بتجريم التطبيع مع الكيان الصهيوني لكنه لم يمرر للمصادقة عليه أبدًا في جلسة عامة

في أواخر سنة 2015، قدمت كتلة الجبهة الشعبية بالبرلمان التونسي (يسار) مشروع قانون يتعلق بتجريم التطبيع مع الكيان الصهيوني، مشروع القانون هذا لم يمرر للمصادقة عليه أبدًا في جلسة عامة. وكان مراد الحمايدي، النائب بمجلس نواب الشعب حينها عن الجبهة الشعبية والمقرر المساعد الثاني للجنة التشريع العام قد صرح لـ"الترا صوت" في جانفي/ يناير 2016 أنه "يُرجح أن مشروع القانون لن يمر".

وأضاف الحمايدي حينها لـ"الترا صوت": "تأخر تمرير مشروع القانون للتداول وقد يعود ذلك إلى حجم القوانين المدرجة على جدول أعمال المجلس ولكن خاصة لأن الأغلبية الحاكمة، النداء والنهضة، لا يرون ضرورة في عرضه على الجلسة العامة، بل لا يرون ضرورة للخوض في المسألة أصلًا، إنهم يحاولون إرجاء الموضوع لا أكثر".

لطيفة الحباشي، نائب رئيس لجنة التشريع العام بمجلس نواب الشعب والنائب عن حركة النهضة، كانت أكدت بدورها في ذلك الوقت لـ"الترا صوت": أن "مشروع القانون المتعلق بتجريم التطبيع لم يصل لجنة التشريع العام.."، وهو ما حصل أيضًا سابقًا عندما تم اقتراح مشروع قانون في نفس السياق خلال فترة عمل المجلس الوطني التأسيسي ولكنه لم يمرر للمصادقة إلى نهاية فترة أشغال المجلس التأسيسي. وهكذا بقيت عديد مشاريع القوانين حول نفس الموضوع، على امتداد عشرية كاملة، في أدراج البرلمان التونسي. 

في مناسبة لاحقة، وتحديداً في 16 ماي/ آيار 2018، كان البرلمان قد أعلن إحداث "لجنة القدس وفلسطين"، وأدان حينها تطورات الأحداث في الأراضي الفلسطينية المحتلة من اعتداءات لقوات الاحتلال الإسرائيلي الوحشية، لكن لا تُعرف أي معلومات ثابتة عن أنشطة هذه اللجنة وإن كان لها أي نشاط أصلاً.

أعلن البرلمان في ماي 2018 إحداث "لجنة القدس وفلسطين" لكن لا تُعرف أي معلومات ثابتة عن أنشطة هذه اللجنة وإن كان لها أي نشاط أصلاً

  • إرادة سياسية غائبة

"الشعب يريد تحرير فلسطين"، "الشعب يطالب بقانون يجرم التطبيع مع إسرائيل"، "الشعب يريد.."، كلها دون استثناء شعارات تُردد في وسائل الإعلام من قبل سياسيين وفي ملتقيات وتظاهرات أحزابهم وبياناتهم، لكنها ورغم الثورة في تونس والانتظارات الواسعة التي عُلقت عليها، لم تفعل. 

بقيت تونس ما بعد بن علي صديقة فلسطين البعيدة جغرافيًا والقريبة شعبيًا لكنها لا تُقدم أكثر من الشعارات والبيانات والاستنكار والتنديد. لا تقيم تونس علاقات دبلوماسية واضحة وصريحة مع الكيان المغتصب لكن حكامها على اختلافهم قبل الثورة وبعدها "لا يحبون المشاكل" ويتجنبون غضب المؤسسات الدولية والدول العظمى.

يقول البعض إن السلطات التونسية تعرف حجم البلد والتوازنات وبالتالي لا ينخرط ساسة تونس في قوانين تجرم التطبيع بشكل واضح ولا يمانعون تسهيل مرور بعض الإسرائيليين لحج الغريبة في تونس أو للسياحة ولا بعض التونسيين لإسرائيل في إطار أنشطة مختلفة، وبالتالي فإن مشاريع القوانين المقدمة لتجريم التطبيع مع الكيان الصهيوني، وفق البعض، ليست إلا من باب المزايدات بين الأحزاب التونسية لا أكثر في إطار سياق تونسي يقوم منذ سنوات على التجاذب وتسجيل النقاط والمزايدة بكل الطرق الممكنة حتى لو كان ذلك عبر قضية نبيلة يبدو أنها الوحيدة التي لا تزال تجمع التونسيين. ويستدل البعض في رأيه في كون معظم من قدم من النواب والكتل البرلمانية مشاريع قوانين لم يسع فيما بعد للتجميع حول مشروعه والضغط لتمريره. 

يقول البعض إن ساسة تونس يعرفون حجم البلد والتوازنات وبالتالي لا ينخرطون في قوانين تُجرم التطبيع ومشاريع القوانين المقدمة وفقهم ليست إلا من باب المزايدات وتسجيل النقاط بين الأحزاب التونسية

لم تنجح ثورة تونس في إحداث تغيير على أرض الواقع في علاقة بدعم القضية الفلسطينية. كان لافتًا كيف تعاملت السلطات التونسية مع قضية الشهيد محمد الزواري ومعالجتها الأمر من جانب جنائي بحت ولم تقم الدولة إلى اليوم بتمكين زوجة الشهيد من الجنسية التونسية رغم تغير الحكومات والرؤساء كما لا تزال مظاهر التطبيع الثقافي مثلًا قائمة ولم يعاقب القائمون عليها بل يتم التطبيع مع التطبيع ويقتصر التنديد على بيان من إحدى الجمعيات وبعض التفاعلات على السوشال ميديا في ظل صمت من مؤسسات الدولة وأحزابها. 

ولا سبب منطقيًا إلا غياب الإرادة السياسية، رغم توفر عناصر عديدة تخدم التوجه نحو تجريم التطبيع مع الكيان الصهيوني قانونيًا في تونس. من هذه العناصر الرفض الشعبي الواسع للاعتراف بإسرائيل (93 في المائة) وفق المؤشر العربي الأخير. وأيضًا لتفعيل ما ورد في توطئة الدستور من "انتصار للمظلومين في كل مكان، ولحق الشعوب في تقرير مصيرها، ولحركات التحرر العادلة وفي مقدمتها حركة التحرر الفلسطيني، وعلى مناهضة كل أشكال الاحتلال والعنصرية.." وكذلك إسنادًا للشعب الفلسطيني مع تواتر الخيبات والخيانات عربياً وأي إسناد أفضل من ذلك القادم من دولة تصنف كـ"الديمقراطية الوحيدة عربيًا". 



اقرأ/ي أيضًا:

تونس في المؤشر العربي.. الأعلى ديمقراطيًا و93% ضد الاعتراف بإسرائيل

عملية الساق الخشبية.. مجزرة إسرائيلية على أراضي تونس