21-يونيو-2022
قبة الهوى (موقع بلدية المرسى)

قصر قبة الهواء هو قصر تم تشييده في البحر على أعمدة إسمنتية مدخله الرئيسي مشيد فوق الرمال (موقع بلدية المرسى)

 

تزخر مدينة المرسى الواقعة بالضاحية الشمالية في تونس بالمعالم التاريخية العريقة التي زادت في جمال هذه المنطقة الساحلية المطلة على البحر. "أميرة القلوب" مكنها موقعها الاستراتيجي الذي تمازج فيه البحر بالجبال من تعاقب الحضارات عليها منذ القدم فإلى جانب الحركة التجارية البحرية النشيطة التي اشتهرت بها هذه المنطقة عندما كانت ميناء في العهد البونيقي اختار البايات الحسينيون المرسى لتشييد العديد من القصور المعدة للاصطياف والاستمتاع بصفاء البحر وطراوة النسيم وبالمناظر الطبيعية الخلابة المحيطة بها.

إلى جانب التسميات المختلفة التي أطلقت على مدينة المرسى فإن سكانها وروادها يكنونها بـ"مدينة البايات" على اعتبارها مدينة الإقامة الصيفية لعرش البايات التسع عشر الذين تداولوا على الحكم في البلاد .

الباحثة في المعمار الحسيني بية العبيدي لـ"الترا تونس": تاريخ القصور الأولى بمدينة المرسى يعود إلى أواخر الفترة الحفصية حين تم تشييد العبدليات (العبدلية الكبرى، العبدلية الصغرى وتعرف حاليًا بقصر أحمد باي أو قصر الصفصاف، والعبدلية الوسطى وكانت تعرف أيضًا بالبرج الحفصي)

وتؤكد الدكتورة والباحثة في المعمار الحسيني بية العبيدي أن تاريخ القصور الأولى بمدينة المرسى يعود إلى أواخر الفترة الحفصية وتحديدًا إلى سنة 1500 حيث قام السلطان الحفصي آنذاك أبو عبد الله محمد (1493 ـ 1526) بتشييد العبدليات وهي ثلاثة قصور العبدلية الكبرى، العبدلية الصغرى وتعرف حاليًا بقصر أحمد باي أو قصر الصفصاف، والعبدلية الوسطى وكانت تعرف أيضًا بالبرج الحفصي الذي  اندثر.

وبيّنت العبيدي، في حديثها لموقع "ألترا تونس"، أن البايات اختاروا الضاحية الشمالية لقضاء فصل الصيف، مبينة أن التأثيرات المعمارية للقصور مختلفة ومتنوعة ولكن يغلب عليها الطابع المحلي والتأثير الأندلسي بالنسبة لقصور القرن السابع عشر والثامن عشر في حين تغلب التأثيرات الأوروبية على قصور القرن التاسع عشر. ولفتت المتحدثة إلى أنه في بداية فترة الاستقلال تمت مصادرة أملاك أغلب العائلة الحسينية كما تم هدم بعض قصور المرسى على غرار قصر التاج.

الباحثة في المعمار الحسيني بية العبيدي لـ"الترا تونس": في بداية فترة الاستقلال تمت مصادرة أملاك أغلب العائلة الحسينية كما تم هدم بعض قصور المرسى على غرار قصر التاج

 

 

  • قصر التاج

 
قصر التاج بمدينة المرسى هو من بين المعالم التاريخية، التي طمست وهدمت ولئن يصعب على الباحثين تحديد سنة تشييد هذا القصر فإن المتفق عليه هو أن اندثاره كان بعد فترة الاستقلال مباشرة. وحسب "الموسوعة التونسية المفتوحة" فإن القصر يحتوي على طابقين مبلطين بالرخام وهو مطوق بحديقة كبيرة تحولت فيما بعد إلى أقفاص للسباع والحيوانات المفترسة. 

بدوره يؤكد الخبير في التراث عبد الستار عمامو أن "دار التاج" أصبحت المقر السكني الرسمي للعائلة الحسينية منذ بداية الاستعمار لكن في ستينيات القرن الماضي قرر وزير الداخلية الطيب المهيري هدمه.

  • قصر أحمد باي

يمثل قصر أحمد باي أحد أقدم القصور المتواجدة بمدينة المرسى وهو معلم تاريخي مسجل بالمعهد الوطني للتراث منذ سنة 2016 وعلى عكس ما يتم تداوله فإن هذا القصر لم يقع تشييده على يد أحمد باي بل هو قصر كان على ملك "الكونت جوزاف رافو" ثم تملكه الأمير علي باشا باي الثالث وخص به ابنه الأمير أحمد باشا باي الثاني، الذي أضاف فيه العديد من التحويرات. ويشكو هذا المعلم التاريخي كغيره من معالم المرسى من الإهمال والتهميش وقد شهد هذا القصر انهيار جزئه الخلفي وأصبح متداع للسقوط بسبب عدم صيانته.

عبد الستار عمامو لـ"الترا تونس": قصر أحمد باي ملك خاص للعائلة الحسينية افتك منهم ظلمًا وعدوانًا ولديهم شهادات تثبت تملكهم لهذا القصر

وبيّن عبد الستار عمامو، في حديثه لـ"الترا تونس"، أن قصر أحمد باي ملك خاص للعائلة الحسينية افتك منهم ظلمًا وعدوانًا حتى أنه لديهم شهادات ملكية تثبت تملكهم لهذا القصر وكذلك قصر سيدي بوسعيد. كما اعتبر أنه على الدولة ترميم المعالم التاريخية حتى منها التي هي ملكية خاصة على اعتبارها معلمًا يشهد على تاريخ البلاد.

وجدير بالذكر أن بعض العائلات اتخذت من قصر أحمد باي مسكنًا لها منذ السبعينيات وقد تم إشعارهم سنة 2017 بضرورة إخلاء القصر لترميمه لكنهم عبروا عن رفضهم مخافة التشرد بعد مغادرة القصر، وفقهم.

 

قصر أحمد باي المرسى

قصر أحمد باي المرسى

  • قصر السعادة

قصر السعادة هو المقر الحالي لبلدية المرسى تبلغ مساحته 3000 متر مربع تم تشييده من قبل الناصر باي سنتي 1914 و1915 ليهديه لزوجته "قمر" وهي "علجية" تزوجت من ثلاثة بايات (الصادق باي وعلي باي والناصر باي) لكنها لم تنجب أطفالًا وقامت بتربية ابن صديقة لها وهو الشاذلي حيدر وأهدته القصر ليتولى بيعه سنة 1953 لحكومة الاحتلال الفرنسي وبعد الاستقلال أصبح القصر ملكًا للدولة وسكنه الحبيب بورقيبة لفترة وجيزة ثم أحيل القصر لبلدية المرسى. وجدير بالذكر أن العديد من الشباب يختارون هذا القصر كوجهتهم المفضل لحفلات عقد القران. 

  • قبة الهواء

قصر قبة الهواء هو قصر تم تشييده في البحر على أعمدة إسمنتية مدخله الرئيسي مشيد فوق الرمال والممر الطويل يؤدي إلى طابقين الأول مخصص للحفلات والسهرات والثاني كان خاصًا بالباي وتتخلل هذا القصر ممرات سرية تؤدي مباشرة إلى البحر. وسمي بقبة الهواء لأنه يحتوي على قبة من الرخام الخالص في البهو.

يشهد قصر قبة الهواء غيابًا تامًا للصيانة خاصة وأنه محل نزاع بين الدولة وخواص حتى أنه أصبح مهددًا بالسقوط

كغيره من المعالم التاريخية بالمرسى يشهد هذا القصر غيابًا تامًا للصيانة خاصة وأنه محل نزاع بين الدولة وخواص حتى أنه أصبح مهددًا بالسقوط.

 

قبة الهواء المرسى

قبة الهواء بالمرسى

 

 

  • جزء من تاريخ البلاد آيل للسقوط

 
رغم جماليتها وعراقتها تعاني أغلب المعالم التاريخية بمدينة المرسى التهميش والإهمال وعوض أن تكون هذه القصور الشاهدة على تعاقب الحضارات في تونس الوجه السياحي للمنطقة فإنها ظلت صامدة تأبى الانهيار في انتظار تدخل عاجل لترميمها واستغلالها.    
 
وتعتبر الباحثة بية العبيدي أن صيانة القصور والمحافظة عليها وصيانة التراث المعماري ككل، ليس مسؤولية الدولة فقط بل يستوجب تضافر مجهودات الجميع لتحقيق ذلك، متابعة لـ"الترا تونس" "بالنسبة لقصور المرسى هناك حالات تعتبر جيدة على غرار قصر السعادة وإقامتي سفيري فرنسا وانجلترا وبعض القصور الخاصة مثل دار بن عاشور ولكن أغلبها يحتاج تدخلًا عاجلاً ومجهودًا كبير ًا من الصيانة والترميم على غرار قبة الهواء وقصر أحمد باي".

من جهته، أكد رئيس بلدية المرسى معز بوراوي أن أول خطوة للمحافظة على الموروث التاريخي الذي له صبغة معمارية هي تصنيفه كمعلم تاريخي من قبل المعهد الوطني للتراث، كما لفت إلى أن  قصر أحمد باي مصنف معلمًا تاريخيًا وهو على ملك خاص وليس على ملك الدولة ولا البلدية.

رئيس بلدية المرسى لـ"الترا تونس": قصر أحمد باي بالمرسى بلغ حالة الاهتراء نهائيًا لكن مالكه الحالي قدم مشروعًا للبلدية منذ شهر سبتمبر وتم عرضه على المجلس البلدي وهو في مرحلة المصادقة على ملف الترميم ورخصة البناء

وأقر بوراوي في حديثه لـ"الترا تونس" أن القصر وصل لحالة الاهتراء نهائيًا لكن مالكه الحالي قدم مشروعًا للبلدية منذ شهر سبتمبر/أيلول 2021 تم عرضه على المجلس البلدي وهو في مرحلة المصادقة على ملف الترميم ورخصة البناء، مضيفًا "ما يمكن للبلدية فعله بالتعاون مع المعهد الوطني للتراث هو إتمام الإجراءات بطريقة قانونية لإنقاذ هذا المعلم وفي هذا المشروع بعض الشروط القانونية يجب أن تكون متوفرة..".

وأوضح "مثلًا هناك قطعة أرض صغيرة على ملك البلدية نحن بصدد إبرام اتفاق مع مالك القصر لتصبح مساحة خضراء.. تقدمنا أشواطًا كبيرة في علاقة بقصر أحمد باي.. قمنا بهدم بنايات متاخمة له مخالفة للقانون ومبنية بدون رخصة.. هناك قرار ترميم القصر لأنه سيصبح مثل دار الضيافة لكن مع المحافظة على طابعه المعماري... الترميم موضوع على أنظار المعهد الوطني للتراث ليقدم موافقته النهائية.. وتبقى رخصة البناء وهي على أساس الاتفاقية التي سنبرمها ونمضيها معهم وسينطلق المشروع في غضون شهرين آخرين.. حتى العائلات الموجودة في القصر تم تعويضهم وتسريحهم والقصر عاد لمالكه وخال حاليًا من أي متساكنين عشوائيين . لم يظل سوى الملف المتعلق بالتراتيب العمرانية فقط".

رئيس بلدية المرسى لـ"الترا تونس": قبة الهواء محل نزاع عقاري بين الدولة وخواص لكن البلدية دخلت في محادثات من أجل اتفاقية في التصرف والاستغلال من قبلها لغايات ثقافية غير ربحية

وفيما يتعلق بقبة الهواء، أعرب المتحدث عن فخر البلدية بهذا المعلم التاريخي، لافتًا إلى أنه محل نزاع عقاري بين الدولة وخواص لكن ما يهم البلدية هو كيفية المحافظة على هذا المعلم وكأول خطوة تمكنت البلدية في وقت قياسي بإعانة من مسؤولي معهد التراث من تصنيفه كمعلم تاريخي وعلى هذا الأساس دخلت في محادثات مع وزيرة البيئة وهناك اجتماع سيعقد قريبًا، يتعلق باتفاقية في التصرف والاستغلال من قبل بلدية المرسى، وفقه.

وشدد رئيس البلدية على أنه سيتم استغلاله لغايات ثقافية غير ربحية وإذا وجدت مداخيل فستنفق على صيانته، مبينًا أن البلدية مستعدة لتمويل أشغال صيانته لكن القانون يتحكم في عملية الصرف المالي للبلديات ويمنع الإنفاق على مشروع دون اتفاقية أو مرجع نظر لذلك هناك اتفاقية مسودتها جاهزة وفي الأسبوع المقبل سيتم إمضاؤها أو الاتفاق عليها على أساس الانطلاق في الدراسات.

كما أشار معز بوراوي إلى أن سفير تونس باليونسكو تدخل لتوفير خبراء من طراز عالمي للقيام بدراسة وإنقاذ هذا المعلم من خلال تثبيته لأنه مهدد بالانهيار في أي لحظة وسيتم فيما بعد ترميمه واستغلاله في غايات ثقافية سياحية ترفيهية، وتابع "هناك متطوعون سيقومون بدراسة يصادق عليها معهد التهيئة وبما أنه عمل تطوعي هو تحت رقابة المجلس البلدي بالمرسى وخصوصًا المعهد الوطني للتراث.. عندما تكون الدراسة جاهزة ستكون المرحلة الأولى إنقاذ قبة الهواء من الانهيار وتثبيتها".

جدير بالذكر أن الدكتورة والباحثة في المعمار الحسيني بية العبيدي كانت قد أصدرت كتابًا بعنوان "قصور البايات بالأحواز الشمالية لمدينة تونس خلال الفترة الحسينية (1705..1957)" بينت فيه أن ذوي السلطان والجاه اتخذوا من ضواحي مدينة تونس منتزهات للراحة والاصطياف خاصة خلال حكم الدولة الحسينية. وقد تحدثت الكاتبة عن بروز مجموعة كبيرة من القصور في أحواز مدينة تونس عدت بـ 129 قصرًا.