08-مارس-2022

حالات السمنة المفرطة قد تتحول إلى عائق أمام الاندماج في المجتمع والراحة النفسية (Getty)

 

أطلق أخصائيو تغذية صيحة فزع بعد ارتفاع نسبة الإصابة بمرض السمنة في صفوف التونسيين إلى أكثر من 30 بالمائة وهي نسبة مرتفعة جدًا في ظل غياب استراتيجية وطنية ناجعة لمكافحة هذه الآفة والوقاية منها علاوة على تقصير مؤسسات الدولة في الإحاطة بالمصابين بهذا المرض والتكفل بمصاريف علاجهم المجحفة. 

وقد أكدت رئيسة قسم التكوين والإعلام بالمعهد الوطني للتغذية شيراز الباجي أن امرأتين من 3 نساء تعانين من السمنة ورجلين من بين 4 تونسيين مصابون بالسمنة فيما بلغت نسبة السمنة في صفوف الأطفال 17 بالمائة دون الخمس سنوات. 

ولئن تعددت وسائل التوعية بخطورة مرض السمنة وما ينجر عنه من أمراض مزمنة أخرى كالسكري وضغط الدم وآلام الظهر والعمود الفقري وحتى العقم في كثير من الأحيان فإن معدل الإصابة بالسمنة ارتفع بشكل لافت واتسعت رقعته ليشمل جميع الفئات العمرية وشرائح المجتمع حتى أن توزيعه الجغرافي تغير ليشمل الأرياف كما المدن. 

  • آليات مكافحة السمنة في تونس وعوائقها

تختلف أسباب الإصابة بمرض السمنة من شخص إلى آخر فمنها العامل الوراثي والإقبال على تناول السكريات والنشويات بكميات كبيرة زائدة عن حاجة الجسم والخمول وقلة النشاط البدني إضافة إلى تغيّر نمط حياة التونسي والإصابة ببعض الأمراض كقصور الغدة الدرقية وأمراض الكبد.  

الدكتور محمد العيادي، رئيس الجمعية التونسية لمكافحة السمنة لـ"ألترا تونس": السمنة تشهد ارتفاعاً ملحوظًا في تونس خاصة في السنوات الأخيرة

ويرى الدكتور محمد العيادي، رئيس الجمعية التونسية لمكافحة السمنة، أن الإحصائيات المذكورة "ارتفاع نسبة السمنة في صفوف التونسيين إلى 35 بالمائة" لا تتعدى كونها تخمينات في ظل غياب إحصائيات رسمية منذ سنة 2016 معتبرًا أن الرقم 35 بالمائة مبالغ فيه قليلاً لكن السمنة تشهد ارتفاعاً ملحوظًا في تونس خاصة في السنوات الأخيرة.

اقرأ/ي أيضًا: دراسة: نسبة الخمول البدني في تونس تصل إلى 83 %

ويوضح العيادي في حديثه لـ"ألترا تونس" أن دور الجمعية يتمثل في مكافحة انتشار مرض السمنة والتوعية الصحية على أهمية السلوك الغذائي لمختلف الفئات العمرية خاصة منها المهددة أكثر بالسمنة كالأطفال والمراهقين الذين يمرون بوضعيات اجتماعية والطلبة وربات البيوت، مضيفًا "لقد قمنا بحملات توعوية في المدارس والجامعات وغيرها وهناك تجاوب من قبل الفئات المستهدفة لكن الجمعية ليست علاجية ونشاطها يقتصر على الوقاية والتوعية والإرشاد والتوجيه لكن هذا لا يمنع أننا نلبي النداءات التي ترد علينا من قبل مرضى السمنة فنرشدهم ونوجههم حسب موقعهم الجغرافي لأقرب طبيب تغذية".  

وعلى الرغم من وجود وعي مجتمعي بخطورة مرض السمنة فالاهتمام بهذا المرض من قبل الجهات الرسمية غير مثالي وفق تقدير المتحدث "نلاحظ غياب استراتيجية وطنية من قبل وزارة الصحة للوقاية من المرض وحتى التكفل بالمصابين.. وجب تعزيز دور الطب المدرسي والجامعي وطب الشغل في مكافحة السمنة".

رئيس الجمعية التونسية لمكافحة السمنة لـ"ألترا تونس": "نلاحظ غياب استراتيجية وطنية من قبل وزارة الصحة للوقاية من المرض وحتى التكفل بالمصابين.."

وتعليقًا على ربط مرض السمنة باهتراء المقدرة الشرائية للتونسي وعجزه عن اقتناء العديد من الأغذية الصحية التي ارتفع ثمنها على غرار السمك والخضر والغلال وغيرها، يقول الدكتور محمد العيادي إن "المقدرة الشرائية المنخفضة لا تحول دون الالتزام بالتغذية الصحية "كنا نلاحظ أن السمنة مرض منتشر في صفوف الفئات الميسورة التي لديها إمكانيات مادية تخول لهم اقتناء العديد من المواد الغذائية لكنها أصبحت أيضًا تمس الفئات غير الميسورة والتي لديها مقدرة شرائية منخفضة كذلك لاحظنا أن السمنة في التسعينيات كانت مرضًا يمس المدن الكبرى والآن انتقل للأرياف".

ويرى العيادي أن العائق الحقيقي أمام مكافحة السمنة هو غياب المراقبة الاقتصادية وعدم بلوغ الهياكل الرقابية المستوى الكافي لمعرفة تركيبة الأكلات التي تقدم في الشارع فعلى سبيل المثال المستهلك لا يعرف نوع الأجبان أو الدقيق التي يتناولها إلى جانب غياب الرقابة على الدعاية في التلفزات ومواقع التواصل الاجتماعي مما يؤثر سلباً على نمط السلوك الغذائي للتونسي.

اقرأ/ي أيضًا: أشهر 10 أكلات في شوارع تونس

الدكتور محمد العيادي لـ"ألترا تونس": العائق الحقيقي أمام مكافحة السمنة هو غياب المراقبة الاقتصادية وعدم بلوغ الهياكل الرقابية المستوى الكافي لمعرفة تركيبة الأكلات التي تقدم في الشارع 

  • إقبال مهم على "جراحة البدانة"

إلى جانب آثاره السلبية على الصحة، يسبب مرض السمنة العديد من الإشكاليات النفسية للمصابين به كما يتحول خاصة في حالات السمنة المفرطة إلى عائق أمام اندماجهم في المجتمع بسبب فقدان الثقة في النفس والتعرض إلى التنمر الذي من شأنه أن يعكر وضعهم النفسي.

ولئن يتمكن مرضى السمنة بفضل المتابعة والإحاطة من تجاوز هذه العقبات فإن الحصول على جسم رشيق ومثالي يظل الهاجس الأوحد للبعض. وتبعًا لذلك تشهد تونس كسائر دول العالم إقبالاً هامًا على جراحة البدانة لما توفره هذه التقنية من نتائج مذهلة في إنقاص الوزن.    

نفى رئيس الجمعية التونسية لجراحة البدانة والأمراض الأيضية مراد عدالة وجود إحصائيات محينة حول السمنة في تونس مبينًا أن آخر إحصاء ثابت يعود لسنة 2016 وتبلغ فيه نسبة مرضى السمنة 26.7 بالمائة لكن الإسقاطات الحسابية الإحصائية على سنة 2025 يمكن أن تكون في حدود 35 بالمائة.

وبيّن عدالة أن معظم الوسائل العلاجية تعتمد على مقاربة متعددة الاختصاصات لأن مرض السمنة متعدد الأسباب ولابد من معالجته من جميع الجوانب من بينها الجانب السلوكي الغذائي الطبي في حال وجود غدد مضطربة يتم علاجها والاعتناء بها مشددًا على أن العلاج الدوائي لا يعطي نتيجة مستمرة في الزمن وعادة ما يقع نقص في الميزان بدرجة أو اثنين في مؤشر الكتلة الجسدية ثم يعود للارتفاع في ظرف بضعة أشهر وهو غير كاف للخروج من الحالة المرضية.

رئيس الجمعية التونسية لجراحة البدانة والأمراض الأيضية مراد عدالة لـ"ألترا تونس": آخر إحصاء يعود لسنة 2016 وتبلغ فيه نسبة مرضى السمنة 26.7 بالمائة لكن الإسقاطات الحسابية الإحصائية على سنة 2025 يمكن أن تكون في حدود 35 بالمائة

ويرى محدث "ألترا تونس" أن الجراحة غيرت مسار نتائج العلاج الدوائي لأنها تعطي استجابة جيدة للعلاج وتعمل على التنقيص في مؤشر الكتلة الجسدية بشكل هام وإرجاع الوزن للمعدلات الطبيعية علاوة على أن التدخل الجراحي يساهم حسب الدراسات في اختفاء مرض السكري بنسبة 83 بالمائة وضغط الدم بنسبة 72 بالمائة وتحسن انقطاع التنفس في النوم بنسبة 80 بالمائة وتحسن كافة الأمراض المتعلقة بالسمنة حتى قبل نقص الوزن.

وقال عدالة "الجراحة الأيضية هي العلاج المثالي الحالي ونتائجها مضمونة وبالتالي أصبح الإقبال عليها كبير جدًا.. نسبة النساء اللاتي يقبلن على هذه العمليات تتجاوز نسب إقبال الرجال على اعتبار أن عدد النساء المصابات بالسمنة أكثر من الرجال لعدة أسباب منها العواصف الهرمونية التي تعيشها المرأة ونمط حياتها الذي يعرضها لإجهاد نفسي أكثر من الرجل خاصة المرأة العصرية التي تشتغل وتتحمل مسؤوليات منزلية".

الدكتور مراد عدالة لـ"ألترا تونس": "الجراحة الأيضية هي العلاج المثالي الحالي ونتائجها مضمونة وبالتالي أصبح الإقبال عليها كبير جدًا.."

وأوضح الدكتور أنه لا يمكن إجراء العلاج الجراحي بشكل مباشر وأولي دون تحضير مسبق وأنه لا بد من المرور بالعديد من المراحل من بينها فهم المريض للجراحة والتغير الذي يجب أن يقوم به في نمط حياته وبالتالي وجب توفر شرط أساسي وهو الإدراك أي أن المصابين بأمراض أو تعقيدات نفسية على غرار ازدواج الشخصية وغيرها مقصيون من الخضوع لتدخل جراحي تفاديًا لعدم تطبيقهم للتوصيات المطلوبة منهم وإلى جانب التقييم النفسي قبل الجراحة لابد من المرور بمسارات علاجية سلوكية غذائية قبل العملية أما بعد التدخل الجراحي فمن الضروري ممارسة السلوك العلاجي الجيد كتقطيع الأكل في أوقات منظمة وبكميات قليلة والأكل ببطء. 

وبيّن مراد عدالة أن التدخل الجراحي يحسن وظائف الغدد في الجهاز الهضمي ويحسن سلوك المريض الغذائي ويدفعه لممارسة سلوك سليم لكن لكل علاج جراحي احتمالية أضرار جانبية ومضاعفات لكن نسبة هذه المضاعفات تقل عن 1 بالمائة مضيفًا "الجراحة المنظارية للسمنة تستوجب تدريبًا وخبرة في مراكز متخصصة ذات جودة عالية في العلاج من ضمنها التحضير الجيد والوسائل المعتمدة والتجهيزات كالإنعاش والتخدير والتحضير على مستوى القلب والجهاز التنفسي للتقليص من احتمال حدوث مضاعفات ..وجب ممارسة الجراحة  في مقاييس جودة عالمية وفي مراكز معتمدة تلتزم بقواعد مضبوطة في العمل". 

الدكتور مراد عدالة لـ"ألترا تونس": الجراحة بالمنظار تتم عبر ثقب بسيط وفتحات لا تتجاوز 5 أو 8  مليمترات ويتم عبرها إدخال الآلات الجراحية ثم تمر عبرها كاميرا تنقل صور فيديو ويقع إجراء العملية

وبيّن الأخصائي أن الجراحة بالمنظار تتم عبر ثقب بسيط وفتحات لا تتجاوز 5 أو 8  مليمترات ويتم عبرها إدخال الآلات الجراحية ثم تمر عبرها كاميرا تنقل صور فيديو ويقع إجراء العملية بما في ذلك الخياطة والربط والوصل عن طريق هذه الثقوب مشيرًا إلى أن الجراحة أصبحت شائعة في التسعينيات وأصبحت معممة في السنوات الأخيرة أي أن القاعدة هي الجراحة المنظارية. 

أما الجراحة الأيضية فهي إجراء عملية على أعضاء بغاية تغيير في وظيفتهم والعمليات التحويلية هي تغيير لمسار الأكل في الجهاز الهضمي والنتيجة المرجوة زيادة فاعلية الأنسولين المفرز من البنكرياس وتنشيط البنكرياس وإنقاص تشحم الكبد. 

اقرأ/ي أيضًا: الـ"بلوغينغ".. صيحة رياضية جديدة في تونس

  • "بدينة وهذا ما يميزني"

في الوقت الذي يحاول فيه مرضى السمنة التخلص من الوزن الزائد بشتى الوسائل سواء بالرياضة والحمية الغذائية أو الجراحة فإن البعض الآخر يرى أن الوزن الزائد لا حرج فيه وأن الجسم المثالي لا يخضع لمعايير النحافة والرشاقة على اعتبار أن البدانة لها مميزاتها أيضًا.

تقول منى، وهي أربعينية متزوجة وأم لثلاثة أطفال، إنها اكتسبت وزنًا زائدًا منذ فترة المراهقة على اعتبار أن "السمنة" في عائلتها وراثية لكنها لم تشكل أبدًا عائقًا أمام تمتعهم بحياة طبيعية وتحقيقهم لأهدافهم.

منى: "أعتقد أن الاختلاف هو ما يميز عالمنا ولولا هذا الاختلاف لما كان لحياتنا معنى"

"خلال الفترة الأولى التي اكتسبت فيها وزنًا زائدًا واجهت صعوبات جمة تجاوزتها بفضل مساندة عائلتي لي وسرعان ما تصالحت مع جسمي لأكتشف أني مميزة ومختلفة وقادرة على كسر الصورة النمطية للجسد والتي تقوم أساسًا على النحافة.."، تؤكد منى في حديثها لـ"الترا تونس" أن هاجسها الوحيد هو مجابهة الأمراض التي يمكن أن تنجر عن البدانة كالسكري وضغط الدم وذلك من خلال حرصها على ممارسة الرياضة بشكل يومي وتجنب تناول كميات كبيرة من الحلويات.

وتضيف منى أن البدانة لطالما كانت مقياسًا لجمال وجاذبية المرأة والدليل على ذلك تنظيم مسابقات لملكات جمال البدينات لما لهن من سحر خاص وتتابع "أواجه بعض الانتقادات التي تقدم في شكل نصائح للتخفيض من وزني لكني أتجاهلها طالما أني مقتنعة بشكلي حتى أن زوجي يرفض فكرة دخولي في حمية غذائية.. أعتقد أن الاختلاف هو ما يميز عالمنا ولولا هذا الاختلاف لما كان لحياتنا معنى".  

تجدر الإشارة إلى أنه تم افتتاح أول مركز في شمال افريقيا متخصص في جراحة السمنة ومرضى السكري بمنطقة المنار، ضواحي العاصمة التونسية.

 

اقرأ/ي أيضًا:

العالم يحتفل بيوم اللا حمية العالمي.. تشجيع على قبول الاختلاف

من يملك الآخر.. نحن أم أجسادنا؟