27-أبريل-2022
مريض getty

هو مرض التهابي يؤثر على الجهاز العصبي المركزي ولا وجود لدواء يشفي المريض منه نهائيًا (صورة توضيحية/Getty)

 

"أنت مصاب بمرض التصلب اللويحي المتعدد" كلمات مقتضبة كانت كفيلة بان تقلب حياة الشاب أيوب رأسًا على عقب.. وكأنه يحمل هموم الدنيا على عاتقه غادر أيوب عيادة الطبيب بخطى ثقيلة وفتح هاتفه لعله يظفر بإجابات للكمّ الهائل من الأسئلة التي تجول في ذهنه حول هذا الضيف الثقيل الذي زاره في مقتبل العمر.

"نتائج البحث كانت صادمة أحسست لوهلة بأن حياتي توقفت وبأن العالم ضاق بي وتداخلت الألوان في عيني لتصبح سوادًا حالكًا.. عدت إلى المنزل وفي قلبي حزن أثقل من الجبال الرواسي، قضيت الليلة في التفكير في أسوأ السيناريوهات حتى أني أوشكت على توديع عائلتي.. أبهذه البساطة يعلمني الطبيب بمرض كهذا؟ ألم يكن باستطاعته مراعاة مشاعري ولو قليلًا؟".

أيوب (شاب ثلاثيني): عند معرفتي بأنني مصاب بمرض التصلب اللويحي دخلت في حالة اكتئاب ولازمت الفراش لفترة طويلة وفقدت حوالي 15 كيلوغرامًا من وزني وكلما قرأت عن أعراض المرض وتطوره تأزمت أكثر

يقول أيوب وهو شاب ثلاثيني إنه توجه في الغد إلى مصحة خاصة لتلقي العلاج الذي من شأنه أن يبطئ تطور المرض ويخفف من أعراضه ثم لازم الفراش لفترة طويلة "دخلت في حالة اكتئاب تحتد يومًا بعد يوم، فقدت حوالي 15 كيلوغرامًا من وزني وكلما قرأت عن أعراض المرض وتطوره تأزمت أكثر. تعددت محاولات المحيطين بي لدعمي نفسيًا لكن محاولاتهم باءت بالفشل وكنت أقول في نفسي "ما يحسّ بالجمرة كان الّي يعفس عليها".

ويتابع قائلًا: "تواصل الحال على ما هو عليه إلى أن تعرفت على أشخاص مصابين بالتصلب اللويحي المتعدد منذ سنوات ومنذ تواصلي معهم حدث التغيير.. كلامهم كان بمثابة البلسم الشافي الذي يزيل السقم. حدثوني عن تجربتهم مع المرض وأخبروني بأن المرحلة التي أعيشها سبق أن مرّوا بها وتجاوزوها وبأن التعايش مع المرض والتحكم في تطوره ممكن. كلامهم كان محفزًا وكنت أقتنع به لأننا في نفس الوضعية. تغيرت نظرتي للمرض وعدت إلى العمل".

في حديثه لـ"الترا تونس"، انتقد أيوب الأسلوب الذي يعتمده بعض الأطباء في إعلام المريض بمرضه وعدم التزامهم بالتكفل النفسي به حتى أنه لا يتم تخصيص الوقت الكافي لشرح طبيعة المرض مما يضطر المريض إلى اللجوء للإنترنت لفهم علته وهو ما من شأنه أن يعكر حالته لأن شبكة الإنترنت تعرض معلومات عن أسوأ ما يمكن أن يتعرض له المريض.

أيوب لـ"الترا تونس": ليست هناك توعية بهذا المرض من قبل وزارة الصحة وفي وسائل الإعلام بما يمكّن المصابين به من اكتشاف مرضهم في مرحلة مبكرة 

كما أعرب المتحدث عن أسفه لغياب التوعية بهذا المرض من قبل وزارة الصحة وفي وسائل الإعلام بما يمكّن المصابين به من اكتشاف مرضهم في مرحلة مبكرة "أنا متأكد من أن عدد المرضى بالتصلب المتعدد مرتفع جدًا وأن العديد من التونسيين يتعرضون لهجمات خفيفة لكنهم لا يعون بها إلا في مرحلة متقدمة"، مستطردًا القول: "كنا ننتظر أن يتم التطرق إلى هذا المرض المسكوت عنه في أعمال درامية وسينمائية لكن تناوله في مسلسل "حرقة" لم يكن موفقًا وصوّر المرض على أنه شديد الخطورة بما من شأنه أن يبث الرعب والذعر من هذا المرض".

وختم أيوب حديثه مع "الترا تونس" بالدعوة إلى الاستجابة لأي مؤشّر يطرأ على جسم الإنسان، معتبرًا أنه لا حرج في زيارة طبيب أعصاب.

  • التصلب اللويحي المتعدد

يحتفي العالم سنويًا في الثلاثين من شهر ماي/آيار باليوم العالمي لمرض التصلب اللويحي المتعدد، ويهدف هذا الاحتفال إلى تسليط الضوء على هذا المرض النادر ورفع درجة الوعي به والتعريف بأعراضه وطرق الحد من تطوره علاوة على تقديم آخر المستجدات في علاقة بالدراسات الطبية المنجزة حول المرض.

التصلب اللويحي المتعدد هو مرض التهابي يؤثر على الجهاز العصبي المركزي يتسبّب في مهاجمة وتضرر مادة الميلين المحيطة بالأعصاب، يتطوّر بما يدعى عادة الهجمة، ويظهر عند الفئة التي يتراوح عمرها بين 15 و55 سنة

ويقدر عدد مرضى التصلب المتعدد في العالم بحوالي 2.5 مليون شخص ويعرف هذا المرض على أنه "مرض التهابي يؤثر على الجهاز العصبي المركزي يتسبّب في مهاجمة وتضرّر مادّة الميلين المحيطة بالأعصاب، يتطوّر بما يدعى عادة الهجمة، ويظهر عند الفئة التي يتراوح عمرها بين 15 و55 سنة ويصيب النساء بنسبة أكثر من الرّجال (امرأتان مُقابل رجل واحد)"، وفق "الجمعيّة التونسيّة لمرضى التصلب اللوحوي المتعدّد".

ومن بين الأعراض التي تظهر على المريض الشعور بوخز أو تنميل في الأطراف وضعف في العضلات والتعب والإعياء الشديدين إلى جانب مشاكل في الرؤية وخلل في التوازن. وتختلف هذه الأعراض في حدتها حسب مرحلة المرض كما أنها أعراض تظهر في شكل "نوبات أو انتكاسات" يمكن أن تكون خفيفة أو تلحق الضرر بالمريض.

ويقتصر علاج التصلب المتعدد على الحد من تطور المرض والتخفيف من حدة الأعراض المصاحبة له ولا وجود لدواء يشفي المريض نهائيًا. وللتعايش مع التصلب اللويحي ينصح الأطباء بتجنب الحرارة واتّباع حمية غذائية متوازنة والالتزام بالوصفات الدوائية التي يقدمها الطبيب المباشر لحالة المريض. 

من بين الأعراض التي تظهر على المريض الشعور بوخز أو تنميل في الأطراف وضعف في العضلات والتعب والإعياء الشديدين إلى جانب مشاكل في الرؤية وخلل في التوازن

  • "20 ألف دينار شهريًا كلفة دوائي"

تقول إشراق بن حمودة شابة عشرينية وأم لرضيع لم يتمّ بعد سنته الأولى إنها تشكو من ضباب في عينها اليمنى منذ حوالي سنة ونيف وهو من مخلفات "هجمة" تعرضت لها في تلك الفترة، مبينة أنها في بداية مرضها تلقت علاجًا في مصحة خاصة كلفها حوالي 8 آلاف دينار، ثم تمكنت من الحصول على الإعفاء الخاص بالأمراض المزمنة من قبل الصندوق الوطني للتأمين على المرض "تكفل بمرض ثقيل أو مزمن"، لتنطلق في رحلة علاجها بقسم التصلب اللويحي المتعدد بمستشفى الرازي.

يقتصر علاج التصلب المتعدد على الحد من تطور المرض والتخفيف من حدة الأعراض المصاحبة له. وللتعايش مع التصلب اللويحي ينصح الأطباء بتجنب الحرارة واتّباع حمية غذائية متوازنة والالتزام بالوصفات الدوائية التي يقدمها الطبيب

وتضيف إشراق في حديثها لـ"الترا تونس" أن كلفة علاج هذا المرض باهظة جدًا وأنها تتلقى 4 حقن بصفة شهرية يتجاوز سعرها عشرون ألف دينار، "طبيب الأعصاب هو من يحدد مرحلة المرض وفقًا للهجمة التي يتعرض لها المريض والضرر الذي تلحقه به وتبعًا لذلك يتم تحديد نوعية الدواء. مصحة العمران للضمان الاجتماعي تؤمن لنا الدواء مجانًا. وكنا نتحصل على دواء لمدة 6 أشهر لكن بعد أزمة كورونا يُوفَّر لنا دواء لمدة شهر واحد".

ولفتت المتحدثة إلى أن مرض التصلب اللويحي المتعدد يشهد ارتفاعًا كبيرًا في تونس وفي العالم حتى أن بعض الإحصائيات تشير إلى تسجيل إصابة بالمرض كل عشر دقائق، وفقها.

كما انتقدت تقصير الدولة ووزارة الصحة في التعريف بهذا المرض عبر حملات توعوية تعزز الثقافة الصحية لدى المواطن التونسي الذي لا يعرف من الأمراض المزمنة سوى السكري وضغط الدم، مشيرة إلى أن الجمعيات بصدد بذل مجهودات جبارة للتعريف بالمرض والإحاطة بالمصابين به.   

إشراق (مصابة بالتصلب اللويحي): كلفة علاج هذا المرض باهظة جدًا، إذ أتلقى 4 حقن بصفة شهرية يتجاوز سعرها 20 ألف دينار، بيْد أن  مصحة العمران للضمان الاجتماعي تؤمن للمصابين بهذا المرض الدواء مجانًا

وقالت بن حمودة إن "عدم التعريف بهذا المرض وأعراضه يجعل المواطن التونسي عرضة للإصابة به دون التفطن لذلك بما يساهم في تعكر حالته علاوة على تعرض المرضى به إلى العديد من المصاعب" قائلة "أحيانًا لا يمكنني الوقوف في وسائل النقل العمومي لكن المواطن التونسي لا يتفهم طبيعة مرضي ولا يصدق أنني لا أقوى على الوقوف لوقت طويل فأضطرّ في كل مرة إلى التعريف بمرضي وأعراضه والعلاج الذي أنا بصدد تلقيه".

كما اعتبرت إشراق بن حمودة أن التعايش مع مرض التصلب اللويحي المتعدد ممكن خاصة عند الكشف عن المرض مبكرًا قبل أن يصيب أحد أعضاء الجسم بضرر، منوهةً إلى أن العائلة لها دور كبير في الإحاطة بالمريض ومساعدته على الالتزام بمسؤولياته عندما يتعرض لانتكاسة. 

  • أكثر من 5 آلاف إصابة بالمرض في تونس

تظل مجهودات الدولة محتشمة في التعريف بهذا المرض النادر والإحاطة بالمصابين به شأنها شأن العديد من الدول العربية الأخرى واقتصرت تدخلاتها على توفير الدواء والرعاية الصحية للمرضى.

وقد احتضنت تونس فعاليات شهر الأمراض النادرة بالتعاون بين وزارة الصحة وجمعية الكشافة التونسية وجمعية التطور والابتكار الطبي بشارل نيكول تم خلاله التطرق إلى مرض التصلب اللويحي المتعدد.

وتساهم الجمعيات التونسية في الإرشاد حول هذا المرض من خلال ومضات تحسيسية وتوعوية كما تسهر على توفير الرعاية اللازمة للمرضى. 

 رانيا كواش (عضو بالجمعية التونسية لمرضى التصلب اللوحوي المتعدد): عدد مرضى التصلب اللويحي في تزايد مستمر لأن أسلوب الحياة أصبح مرهقًا علاوة على أن العديد من المصابين لا علم لهم بإصابتهم بسبب ظهور علامات المرض ثم اختفائها

وقد أكدت رانيا كواش، عضو بـ"الجمعية التونسية لمرضى التصلب اللوحوي المتعدد"، أن الجمعية تأسست سنة 2005 وتعنى بالإحاطة بالمريض وعائلته عبر تنظيم أيام تحسيسية يتم خلالها التعريف بالمرض وكيفية التعامل معه والتداول في كل المستجدات المتعلقة به بحضور دكاترة أخصائيين يوجهون المرضى ويقدمون لهم المساعدة ويجيبون على كل استفساراتهم.

وأشارت كواش في حديثها لـ"ألترا تونس" إلى أن "الجمعية تسعى جاهدة للتعريف بالمرض عبر وسائل الإعلام ووسائل التواصل الاجتماعي وعبر تنظيم حفلات عائداتها ترصد لمرضى التصلب اللويحي. كما أعربت عن أسفها لعدم معرفة المواطن التونسي بهذا المرض رغم المجهودات المبذولة، معزية ذلك إلى ندرة هذا المرض المزمن.

ولفتت المتحدثة إلى أن "العديد من المرضى يصابون بالإحباط عندما يبحثون عن معلومات حول المرض على الإنترنت وغالبًا ما تعنى المعلومات المعروضة بالحالات القصوى كالإعاقة وغيرها فيصاب المريض بتعب نفسي شديد في حين أن كل حالة فريدة من نوعها ولا تتشابه مع الأخرى وبالتالي تسعى الجمعية للإحاطة بالمريض نفسيًا وعمدت في أكثر من مرة إلى إحداث ورشات مساندة نفسية لكن المرضى لا يقبلون عليها. 

وبينت رانيا كواش أن عدد مرضى التصلب اللويحي في تزايد مستمر لأن أسلوب الحياة أصبح مرهقًا علاوة على أن العديد من المصابين لا علم لهم بإصابتهم بسبب ظهور علامات المرض ثم اختفائها علاوة على عدم قدرة بعض الأطباء على تشخيص المرض جيدًا وتوجيه المريض لطب الأعصاب وتبعًا لذلك أكد رئيس قسم الأعصاب بمستشفى الرازي الدكتور رياض قويدر ضرورة إخضاع كل شاب يشكو من تنميل أو من ضباب في العين إلى التصوير بالرنين المغناطيسي لأن هذه الأعراض غير طبيعية في سن الشباب، وفق تعبيرها. 

رانيا كواش لـ"الترا تونس": أصعب مرحلة يمر بها المريض هي المنظومة العلاجية المعقدة فلا يتم التكفل بعلاج المريض إلا عند استظهاره ببطاقة علاج عمومية في حين أن العديد من المرضى شباب عاطل عن العمل

وتضيف محدثة "الترا تونس": "أصبت بالتصلب اللويحي المتعدد في سن العشرين.. اشتكيت في البداية من عدم القدرة على النظر فوجّهني أخصائي في طب العيون مباشرة إلى طب الأعصاب. أعتبر نفسي محظوظة لأن الأطباء اكتشفوا مرضي مبكرًا وتلقيت العلاج اللازم، فبعض المرضى يتعرضون لأكثر من هجمة وفي كل مرة تكون حدتها أكثر من سابقتها فيصابون بإعاقة دائمة"، وفقها.

كما تشير عضو الجمعية إلى أن أصعب مرحلة يمر بها المريض هي المنظومة العلاجية المعقدة فلا يتم التكفل بعلاج المريض إلا عند استظهاره ببطاقة علاج عمومية في حين أن العديد من المرضى شباب عاطل عن العمل بالإضافة إلى عدم توفر الدواء بصفة دورية بمصحة العمران"، وفقها.

 وبينت رانيا كواش أنه وفقًا لإحصائيات سنة 2017 بلغ عدد المصابين بهذا المرض المزمن 3500 شخص في تونس لكن هذه الإحصائيات تشمل فقط الفئة المتحصلة على بطاقة تكفل بالأمراض المزمنة والثقيلة دون احتساب المرضى الآخرين، مقدرة أن "العدد يمكن أن يتجاوز حاليًا الـ 5000 مريض"، حسب تقديرها.

كما أشارت إلى أن الجمعية تطالب بدفتر وطني لمرضى التصلب اللويحي لتتمكن من معرفة عدد المرضى في تونس والمطالبة بحقوقهم، لكن قانون حماية المعطيات الشخصية حال دون ذلك، على حد قولها.