27-مارس-2020

يبدو الاستثمار الخاص هو أول ضحايا جائحة كورونا (ياسين القايدي/وكالة الأناضول)

 

لم يتمهّل رئيس الحكومة كثيرًا قبل أن يعلن في أوّل ظهور له بخصوص جائحة كورونا الأثر السلبي على الاقتصاد التّونسي، ولم يتردّد، وقد يكون تسرّع تفاؤلًا أو تشاؤمًا، في توقّع ألاّ تتجاوز نسبة النموّ 1 في المائة بعد أن اعتمدت حكومة يوسف الشّاهد فرضية 2.7 في المائة كنموّ سنوي لسنة 2020. نعم، لمّا تحن لحظة الحصر النّهائي لهلاك اقتصادي لا مفرّ منه لمؤسّسات عمومية وخاصة وربّما لقطاعات بأكملها، ولكنّها حتميّة.

في حال استمرّت الأزمة لأشهر لا قدّر الله فلن نعلم بالتّحديد ما الذي سيتبقّى ممّا نعرفه من الاقتصاد قبل الجائحة

وإلى حدود كتابة هذا المقال، يبدو من الواضح أنّ الاستثمار الخاص تونسيًا كان أو أجنبيًا هو أول الضّحايا، تليه السياحة بما فيها سياحة الجوار من الجزائر خصوصًا والتي لم تنتكس حتى في أحلك فترات الاضطراب الأمني بعد الثورة. وفيما هو موجود من الصّعب الجزم إمكانيّة التقليل من آثار الأزمة: تعليق رحلات الطّيران وأثره على شركة الخطوط التونسيّة المنهكة، تصدير الفسفاط والضّرائب على الشّركات الكبرى.

اقرأ/ي أيضًا: كورونا والاقتصاد التونسي.. أوجه متعددة للأزمة

وإذ سارع البعض بالتّهليل للآثار الإيجابيّة لانهيار أسعار البترول على التّوازنات المالية والدعم الحكومي للطّاقة، فإنّهم يغفلون ما تجنيه تونس من حقول نفطها مواردًا غير جبائيّة قدّرت في 2018 بحوالي 635 مليون دينار، ويغفلون أنّ العجز التجاري الطّاقي الذي يمثّل حوالي ثلث العجز التّجاري جلّه مع الجزائر التي تتأثّر مباشرة بانهيار أسعار البترول والتي ستكون أحرص على استخلاص مُستحقّاتها في هذا الظّرف الصّعب. لا خير لتونس إذًا في انهيار أسعار النّفط، وفي حال استمرّت الأزمة لأشهر لا قدّر الله فلن نعلم بالتّحديد ما الذي سيتبقّى ممّا نعرفه من الاقتصاد قبل الجائحة.

كُلفة الإنقاذ؟

لا سقف لكلفة الإنقاذ... ليس هذا شعار الحكومة أو السلطة النقديّة في تونس، ولكنّه التوجّه الدوليّ في الاقتصاديّات الكبرى. إذ سيضخّ البنك المركزيّ الأوروبي سيولة نقديّة تاريخيّة تُقدّر ب750 مليار يورو لإنقاذ الدّول من تبعات جائحة الكورونا. وفي الولايات المتّحدة الأمريكيّة يوافق الكونغرس على خطّة إنقاذ تُقدّر ب2 تريليون دولار.

في تونس، لا تزال قرارات البنك المركزي محتشمة، ويمكن فهم ذلك في إطار التدرّج إذ لا معنى لتخفيض كبير في نسب الفائدة قبل قياس أثره بدقّة على الطّلب والاقتصاد لا سيّما وأنّ الأزمة صحية بالأساس وهو ما يعني أنّ الدّفع بالطّلب ليس مضمونًا ناهيك عن انخفاض العَرض المتوقّع بحكم الأزمة القائمة في كلّ من الصّين وإيطاليا وهما من أهمّ الشّركاء التجاريين لتونس في البضائع الاستهلاكيّة والتجهيزات المعدّة للإنتاج الفلاحي والصناعي.

اقرأ/ي أيضًا: السياحة في مهب رياح "الكورونا"..

وللإنصاف يجب أن نقرّ أنّ السياسة النقديّة للمحافظ الحاليّ للبنك المركزيّ تركت نافذة مريحة للتجاوب مع الصّدمة الاقتصاديّة لتخفيض النّسبة المديرية عبر التّرفيع فيها في مراحل سابقة والحدّ من التّضخّم، كما يُحسب لها تحجيمها لقيمة تمويل البنوك والتي بدت في السنوات المستفيد الأكبر من هشاشة الاقتصادوعجز الدّولة التي باتت الحريف المفضّل للقطاع البنكي.

وشهدت الأيّام الأخيرة في تونس ما بدا أنّه تلاسن وغمز ولمز بين الطّبقة السياسيّة وبعض النّاشطين من جهة واتّحاد الأعراف ممثّلًا في رئيسه من جهة ثانية. وإلى حدّ كبير يعود هذا التوتّر إلى انطباع سائد فحواه الانزعاج من احتشام تبرعات رؤوس الأموال والبنوك وطبقة رجال الأعمال لصندوق أعدّ لمساندة وزارة الصحّة في مواجهة الجائحة. فمن ناحية يعبّر أصحاب المؤسّسات عن تطلّعهم للحصول على دعم أكبر من الدولة لإنقاذ مؤسّساتهم ومن ناحية أخرى يلمّح فريق آخر يشمل رئيس الحكومة نفسه إلى أنّ كلّ الخيارات تبقى واردة في حال لم يتجاوب رؤوس الأموال مع دعوات الدّعم بما في ذلك خيار التّأميم.

لا تزال قرارات البنك المركزي محتشمة، ويمكن فهم ذلك في إطار التدرّج إذ لا معنى لتخفيض كبير في نسب الفائدة قبل قياس أثره بدقّة على الطّلب والاقتصاد

على أنّ هذا النّقاش يبدو عقيمًا من زاويتين، فمن ناحية لن يكون تأميم شركات عائليّة عاجزة إلاّ تأميمًا للإفلاس وتعميقًا للعجز المالي للدّولة، أمّا إذا تعلّق بنشاط اقتصادي قائم على امتياز ما (توزيع السيارات مثلًا) فهو قد يعني إحداث احتكار جديد للدّولة لا يعدو أن يكون مأسسة لبيروقراطيّة احتكاريّة جديدة لا يمكن ضمان ألا تتحوّل لبؤرة للفساد والإفلاس والعجز على غرار احتكارات أخرى (التبغ، القمح إلخ). لكن هل يعني ذلك الاستجابة لطلبات المؤسّسات الكبرى تحت ضغط تهديدها الاجتماعي الضمني: إمّا دعم الدّولة أو تسريح العمال والموظّفين بما يشكّل مأزقا اجتماعيّا للمجموعة الوطنيّة؟

ربّما كانت المقاربة المطلوبة من خارج ثنائيّة التّأميم واستحواذ الدّولة على مقدّرات الأثرياء للاستجابة لاحتياجات المجتمع من جهة، أو الخضوع لما قد يغدو ابتزاز قطاع خاصّ متمعّش من ريع الدّولة ولعلّه يسعى للاستفادة من الأزمة لتوسيع دائرة استفادته واستدامة الأحوال من جهة ثانيا. ربّما كانت المقاربة المطلوبة لمجابهة الأزمة هو ذات ما نحتاج لاقتناص فرصة ما بعد الكورونا.

 

اقرأ/ي أيضًا:

الحجر الصحي الإجباري للعائدين من بؤر "كورونا".. القصة الكاملة

طبيبة تونسية في إيطاليا تروي لـ"ألترا تونس" تجربتها في مواجهة كورونا