09-يونيو-2018

الحبيب بورقيبة في أولاد حفوز سنة 1949 ومعه الطاهر حفوز الذي اغتالته اليد الحمراء الفرنسية هو وشقيقه

رغم أهمية مرحلة مقاومة الاستعمار الفرنسي في التاريخ التونسي ورغم حداثتها نسبيًا إلا أن التاريخ الرسمي احتفى بشكل خاص بأسماء دون غيرها من المقاومين والمناضلين وسكت عن آخرين أو ذكرهم بشكل باهت، فلم يوف حقهم ولا عرفتهم الأجيال التي تلتهم.

هؤلاء المغيّبون عمدًا أو عن جهل ودون وعي صنعوا جزءًا لا يستهان به من تاريخ المقاومة التونسية ضد المستعمر وكانت نضالاتهم وتحركاتهم نقاطًا مضيئة في مسيرة الاستقلال الوطني.

من بين هؤلاء اسمين غُيبت نضالاتهما عن الكثيرين، يتعلق الأمر بالأخوين الطاهر وعلي حفوز واللذان اغتالتهما عصابة اليد الحمراء في 24 من ماي/ آيار سنة 1954 في منزلهما في أحد أيام شهر رمضان. وقد سُميت منطقة أولاد حفوز نسبة لهما، نظرًا لما قدماه رفقة آخرين خلال فترة مقاومة المستعمر الفرنسي.

سُميت منطقة أولاد حفوز نسبة للأخوين الطاهر وعلي حفوز نظرًا لما قدماه رفقة آخرين خلال فترة مقاومة المستعمر الفرنسي

وأولاد حفوز، هي معتمدية في ولاية سيدي بوزيد، تقع في الجنوب الغربي لمدينة القيروان حوالي ثمانين كيلومترًا، وشرقي مدينة سبيطلة حوالي سبعين كيلومترًا. كما أن معتمدية حفوز، في الشمال الغربي لمدينة القيروان، سميت كذلك بدلًا من اسمها القديم بيشون (Pichon) وهو اسم لمعمّر فرنسي ستيفان بيشون (مقيم عام فرنسي بين 1901 و1906)، اعترافًا بالجميل لوالد الشهيدين حفوز ونظرًا لدور ابنيه في النضال ضد المستعمر.

 

توضيح مكان منطقتي أولاد حفوز وحفوز في خريطة تونس

توضيح مكان منطقتي أولاد حفوز وحفوز في خريطة تونس

 

ولد علي حفوز سنة 1908، زاول تعليمه بالكتاتيب وكان مولعًا بالتجارة والفلاحة وله مكانة اجتماعية بين الناس ويعودون إليه لفضّ مشاكلهم. أما الطاهر حفوز فقد ولد سنة 1917، تتلمذ على يد الشيخ محمد التاجوري بالساحل، ثم التحق بجامع الزيتونة وانقطع عن الدراسة بعد أحداث 9 أفريل 1938 وخصص ما تلى من حياته للنضال ضد المستعمر.

ولا يقتصر نضال أهالي أولاد حفوز على الأخوين حفوز إذ عرفت المنطقة وما جاورها زمن الاستعمار حركة مقاومة بارزة، وقُدمت خلالها تضحيات من أسماء عدة، لكن المستعمر ورجاله اعتبروهما "محرّكين رئيسيين للمقاومة في الجهة"، كما يذكر محمد السعيدي شوشان في كتابه "أولاد حفوز قلعة حضارة ونضال"، والذي أصدره في الذكرى الخمسين لاستشهادهما. وربما يفسر ذلك استهدافهما من قبل اليد الحمراء.

والأخيرة هي عصابة من الاستعماريين الفرنسيين نشطت بالبلاد التونسية في خمسينيات القرن الماضي ولم يتم إلى غاية اليوم الكشف عن عناصرها كما أنهم لم يقدموا إلى المحاكمة. وقد قامت اليد الحمراء باغتيال عدد من التونسيين ومن أكثرهم شهرة الزعيم النقابي فرحات حشاد في 5 ديسمبر/ كانون الأول 1952 والقيادي الدستوري الهادي شاكر في سبتمبر/ أيلول 1953 والدكتور عبد الرحمن مامي في 13 جويلية/ يوليو 1954 والأخوين حفوز.

اعتبر المستعمر الفرنسي الأخوين حفوز محرّكين رئيسيين للمقاومة في جهتهما واستهدفتهما اليد الحمراء في 24 من ماي سنة 1954 في منزلهما في أحد أيام شهر رمضان

اقرأ/ي أيضًا: علي الزليطني.. قصة أحد مناضلي الاستقلال المنسيين

قليلة هي الشهادات عن فترة النضال ضد المستعمر الفرنسي والتي تورد إسمي الطاهر وعلي حفوز، وكأن التاريخ لم ينصفهما، فيما تعرضت لهما شهادات قليلة بإجلال وتقدير. فقد كانا من مؤسسي أول شعبة دستورية في جهتهما ويُورد في هذا السياق شوشان في كتابه المذكور سالفًا أن "حين وصلت أصداء ما يقوم به بورقيبة إلى الجهة تمّ الاتصال به ودعوته لزيارة المنطقة فكانت الزيارة يوم 11 سبتمبر/ أيلول 1933 وقدم بورقيبة تحت غطاء إنابة في قضية حول خلاف على قطعة أرض باعتباره محاميًا فأقام هناك ثلاثة أيام عقدت خلالها سلسلة من الاجتماعات تحت إشرافه وبحضور طلبة من جامع الزيتونة وجمع من المناضلين… كانت من نتائج الزيارة تكوين شعبة تضم ما يعرف حاليًا ببوحجلة، نصر الله، الشراردة، وأولاد حفوز أما أعضاؤها فكانوا عبد النبي ضو وعلي حفوز والصادق بوعروة، علي بن المكي زروق، عبد الرحمان خميلة، العكرمي بن الحاج نصر، ومحمد بن العكرمي زروق شهر محمد الجلاصي".  

 

الطاهر حفوز

الطاهر حفوز

 

إثر ذلك، مثّل الجلاصي الجهة في مؤتمر قصر هلال يوم 2 مارس/ آذار 1934 وانخرط هو وعلي حفوز وغيرهم من المناضلين الآخرين في تشجيع أهالي الجهة للانضمام للحزب الحر الدستوري الجديد ودعوتهم لعدم الرضوخ لظلم المستعمر. وتأسست بشكل رسمي أول شعبة في الجهة سنة 1937 وحملت اسم "الرحيات" وكان رئيسها عبد النبي ضو وكاتبها العام الطاهر حفوز وأمين المال علي حفوز ومن أعضائها الصادق بو عروة وعلي بن المكي زروق وأشرف على تأسيسها صالح بن يوسف. 

اقرأ/ي أيضًا: تونس.. وثائق جديدة حول استغلال المستعمر الفرنسي للثروات الباطنية

شارك عدد من أبناء الجهة في مظاهرة يومي 8 و9 أفريل/ نيسان 1938 ومنهم الطاهر حفوز والصادق بوعروة. وسجن العديد من هؤلاء ومنهم عبد النبي ضو، الذي قال عن فترة سجنه، وفق رواية محمد السعيدي شوشان في كتابه "أولاد حفوز قلعة حضارة ونضال": "تمكنت خلالها من توطيد العلاقة مع بقية مناضلي الجهات.. وتحسست الدور الفعال الذي قام به أبناء الجهة ممن ظلوا خارج السجن خاصة الطاهر حفوز رغم صغر سنه آنذاك إذ لم يتجاوز 21 سنة". 

يقول شوشان في كتابه إنه عُرف عن الطاهر حفوز أنه "كان يتنقل بين تجار القماش في صفاقس ويشتري كميات ضخمة من الأقمشة من اللون الأصفر الكيكي ليساهم بها في إعداد ملابس الثوار"، ووفق ذات المصدر، ساعد الأخوين حفوز في تخبئة سلاح المقاومة في بعض مخازن الجهة واستعملوا شاحنات والدهم لجلب السلاح وإخفائه وسط السلع والأمتعة، وهذه أمثلة قليلة لمساهمات عديدة للأخوين حفوز أجمع حولها من تعرض لتاريخ المقاومة التونسية للمستعمر.

ناضل الأخوين حفوز في فترة كانت ملامحها غير واضحة والحرب في الجزائر في بداياتها وتوجها نحو استعمال السلاح ضد المستعمر في فترة تخوف فيها الكثيرون

ففي الذكرى 59 لاستشهاد الأخوين حفوز، وفي تظاهرة عُقدت بالمناسبة، ذكر أحمد المستيري، وهو سياسي تونسي بارز من مواليد سنة 1925 ومؤسس حركة الديمقراطيين الإشتراكيين، أن الأخوين ناضلا "في فترة كانت ملامحها غير واضحة وكانت الحرب في الجزائر في بداياتها والآفاق مسدودة، وتوجها نحو القوة واستعمال السلاح ضد المستعمر في فترة تخوف فيها الكثيرون"، وأشار المستيري إلى أن عائلة حفوز وكل الجهة تعرضت للقمع بعد تطور نشاط الأخوين حفوز وشباب آخرين في الجهة ضد الاستعمار".

وتأكيدًا لما ذكره المستيري، يُورد شوشان في كتابه أن الطاهر حفوز كان قد عقد في سنة 1954 اجتماعًا تضمن مقولة حظيت بترحاب وراجت بين الناس: "إنني على علم برغبة عدد كبير منكم الالتحاق بالثورة المسلحة، ولكن ظروفهم المادية لا تسمح لهم بذلك لهذا فإنني أطلب منكم أن تنقلوا عني هذا الخبر لمن لم يحضر: كل من يريد الالتحاق بالثوار فإن عائلة حفوز مستعدة لتدفع له 70 ألف فرنك وكسوة وسلاحًا وتتولى القيام بشؤون عيَاله".

ويُقال إن هذا القول بلغ صداه إلى سلطات الاستعمار الفرنسي فتعرضت الجهة للحصار والترويع وكان التوجه نحو التخلّص من الأخوين الطاهر وعلي حفوز من قبل اليد الحمراء وهو ما تم في 24 من ماي/ آيار سنة 1954. وكان من تداعيات الاغتيال مقتل عدد من المعمرين وتطور حركات الاحتجاج ضد رجال الاستعمار. وذُكر عن المناضل الساسي لسود قوله "إنّ قولي فصل وماهو بالهزل وفي يوم الغد وليس قبله ولا بعده، إنّ المقاومين سيردون على اغتيال ابني حفوز وهكذا كل تونسي يقع اغتياله بعد اليوم نرد بعشرة".

 

اقرأ/ي أيضًا:

علي بن عياد.. أسطورة المسرح التونسي

بين 1952 و1956: 10 تواريخ فارقة في مسيرة استقلال تونس