26-يناير-2022

كانت نادية عكاشة من مهندسي فترة رئاسة سعيّد وكذلك من المهندسين لـ25 جويلية واستتباعاته

 

صدر بالرائد الرسمي، الثلاثاء 25 جانفي/ يناير 2022، أمر رئاسي عدد 50 لسنة 2022 مـؤرخ في 24 جانفي 2022 يقضي بإنهاء تكليف نادية عكاشة بمهام مديرة الديوان الرئاسي.

لكن عكاشة كانت قد أعلنت في تدوينة على صفحتها الرسمية بموقع فيسبوك، منذ مساء الاثنين 24 جانفي أنها استقالت من منصب مديرة الديوان الرئاسي. وكتبت عكاشة "قررت اليوم تقديم استقالتي لرئيس الجمهورية من منصب مديرة الديوان الرئاسي بعد سنتين من العمل". 

نادية عكاشة: "اليوم وأمام وجود اختلافات جوهرية في وجهات النظر.. أرى من واجبي الانسحاب من منصبي كمديرة للديوان الرئاسي"

وأضافت "اليوم وأمام وجود اختلافات جوهرية في وجهات النظر المتعلقة بهذه المصلحة الفضلى أرى من واجبي الانسحاب من منصبي كمديرة للديوان الرئاسي".

اقرأ/ي أيضًا: نادية عكاشة تعلن استقالتها من الديوان الرئاسي

أثار هذا التباين بين تدوينة مديرة الديوان الرئاسي السابقة وما ورد في الرائد الرسمي نقاشًا على منصات التواصل تونسيًا وكذلك في وسائل الإعلام لما قد يخفيه من خلفيات لهذه "الإقالة/استقالة".

يُذكر أن مغادرة عكاشة قصر قرطاج ليس الأول ضمن ديوان الرئيس قيس سعيّد، منذ توليه منصبه في أواخر سنة 2019، إذ تعددت الإقالات/الاستقالات خلال السنتين الماضيتين، ومن بينها استقالة المستشارة السابقة لدى الرئيس المكلفة بالإعلام والاتصال رشيدة النيفر وقد تضمن الرائد الرسمي للجمهورية التونسية حينها خبر قبول الاستقالة ولم يُذكر حينها أنه إنهاء مهام أو إقالة مما يُوحي بوجود لبس ونية واضحة خلف التضارب بين روايتي الرئيس المضمنة بالجريدة الرسمية للبلاد ورواية مديرة الديوان السابقة نادية عكاشة.

اقرأ/ي أيضًا: وردت بالرائد الرسمي: استقالة رشيدة النيفر من مهامها بالديوان الرئاسي

ورغم أهمية تحليل وفهم حقيقة الأمر، خاصة للصحفيين والمتابعين للشأن السياسي، لكن ما يبدو أكثر أهمية هي استتباعات هذه الإقالة/استقالة إذ أن مديرة الديوان الرئاسي السابقة نادية عكاشة لم تُعرف كشخصية تقوم بمهام إدارية فقط وبعيدة عن معادلات السياسة في البلاد. 

لم تُعرف نادية عكاشة كشخصية تقوم بمهام إدارية فقط وبعيدة عن معادلات السياسة في البلاد بل كانت من مهندسي فترة رئاسة سعيّد وكذلك من المهندسين لـ25 جويلية واستتباعاته

على العكس، خلال فترة توليها منصبها أشيع الكثير عن عكاشة، وإن افتقر معظمه لأدلة وبراهين ولم يخل من تشويه واعتماد أساليب دنيئة وعبارات مدانة، إلا أنه لا يمكن نفي أن المتخصصة في القانون الدستوري والطالبة السابقة لدى الرئيس سعيّد كانت فعلًا مقربة منه في مهامه وكانت تحظى بثقة كبرى وتجلى ذلك من خلال منحها منصب "الوزيرة مديرة الديوان" وحضورها كل اجتماعات مجالس الوزراء منذ 25 جويلية/ يوليو 2021 وتنقلها مع الرئيس في معظم رحلاته خارج البلاد وحضورها مجالس الأمن القومي وكذلك دورها ودعمها اللافت للقرارات الرئاسية في 25 جويلية الماضي.

ونادية عكاشة للتذكير هي أستاذة متحصلة على الدكتوراه في القانون العام، تدرّس بكلية العلوم القانونية والسياسية والاجتماعية بتونس. وهي متخصّصة في القانون الدستوري وعضوة في الجمعية التونسية للقانون الدستوري.

في محاولة فهم "الإقالة/الاستقالة"، تعددت وجهات النظر في تونس وحاول كل طرف تقديم الرواية التي تخدم مصالحه وارتباطاته. وبعيدًا عن كل ذلك هناك ثوابت قليلة في الموضوع يمكن الارتكاز عليها وذكرها مع تواصل البحث في عديد التفاصيل. 

اقرأ/ي أيضًا: تفاعلات سياسيين حول استقالة مديرة الديوان الرئاسي

من الثابت، وفق مصادر متعددة ومطلعة، أن هناك شقّين داخل قصر قرطاج، "شق مديرة الديوان الرئاسي السابقة نادية عكاشة وشق وزير الداخلية توفيق شرف الدين"، إن صح التعبير. وهذا الشق الأخير يحظى الآن بالكلمة العليا في قصر قرطاج. 

هناك شقّين داخل قصر قرطاج، "شق مديرة الديوان الرئاسي السابقة نادية عكاشة وشق وزير الداخلية توفيق شرف الدين" وهذا الشق الأخير يحظى الآن بالكلمة العليا في قصر قرطاج

ومن الأدلة على ذلك، قيامه بتغييرات في مناصب مهمة وشرفية في الدولة، يبدو أنها لم تكن محل رضا مديرة الديوان الرئاسي السابقة. وهو ما أكدته وكالة رويترز في برقية تعرضت فيها إلى أن مصدرًا سياسيًا، كما أطلقت عليه، أخبرها أن "الخلاف سببه دعم الرئيس سعيّد لقرار وزير داخليته بإحالة 6 قيادات أمنية كبرى، من بينها رئيس سابق لجهاز المخابرات إلى التقاعد الوجوبي".

وما يُمكن تأكيده أيضًا أن خلافات عكاشة "الجوهرية" كما سمتها، في تدوينة إعلان استقالتها، ليست على مستوى جوهر سياسات سعيّد بل هي غالبًا في مستوى موازين القوى داخل قصر قرطاج.

ويٌنتظر إثر إقالة/استقالة عكاشة، أن تطرأ تغييرات على عدة مناصب في الدولة التونسية منها تغيير وزراء أو ربما رئيسة الوزراء الحالية نجلاء بودن. 

خلافات عكاشة "الجوهرية" كما سمتها ليست على مستوى جوهر سياسات سعيّد بل هي غالبًا في مستوى موازين القوى داخل قصر قرطاج

وإن أكدت جهات مقربة من حركة النهضة (معارضة حاليًا للرئيس)، سواء سياسية أو إعلامية أيضًا، وجود صلة للجيش التونسي بما حصل من "إقالة/ استقالة" فإن لا إثباتات أو أدلة على ذلك. 

وتُصور بعض القيادات المقربة من الشق الإسلامي في تونس أو من معارضة الرئيس سعيّد بشكل عام، هذه الإقالة/استقالة كنوع من "النصر" في مسار مناهضتهم لقرارات سعيّد منذ 25 جويلية/يوليو السابق ونوع من التفكك في صفوف الطرف الآخر أي الرئاسة وهو ما يحمل جانبًا من الصحة لكن لا يمكن تحميله استتباعات، كما يروج لها البعض، عن ارتداد في توجه الرئيس، بل ربما ستحمل الأيام القادمة تصعيدًا لافتًا على مستوى ذات الخيارات التي انطلق فيها منذ 25 جويلية 2021.

يٌنتظر إثر إقالة/استقالة عكاشة، أن تطرأ تغييرات على عدة مناصب في الدولة التونسية منها ربما تغيير وزراء أو رئيسة الوزراء الحالية

والثابت أن قصر قرطاج (القصر الرئاسي في تونس) عانى لعقود سابقًا من صراع الأجنحة داخله وتدخل مختلف عائلات الرؤساء في الشأن السياسي في البلاد ما عدا استثناءات قليلة كانت أساساً مع الرئيس السابق المنصف المرزوقي، الذي أبعد عائلته تمامًا عن تطورات وتفاعلات السياسة في تونس خلال فترة حكمه، أو مع الرئيسين المؤقتين فؤاد المبزع (15 جانفي/ 13 ديسمبر 2011) ومحمد الناصر (25 جويلية/23 أكتوبر 2019)، وقد كانت فترة الرئاسة بالنسبة لهما موجزة.

واللافت أيضًا أن وضع القصر الرئاسي في تونس منذ فترة، يوحي بتناقض جلي مع ما يصرح به عادة الرئيس التونسي منذ توليه منصبه، إذ دأب على انتقاد ما يسميه "الغرف المغلقة للسياسيين في تونس"، فيما يبدو قصر قرطاج "غرفة مظلمة" تمامًا منذ فترة، تكثر حوله الإشاعات والصراعات والدسائس.

ولم تعلن الرئاسة التونسية، إلى الآن، عن بديل عكاشة في أحد أهم مناصب قصر قرطاج.

 

اقرأ/ي أيضًا:

المشيشي وتحويره: من وسادة القصر إلى وسادة البرلمان

بقرار من مديرة الديوان الرئاسي: تسميات جديدة في رئاسة الجمهورية