09-فبراير-2022

مقر المجلس الأعلى للقضاء وقد تم إغلاقه ومعاينة الغلق قانونيًا (ياسين القايدي/ الأناضول)

 

تعيش المحاكم التونسية، خلال يومي الأربعاء والخميس 9 و10 فيفري/شباط 2022، على وقع إضراب عام، كانت قد دعت له جمعية القضاة التونسيين، احتجاجًا على ما اعتبرته "الانتهاك الصارخ لاستقلالية السلطة القضائية من قبل الرئيس التونسي قيس سعيّد وحل المجلس الأعلى للقضاء كآخر ضمانة للفصل بين السلط وتحقيق التوازن بينها"، كما ورد في بيانها للعموم.

تعيش المحاكم التونسية، الأربعاء والخميس 9 و10 فيفري 2022، على وقع إضراب عام، كانت قد دعت له جمعية القضاة التونسيين، احتجاجًا على ما اعتبرته "الانتهاك الصارخ لاستقلالية السلطة القضائية وحل المجلس الأعلى للقضاء"

ومن المنتظر إضافة إلى الإضراب بيومين، تنظيم وقفة احتجاجية أمام مقر المجلس الأعلى للقضاء يوم الخميس 10 فيفري/شباط 2022، بمشاركة من القضاة الرافضين لقرار حل المجلس الأعلى للقضاء.

وأعلنت جمعية القضاة التونسيين عن عقد اجتماع عام قضائي يوم السبت 12 فيفري/شباط 2022 بتونس العاصمة للتداول في "الوضع الدقيق للسلطة القضائية في ظل التدابير الاستثنائية والقرارات الأخيرة لرئيس الجمهورية وسبل التصدي لها"، وفق تعبيرها.

اقرأ/ي أيضًا: حل مجلس القضاء: جمعية القضاة تدعو إلى تعليق العمل بالمحاكم يومي 9 و10 فيفري

  • حل المجلس الأعلى للقضاء.. ردود فعل داخلية ودولية والخارجية التونسية تعلق

كان الرئيس التونسي قيس سعيّد قد أعلن، في فيديو فجر يوم الأحد 6 فيفري/شباط الجاري، قراره بحل المجلس الأعلى للقضاء، وهو هيئة مكلّفة بضمان حسن سير القضاء واحترام استقلاله، وبتعيين معظم المناصب القضائية في تونس. 

سعيّد: المجلس الأعلى للقضاء صار مجلسًا تباع فيه المناصب ويتم وضع الحركة القضائية بناء على الولاءات وليتعبر نفسه في عداد الماضي 

وقال سعيّد، لدى تحوّله إلى مقر وزارة الداخلية في ساعة متأخرة من السبت 5 فيفري/ شباط 2022، إن "من حق التونسيين التظاهر (يقصد الدعوة حينها لوقفة احتجاجية صباح الأحد في ذكرى اغتيال الشهيد شكري بلعيد) ومن حقهم المطالبة بحل المجلس الأعلى للقضاء الذي صار مجلسًا تباع فيه المناصب بل ويتم وضع الحركة القضائية بناء على الولاءات، وسنعمل على وضع مرسوم مؤقت للمجلس الأعلى للقضاء، فليعتبر هذا المجلس نفسه في عداد الماضي من هذه اللحظة"، وفق تعبيره.

وكان رد المجلس الأعلى للقضاء، مساء ذات اليوم، معبرًا عن رفضه قرار حله، "في ظل غياب كل آلية دستورية وقانونية تجيز ذلك"، وفقه، مجددًا رفضه "المساس بالبناء الدستوري للسلطة القضائية والإهدار المفاجئ والمسقط لكافة ضمانات استقلالية القضاء، في تقويض واضح للدستور والمواثيق والمعاهدات الدولية المصادق عليها وفي تجاوز بيّن لنتائج انتخابات ثلثي أعضائه"، وفق بيان للمجلس.

اقرأ/ي أيضًا: المجلس الأعلى للقضاء يرفض قرار سعيّد "حله" ويؤكد مواصلة تعهده بمهامه

وأكد، في بيان، "مواصلة تعهده بمهامه"، داعيًا عموم القضاة إلى "التمسك بمجلسهم، باعتباره الضمانة الوحيدة التي تقيهم من خطر المساس باستقلاليتهم في أداء واجبهم وخطر تعريضهم للضغط والتيقظ للدفاع عن وضعهم الدستوري"، وفقه.

المجلس الأعلى للقضاء رفض قرار حله واعتبر أن في الحل إهدار لكافة ضمانات استقلالية القضاء وتقويض للدستور والمواثيق والمعاهدات الدولية مؤكدًا مواصلة تعهده بمهامه

يُذكر أن عدة هياكل قضائية وعدد من الجمعيات والأحزاب كانت قد نددت، بدرجات وأشكال متفاوتة، بقرار الرئيس التونسي، معتبرة أنه "يمس من سيادة القانون في تونس ويقوّض استقلال القضاء".

كما نددوا بما اعتبروه "حملات تجييش ممنهجة طالت لأشهر متواصلة المجلس ورئيسه وأعضائه وعموم القضاة بما أدى لعواقب خطيرة"، آخرها إبلاغ رئيس المجلس الأعلى للقضاء من قبل وزارة الداخلية بكونه مستهدفًا باعتداءات إرهابية وقد حمّلوا السلطة التنفيذية مسؤولية ما يحصل.

اقرأ/ي أيضًا:

جمعية القضاة الشبان: سعيّد يسعى لتكريس نظام كلياني يجمع بمقتضاه كل السلطات

لوّحت بالتصعيد.. جمعية القضاة: سعيّد دعا لاستباحة القضاة وحرّض على العنف ضدّهم

"القاضيات التونسيات": نتمسك بمجلس القضاء كمؤسسة دستورية من مؤسسات الدولة



 

وعلى عكس تأكيدات الرئيس التونسي بأنه لا يتدخل في القضاء بل يسعى لإصلاحه وبأن القضاء ليس سلطة مستقلة بل وظيفة داخل الدولة، أصر المجلس الأعلى للقضاء، في بياناته التي تلت قرار حله وكذلك عديد الجمعيات والأحزاب الفاعلة في المشهد التونسي، على اعتبار ما يحصل "تدخلاً مباشرًا في السلطة القضائية وتقويضًا لنظام الفصل بين السلط وتراجعًا خطيرًا عن تصوّر السلطة القضائية المستقلة المحققة للتوازن بين السلط والضامنة لإقامة العدل والتحول إلى تصوّر القضاء الوظيفة والجهاز التابع للسلطة التنفيذية والخاضع لها".

جمعيات وأحزاب ومنظمات تونسية: "حل مجلس القضاء تدخل مباشر في السلطة القضائية وتقويض لنظام الفصل بين السلط وتراجع خطير عن تصوّر السلطة القضائية المستقلة"

اقرأ/ي أيضًا:

أحزاب تونسية: عزم سعيّد حل مجلس القضاء محاولة مفضوحة لإخضاع القضاء لسلطته

النهضة: سنخوض كافة أشكال النضال السلمي لإسقاط قرار حل المجلس الأعلى للقضاء

حزب العمال: سعيّد يغرس مخالبه في القضاء ويواصل تحقيق مشروعه الشعبوي الاستبدادي

ولم تقتصر ردود الأفعال على الداخل، بل تتالت المواقف الدولية حول التوجه نحو حل المجلس الأعلى للقضاء في تونس. من أبرز هذه المواقف ما قاله مساء الاثنين 7 فيفري/شباط 2022، المتحدث باسم وزارة الخارجية الأمريكية نيد برايس عن كون الولايات المتحدة تشعر بقلق بالغ إزاء ما دعا إليه الرئيس التونسي وما تم من منع موظفيه من دخول مقره.

وأضاف برايس "القضاء المستقل دعامة محورية من دعائم كل نظام ديمقراطي فعّال وشفّاف. من الضروري أن تفي الحكومة التونسية بالتزاماتها باحترام استقلال القضاء كما ينصّ على ذلك دستورها".

في سياق متصل، أعلن سفراء دول كندا وفرنسا وألمانيا وإيطاليا واليابان والمملكة المتحدة والولايات المتحدة الأمريكية والاتحاد الأوروبي في تونس (سفراء G7 والاتحاد الأوروبي بتونس)، في بيان مشترك الثلاثاء 8 فيفري/شباط 2022، عن قلق بالغ إزاء ما أعلن عنه من نيّة لحل المجلس الأعلى للقضاء من جانب واحد في تونس.

وأضاف سفراء الدول السبع الكبار والاتحاد الأوروبي في تونس، في ذات البيان، أن "هذا المجلس (المجلس الأعلى للقضاء) تتمثّل مهمّته في ضمان حسن سير القضاء واحترام استقلاليته".

وورد في ذات البيان المشترك تأكيدهم أن قيام قضاء مستقل ذي شفافية وفاعلية والفصل بين السلطات ضروريّان لحسن سير منظومة ديمقراطية تخدم مواطنيها على أساس من سيادة القانون وضمان الحقوق والحريات الأساسية.

مفوضة الأمم المتحدة السامية لحقوق الإنسان تحث الرئيس التونسي على إعادة العمل بالمجلس الأعلى للقضاء، محذرةً من أن حلّه سيقوّض بشكل خطير سيادة القانون والفصل بين السلطات واستقلال القضاء في تونس

كما حثّت مفوضة الأمم المتحدة السامية لحقوق الإنسان ميشيل باشيليت، الثلاثاء 8 فيفري/شباط 2022، الرئيس التونسي قيس سعيّد على إعادة العمل بالمجلس الأعلى للقضاء، محذرةً من أن حلّه سيقوّض بشكل خطير سيادة القانون والفصل بين السلطات واستقلال القضاء في تونس.

وأعلنت باشيليت: "من الواضح أنّه لا بد من بذل المزيد من الجهود الحثيثة كي تتماشى تشريعات قطاع العدالة وإجراءاته وممارساته مع المعايير الدولية المعمول بها، إلاّ أنّ حلّ مجلس القضاء الأعلى شكّل تدهورًا بارزًا في الاتجاه الخاطئ. فحلّه يعد انتهاكًا واضحًا لالتزامات تونس بموجب القانون الدولي لحقوق الإنسان".

اقرأ/ي أيضًا: دعا لإصدار بطاقة جلب ضده..عبو يقاضي سعيّد بتهمة تنصيب نفسه بدل الهيئات الحاكمة

وفي ذات السياق، اعتبر رئيس اللجنة الفرعية للعلاقات الخارجية في مجلس الشيوخ الأمريكي السيناتور الديمقراطي كريس ميرفي، الثلاثاء 8 فيفري/شباط 2022، أنه "أصبح من المستحيل تصديق ادعاءات الرئيس التونسي قيس سعيّد بأنه ملتزم بإعادة بلاده إلى الديمقراطية"، وفق تعبيره.

وانتقد ميرفي، في بيان صحفي له، قرار الرئيس التونسي حلّ المجلس الأعلى للقضاء، مؤكدًا أن تونس تواصل بذلك "انزلاقها نحو السلطوية"، حسب تقديره.

وأضاف السيناتور الأمريكي: "الرئيس سعيّد تعهد بتطوير اقتصاد بلاده واجتثاث الفساد، وهي أهداف رائعة لطالما نادى بها الشعب التونسي، لكنه لا يستطيع القيام بذلك دون الدعم المالي من المجتمع الدولي"، مستدركًا: "يجب أن نوضح للرئيس التونسي أن الدعم المالي للمجتمع الدولي مرتبط بتصحيح المسار نحو الديمقراطية"، وفق ما جاء في البيان ذاته.

الخارجية التونسية: "حل المجلس الأعلى للقضاء يندرج في إطار مواصلة تصحيح المسار الديمقراطي الذي انطلق في 25 جويلية 2021.."

وكان رد السلطات التونسية بتنظيم وزير الخارجية التونسي عثمان الجرندي لقاءً، مساء يوم 8 فيفري/شباط 2022، مع سفراء "مجموعة السبع" المعتمدين بتونس إضافة إلى ممثلة مكتب المفوضية السامية لحقوق الإنسان.

وورد في بيان للخارجية التونسية أن اللقاء يأتي "لإطلاع السفراء الأجانب على حقيقة الأسباب التي دفعت الرئيس التونسي إلى اتخاذ قراره بحل المجلس الأعلى للقضاء".

وقال الجرندي إن "حل المجلس الأعلى للقضاء يندرج في إطار مواصلة تصحيح المسار الديمقراطي الذي انطلق في 25 جويلية 2021.. وإن الإجراءات التي طالت كلاً من البرلمان والهيئة الوطنية لمكافحة الفساد والمجلس الأعلى للقضاء لا تستهدف وجود المؤسسات في حد ذاتها وإنما طريقة تسييرها وافتقارها إلى الحوكمة، مما أضعف مصداقيتها"، وفقه.

اقرأ/ي أيضًا: مجلس القضاء يعلن أنه في حالة انعقاد ويؤكد معاينة إغلاق مقره بالطرق القانونية

  • المجلس الأعلى للقضاء: التعريف، المهام والتركيبة 

ينص القانون الأساسي عدد 34 لسنة 2016 المؤِرخ في 28 أفريل/نيسان 2016 والمتعلق بالمجلس الأعلى للقضاء في تونس في فصله الأول على أن "المجلس الأعلى للقضاء مؤسسة دستورية ضامنة في نطاق صلاحياتها لحسن سير القضاء واستقلالية السلطة القضائية طبق أحكام الدستور والمعاهدات الدولية المصادق عليها" ويتمتع المجلس بالاستقلال الإداري والمالي والتسيير الذاتي وله السلطة الترتيبية في مجال اختصاصه.

يتكوّن المجلس من 4 هياكل وهي مجلس القضاء العدلي، ومجلس القضاء الإداري، ومجلس القضاء المالي والجلسة العامة للمجالس القضائية الثلاثة. يتكوّن المجلس الأول من 15 عضوًا هم 10 قضاة، 6 منتخبين و4 معيّنين بالصفة، و5 شخصيات مستقلة منتخبين من نظرائهم من بينهم 3 محامين. ويتكوّن مجلس القضاء الإداري من نفس التركيبة، وكذلك مجلس القضاء المالي على أن يقع انتخاب خبيرين محاسبين من ضمن الشخصيات المستقلة في هذا المجلس.

ويضمّ المجلس الأعلى للقضاء عمومًا 45 عضوًا وهم جملة أعضاء المجالس القضائية المختصة، وذلك بتفصيل 30 قاضيًا و15 شخصية مستقلة منتخبة من المحامين والجامعيين والخبراء المحاسبين وعدل تنفيذ.

من المتوقع الآن أن يتجه سعيّد إلى إقرار مرسوم رئاسي أو أكثر من مرسوم تُخصص لتعليق عمل المجلس ولتنظيم عمله وتركيبته وإلغاء العمل بقانونه الأساسي ومن المنتظر أن يقوم أيضًا بتعيين أعضائه الجدد

يتولّى المجلس تعيين 4 شخصيات في المحكمة الدستورية، كما ينص على ذلك دستور 2014 المعلقة أعماله بمرسوم رئاسي، ويقدم مقترح الإصلاحات الضرورية لضمان استقلالية القضاء، كما يبدي الرأي بخصوص مشاريع القوانين ذات العلاقة. ويبتّ كل مجلس قضائي مختص في المسار المهني للقضاة من تسمية وترقية ونقلة، وذلك بالإضافة لمطالب رفع الحصانة عن القضاة.

وينظر كل مجلس مختص في تأديب القضاة الراجعين إليه بالنظر. وتتولى التفقدية العامة التابعة لوزارة العدل الأبحاث في الشكايات حول الأعمال المنسوبة للقضاة قبل أن يأخذ المتفقد العام قرارًا بالحفظ أو الإحالة للمجلس الأعلى للقضاء لاتخاذ القرار المناسب. وكانت جمعية القضاة سابقًا قد أبدت رفضها إبقاء التفقدية العامة كهيكل يتبع وزارة العدل.


من المتوقع الآن أن يتجه الرئيس التونسي قيس سعيّد، كما لوّح بنفسه بذلك، إلى إقرار مرسوم رئاسي أو أكثر من مرسوم تُخصص لتعليق عمل المجلس ولتنظيم عمله وتركيبته "وفق تصور جديد" وإلغاء العمل بقانونه الأساسي ومن المنتظر أن يقوم أيضًا بتعيين أعضائه الجدد.

 

اقرأ/ي أيضًا:

ماذا بعد توجه رئيس تونس لحل المجلس الأعلى للقضاء؟

حوار| رئيس جمعية القضاة الشبان: سنقدم شكوى ضد قيس سعيّد لدى الأمم المتحدة