08-فبراير-2022

باشر عدد من الأحزاب في تونس العمل على تنظيم مؤتمر سياسي "من أجل إنقاذ البلاد من الأزمة السياسية" (MARTIN BUREAU/ أ.ف.ب)

 

تعيش تونس على وقع تطورات سياسية واقتصادية قد تؤدي حسب خبراء إلى "انفجار اجتماعي" هو الأعنف في تاريخها. فتواصل الأزمة وتبعات التحولات السياسية بعد 25 جويلية/يوليو 2021 أفضت لتعميق مأزق المالية في البلاد، مما سرّع في الوصول إلى منعرج خطير، لطالما سعت تونس لتجنبه.

"تونس أصبحت تشكّل عبءًا على المجتمع الدولي"، هكذا وصف سياسيون ومختصون في الشأن الاقتصادي لـ"الترا تونس" الوضع الحالي الذي أصبحت على إثره البلاد تواجه ضغوطات خارجية، "بسبب خيارات رئيس الجمهورية قيس سعيّد"، ما يكون قد أدى لتوقف الدعم المالي عن البلاد، لتسوء الأوضاع أكثر بتعمق تشتت المشهد السياسي بين معارضي سعيّد وداعميه، بالإضافة لعدم تمكن حكومة نجلاء بودن من تحقيق استقرار في علاقة بالمنظمات الوطنية الكبرى.

عدم تمكن المعارضة التونسية بمختلف مكوناتها من إقناع رئيس الجمهورية قيس سعيّد بالتراجع عن مسار ما بعد 25 جويلية، سواءً بالضغط عبر الشارع أو الاعتصامات والضغط السياسي المباشر والرسمي، دفع عددًا من الأحزاب السياسية الديمقراطية الوسطية، أساسًا أحزاب التيار الديمقراطي والجمهوري وحزب التكتل الديمقراطي من أجل العمل والحريات، إلى إعلان العمل على "إطلاق حوار وطني من أجل إنقاذ تونس من الأزمة".

اقرأ/ي أيضًا: تشتت المعارضة في تونس يضعف صفوفها


وفسر الأمين العام للحزب الجمهوري عصام الشابي، في حديث خاص مع "الترا تونس"، أن "الحوار الوطني هو آخر الحلول لمنع انهيار الدولة ودخول تونس في فوضى غير مسبوقة"، منبهًا إلى أن "آخر المؤشرات الخطيرة للوضع الحالي للبلاد تتلخص في زيارة مدير الخزينة الفرنسية ونادي باريس لتونس إيمانويل مولان وتكتم الحكومة عن تفاصيلها الحقيقية"، مؤكدًا أن "هذه الزيارة تكشف مدى قلق الشركاء الدوليين حول وضع تونس وتوجههم لدفع السلطات التونسية لحسم أمرها"، حسب تصوّره.

عصام الشابي لـ"الترا تونس": الحوار الوطني هو آخر الحلول لمنع انهيار الدولة ودخول تونس في فوضى غير مسبوقة.. فلا يجب البقاء في صورة المتفرج إزاء مواصلة الرئيس التوغل  في مشروع سياسي خطر على مقومات الدولة

ويشدد الشابي على أن هذه المؤشرات تستعجل دخول تونس والأحزاب السياسية في حوار وطني شامل وعدم البقاء في صورة المتفرج إزاء مواصلة رئيس الجمهورية التوغل  في مشروع سياسي اعتبره يمثل "خطرًا على مقومات الدولة الديمقراطية واستقرار البلاد".

  • أولى الخطوات نحو الحوار 

وكشف الشابي في حديثه مع "الترا تونس" عن انطلاق المشاورات الأولى بين الأحزاب الديمقراطية، الأسبوع الماضي، والتي ستجمع الأحزاب الديمقراطية والمنظمات والقوى المدنية لعرض ورقة أولى تعد لانطلاق الحوار الوطني الرسمي.

واعتبر أن "مصلحة تونس تقتضي إعلان الأحزاب خارطة طريق قبل موعد 20 مارس/آذار 2022 المقبل وهو موعد إعلان رئيس الجمهورية قيس سعيّد عن خطوات أخرى جديدة، لتتضح بذلك الصورة عن موعد رسمي للحوار الوطني مقابل الأجندة السياسية الخاصة بالرئيس".

اقرأ/ي أيضًا: استثنت النهضة والدستوري.. أحزاب تدعو لتشكيل "جبهة وطنية للديمقراطية التونسية"

وعبر أمين عام الحزب الجمهوري عن اتفاق الأحزاب الديمقراطية على ضرورة أن يكون هذا الحوار "جامعًا لا يقصي أحدًا، إلا من أقصى نفسه"، على حد قوله، "يهدف أولًا لتشكيل حكومة جديدة تباشر إنقاذ الأوضاع الاقتصادية للبلاد، ثم الاتفاق على إصلاحات سياسية بتحديد موعد العودة للشعب من خلال انتخابات مبكرة تشريعية ورئاسية، والاتفاق أيضًا على الدور الذي سيلعبه البرلمان الحالي المعلقة أعماله في المشهد المقبل شريطة أن يكون جزءًا من الحل".

وفي رده على سؤالنا حول رفض رئيس الجمهورية قيس سعيّد وعدد من الأحزاب الجلوس على نفس طاولة الحوار مع خصومهم السياسيين، قال عصام الشابي إنه "من العبث القيام بحوار يتم فيه إقصاء الخصوم السياسيين، عندها يتحول الأمر إلى جهة سياسية بعينها، لا إلى حوار وطني جامع، بينما تستوجب الأزمة اتفاقات لإنقاذ البلاد".

الشابي لـ"الترا تونس": نأمل أن يقبل الاتحاد العام التونسي للشغل التدخل بكامل ثقله لإطلاق الحوار الوطني ودعمه وأن يكون هو الضامن لتنفيذ مخرجاته

وتابع محدث "الترا تونس" قائلًا: نحن لسنا من الذين يقومون بدعوة "الصادقين" للحوار ونستثني أصحاب المواقف السابقة أو الحالية من 25 جويلية، فالجميع مدعوٌّ للحوار الوطني سواء من بين الذين اعتبروا ما قام به رئيس الجمهورية انقلابًا أو مسارًا تصحيحيًا"، مؤكدًا أن "الشرط الوحيد هو عدم فرض أي حزب سياسي  إقصاء طرف سياسي آخر لقبول الحوار"، على حد قوله.

وتتمثل المعضلة الأساسية، حسب عصام الشابي، في تمسك رئيس الجمهورية برفض الحوار أساسًا، "فهو يضع نفسه خارج مبدأ التشاور، ما يعطي مسؤولية أكبر للأحزاب السياسية"، مشددًا على أن "الأمل الأخير هو في قبول الاتحاد العام التونسي للشغل التدخل بكامل ثقله لإطلاق الحوار الوطني ودعمه على أن يكون هو أيضًا الضامن لتنفيذ مخرجاته"، حسب تقديره.

واعتبر، في هذا الصدد، أن "الحديث عن اتفاق بين الاتحاد العام التونسي للشغل ورئيسة الوزراء نجلاء بودن ومن خلالها الاتفاق مع رئيس الجمهورية، يمثل طرحًا مغلوطًا على اعتبار رفض الاتحاد التعاطي المجزّأ مع الأزمة التونسية التي يطالب بمعالجتها كاملةً، دون الفصل بين الجانب السياسي الاقتصادي والاجتماعي. ويؤكد الشابي "دعمه موقف الاتحاد الذي يرفض التعاطي معه كشريك اجتماعي فقط"، قائلًا: "اليوم تونس تعيش أزمة والاتحاد يريد أن يلعب دوره الوطني ونحن ندعمه في ذلك".

اقرأ/ي أيضًا: قراءة نقدية أولية في المشروع السياسي لقيس سعيّد..

ومن جانبه، كشف الأمين العام لحزب التيار الديمقراطي غازي الشواشي، لـ"الترا تونس" عن قائمة الأحزاب والمنظمات المدعوة لجلسات التشاور الأولى، و"التي تضم فقط الرافضين لمشهد ما قبل 25 جويلية/يوليو 2021 والمشهد الحالي، في خط ثالث ديمقراطي يدعو للعودة للمسار الديمقراطي ويؤمن بالثورة"، وفقه.

غازي الشواشي لـ"الترا تونس": ستضم الجلسات التشاورية الأولى حول الحوار أحزابًا على غرار حزب العمال، آفاق تونس، المسار، والقطب، بالإضافة لعدد من المنظمات، من بينها نقابة الصحفيين، وهيئة المحامين، ورابطة حقوق الإنسان وغيرها

وتضم الجلسات التشاورية الأولى، وفق الشواشي، "أحزابًا على غرار حزب العمال، آفاق تونس، المسار، والقطب الديمقراطي الحداثي، بالإضافة لعدد من المنظمات، من بينها النقابة الوطنية للصحفيين التونسيين، الهيئة الوطنية للمحامين، الرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان، المنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية، والجمعية التونسية للنساء الديمقراطيات، الذين ستوجه لهم الدعوة لتوحيد الصف الديمقراطي".

وفي رده على سؤالنا حول ما إذا حسم الاتحاد العام التونسي للشغل مسألة قبوله أو رفضه مبادرة الأحزاب الديمقراطية للحوار، أكد الشواشي أن "الاتحاد سيكون على رأس المنظمات الراعية للحوار الوطني بعد استكماله إعداد مؤتمره القادم، وإتمامه انتخاب هيئة إدارية جديدة، ليقع التواصل معها، قائلًا إن "انخراط الاتحاد سيعطي الثقل والوزن للمبادرة"، وفقه.

  • حوار.. لكن بشروط

وحدث غازي الشواشي "الترا تونس" عن مرحلتين للحوار، الأولى تتمثل في رفض أي تلاقٍ أو حوار مع حزب حركة النهضة وحلفائها، أي قلب تونس وائتلاف الكرامة، يتم فيها قبول مشاركة الأحزاب والمنظمات الديمقراطية فقط، على حد تعبيره، ومرحلة ثانية تنطلق بعد استكمال الجلسات التشاورية تكون في حوار وطني شامل يُقبل فيه كل من سبق أن حظي بالشرعية الشعبية، على أن  تبقى حركة النهضة وحلفاؤها ورئيس الجمهورية وتنسيقياته وعبير موسي وحزبها وإن شاركوا في الحوار، خصومًا سياسيين، على حد قوله.

وأكد الشواشي أن "الحزب الدستوري الحر لن يكون مدعوًّا لمشاورات إعداد وثيقة التحضير للحوار الوطني، على اعتبار عدم اعتراف موسي بالدستور أو الثورة، وعدم استعداد أو قبول حزبها للجلوس على طاولة الحوار مع خصومه السياسيين"، حسب تصريحه.

الشواشي لـ"الترا تونس": المرحلة الثانية تنطلق بعد استكمال الجلسات التشاورية وتكون في حوار وطني شامل يُقبل فيه كل من سبق أن حظي بالشرعية الشعبية، على أن تبقى النهضة و حلفاؤها والرئيس وتنسيقياته وعبير موسي وحزبها وإن شاركوا في الحوار، خصومًا سياسيين

وتابع محدث "الترا تونس" القول إن "عبير موسي تشارك الأحزاب الديمقراطية في فكرة رفض انفراد قيس سعيّد بالسلطة والمطالبة بانتخابات مبكرة، لكنها ترفض من جهة أخرى الحوار الذي يشارك فيه خصومها السياسيون، أساسًا حركة النهضة وحلفاؤها".

اقرأ/ي أيضًا: كيف توصّل باحث أمريكي في 2019 إلى أن الرئيس سعيّد سينفرد بالسلطة؟

  • "تنازلات ومصالحة تاريخية"

ويعتبر الشواشي أن "الرافضين للحوار سيتحملون المسؤولية التاريخية"، معتبرًا أن "النجاح في جمع شتات الطيف السياسي مسألة صعبة جدًا"، وأن "الحل يتمثل في تقديم التنازلات وإقامة تسوية تاريخية سياسية في تونس، أو انتظار انفلات تام في البلاد قريبًا".

ونبه الشواشي إلى أن "تونس اليوم مهددة بإمكانية فقدان سيادتها وحدوث انفجار غير مسبوق، ما يفرض على  السياسيين القبول بتنازلات للتسوية من أجل إنقاذ البلاد، خاصة أمام مواصلة رئيس الجمهورية مضيّه في مشروعه الهلامي الذي يركز فقط على مشروع البناء القاعدي وكتابة دستور جديد والاستشارة الوطنية التي بدأت تنكشف بوادر فشلها"، حسب توقعاته.

الشواشي لـ"الترا تونس": تونس اليوم مهددة بإمكانية فقدان سيادتها وحدوث انفجار غير مسبوق، ما يفرض على السياسيين القبول بتنازلات للتسوية، خاصة أمام مواصلة الرئيس مضيّه في مشروعه الهلامي

وعلى صعيد متصل، رد الشواشي، في حديثه مع "الترا تونس"، على اتهامات وجهت لأصحاب مبادرة الحوار بالسعي لافتكاك السلطة، قائلًا: "نحن لا نطمح لافتكاك السلطة من أحد، ولا حتى التواجد في الحكومة الجديدة التي سيقع تكوينها"، مشددًا في هذا الصدد على "ضرورة تكوين حكومة كفاءات مدعومة غير مشكوك في شرعيتها، تحمل مشروعًا لإيقاف النزيف المالي تتمكن من إبرام اتفاق مع صندوق النقد الدولي، وتشرف على انتخابات تشريعية ورئاسية مبكرة".



وفي رده على سؤالنا حول إمكانية نجاح حوار وطني دون مشاركة رئيس الجمهورية، فسّر الشواشي أنه "قد سبق أن طلب من رئيس الجمهورية الإشراف على الحوار، إلا أن سعيّد يرفض الحوار مع أصدقائه وخصومه على حدّ سواء، أو حتى الحوار مع وسائل الإعلام.. بل إنه يرفض الحوار حتى مع الحكومة التي يكتفي بإصدار تعليماته لها"، وفق تعبيره.

وواصل الشواشي قائلًا إن "رئيس الجمهورية أصبح يشكل عبءًا على الشعب والدولة بسبب رغبته الجامحة للبقاء في السلطة رغمًا عن الجميع، ما دفع بالأحزاب الديمقراطية لإعلان إطلاق الحوار الوطني سواء قبل سعيّد أو رفض المشاركة فيه"، مؤكدًا أن "سعيّد يتحمل المسؤولية السياسية في رفضه تبني مقترح الحوار أمام الشعب التونسي"، حسب تقديره.

محمد القوماني لـ"الترا تونس": القوى الفاعلة والوازنة في تونس معنية أكثر بالحوار.. والنهضة تدعم مبدأ التفكير في حوار وطني تتفاعل معه الأحزاب الكبرى والمنظمات وعلى رأسها الاتحاد العام التونسي للشغل

في المقابل، اعتبر القيادي بحزب حركة النهضة محمد القوماني أن "إقصاء النهضة وحلفائها قلب تونس وائتلاف الكرامة من المشاورات الأولى للحوار الوطني الذي أعلنت عنه الأحزاب الديمقراطية، واشتراط القبول بمشاركتها في مرحلة ثانية في الحوار الوطني، أمرٌ كفيلٌ بالكشف عن هوس حزبيْ التيار الديمقراطي والتكتل بفكرة إقصاء النهضة"، مستغربًا "تنصيب كل من التيار والتكتل نفسيهما حراسًا لمعبد الديمقراطية والحال أنهما  قد غدرا بها وساندا إجراءات 25 جويلية/يوليو 2021 الانقلابية" على حد توصيفه.

واعتبر القوماني في حديثه مع "الترا تونس" أن "حزبي التيار والتكتل ليسا في موقع يخول لهما تحديد من يشارك أو يتم إقصاؤه من الحوار" قائلًا إنهما "أعجز من أن يطلقا حوارًا وطنيًا فقاما فقط بالدعوة إليه".

اقرأ/ي أيضًا: حوار| سمير ديلو: المعركة مع سعيّد "مكلفة ومؤلمة" لكن تونس لن تعود للدكتاتورية

وشدد القوماني على أن "القوى الفاعلة والوازنة في تونس معنية أكثر بالحوار"، مؤكدًا أن "النهضة تدعم مبدأ التفكير في حوار وطني تتفاعل معه الأحزاب الكبرى وفي مقدمتها حزب حركة النهضة والمنظمات على رأسها الاتحاد العام التونسي للشغل".

وفسر القوماني حديثه بأن "فكرة إطلاق حوار وطني إذا ما اشتُرط معها أي إقصاء لن تنجح من الأساس، كاشفًا عن "وجود تواصل وحوار بين حزب حركة النهضة والحزب الجمهوري إضافة إلى عدد من الأحزاب الأخرى للدفع من أجل إطلاق حوار وطني جاد"، مرجحًا أن "يقوم الاتحاد العام التونسي للشغل بالدفع نحن إطلاق الحوار بشكل رسمي إثر إنهاء مؤتمره الانتخابي"، على حد تصوره.

وبيّن القوماني "تمسك حركة النهضة بالحوار سبيلًا وحيدًا للخروج من الأزمة الحالية للبلاد"، معتبرًا أن "الاستشارة الإلكترونية التي أعلن عنها رئيس الجمهورية قيس سعيّد بالإضافة لمقاربته التي يراها كحلّ للأزمة السياسية يمثلان مؤشرًا سلبيًا على أي إمكانية لاحتضانه لحوار وطني أو المشاركة فيه أصلًا"، وفق توقعاته.

القوماني لـ"الترا تونس": فكرة إطلاق حوار وطني إذا ما اشتُرط معها أي إقصاء لن تنجح من الأساس.. وهناك تواصل وحوار بين النهضة والحزب الجمهوري إضافة لعدد من الأحزاب الأخرى للدفع من أجل إطلاق حوار وطني جاد

أما الأمين العام المساعد بالاتحاد العام التونسي للشغل سامي الطاهري فقد تساءل، من جهته في تعليقه على توجه الأحزاب الديمقراطية نحو إجراء حوار وطني يستثني رئيس الجمهورية أو أحزابًا دون أخرى: "أي معنى من إجراء تونس حوارًا وطنيًا دون رئيس الجمهورية؟ أو إطلاق قيس سعيّد حوارًا يستثني أحزابًا بعينها؟".

وأضاف الطاهري، في تصريح لـ"الترا تونس"، أن "الاتحاد قدم لرئيس الجمهورية مقترحات ونقدًا في إطار عدد من اللقاءات التي لم تفضِ إلى إقرار برنامج أو خطوات محددة، إلا أنها خلصت إلى قبول قيس سعيّد مبدأ الحوار"، حسب قول الطاهري الذي نبه إلى أن "الوضع الحالي يشوبه الغموض"، مؤكدًا أن "الاستشارة الإلكترونية لا يمكن أن تعوض الحوار على اعتبار أن الأسئلة والإجابات المقترحة موجهة، بالإضافة لعدم إمكانية ولوج كل التونسيين للإنترنت".

اقرأ/ي أيضًا: بعد نتائج "استشارة الرئيس".. سياسيون ونشطاء: نسب لا تليق إلا بأنظمة الاستبداد

وحول إقرار بعض مكونات الساحة السياسية باستحالة إجراء الحوار بالتوازنات الحالية، شدد الطاهري على أن "تونس تمكنت من تجاوز سيناريو قاتل سنة 2012 عبر إجراء حوار على الرغم ممّا شهدته البلاد حينها من أحداث"، متابعًا القول إن "الدول التي تشهد حروبًا بصفة يومية جلس المتقاتلون فيها على طاولة النقاش، وبالتالي الأمر ليس مستحيلًا"، على حد قوله.

واعتبر الطاهري أنه "من غير المعقول أيضًا أن يتم الجلوس على طاولة حوار مع أطراف سياسية حكمت طيلة 10 سنوات، أوصلت البلاد إلى هذا الوضع، دون قيامهم بنقد ذاتي أو تقديمهم اعتذارًا من الشعب، مستطردًا أنه "في صورة تقديم هذه الأحزاب اعتذارًا رسميًا ونقدًا ذاتيًا حقيقيًا فإن مشاركتها في الحوار مرحب بها. خلافًا لذلك يكونون قد قاموا آليًا بإقصاء أنفسهم من الحوار الوطني"، حسب رأيه.

وفي رده على سؤال ما إذا كانت أطرافٌ خارجية تدفع تونس للوصول إلى حوار الوطني، اعتبر الطاهري أن "دفع الأطراف الخارجية لتنظيم حوار يأتي في إطار اصطفافات وحماية لبعض الأطراف لتمكينهم من المشاركة من جديد في المشهد السياسي، وسعيًا لجر تونس إلى مستنقع تحالفات إقليمية ودولية"، وفق تصوره.

سامي الطاهري لـ"الترا تونس": من غير المعقول أن يتم الجلوس على طاولة حوار مع أطراف سياسية حكمت طيلة 10 سنوات، أوصلت البلاد إلى هذا الوضع، دون قيامهم بنقد ذاتي أو تقديمهم اعتذارًا من الشعب

وواصل الطاهري حديثه بالقول: "نحن نريد للحوار أن يكون تونسيًا- تونسيًا، نابعًا من إرادة داخلية بالدخول في الحوار كما حدث في سنة 2012، لا استجابة لطلب خارجي".

  • "شقوق الاتحاد تكبل تحركاته؟"

وحول ما يتم تداوله من أن "شقوقًا داخل الاتحاد العام التونسي للشغل تمنع الاتحاد من لعب دوره في حل الأزمة الحالية للبلاد، وتمنعه أيضًا من إعلان موقف صريح من مبادرة الحوار الوطني ومسار رئيس الجمهورية السياسي"، قال سامي الطاهري في حديثه مع "الترا تونس" إن "لا صحة لهذا الطرح"، مشيرًا إلى أن "ما يشهده الاتحاد يتعلق بتوجه أقلية للاحتجاج خارج أسواره عبر مسالك قضائية، وعبر الاستقواء بالسلطة"، معلقًا: "يعمدون إلى تحريض رئيس الجمهورية ضد الاتحاد"، مؤكدًا أن "المؤتمر الذي سيعقد أيام 16 و17 و18 فيفري/شباط 2022 بولاية صفاقس بمشاركة 640 مؤتمرًا سيكون مناسبة لتأكيد وحدة صف الاتحاد".

وفسر الطاهري أن "الأزمة الحالية التي تواجهها تونس تريد بعض الدول وصندوق النقد الدولي أيضًا استغلالها لابتزاز تونس"، مستدركًا: "لا مجال للسماح لهم بوضع أيديهم على المؤسسات العمومية كشركة الخطوط الجوية التونسية وشركة توزيع واستغلال المياه وميناء رادس ووكالة التبغ والوقيد وغيرها"، مؤكدًا أن "الاتحاد أعلم بشكل رسمي ممثل صندوق النقد الدولي وسفراء عدد من الدول الأوروبية رفضه لهذا المسار الذي يريدون فرضه على تونس".

اقرأ/ي أيضًا: مستقبل الديمقراطية والحرية في تونس من منظور دولي

وكشف الطاهري في حديثه لـ"الترا تونس" أن "الاتحاد قد أعلمَ أيضًا الحكومة ووزارة المالية رفضه تحميل الأجراء كلفة فشلهم وإقرار رفع الدعم بطريقة حادة والقضاء على ما تبقى من الطبقة الوسطى ثم بيع المؤسسات العمومية كآخر خطوة للقضاء على الدولة"، على حد قوله.

 


بخطى ثقيلة، تقترب مكونات المشهد السياسي التونسي من الاعتراف بالحوار حلًا أخيرًا لا مناص منه. هذا ما أكده جميع الفرقاء السياسيين الذين تحدث معهم "الترا تونس". وكشف مطلعون على الكواليس من بينهم ألّا حلَّ أمام رئيس الجمهورية إلا القبول بالحوار، إثر انسداد الأفق وتآكل قاعدة داعميه السياسية والشعبية، بالإضافة للضغوط الخارجية ذات البعد المالي الاقتصادي، إما أن يقبل بالحوار بشكل مباشر يحتضن فيه قيس سعيّد المبادرة، أو عبر اقتراح تكليف الحكومة الحالية بالإشراف على حوار.

وقد يكتب مؤتمر الاتحاد العام التونسي للشغل وهيئته الإدارية الجديدة آخر فصول الأزمة السياسية في تونس، بقرار دعم أحد أطراف الصراع في تونس. وتؤكد المؤشرات أن الاتحاد لن يقبل بتواصل تأزم الأوضاع الاقتصادية التي تهدد الأجراء وتهدده بشكل مباشر.

يكشف سياسيون لـ"الترا تونس" عن اعتزام الرئيس قبول إطلاق حوار وطني مبني على أساس مقترح حركة الشعب لإجراء "حوار أفقي" يشمل فقط الأحزاب والمنظمات الداعمة له في سعي لسحب البساط من الأحزاب الديمقراطية

مصادر سياسية مؤكدة كشفت لـ"الترا تونس" أيضًا عن مشاورات متقدمة بين الأحزاب الديمقراطية والمستقيلين من حزب حركة النهضة، شريطة أن يكون هناك تمايز عن النهضة. ذات المصادر أكدت أن "الأحزاب الديمقراطية طلبت من المستقيلين من النهضة تقديم تقييم للفترة السابقة لحكم النهضة وتصورٍ للحلول الممكن العمل عليها لإنقاذ البلاد"، مشيرة إلى أنه "سيتم تقديمها قريبًا والإعلان عنها بشكل رسمي في ندوة صحفية، على أن يلعب المستقيلون من النهضة دور الوساطة بينها وبين الأحزاب الديمقراطية".

يتزامن هذا مع تأكيدات جدية تحدثت عنها قيادات حزبية لـ"الترا تونس"، تكشف عن اعتزام رئيس الجمهورية قيس سعيّد قبول إطلاق حوار وطني، مبني على أساس مقترح حزب حركة الشعب لإجراء "الحوار الأفقي"، الذي يشمل فقط الأحزاب والمنظمات الداعمة لرئيس الجمهورية ولقرارات 25 جويلية، في سعي لسحب البساط من الأحزاب الديمقراطية وأحزاب المعارضة كالنهضة وحلفائها ما سيزيد من تعميق الأزمة وتشتيت المشهد السياسي أكثر.

تونس، الحائزة على جائزة نوبل للسلام بالحوار، تقتفي اليوم أثرًا لعله يرشدها إلى "المعادلة المستحيلة" القادرة على جمع شتات طيفها السياسي على طاولة حوار واحدة،  بهدف إنقاذها من الأزمة الأخطر في تاريخها، فهل ستنجح مكونات المشهد السياسي في كسر قفل الحوار المشروط، قبل حدوث الأسوأ؟

 


 

اقرأ/ي أيضًا:

تقارير دولية تتعرض لخطر "انهيار الدولة" في تونس.. قراءات ومحاولات للفهم

دور الأجسام غير المنتخبة في العملية السياسية في تونس(1): المؤسسات الحديدية