27-أبريل-2018

رد الاعتبار للضحايا وحفظ الذاكرة (فتحي بلعيد/أ.ف.ب)

من المستفيد من محاولة نسف مسار العدالة الانتقالية، ومن مواصلة الإفلات من العقاب؟ وأ لم يكن من باب أولى وأحرى القيام بسد الشغورات صلب هيئة الحقيقة والكرامة، والاهتمام بالتمديد لها، بدل محاولة وقف عملها؟

هي أسئلة طرحتها 40 منظمة حقوقية في تونس أصدرت مؤخرًا بيانًا مشتركًا، قدّمت فيه موقفها مما حصل في المدّة الأخيرة داخل البرلمان. وأشارت المنظمات لمخاوفها من تعطيل مسار العدالة الانتقالية، الذي انطلق منذ جانفي/يناير 2011 بمشاركة الهيئات الحكومية والهيئات القضائية ومكونات المجتمع المدني، وبعض المنظمات الدولية، وتجسّد عبر القانون المتعلق بإرساء العدالة الانتقالية الصادر في 24 ديسمبر/ كانون الأول 2013، والذي أحدث هيئة الحقيقة والكرامة.

40 منظمة  تحذر من تعطيل مسار العدالة الانتقالية وتشير للخروقات في الجلسة البرلمانية التي أفضت إلى رفض تمديد أعمال "الحقيقة والكرامة"

وتهمّ العدالة الانتقالية ضحايا انتهاكات حقوق الإنسان في الماضي من مساجين سياسيين وجرحى وشهداء الثورة، إلى جانب عائلات الضحايا وأقاربهم. كما تهم إجمالًا جميع التونسيين الذين تعرّضوا لانتهاكات على معنى قانون العدالة الانتقالية، كما تتعلق بالفساد المالي والاعتداء على المال العامّ.

وقد تابعت منظمات المجتمع المدني من بينها النقابة الوطنية للصحفيين التونسيين والرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الانسان وجمعية القضاة، والمنظمة التونسية لمناهضة التعذيب، وعشرات المنظمات الأخرى الجدل الحاصل بخصوص التمديد للهيئة من عدمه. كما تابعت أشغال الجلسة التي انعقدت بالبرلمان في 24 مارس/آذار الماضي للنقاش حول قرار التمديد، وما رافقها من خروقات دستورية وقانونية تمثلت أساسًا في عدم توفر النصاب القانوني لعقد الجلسة. وقد رفضت تلك المنظمات كل الخروقات التي أفضت إلى التصويت على رفض تمديد أعمال هيئة الحقيقة والكرامة دون توفر النصاب.

اقرأ/ي أيضًا: قلع أظافر ورصاصة في الرأس.. عن قصة مقتل نبيل بركاتي

وقد جدّدت المنظمات في بيانها المشترك تمسكها بمسار العدالة الانتقالية وضرورة مواصلته إلى آخر مرحلة، مطالبة مجلس النواب بعدم عرقلة التمديد لمدّة 7 أشهر لغاية 31 ديسمبر/كانون الأول 2018، وهي الفترة التي أكدت فيها "الحقيقة والكرامة" قدرتها على إنهاء أشغالها وإعداد تقريرها النهائي خلالها.

كما طالبت المنظمات أعضاء هيئة الحقيقة والكرامة بترك خلافتهم جانبًا، ومزيد التنسيق والتعاون بين مختلف منظمات المجتمع المدني، والتركيز على أولويات المسار فيما تبقى من وقت، وذلك بالعمل على استكمال أعمال البحث والتقصي من أجل كشف الحقيقة وتحديد المسؤوليات. كما دعتها للتركيز على إحالة الملفات الجاهزة على الدوائر القضائية المتخصصة في العدالة الانتقالية، وعلى إنجاز التقرير الختامي والحرص على تضمينه جملة التوصيات الكفيلة برد الاعتبار للضحايا وحفظ الذاكرة الوطنية.

جمعيات ومنظمات تونسية تدعو لاستكمال أعمال البحث والتقصي من أجل كشف الحقيقة وتحديد المسؤوليات

على صعيد آخر، جدّدت المنظمات تمسكها بمطالبة السلطات التنفيذية والقضائية والمكلّف بنزاعات الدولة وكل الأطراف الحكومية باحترام قانون العدالة الانتقالية، والتعاون الكامل مع هيئة الحقيقة والكرامة، وذلك عبر مدّها بسجلات وأرشيف وزارة الداخلية وملفات محاكمات قضايا الشهداء والجرحى.

النقابة الوطنية للصحفيين من بين تلك المنظمات الرافضة لطي صفحة الماضي دون كشف الحقائق وما حصل من انتهاكات قبل الثورة، وفق ما يشير إليه رئيس النقابة ناجي البغوري لـ"الترا تونس". وأكد لنا على "حق التونسيين في الاطلاع على ما حصل سابقَا، فمسار العدالة الانتقالية يتطلب فهم ما حصل في الماضي، ثمّ الاعتذار والمصالحة الوطنية وذلك للتصدي لعودة أي شكل من أشكال الانتهاكات" وفق قوله. وأضاف أن طي صفحة الماضي دون محاسبة ودون معرفة ما حصل يعيد إنتاج الاستبداد بكل أشكاله.

نقيب الصحفيين ناجي البغوري لـ"الترا تونس": طي صفحة الماضي دون محاسبة ودون معرفة ما حصل يعيد إنتاج الاستبداد بكل أشكاله

كما أشار رئيس النقابة في حديثه معنا إلى انشغال المجتمع المدني اليوم بتعثر مسار العدالة الانتقالية وعدم الموافقة على التمديد لهيئة الحقيقة والكرامة، مؤكدًا ضرورة إحداث مرصد للمراقبة والمتابعة من أجل استكمال مسار العدالة الانتقالية.

من جهته، أكد أنيس الحمادي رئيس جمعية القضاة التونسيين لـ"الترا تونس" أنّ المجتمع المدني يعتبر حصنًا للدفاع عن مسار العدالة الانتقالية، مؤكدًا أنّ القائمة التي ضمت اليوم 40 منظمة وجمعية مطالبة باستكمال مسار العدالة الانتقالية، قابلة للتوسع ولانضمام باقي المنظمات الراغبة في الدفاع عن مسار العدالة الانتقالية.

اقرأ/ي أيضًا: من بينهم أمنيون ووزير وطبيب.. "الحقيقة والكرامة" تحيل مسؤولين على القضاء

كما أكد محدّثنا أنّ أزمة العدالة الانتقالية ليست وليدة اللّحظة، مشيرًا إلى جملة الخروقات القانونية والدستورية بسبب مناقشة استمرارية عمل الهيئة من عدمه، وعرض طلب التمديد على البرلمان رغم نصّ الفصل 18 من قانون العدالة الانتقالية الذي يوكل للهيئة اتخاذ قرار التمديد ولكن مع رفعه فقط إلى "المجلس المكلف بالتشريع قبل ثلاثة أشهر من نهاية مدّة عمله" وذلك وفق منطوق النص المذكور. وأضاف حمادي لـ"الترا تونس" أنّ المدة التي طالبت بها الهيئة هي ليست بالمدة الطويلة التي من الممكن أن تكلف المجموعة الوطنية أعباء مالية أخرى، وفق تعبيره.

على صعيد آخر، أكد رئيس جمعية القضاة التونسيين أنّ المنظمات الملتئمة هي داعمة للمصالحة لكن ضمن مسار العدالة الانتقالية، مضيفًا أنّه لم يتوجه اليوم أي أحد للاعتراف بما حصل في السابق، وقائلًا "إنّ المسار الموالي هو مسار القضاء الذي سيكون الفيصل بين الجميع، خاصة وقد تمّ إعداد قضاة لهذه المهمة وتكوينهم لمثل هذه القضايا".

رئيس جمعية القضاة أنس الحمادي لـ"الترا تونس": الهيئة مُطالبة بإنجاز التقرير الختامي والحرص على تضمينه التوصيات الكفيلة برد الاعتبار للضحايا وحفظ الذاكرة

كما أكد أنّ من بين أسباب الإصرار على عمل الهيئة هو إصدار التقرير النهائي للكشف عما حصل في الماضي، ولتفكيك المنظومة القديمة وإصلاح المؤسسات. وأضاف أنّ المنظمات تدافع عن مسار العدالة الانتقالية انطلاقًا من الدستور ومن قانون العدالة الانتقالية، وذلك على أن تكمل الهيئة أعمالها وتتحمل مسؤوليتها الأخلاقية والقانونية وفق تعبيره. وطالب أنس الحمادي، في ختام حديثه معنا، هيئة الحقيقة والكرامة بالإسراع في إنجاز التقرير الختامي والحرص على تضمينه التوصيات الكفيلة برد الاعتبار للضحايا وحفظ الذاكرة.

يذكر أنّ مجلس هيئة الحقيقة والكرامة أقرّ في شهر فيفري/فبراير الفارط، التمديد في مدّة عمل الهيئة بسنة إضافية، حسب ما يخوّله لها الفصل 18 من القانون الأساسي للعدالة الانتقالية، وذلك على أن تنهي الهيئة أعمالها يوم 31 ديسمبر/ كانون الأول 2018.

هيئة الحقيقة والكرامة أرجعت اتخاذها قرار التمديد لامتناع جزء كبير من مؤسسات الدولة على تطبيق قانون العدالة الانتقالية ومنه السماح بالنفاذ إلى الأرشيف

كما أكد مجلس الهيئة في بلاغ له أنّ قراره هذا يأتي بعد معاينته لاستحالة استكماله لمهامه في موفى ماي/آيار 2018، وذلك لأسباب عديدة، موضحًا أنّ أولى تلك الأسباب تتمثل في امتناع جزء كبير من مؤسسات الدولة عن تطبيق أحكام الفقرة 9 من الفصل 148 من الدستور وقانون العدالة الانتقالية، ولاسيما منه الفصول 40، و51، و52 و54 المتعلّقة بالنّفاذ إلى الأرشيف العمومي والخاصّ، وخاصّة منه أرشيف البوليس السياسي.

 

اقرأ/ي أيضًا:

من بينهم المخلوع بن علي.. "الحقيقة والكرامة" تحيل 33 متهمًا على القضاء

هيومن رايتس ووتش: رفض التمديد لـ"الحقيقة والكرامة" تخريب للعدالة الانتقالية