18-مارس-2023
 أبقار تونس

معدل استهلاك المواطن التونسي للحوم الحمراء في تراجع لافت (فتحي بلعيد/أ.ف.ب)

 

ما انفك معدل استهلاك المواطن التونسي للحوم الحمراء يتراجع حتى بلغ 6 كيلوغرامات ونصف في السنة بعد أن كان في حدود 9 كيلوغرامات للفرد الواحد سنة 2021، ويعتبر هذا المعدل ضعيفًا جدًا مقارنة بالعديد من الدول التي يتجاوز فيها استهلاك الفرد سنوًيا 80 كيلوغرام لما لهذه المادة من فوائد على صحة الإنسان لاحتوائها العديد من المعادن أبرزها الحديد والزنك كما أنها مصدر مهم للبروتين الذي يساعد في بناء الجسم والعضلات.

التدني الكبير في استهلاك اللحوم الحمراء في تونس يعزى بالأساس إلى تقهقر المقدرة الشرائية للمواطن علاوة على الارتفاع المستمر في سعرها

التدني الكبير في استهلاك اللحوم في تونس يعزى بالأساس إلى تقهقر المقدرة الشرائية للمواطن علاوة على الارتفاع المستمر في سعر اللحوم الحمراء الذي بلغ حاليًا 40 دينار للكيلوغرام الواحد وهو رقم قابل للارتفاع بالتزامن مع حلول شهر رمضان وفي ظل الإشكاليات المتراكمة في منظومة إنتاج اللحوم الحمراء.

وتبعًا لهذا الغلاء أصبحت علاقة المواطن التونسي بلحم الضأن مقتصرة على عيد الأضحى فالعديد من العائلات خاصة منها ضعيفة الدخل لا تقبل على اقتناء اللحوم نهائيًا ولا تؤثث بها أطباقها إلا أيام العيد علمًا وأن جل الأطباق التقليدية التونسية دسمة وتعتمد على اللحوم الحمراء عادة. 

عميد الأطباء البياطرة أحمد رجب يقول إن 30 % من قطيع الأبقار مصاب بالسل والإشكال يتعلق خاصة بالمنتجات الحيوانية الطازجة من الحليب و"القوتة" وغيرها وهي ما يمثل تهديدًا صارخًا لصحة المواطن

غلاء الأسعار ليس الإشكال الوحيد في منظومة اللحوم الحمراء، فقد أفاد عميد الأطباء البياطرة أحمد رجب في تصريحات إعلامية أن 30 في المائة من قطيع الأبقار مصاب بداء السل، لافتًا إلى أن الإشكال يتعلق خاصة بالمنتجات الحيوانية الطازجة من الحليب الطازج و"القوتة" وغيرها وهو ما يمثل تهديدًا صارخًا لصحة المواطن التونسي الذي يقبل بكثرة خلال شهر الصيام على استهلاك "اللبن والرايب" ومشتقات الحليب خاصة منها غير المعقمة.

وكان مدير مؤسسة "سيغما كونساي" للإحصاء حسن الزرقوني قد أفاد بأن استهلاك التونسي "للبن والرايب" يرتفع في رمضان بنسبة 120 في المائة.

 

 

  • "60 % من الأمراض الخطيرة لدى الإنسان منقولة من الحيوان"

أوضح عميد الأطباء البياطرة أحمد رجب أن "مرض السل ينتقل للإنسان عبر الحليب غير المعقم أو غير المغلي وأن الإشكال يكمن في مادتي"اللبن والرايب" والزبدة وجميع مشتقات الحليب غير الخاضعة للتعقيم، داعيًا إلى اقتناء هذه المواد من الأماكن المراقبة وعند اقتناء "حليب بقري" وجب وضعه على النار لمدة 20 دقيقة".

عميد الأطباء البياطرة أحمد رجب لـ"الترا تونس": لحوم الأبقار المصابة بالسل لا تمثل خطرًا لأن اللحم يطهى لمدة ساعتين تقريبًا لكن المشكل يكمن في الحليب غير المعقم و"الرايب" واللبن ومشتقات هذه المواد

كما أقر، خلال حديثه لـ"الترا تونس" بوجود الحمى المالطية وإصابات بالسل في قطيع الأبقار تراوح نسبة 30 في  المائة من مجموعه، نافيًا أن تحدث لحوم هذه الأبقار مخاطر، لأن اللحوم تطهى لمدة ساعتين وبالتالي يقضى على جميع أنواع الجراثيم والبكتيريا.

وأفاد رجب، لـ"ألترا صوت تونس" أن مرض السل لدى الأبقار يكون بالإصابة أو بالمرض والفرق بينهما هو أن الحيوان المريض تظهر عليه علامات ذلك أما المصاب فهو حامل للفيروس لكن الأعراض لا تظهر عليه وأن الخطورة تكمن في الحيوانات المصابة لأنها تسبب العدوى ولا يمكن للفلاح أن يتفطن إليها، مبينًا أنه إذا مرض حيوان في إسطبل يحتوي على 100 بقرة فمن المؤكد أن 50 منهم مصابين وذلك لأن جرثومة السل تعيش أشهرًا في السماد الحيواني "الغبار" وساعات في الهواء.

عميد الأطباء البياطرة لـ"الترا تونس": 60 في المائة من الأمراض الخطيرة لدى الإنسان منقولة من الحيوان علاوة على تهديد هذه الأمراض للأمن الغذائي

وتحدث عميد الأطباء البياطرة عن القانون الذي صيغ سنة 1953 والذي ينص على وجوب تطهير القطيع من الأمراض المعدية والمنقولة إلى الإنسان لحماية صحة القطيع وبذلك حماية صحة الإنسان، لافتًا إلى أن 60 في المائة من الأمراض الخطيرة لدى الإنسان منقولة من الحيوان علاوة على تهديد هذه الأمراض للأمن الغذائي "لأن حيوانًا مريضًا لا ينتج حتى وإن لم تظهر عليه الأعراض كما تتسبب هذه الجراثيم في نفوق القطيع".

وكشف المتحدث أن "التلاقيح والأدوية المتعلقة بالسل عند البقر ممنوعة لأن المنظمة العالمية للصحة أكدت أن الأدوية التي تستعمل في مداواة الأمراض لدى الإنسان المنقولة من الحيوان تقتضي عدم مداواة الحيوان لكي لا تكتسب البكتيريا مقاومة علاوة على أن فترة العلاج تدوم 6 أشهر وهو أمر مكلف"، مضيفًا أن تلقيح الأبقار يكون من الحمى المالطية ووجب تلقيح القطيع عن طريق بيطري ليتمكن من فحص القطيع ويكتشف الأمراض إن وجدت قبل أن تستشري العدوى في كامل القطيع.

وقال عميد البياطرة لـ"الترا تونس" "تحدثت عن وجود 30 في المائة من الإصابات بمرض السل في قطيع الأبقار وأشدد على أن الأطباء البياطرة لم يقصروا في واجبهم لكن الإشكال يكمن في إيقاف الانتداب بوزارة الفلاحة منذ سنة 2015 وحتى البياطرة الممارسون للمهنة في الوزارة سيحالون على التقاعد قريبًا.. في ولاية توزر التي تحتوي على 6 معتمديات هناك فقط بيطريين اثنين وهو عدد قليل جدًا..  هناك نقص فادح في البياطرة في جميع الولايات ولا يمكن القضاء على مرض السل وغيره من الأمراض المعدية إلا بتغطية جميع مناطق البلاد".

عميد الأطباء البياطرة لـ"الترا تونس": الأطباء البياطرة لم يقصروا في آداء واجبهم لكن الإشكال يكمن في إيقاف الانتداب بوزارة الفلاحة منذ سنة 2015 ولا يمكن القضاء على مرض السل وغيره من الأمراض إلا بتغطية جميع مناطق البلاد

وعن جودة اللحوم في تونس، دعا عميد البياطرة إلى اقتناء اللحوم التي تحمل طابعًا لتفادي اقتناء لحوم حيوانات مريضة، مشددًا على دور البلديات في الرقابة على المسالخ  التي لا تستجيب للمقاييس الصحية العالمية والتصدي للمسالخ العشوائية. كما لفت إلى أن الرقابة على المسالخ من شأنها أن تحمي المواطن من الكيس المائي المتأتي أساسًا من الحيوان، قائلًا "يجب مراقبة المسالخ وإتلاف الأعضاء الحيوانية المريضة لكي لا تأكلها القطط والكلاب وتنتقل العدوى للإنسان.. مرض السل خارج الرئة 70 في المائة منه متأت من الأبقار.. هناك مثل يقول إن خسارة مليار على الرقابة يكسبك 30 مرة من تجنب نتائج العدوى للإنسان".

وختم المتحدث بالتأكيد أن منظمة الصحة العالمية  أصبحت تتحدث عن صحة واحدة إنسان_بيئة _حيوان، مشيرًا إلى أن تلوث البيئة يتسبب في تكاثر البعوض الذي يحمل أمراضًا يمكن أن تنقل للإنسان كذلك عندما تنتشر الفضلات في كل مكان يكثر عدد الكلاب السائبة وإذا أصيب أحدهم بداء الكلب ينقل العدوى للبقية مما يهدد سلامة الإنسان وبالتالي لتفادي هذه النتائج وجب معالجة الحيوان وتنظيف البيئة لحماية الإنسان، وفق تقديره.

 

 

  • المسالخ العشوائية

تحولت العديد من المنازل والضيعات المهجورة في تونس إلى مسالخ عشوائية يتم فيها ذبح المواشي والأبقار دون مراقبة بياطرة ودون احترام أدنى الشروط الصحية والبيئة التي نص عليها  الأمر عدد 360 المتعلق بالمصادقة على المخطط المديري للمسالخ. ممارسة الذبح غير المرخص أصبح نشاطًا مربحًا خاصة في غياب الرقابة عن المواشي التي يتم ذبحها والتي يمكن أن تحمل أمراضًا ولا يتم إتلافها كما أنها تقتنى بأبخس الأثمان وتباع بأسعار مشطة.

رئيس المنظمة التونسية لإرشاد المستهلك لـ"الترا تونس": الإشكال يكمن في غياب المسالخ التي تحترم المقاييس الصحية العالمية والمسلخ الوحيد الذي يخضع لهذه المقاييس هو مسلخ شركة اللحوم التابعة لوزارة التجارة

وقد اعتبر رئيس المنظمة التونسية لإرشاد المستهلك لطفي الرياحي أن "الإشكال الكبير يكمن في غياب المسالخ التي تحترم المقاييس الصحية العالمية"، لافتًا إلى أن المسلخ الوحيد الذي يخضع للمقاييس الصحية هو مسلخ شركة اللحوم التابعة لوزارة التجارة.

وأضاف الرياحي، خلال حديثه لـ"الترا تونس" أن المنظمة بصدد العمل على هذه المسالخ بالنظر للوضع الصحي الكارثي في هذا المجال، مشددًا على أهمية تضافر مجهودات الجميع للقضاء على هذا الإشكال الصحي.

كما لفت إلى أن المنظمة يمكن أن تتجه نحو حملة مقاطعة للحوم الحمراء إذا تواصل ارتفاع أسعارها المشط وعدم قدرة المواطن التونسي على مجاراة هذا الغلاء، متابعًا "الغلاء الذي نشاهده غير مقبول خاصة عندما نقارن أسعار السوق بالأسعار التي توفرها شركة اللحوم الوطنية في نقاط بيعها بالسوق المركزي وبالوردية وهي أقل ب 6 و7 دنانير للكيلوغرام الواحد".

 

 

  • ارتفاع أسعار اللحوم هو نتيجة للتفريط في القطيع التونسي

لئن تعالت الأصوات المنادية بتعديل أسعار اللحوم التي ارتفعت حتى أصبح اقتناؤها مستحيلاً على شريحة كبيرة من التونسيين فإن مهنيي القطاع يؤكدون أن هذا التضخم الحاصل خارج عن نطاقهم وأضر بالمهنيين الذين كسدت تجارتهم واضطر بعضهم لتغيير نشاطه مطالبين بحلول عاجلة تنقذ القطاع.

رئيس الغرفة الوطنية للقصابين أحمد عميري لـ"الترا تونس": تراجع استهلاك التونسي للحوم الحمراء يعزى بالأساس إلى تهريب الأبقار والعجول للجزائر وهي ظاهرة طالما نددت بها الغرفة وحذرت منها منذ سنوات

وقد أكد رئيس الغرفة الوطنية للقصابين أحمد عميري لـ"الترا صوت تونس" أن تراجع استهلاك التونسي للحوم الحمراء يعزى بالأساس إلى تهريب الأبقار والعجول للجزائر وهي ظاهرة طالما نددت بها الغرفة وحذرت منها منذ سنوات لكن الجهات المعنية لم تحرك ساكنًا، وفقه، مشيرًا إلى أن غرفة القصابين توجهت بمراسلة لوزير الداخلية سنة 2022 تحدثت فيها عن التهديدات المحدقة بالأمن الغذائي فانطلقت عمليات محاصرة المهربين عن طريق الحدود.

وفسر العميري في حديثه لـ"ألترا تونس" غلاء أسعار اللحوم الحمراء بالتفريط في القطيع التونسي والثروة الحيوانية وهو ما خلق نقصًا في عدد المواشي مما أفقد السوق توازنه بسبب نقص الكميات مقارنة بالطلب، لافتًا إلى أن الغلاء في البيع وفي الشراء أيضًا فالعجل الذي كان سعره لا يتجاوز 5 آلاف دينار أصبح بـ 8 آلاف دينار وهو غلاء على حد تقديره يضر بالمهني والمستهلك على حد السواء.

وشدد المتحدث على ضرورة التركيز على أسباب الغلاء وتفادي سياسة المغالطات التي تنتهجها بعض الجهات بالحديث عن وجود المواشي وتوفر الإنتاج، لافتًا إلى أن غرفة القصابين كانت قد تحدثت منذ سنة 2019 عن إمكانية قفز أسعار اللحوم الحمراء إلى 40 دينارًا وهو ما حدث بالفعل كما تحدث عن الهجمات التي تتعرض لها الغرفة كلما تحدثت عن إلغاء أضحية العيد لتكوين ثروة حيوانية.

رئيس الغرفة الوطنية للقصابين أحمد عميري لـ"الترا تونس":  نتعرض لتهجمات كلما تحدثنا عن ضرورة إلغاء أضحية العيد لفترة لتكوين ثروة حيوانية

ولفت العميري إلى أن الإشكاليات متراكمة منذ سنة 2012 لكن في ظل غياب الكفاءات وغياب سياسة القدرة على التواصل مع أخصائيي القطاع تفاقمت وهو ما دفع بالعديد من القصابين إلى الإغلاق وتغيير نشاطهم كما تسببت في صعوبات اقتصادية كبيرة لآخرين غير قادرين على سداد فواتيرهم وضرائبهم، وفق تقديره.  

وتابع العميري "في شهر رمضان، التونسي لن يستطيع الإقبال لا على اللحوم الحمراء ولا على الدواجن ولا الأسماك فارتفاع أسعار اللحوم الحمراء يتبعه ارتفاع في جميع أسعار البقيةوبالتالي وجب اليوم توريد كميات من الخرفان لنضفي توازنًا على الأسعار علاوة على التدقيق في الإخلالات التي حدثت في ملف العجول المعدة للتسمين التي فيها إعفاءات جمركية وعلى القيمة المضافة لصالح فئات معينة دون مردودية تذكر..".

رئيس الغرفة الوطنية للقصابين أحمد عميري لـ"الترا تونس":  الحديث عن إصابات بالسل في 30 في المائة من القطيع فيه مغالطة وما يهم المواطن اليوم هو غلاء الأسعار أساسًا

وفي علاقة بالحديث عن تفشي مرض السل في قطيع الأبقار، أكد رئيس الغرفة الوطنية للقصابين لـ"الترا تونس" أنه "قبل الحديث عن المسالخ وجب الحديث عن العجول المريضة وكيفية خروجها من الإسطبل وهل أنها مراقبة أو لا"، مشيرًا إلى أن ديوان تربية الماشية ينص في أحد نصوصه على ضرورة خروج العجل من الإسطبل مرفقًا بوثيقة تنقل وترقيم وهو دور الأطباء البياطرة الذين تعددت إشكالياتهم مما منعهم من التنقل ومعاينة وتلقيح قطعان الأبقار، وفقه.   

وشدد العميري على أن "الإشكال ينطلق من هذه النقطة وأن حلقة المسالخ تأتي في مرحلة لاحقة"، مشددًا على أن إشكال المسالخ يعود للبلديات التي تؤجر المسالخ لأشخاص غير مطلعين  على كراس الشروط والمهنة والصيانة بالإضافة إلى غياب الرقابة"، معتبرًا أن رقم (30 في المائة إصابات بالسل في القطيع) فيه مغالطة وما يهم المواطن اليوم هو غلاء الأسعار وأسبابه  بالأساس.