18-أغسطس-2018

حاول صاحب العمل النظر من زاوية جديدة لبعض العطور الموسيقية والغنائية (وزارة الثقافة)

قبيل حفل اختتام الدورة الرابعة والخمسين لمهرجان قرطاج الدولي، عزفت الأمطار عزفًا جنونيًا. لمعت الحبّات الفضية تحت أقدام الجميلات في شوارع العاصمة تونس. لم يتجرأ جسد واحد على مراقصة الضوء المنهمر من السماء والاحتفاء بالخريف الذي هلّ قبل أوانه. كنّا مشدوهين إلى حدّ ابتلال الرّوح. إنها "أنشودة المطر".

عرض اختتام مهرجان قرطاج الدولي لصائفة 2018 يدخل في خانة المجازفات التي تعوّد عليها المهرجان منذ بداية الألفية الثانية وهي "الإنتاج الخاص"

في الطريق إلى الضاحية الأثرية قرطاج والتي يستفزني شذاها كلّما مررت أو حللت فيها وخاصة ميناؤها الفينيقي الذي رست على مرفئه الأميرة "آليسار" عندما كان شاطئًا بسيطًا. تقول الأسطورة إنها وصلت فجرًا. أمّا مسرحها الروماني هذا الذي أنجز احتفاء بالمسرح الشعري. فالدخول إليه وملامسة مدرجاته الصخرية العتيقة يجعلك مهزوزًا على جناح فراشة إلى عمق التاريخ. وقد ينتهي العمر ولا تنتهي قصص مسرح قرطاج.

اقرأ/ي أيضًا: على مسرح قرطاج.. القيصر عازف على أوتار النساء

عرض اختتام مهرجان قرطاج الدولي لصائفة 2018 يدخل في خانة المجازفات التي تعوّد عليها المهرجان منذ بداية الألفية الثانية وهي "الإنتاج الخاص". وقد كانت البداية مع الموسيقي مراد الصكلي الذي أعدّ "أوبيرات غموق الورد" خصيصًا للمهرجان سنة  2004.

وهذه النوعية من العروض بقدر ما تظهر من شجاعة إدارة المهرجان بتعويلها على الثقافة التونسية وفسح المجال للمبدع التونسي حتى يقدم عصارة تجربته الفنية ويجسّد أحلامه الكبرى على أرض بلده، فإنّها قد تخفق أحيانًا وتاريخ المهرجان سجل عدة عروض "فاشلة " ذهب ضحيتها المال العام الذي يقدّر دومًا بمئات الالآف من الدنانير التونسية.

ويحصل ذلك عادة في حال الارتجال والتسرّع وعدم إحكام المشروع ودراسته الدراسة الجيدة التي تستجيب لشروط بعينها، أولها التاريخ المجيد للمهرجان وثانيها ما تتطلبه الثقافة التونسية في تلك اللحظة التاريخية.

[[{"fid":"101083","view_mode":"default","fields":{"format":"default","field_file_image_alt_text[und][0][value]":false,"field_file_image_title_text[und][0][value]":false},"type":"media","field_deltas":{"1":{"format":"default","field_file_image_alt_text[und][0][value]":false,"field_file_image_title_text[und][0][value]":false}},"link_text":null,"attributes":{"height":333,"width":500,"class":"media-element file-default","data-delta":"1"}}]]

قسّم الموسيقي محمد علي كمون عرضه في حفل اختتام الدورة 54 لمهرجان قرطاج إلى ستة فصول (وزارة الثقافة)

مجازفة عرض اختتام مهرجان قرطاج الدولي لصائفة 2018 أوكلت لفنان موسيقي تجريبي وهو محمد علي كموّن واختير لعرضه من العناوين "24 عطرًا".

السهرة حضرها حوالي خمسة آلاف متفرّج وهو عدد يوحي بذاك الوصل الآخذ في التشكل منذ سنوات بين المنتوج الفني التونسي والمتقبّل. لكن للحفاظ على جمهور يحضر المادة التونسية ويتابعها ويشجعها لابد من بعض الوقت وبعض التريث في برمجة أعمال أحيانًا لا ترقى للعرض سواء في مهرجانات وتظاهرات ذات بعد دولي أو محلي.

محمد علي كمون المسكون بأفقين موسيقيين وهما السمفوني الأوركسترالي الذي تشبع به في سنوات الدراسة والبحث بفرنسا وفسيفساء الموسيقى التونسية وخاصة شقها البدوي والريفي، وهما اللذان دفعاه إلى"حلم ما" سمّاه " 24عطر" على اعتبار أن الموسيقى هي عطر الروح.

اقرأ/ي أيضًا: على دفتر العود إلى مسرح قرطاج.. أمينة فاخت تكتب "سجّل.. أنا الديفا"

محمد علي كمون مسكون بأفقين موسيقيين هما السمفوني الأوركسترالي الذي تشبع به في سنوات الدراسة وفسيفساء الموسيقى التونسية وخاصة شقها البدوي والريفي

كمون وعلى امتداد ثلاث ساعات كاملة قسّم عرضه إلى ستة فصول وكل فصل يجعل له افتتاحية موسيقية من تأليفه ثم يسكب فيه أربعة عطور منتقاة من الموسيقى التونسية من شمال البلاد إلى جنوبها فنجد المالوف الأندلسي المنتشر على طول الطريق الموريسكي التونسي من العاصمة تونس إلى زغوان مرورًا بقلعة الأندلس وتستور والزريبة، والبدوي بجميع خصوصياته والمنتشر على تخوم جبال خمير خاتمة الأطلس الكبير والسباسب العليا والسفلى حيث لا حدود لأنين "القصبة" وأهزوجات "الزّكرة "، وموسيقى المرابطين ( الصوفية والسطمبالي...) والموسيقى الجزرية ( جزيرتي قرقنة وجربة ).

إذًا العرض هو اشتغال على الموروث الموسيقي وهي لعمري مسألة صعبة ويضيق هذا المجال بالخوض فيها والنقاش بخصوصها. وقد حاول صاحب عمل "24 عطر" النظر من زاوية جديدة لبعض العطور الموسيقية والغنائية والتي كان فيها الكثير من التجريب والبحث والتوليف. ولا أحد يستطيع أن ينكر على الرجل الجهد الواضح في إعادة التوزيع الأوركسترالي  لبعض عيون الموسيقى البدوية بالشمال الغربي التونسي أو بالجنوب.

[[{"fid":"101084","view_mode":"default","fields":{"format":"default","field_file_image_alt_text[und][0][value]":false,"field_file_image_title_text[und][0][value]":false},"type":"media","field_deltas":{"2":{"format":"default","field_file_image_alt_text[und][0][value]":false,"field_file_image_title_text[und][0][value]":false}},"link_text":null,"attributes":{"height":333,"width":500,"class":"media-element file-default","data-delta":"2"}}]]

أغلب مساحة ركح مسرح قرطاج حازها الأوركسترا السمفوني الذي عدّ أكثر من خمسين عازفًا (وزارة الثقافة)

لكن ثمة الكثير من الارتجال في مستوى الكوريغرافيا فالكتابة المشهدية بالحركة والرقص بدت متسرعة وضاقت بها الخشبة فتحولنا من شغل موسيقي فيه جهد إلى متممات أساسية ليس فيها جهد وخلق وتجديد. أيضًا تجدر الإشارة إلى أنّ  أغلب مساحة الركح حازها الأوركسترا السمفوني الذي عدّ أكثر من خمسين عازفًا وبذلك أصبحت الحركة والمرور إلى الكواليس من الصعوبة بمكان. كما لم تكن هناك رؤية واضحة في مستوى الإضاءة التي رافقت العرض وهذا يقودنا للحديث عن الارتجال مرة أخرى.

لا أحد يستطيع أن ينكر على الرجل الجهد الواضح في إعادة التوزيع الأوركسترالي  لبعض عيون الموسيقى البدوية بالشمال الغربي التونسي أو بالجنوب لكن ثمة الكثير من الارتجال في مستوى الكوريغرافيا

إن عرض "24 عطر" لمحمد علي كمون في اختتام الدورة الرابعة والخمسين لمهرجان قرطاج الدولي كان مجازفة إنتاج تحتمل عدة تأويلات نقدية خاصة إذا طرحت وزارة الشؤون الثقافية سؤالًا بسيطًا وهو هل حقق العرض مبتغاه الثقافي والفني بالنظر لكلفته؟ كما كان العرض حلمًا تحدث عنه صاحبه منذ 2013 في أكثر من منبر ثقافي وإعلامي.

تبقى الأحلام مشروعة، وقد رقص كمّون رقصات مطولة على بساط حلمه في مسرح قرطاج، مسرح العمالقة كما وصفه "خوليو إغليسياس" ذات صيف. لكن هل تحقق هذا الحلم ؟ لا أعتقد ذلك.    

 

اقرأ/ي أيضًا:

"أوسّو نحّيلي الداء الي نحسّو": مهرجان"أوسّو" شاهد على المخيال الشعبي

عن عرض "طرق المقام" في مهرجان الحمامات: الموسيقى كلمات الله وأنفاسه