26-ديسمبر-2020

حظيت الذكرى العاشرة لاندلاع الثورة التونسية باهتمام شاسع من عدد من المراكز البحثية الألمانية (كريستوفر فيرلونغ/ Getty)

 

حلت في 17 ديسمبر/كانون الأول 2020 الذكرى العاشرة لانطلاق أحداث ما سمي في الإعلام العربي والعالمي بالربيع العربي وثورة الياسمين.

وإن مرت المناسبة في تونس مرور الكرام فإن اللافت للنظر هو تناول المراكز البحثية الألمانية وخاصة التابعة لمختلف الأحزاب الألمانية للحدث بالتغطية والتعليق والتحليل بالمقالات التحليلية وتنظيم الندوات وإعداد الملفات والبودكاسات والفيديوهات.

مركز كونراد أداناور الوقفي التابع للحزب الديمقراطي المسيحي خصص مساحة مهمة للحدث من خلال إعداد ملف حول الربيع العربي تحت عنوان "10 سنوات ربيع عربي: آفاق الديمقراطية في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا".

إن مرت الذكرى العاشرة لاندلاع الثورة في تونس مرور الكرام فإن اللافت للنظر هو تناول المراكز البحثية الألمانية للحدث بالتغطية والتعليق والتحليل بالمقالات التحليلية وتنظيم الندوات وإعداد الملفات والبودكاسات والفيديوهات

ديمقراطية فتية تحت الضغط وعشرية أولى صعبة وعسيرة

هكذا علق وحلل الدكتور هولغر ديكس مدير مكتب منظمة كونراد أداناور في تونس والجزائر على التجربة التونسية بعد 10 سنوات. أهم الملاحظات التي ساقها حول التجربة التونسية بعد عَقد من الانتقال تتمثل في الآتي:

  • عشر سنوات بعد الثورة تسود خيبة أمل تجاه الانتقال السياسي في تونس
  • حسب نتائج سبر آراء أجرتها مؤسسة سيغما للاستشارات لفائدة منظمة كونراد أداناور، 77% من المستجوبٍين يرون أن الحالة الاقتصادية للبلاد تردت للأسوأ مقارنة بما قبل 10 سنوات. 60% يحمّلون الساسة مسؤولية تردي الأوضاع.
  • حسب الدكتور ديكس فإن العديد من التونسيين يربطون تردي الأوضاع الاجتماعية والاقتصادية بمسألة الانتقال السياسي قبل عشر سنوات. فبالإضافة لعدم رؤية عائدات الانتقال الديمقراطي على المستوى السياسي فإن المستوى المعيشي للناس تردى وهو ما أدى حسب المحلل لفقدان ثقة التونسيين بالفاعلين السياسيين.

اقرأ/ي أيضًا: أفيون الثورة التونسية

  • يعبر المحلل عن شكوكه تجاه تشبع المجتمع بالفكرة الديمقراطية وإيمان المجتمع بها كآلية كفؤة لتصريف الاختلاف. يعتبر الكاتب صعود الحزب الدستوري الحر الذي يحن للنظام السابق دليل على ذلك.
  • عدم الاستقرار السياسي (7 حكومات في 10 سنوات) وتردي الأوضاع الاقتصادية والأحداث الإرهابية ساهمت في محو إنجازات الثورة من أذهان العديد من التونسيين.
  • البرلمان التونسي أصبح مسرحًا للعنف اللفظي المادي. 
  • يشبه الدكتور هولغر ديكس النظام السياسي التونسي بنظام الجمهورية الفايمارية الضعيف في ألمانيا قبل صعود النازية. العامل المشترك بينهما هو صعوبة تكوين حكومات مستقرة وصعود للقوى المتطرفة.
  • على المستوى الاجتماعي يرصد مدير مكتب كونراد أداناور في تونس والجزائر تنامي التحركات الاجتماعية والتي وصفها المنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية بأنها تحركات أناركية ذات طابع عنيف.
  • يشير الدكتور ديكس إلى أن تعويم المسؤوليات المترتبة عن طبيعة الدستور الذي لم يحصر ويعرف المسؤوليات بالشكل الكافي بالإضافة لغياب شخصية قيادية كاريزمية تأخذ بزمام المبادرة وتلعب دور "ممتص الصواعق" وحالة عدم الاستقرار الحكومي تعتبر أهم أسباب وصول تونس لهاته الوضعية الصعبة.
  • حالة التذمر الشعبي أدت حسب المحلل لمحاولة اختباء الساسة والفاعلين الحزبيين وراء ما يُسمَّون بالتكنوقراط لإدارة الدولة لكنه يؤكد في هذا الجانب أن المشكلة في تونس ليست في غياب الكفاءات التقنية والإدارية بل في الفشل في صنع أغلبية برلمانية مستقرة تستطيع تطبيق وإنجاز الخطط والبرامج التي قد تصنعها الكفاءات. وهذا الأمر هو من اختصاص الساسة لا التكنوقراط.

يواصل الدكتور تعليقه على التجربة التونسية بالقول إن "صبر" المجتمع الدولي بدأ ينفذ من تونس. فتونس دولة تعتمد كثيرًا على الدعم الدولي، والمانحون أصبحوا يريدون نتائج وإنجازات داخل الحيز الزمني المتفق عليه للمهلة.

هولغر ديكس (مدير مكتب منظمة كونراد أداناور في تونس والجزائر): العديد من التونسيين يربطون تردي الأوضاع الاجتماعية والاقتصادية بمسألة الانتقال السياسي وأدى تدهور مستواهم المعيشي لفقدان ثقتهم بالفاعلين السياسيين

وبالرغم من كل ما سبق ذكره فإن الدكتور هولغر ديكس يعتبر تونس نموذجًا في المنطقة لانتقال ديمقراطي بأفق ثقافي وديني منفتح كما يرى أن نجاح التجربة الديمقراطية في تونس مهمة جدًا.

وفي ورقة تحليلية أخرى بعنوان "أزمة الأحزاب، عدم الاستقرار وإرادة الشعب" يقيم الدكتور هولغر ديكس مآلات الانتقال الديمقراطي التونسي ويقدم جملة من التوصيات والمقترحات.

أهم ما جاء في المقال من ملاحظات حول الوضع التونسي يتمثل في:

  • تنامي نزعات الشك تجاه الديمقراطية والحنين للماضي الاستبدادي 
  • فقدان أهمية الأحزاب السياسية 
  • تدني مستوى التزام وانضباط الأعضاء والمناصرين بأحزابهم أدى إلى تغير مستمر في تركيبة البرلمان وإلى تغييرات مستمرة في طبيعة الأغلبية.
  • تشظي المشهد الحزبي بسبب نظام الاقتراع الذي يعتمد على أكبر البقايا.

توصيات واقتراحات للخروج من المأزق

في نهاية ورقته يقدم المحلل جملة من التوصيات والمقترحات كآليات وإجراءات للخروج من الأزمة:

  • العمل على التكوين السياسي ورفع الوعي السياسي للناس.
  • تقوية الوظيفة التمثيلية للنظام الحزبي ومعاقبة الأحزاب: النظام الحزبي يجب ألا يكون فوق القانون. يجب تطبيق القانون ومعاقبة الأحزاب التي تفشل في الالتزام بتعهداتها القانونية والتي لا تلتزم بالديمقراطية الداخلية. من المهم كسر الحاجز بين الطبقة السياسية والمجتمع. ولتحقيق ذلك على الأحزاب السياسية الاتجاه إلى كفاءات جديدة لا ترى نفسها مرتبطة ارتباطًا وجوديًا بالسياسة ولا تطمح لامتهان السياسة ولا ترى السياسة مجرد وظيفة أو مهنة. على الأحزاب السياسية الاستثمار في جمعيات شباب الأحزاب كإطار تطوعي لا مركزي لتدريب الشباب على العمل السياسي. وبذلك يمكن التحكم في القواعد.
  • ضرورة إصلاح القانون الانتخابي: عبر إصلاح نظام الاقتراع يمكن القضاء على حالة التشظي التي يشهدها البرلمان. يجب الإبقاء على نظام الانتخاب النسبي لكن مع إضافة عتبة بنسبة 3 أو 5 في المائة. يرى الدكتور ديكس أن على النخبة السياسية الابتعاد على نظم الاقتراع المعقدة والصعبة التي يصعب توضيحها للناس. وهذا ينطبق أيضًا على نظام الانتخاب على الأغلبية الذي لا يتلاءم مع درجة نضج التجربة التونسية. فنظام الانتخاب بالأغلبية يستبعد عديد الأصوات ولا يراعي طبيعة المتجمع التونسي غير المتجانسة. نظام اقتراع نسبي بعتبة انتخابية يساهم في التقليل من عدد القوى السياسية في البرلمان ويشجع على تكوين أغلبية برلمانية مستقرة. من جانب آخر تشجع هاته الإصلاحات الأحزاب الصغيرة إلى الانصهار مما يؤدي إلى تقوية بناهم التنظيمية وأهميتهم السياسية.

هولغر ديكس: من المهم كسر الحاجز بين الطبقة السياسية والمجتمع. ولتحقيق ذلك على الأحزاب السياسية الاتجاه إلى كفاءات جديدة لا ترى نفسها مرتبطة ارتباطًا وجوديًا بالسياسة ولا تطمح لامتهان السياسة

  • ضرورة إنشاء المحكمة الدستورية 
  • تقنين ظاهرة الترحال الحزبي بين الكتل في البرلمان 

الاقتصاد الريعي واللوبيات العائلية من بين أسباب انسداد أفق التغيير في تونس

أما بالنسبة لمركز فريدريش ايبيرت الوقفي التابع للحزب الاجتماعي الديمقراطي (يسار وسط) فإن هندريك ماير مدير مكتب المركز في ألمانيا قد كتب مقالًا عنونه "10 سنوات ربيع عربي: إحباط وتحول في تونس".

بعد أن استعرض الأحداث التي أدت لسقوط نظام بن علي، تسائل الكاتب عما إذا كانت قصة التجربة الديمقراطية التونسية قصة نجاح؟ 

إجابة هندريك ماير عن السؤال لا تقل تشاؤمًا عن ملاحظات الدكتور هولغر ديكس. يقول الكاتب إن القليل من التونسيين يتفقون تمامًا مع الطرح الذي يقول إن قصة التجربة الديمقراطية التونسية قصة نجاح. فالنشوة التي صاحبت بداية الثورة سرعان ما تحولت إلى إحباط وخيبة أمل. الأرقام الاقتصادية السلبية والبطالة وتدني المقدرة الشرائية هي الخبز اليومي للناس. 70% من المؤسسات التونسية على حافة الإفلاس. ونفس الشيء بالنسبة للدولة: الدولة عاجزة عن التسديد دون الالتجاء إلى التداين الخارجي. 

كيف وصل الأمر إلى هذا الحد؟

يفسر الكاتب أسباب وصول الوضع في تونس إلى ما هو عليه الآن ويقول: "لفهم السياق الذي أوصل تونس لهاته الحالة يجب العودة إلى بداية الثورة. مثل كل دكتاتورية، قسم نظام بن علي شعبه إلى مجموعتين: مجموعة ذات امتيازات استفادت من قربها من الرئيس للتحكم في الثورة والمقدرات الاقتصادية ومجموعة أخرى تعيش على الهامش". يواصل الكاتب عرضه لأسباب تردي الأوضاع في تونس ويرجعها إلى تفشي الزبونية والمحسوبية، نظام اقتصادي مغلق يعتمد على البيروقراطية التي تغلق السوق على الجميع باستثناء العائلات القوية والمتنفذة وذلك بالاعتماد على نظام من الرخص وكراس الشروط.

اقرأ/ي أيضًا: هل يمكن صناعة الثورة والحركات الاجتماعيّة مخابراتيًا؟

يعتبر مدير مكتب فريدريش ابرت في تونس أن الاقتصاد الريعي للوبيات المالية في تونس مازال متواصلًا إلى حد اليوم. عشر سنوات بعد الثورة يتواصل حسب الكاتب نفس إحساس الإحباط الذي طبع الفترة ما قبل عشر سنوات فالشباب مازال عليه أن يحارب نفس الهياكل القديمة غير المرئية. العديد فقد الثقة في التغيير نحو الأفضل تحت سقف الظروف الحالية وهو يما يفسر صعود الرئيس قيس سعيّد الذي عرف نفسه ورآه الناس بأنه مناهض للمنظومة. 

مدير مكتب فريدريش ابرت في تونس: الاقتصاد الريعي للوبيات المالية في تونس مازال متواصلًا إلى حد اليوم ورغم مرور 10 سنوات على الثورة مازال على الشباب أن يحارب نفس الهياكل القديمة غير المرئية

يواصل الكاتب عرضه بالقول إن الرئيس قيس سعيّد يعتبر أن الأحزاب تجاوزها الزمن وأن البلاد تحتاج إلى ديمقراطية شعبية مباشرة وأن أفكاره متطرفة وقال إنها تحظى بالشعبية.

 حسب رأي هندريك ماير فإن أمام الرئيس قيس سعيّد مسؤولية في احتواء "أنصاره" وبناء ديمقراطية والقضاء على الاقتصاد الريعي. 

يرى الكاتب أن الانتقال الديمقراطي في تونس يحتاج إلى المزيد من الوقت وأن على ألمانيا والاتحاد الأوروبي مساعدة تونس لفترات أطول. في المقابل أمام النخب السياسية مسؤولية تجاه الشباب تتمثل في القضاء على الكارتالات السياسية والاقتصادية حتى يعود لهم الأمل وبذلك تنجح النخب في كسب ثقة الشباب وربطهم بالمشروع الديمقراطي على مدى طويل.

الانتقال الديمقراطي في تونس: تقدم مهم، شبكات مصالح قديمة ومستقبل غامض

أما بالنسبة للمعهد الألماني للسياسات الخارجية والأمنية (SWP) المركز البحثي القريب من وزارة الخارجية والبوندستاغ وعديد المؤسسات الرسمية الألمانية فقد أصدر بداية العام الفارط ورقة بحثية مهمة حول تونس وانتقالها الديمقراطي صاغها كل من الباحثين الدكتورة اليزابيث فارنفلس والدكتور ماكس غالين. يعتبر المركز البحثي SWP من أكثر المراكز البحثية تأثيرًا في ألمانيا.

أهم ما جاء في الورقة البحثية هو أنه بالرغم من توفر العديد من الشروط الموضوعية لتثبيت الديمقراطية التونسية بكتابة دستور 2014 وتطور المجتمع المدني بوجود عديد الجمعيات التي تلعب دور معدل ورقابي مثل البوصلة وأنا يقظ فإن تونس لم تنجح في تركيز ديمقراطية وذلك بسبب العراقيل التي تعتري إصلاح المنظومة القضائية والأمنية بالإضافة إلى الصعوبات في محاربة الفساد.

  • المنظومة القضائية: 5 سنوات بعد الانتهاء من صياغة الدستور لم تنجح تونس في إرساء محكمة دستورية وهو ما أدى إلى دخول البلاد في عديد المناسبات في أزمات دستورية.
  • المنظومة الأمنية: الذي يدعو للقلق أكثر حسب الورقة هو وضعية القطاع الأمني ووزارة الداخلية. فبالرغم من تطور إمكانيات القوات الأمنية بفضل دعم شركاء وأصدقاء تونس فإن القطاع الأمني يشكو من تعطل الإصلاح الداخلي وغياب الشفافية وبقي دون محاسبة ودون رقابة برلمانية. دور النقابات الأمنية مثير للقلق لأن هؤلاء لعبوا أدوارًا سلبية وذلك بابتزاز القضاء والسلطة التنفيذية. تطبيق إجراءات أمنية تخص قانون مكافحة الإرهاب في حالات لا علاقة لها بالإرهاب يؤدي إلي الاعتداء على حقوق الإنسان.
  • الفساد في المجال الاقتصادي: محاربة الفساد وإصلاح المنظومة الاقتصادية ومحاربة الريع الاقتصادي بقيت محدودة ولم تتجاوز إجراءات تجاه عائلة بن علي وأصهاره وبعض الشخصيات المستفيدة من النظام السابق. هيئات الرقابة مثل هيئة مكافحة الفساد بقيت دون دعم سياسي. سوء التصرف في ملف محاربة الفساد سمح بعودة وجوه من نظام بن علي. 

حقيقة أن المنظومة القضائية غير مستقلة وكون المنظومة الأمنية لم تقم بإصلاحات مهمة بالإضافة إلى بقاء الفاسدين دون عقاب يعود إلى موجة من حركات الردة حسب الكاتبين.

تقييمات أغلب المراقبين عن تونس بعد عشر سنوات من الثورة ليست إيجابية ومع ذلك فإن ألمانيا ومؤسساتها مازالت تراهن على نجاح التجربة التونسية الديمقراطية برغم كل العراقيل والصعوبات

تشكل شبكات مصالح داخل المنظومة الأمنية واللوبيات المالية والاقتصادية بالإضافة إلى الشبكات داخل الإدارة المتحالفة مع بعضها البعض عوامل تخريب للتجربة الديمقراطية في تونس. فقد نجحوا في صنع حق فيتو في عديد المواضيع. على المستوى الاقتصادي، بقيت السلطة بيد اللوبيات المالية والاقتصادية في يد شبكة مصالح كانت مستفيدة من الوضع خلال عهد النظام السابق. 

خلاصة

عشر سنوات بعد اندلاع الثورة التونسية، يجمع محللون ألمان من أبرز المراكز البحثية على صعوبة المرحلة التي تمر بها تجربة الانتقال الديمقراطي في تونس. تونس تحتل مركزًا محترمًا داخل السياسة الخارجية الألمانية فكل الأحزاب الألمانية تنشط عبر أذرعها الجمعياتية في تونس داخل المجتمع المدني وتساعد عديد الجمعيات التونسية بالتدريب والتمويل والتكوين. المراكز البحثية الالمانية تولي اهتمامًا شديدًا لتطورات المشهد السياسي في تونس وترصد كل جديد فيه. تقييمات أغلب المراقبين عن تونس بعد عشر سنوات من الثورة ليست إيجابية ومع ذلك فإن ألمانيا ومؤسساتها مازالت تراهن على نجاح التجربة التونسية الديمقراطية برغم كل العراقيل والصعوبات.

 

المصادر: 

اقرأ/ي أيضًا:

 

10 سنوات على الثورة.. حتى لا يبقى "المصعد" معطّلًا

عقد على ثورة "الكرامة" بتونس: حلم ينتظر التحقيق