24-يوليو-2020

المتحف سيتم تحويله إلى مسجد وستقام صلاة الجمعة الأولى في 24 جويلية الجاري (Getty)

 

بقلم: هدى مزيودات وصالح يسون 

 

‎في 10 جويلية/ يوليو 2020، أبطلت المحكمة العليا التركية قرار مجلس الوزراء لعام 1934، ممهّدًا الطريق لتحويل متحف "آيا صوفيا" إلى مسجد. بعد ساعات قليلة من نشر القرار، أعلن الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، أن المتحف سيتم تحويله إلى مسجد وستقام صلاة الجمعة الأولى في 24 جويلية/يوليو 2020. يمثل متحف آيا صوفيا واحدًا من أكثر المعالم الأثرية رمزية دينية في منطقة شرق المتوسط خاصة؛ يقدسها المسلمون والمسيحيون على حد السواء. 

‎بُنيت كنيسة "آيا صوفيا" بين 532 و537 بعد الميلاد بأمر من الإمبراطور البيزنطي "جوستينيان الأول"، وتم تحويلها إلى مسجد من طرف السلطان "الفاتح محمد" في 1453. في عام 1934، حولها الزعيم العلماني مصطفى كمال أتاتورك إلى متحف. 

بالنظر إلى طبيعة النظام الرئاسي الحالي في تركيا، تخضع المحاكم في سن القوانين وتمريرها لحزب الرئيس التركي أردوغان: "حزب العدالة والتنمية". ما هي العوامل التي دفعت الرئيس التركي إلى اتخاذ قرار تحويل "آيا صوفيا" من متحف إلى مسجد؟

يدرك أردوغان من خلال أدائه الانتخابي مؤخّرًا أنّ تصاعد المشاعر الدينية القومية في الداخل تساهم في تعزيز شعبيته

‎يمكن مناقشة الأسباب العديدة الّتي حثّت أردوغان على اتّخاذ قراره، والتي بعضها مرتبط بعوامل داخلية، والبعض الآخر متعلق بمسائل دولية خاصة إقليمية. على الصعيد المحلي، تنامى استياء المواطنين الأتراك من الحكومة بسبب تدهور الأوضاع الاقتصادية. في حين أن معدل البطالة الرسمي بلغ 12.8٪، يشير الخبراء الاقتصاديون إلى أن النسبة المئوية الفعلية للعاطلين عن العمل يمكن أن تصل إلى %24.6 خاصة في صفوف الشباب.

إضافة لهذا، مثّلت الانتخابات المحلية في 2019 امتحانًا عسيرًا لأردوغان وحزبه، إذ خسر الرئيس التركي البلديات الرئيسية مثل أنقرة واسطنبول وإزمير، والتي ذهبت إلى أحزاب المعارضة العلمانية أو المستقلة. هذا وقد أبدى الرئيس التركي محاولات يائسة بهدف تغيير الأجندة المحلية الحالية من خلال قراره الأخير.

 كما أنه يواجه تحديات داخلية إضافية من الأحزاب الانفصالية بما في ذلك حزب "ديفا" (الإنصاف) و"چيليجك" (المستقبل)، المشكلان تباعًا من رئيس الوزراء السابق أحمد داود أوغلو ووزير الاقتصاد الحالي علي باباجان؛ واللذان أضحا يهدّدان بالقضاء على قاعدته الشعبية الآخذة في التناقص في السنوات الأخيرة. يدرك أردوغان من خلال أدائه الانتخابي مؤخّرًا أنّ تصاعد المشاعر الدينية القومية في الداخل تساهم في تعزيز شعبيته.

‎لعلّ العامل الآخر الذي حفّزه لاتّخاذ قراره هو رغبته في ترك بصمته كرئيس "للمتدينين المضطهدين" في تركيا والمسلمين في جميع أنحاء العالم. كما أشار مدير مكتب تركيا في "معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى" سونر جاباتاي، أنه من خلال تحويل آيا صوفيا إلى مسجد، ‎سوف يحقّق أردوغان أهم إنجاز له في أهم ثلاثة مواقع تاريخية وتجارية في اسطنبول. حسب استطلاع رأي من مؤسسة ميتروبول(Metropoll)، وهي مؤسسة تركية عريقة في سبر الآراء، فإنّ 46% من الأتراك يساندون قرار أردوغان في تحويل آيا صوفيا إلى مسجد، بينما 44% منهم يعارضون ذلك. كما سيشكل هذا إرثًا له، يمكّنه من ترك بصمته في التاريخ القريب لتركيا.

العامل الآخر الذي حفّزه لاتّخاذ قراره هو رغبته في ترك بصمته كرئيس "للمتدينين المضطهدين" في تركيا والمسلمين في جميع أنحاء العالم

منذ 2009 عند مواجهة أردوغان الشهيرة، لمّا كان رئيس وزراء تركيا، لشمعون بيريز، رئيس الوزراء الإسرائيلي الأسبق، بدأ زعيم حزب العدالة والتنمية في لعب دور حازم وشرس لقيادة العالم الإسلامي.

يمكن أن يكون افتتاح آيا صوفيا كمسجد خطوة لتعزيز شعبيته في العالم الإسلامي، خاصة في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا. في الواقع، بعد تحويله، نشر أردوغان رسالتين، واحدة باللغة العربية والأخرى باللغة الإنجليزية في خطاب 10 جويلية/يوليو 2020. في حين تؤكد الرسالة الإنجليزية على أن آيا صوفيا ستستمر بالترحيب بالمسلمين وغير المسلمين على حد السواء، فإن النسخة العربية لرسالته بدأت باستعمال حجة أن تحويل آيا صوفيا ستكون الخطوة الأولى لتحرير المسجد الأقصى، وواصل خطابه بإرسال تحياته إلى الأندلس 2020.

لم يشغل تحويل متحف آيا صوفيا إلى مسجد النقاش في الساحة السياسية التونسية كثيرًا، والتي كانت منكبة على النقاشات الحادة حول حكومة إلياس الفخفاخ. علاوة على ذلك، من الممكن أن تبدو القضية مبهمة وربما حساسة للغاية بالنسبة للتونسيين. مع ذلك، فإن النظرة العامة لتعامل أردوغان وانخراط تركيا في منطقة المغرب العربي الكبير لا يزال يمثل محل خلاف. في عام 2018 ، طرح البارومتر العربي السؤال على التونسيين: "هل تعتقد أنّ السياسات الخارجية للرئيس أردوغان جيدة للمنطقة؟"

توزيع آراء التونسيين حول إجابتهم على الأسئلة التالية كان كالآتي: 

بشكل عام، 8.7٪ من التونسيين يرون أن أردوغان له تأثير سيء للغاية، 17.16٪ يقولون إنّ تأثيره سيء، بينما 4.83% من المستجوبين أبدوا حيادهم أمام الموضوع. من جهة أخرى، يرى 49.97% من التونسيين أن تأثيره جيد، بينما 19.38٪ يرون أنّ تأثيره جيد للغاية.

في الرسم البياني التالي تفاصيل الدعم، استنادًا إلى الأحزاب السياسية للمستجوبين:

يعتقد 13.88٪ من مؤيدي النهضة أن أردوغان كان له تأثير سيء أو سيء جدًا على المنطقة. بينما تقدر النسبة بت 28.96٪ لمؤيدي الأحزاب البورڤيببة (نداء تونس، مشروع تونس، الحزب الدستوري الحر‎، المبادرة الوطنية الدستورية‎)  و24.07٪ للأحزاب اليسارية لأحزاب (التيّار الديمُقراطي‎، الجبهة الشعبية، التكتل). أخيرًا 18.88٪ من مؤيدي الأحزاب "الأخرى"(مستجوبين خيروا عدم التصويت) أو المستقلين يرون أن تأثير أردوغان سيء أو سيء جدًا. 

مؤخرًا نشر موقع كابيتاليس التونسي مقالاً حول اعتزام تركيا ترميم مقام الولي الصالح الصوفي "سيدي محرز بن خلف" وتداول الخبر موقعًا تونسيًا آخر باللغة الفرنسية "ويبدو" والذي أبدى انزعاجًا من التدخل غير المباشر لتركيا في الشؤون التونسية عبر هذه المشاريع، التي تنم حسب رأيه، على رغبة أردوغان في توسيع مناطق نفوذه في منطقة شمال إفريقيا خاصة تونس عن طريق مشاريع كهذه. 

مثّلت مشاريع ترميم معالم إسلامية تعود للعهد العثماني في تونس علامة أخرى لانخراط الحكومة التركية في ما يسمى "دبلوماسية المساجد"

كما مثّلت مشاريع ترميم معالم إسلامية تعود للعهد العثماني في تونس على غرار ترميم مسجد "محمد باي" بحي باب سويقة بالعاصمة من طرف "رئاسة الوكالة التركية للتعاون والتنسيق" علامة أخرى لانخراط الحكومة التركية في ما يسمى "دبلوماسية المساجد"

فيما تتعمق الأزمة السياسية في تونس، الأصعب منذ صيف 2013 والذي شهد اغتيال السياسي اليساري نائب الشعب، محمد البراهمي، تأتي استقالة رئيس الوزراء إلياس الفخفاخ الأسبوع الماضي لتزيد الوضع السياسي غموضًا خاصة السياسة الخارجية التونسية. وتمثل تركيا رأس الحربة في هذه السياسة الإقليمية متعددة المحاور، أين تجد تونس نفسها مخندقة في الصراع الليبي المتفجر.

مع مواصلة تركيا تعزيز حضورها السيادي في منطقة المغرب العربي الكبير والانخراط في سياستها حول الهوية والإسلام، من المرجح أن يتواصل النقاش حول تركيا في تشكيل وتحديد المشهد السياسي في تونس في المستقبل القريب.

 

*هدى مزيودات: باحثة أكاديمية في الشؤون الليبية والتونسية بجامعة يورك (بريطانيا) ومركز مبادرة الإصلاح العربي (فرنسا) حول قضايا الأقليات، العدالة الانتقالية، الهجرة والنزوح، الحركات الاجتماعية وحقوق الإنسان. 

*صالح يسون: طالب دكتوراة في جامعة انديانا (الولايات المتحدة الأمريكية) أين يشتغل على قضايا إرساء الديمقراطية والحكم المحلي في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا. يركز بحوثه على الحكم المحلّي في تونس. نشر مقالات ودراسات حول اللاجئين في تركيا والتحول الديمقراطي في تونس مع مراكز بحثية تركية وأوروبية. 

 

اقرأ/ي أيضًا: 

عندما تلتقي السلفية بالشعبوية: ائتلاف الكرامة ومرونة السلفية السياسية في تونس

"أبناؤكم في خدمتكم - دعاة تونس إلى الجهاد".. حفر في انتشار "الجهادية" بعد 2011