10-يناير-2018

تشهد تونس احتجاجات ضد الغلاء على نطاق ضيق (فيسبوك)

كانون الثاني/يناير هو شهر الانتفاضات والثورات في تاريخ تونس: انتفاضة العمال 1978 (الخميس الأسود) وانتفاضة الخبز 1984، وانتفاضة الحوض المنجمي 2010، وثورة 2011، احتجاجات 2016، ولذلك يستقبل التونسيون بداية كل سنة جديدة، خاصة بعد الثورة، بترقب شديد، خاصة وأنه تنطلق في نفس الوقت تنفيذ ميزانية الدولة التي تتضمن في السنوات الأخيرة ضغطًا جبائيًا، وتقليصًا في الدعم لمواجهة الأزمة الاقتصادية في البلاد.

كانون الثاني/يناير هو شهر الانتفاضات في تاريخ تونس، وتأكد ذلك هذا العام بخروج احتجاجات في سيدي بوزيد والقصرين وضواحي العاصمة

ويبدو أن التخوفات من بداية ساخنة للسنة الجديدة على ضوء الزيادة في نسبة القيمة المضافة، بالتوازي مع زيادة في أسعار البنزين والغاز المنزلي، دون نسيان استمرار غلاء أسعار الخضراوات، أكدتها تكوين حملة شبابية بعنوان "فاش نستناو" (ماذا ننتظر؟)، وانطلاق احتجاجات منذ بضعة أيام تمركزت في المحافظات الداخلية، وتحديدًا سيدي بوزيد والقصرين، إضافة لضواحي العاصمة. وقد تخللت هذه الاحتجاجات عمليات نهب وشغب تحديدًا في الاحتجاجات الليلية.

اقرأ/ي أيضًا: موجات الثورة التونسية العميقة

وتمثل هذه الاحتجاجات تحديًا جديدًا لحكومة يوسف الشاهد، التي تعاني بدورها تحدي البقاء على ضوء انسحاب حزبي الجمهوري وآفاق تونس من ائتلافها خلال الفترة الماضية، بل طلب حزب نداء تونس بتغيير رئيس الحكومة، وفق ما ذكرته أطراف سياسية شاركت في الاجتماع الأخير الذي جمع أطراف وثيقة قرطاج تحت رعاية رئيس الجمهورية الباجي قائد السبسي، وهو ما يعكس على الأغلب تأزم العلاقة بين يوسف الشاهد ونجل الرئيس حافظ قائد السبسي الذي يقود حزب نداء تونس خلفًا لوالده.

الحديث الدائم عن توظيف الاحتجاجات

إذا ما جاء الحديث عن احتجاجات، غالبًا ما يأتي كذلك عن توظيفها، وذلك هو الخطاب المتداول للأحزاب المشاركة في الائتلاف الحكومي. وفي هذا الجانب، وجهت حركة النهضة منذ انطلاق الاحتجاجات، اتهاماتها للجبهة الشعبية، وهي أكبر كتل المعارضة البرلمانية، حيث أدان بيان النهضة ما أسماها "استغلال الأطراف اليسراوية الفوضوية للمطالب الشرعية للمواطنين".

لا تزال الاحتجاجات حتى الآن على نطاق ضيق (فيسبوك)
لا تزال الاحتجاجات حتى الآن على نطاق ضيق (فيسبوك)

وانعقدت جلسة ساخنة في البرلمان، أشار خلالها نواب النهضة لتصويت نواب الجبهة في قانون المالية للفصل المتعلق بالزيادة في القيمة المضافة، وذلك نكاية في النهضة التي غادرت وقتها قاعة الجلسة. فيما ترد الجبهة بتصويتها بالرفض على قانون المالية بالنهاية على خلاف الأحزاب الحاكمة المًتهمة بالخضوع لإملاءات صندوق النقد الدولي.

ثمة مخاوف من توظيف إقليمي للاحتجاجات الحالية، خاصة من الإمارات التي تستثمر في استشراء الفوضى ومحاربة الانتقال الديمقراطي بتونس

وليس غريبًا هذا السجال كلما اندلعت احتجاجات، حيث غالبًا ما يقع اتهام أحزاب المعارضة بتجييش الشارع، وما يزيد من اتهام الجبهة هو وجود أسماء محسوبة عليها ضمن قائمة شباب حملة "فاش نستناو" على غرار وائل نوار الأمين العام السابق للاتحاد العام لطلبة تونس. وقد أوقفت جهات أمنية في محافظة القصرين مسؤولًا حكوميًا بشبهة تمويله للشباب للاحتجاج.

اقرأ/ي أيضًا: تورط الإمارات في استهداف ثورة تونس.. تسريبات جديدة تؤكد المعلوم

وتلحق شبهة التوظيف كذلك بفريق واسع من السلطة، وعلى رأسه حزب نداء تونس الذي لا تبدو علاقته وردية مع رئيس الحكومة. وقد طرح الحزب تغييره في اجتماع برعاية السبسي مؤخرًا، رغم أنه كان متوقعًا أن يقع تأجيل طرح مسألة التغيير إلى ما بعد الانتخابات البلدية المنتظرة في آيار/مايو القادم.

ولعله قد تساهم هذه الاحتجاجات في دفع النداء، وتحديدًا السبسي، للتخلي عن الشاهد الذي ظهر متمردًا على حزبه بتقريبه للوزراء المستقلين، وسط حديث عن نيته تكوين حركة سياسية، لعلمه بأنه لا يمكن أن يتصدر الصف الأول في حزبه حينما يغادر قصر الحكومة بالقصبة، بل لم يمكن الشاهد قبل تسميته رئيسًا للحكومة من الوجوه البارزة للحزب. وفي ذات السياق، أعلن حزب التيار الديمقراطي المعارض أنه لا يفكر في إسقاط الحكومة، مضيفًا أن "من يفكر في إسقاطها قد يكون جزءا منها".

 وفي خضم هذا الحديث، ظهر يوسف الشاهد في حوار تلفزي أول أيام السنة الجديدة، أي قبيل اندلاع الاحتجاجات ليعلن دعمه للسبسي حال ترشحه لولاية رئاسية ثانية سنة 2019، وذلك على ضوء تصاعد الحديث مؤخرًا عن رغبة الشاهد الترشح لهذه الانتخابات، مستفيدًا من الإرث الذي يريد أن يبقيه في الحكومة، وتصدره المرتبة الثانية في نوايا التصويت، خلف السبسي، ومستفيدًا من حملة مكافحة الفساد التي أعلنها قبل نحو تسعة أشهر.

وتجاوزًا للتوظيف المحلي للأحداث، ثمة مخاوف من توظيف إقليمي، وتحديدًا من الإمارات، لاستشراء الفوضى والقضاء على مسار الانتقال الديمقراطي الذي تحاربه في تونس، وما يزيد هذه الخشية هو التغطية الكثيفة والحينية، ربما بشكل غير مسبوق، من قناة سكاي نيوز العربية التي تبث من الإمارات.

ما هي آفاق الاحتجاجات؟

ما زالت الاحتجاجات حتى الآن مقتصرة على بعض المناطق الداخلية، وأطراف العاصمة، وقد تتواصل في نسق تصاعدي مع اقتراب الاحتفاء بالذكرى السابعة للثورة في 14 كانون الثاني/يناير. ولكنها تظل دون مستوى تحشيد احتجاجات 2016، التي بلغت مختلف المحافظات تقريبًا، ودفعت الحكومة لإعلان حظر التجوال ليلًا لبضعة أيام.

مع ذلك، من غير مستبعد أن تعلن الحكومة حظر التجوال خلال اليومين القادمين تحديدًا، في صورة تصاعد أعمال النهب والشغب في الليل، وعدم قدرة القوات الأمنية على مواجهتها.

في الأثناء، لا يمكن لحد الآن قراءة هذه الاحتجاجات كانتفاضة أو ثورة ثانية، كما يرنو أو يصور البعض، بقدر ما هي احتجاجات أو هبة دورية باتت من سنن الحياة السياسية في تونس بعد الثورة، على ضوء تدهور الوضع الاجتماعي والاقتصادي.

حتى الآن لا يمكن اعتبار الاحتجاجات الحاصلة في تونس، انتفاضة أو ثورة ثانية، بقدر ما هي هبة دورية معتادة منذ الثورة

ويحاول الشاهد في الأثناء تخفيف الضغط بإعلان أنه يأمل أن تكون 2018 هي آخر سنة صعبة على التونسيين، وذلك في الوقت الذي تطالب فيه قوى سياسية من حكومته تعليق العمل بقانون الموازنة وتحديدًا الزيادة في القيمة المضافة، وهو ما يصعب على الشاهد قبوله في ظل صعوبات الموازين المالية.

 

اقرأ/ي أيضًا:

 الاحتجاجات الاجتماعية في تونس.. عود على بدء؟

احتجاجات شعبية في تونس.. ثورة المهمشين مستمرة