18-يوليو-2018

هذه الفترة تذكر بآخر أيام حكم الحبيب بورقيبة

من ناشط ومدوّن إلى نائب عن دائرة ألمانيا، لا ينفكّ ياسين العيّاري يسيل كثيرًا من الحبر بقدر ما يطرح الأسئلة مشافهة وكتابة. قد يكون وصول العيّاري إلى كرسيه تحت قبّة البرلمان أكثر وصول حظي بتغطية إعلامية وطنية وعالمية في ظلّ ما رافقها من دعاوى قضائية مرفوعة ضدّه.

وجود تتهدّده عقوبة سجنية واتّهامات بالشعبوية وضعف الشرعية التمثيلية وآخرها تهديدات بالقتل. سنعود في الجزء الأوّل من حوارنا مع ياسين العياري على ما تلقّاه من تهديد ومحاكماته العسكرية وعلاقته بالخصوم السياسيين وآرائه في عدد من المواضيع الحارقة على غرار الفساد والعدالة الانتقالية وأداء رئيسي الجمهورية والحكومة.

اقرأ/ي أيضًا: متهمًا "شق حزب حاكم": ياسين العياري يتلقى تهديدًا "جديًا" بتصفيته

  • لو نبدأ من تلقّيك تهديدًا بالقتل وصفته في تصريح لك بالجدّي، حدّثنا عمّا وقع بالضبط؟

لا، هو ليس تهديدًا. أنا لطّفته بالقول إنه تهديد. في الواقع، هي معلومات وردتني من داخل المجموعة المخطّطة للأمر نفسها. حيث أبلغني مصدر من الداخل أنّ ما قيل لم يكن حديثًا عامًّا في إطار "جلسة خمرية" بل تصريحًا محدّدًا بالقول "سنرتاح منه في هذه العطلة البرلمانية وبما أنّ لديه أعداء كثر فلن يشكّ بنا أحد". أنا أتحدّث هنا عن أطراف قريبة جدًّا من حافظ قائد السّبسي. وقد نقلت بالفعل هذا الكلام إلى مساعد وكيل الجمهورية. قلت له إنني لن أكشف مصدري حرصًا على سلامته الشخصية، ولكنّهم أشخاص من الصف الأول والدائرة الأولى المحيطة بحافظ. وأنا أتحدّث بناء على تسجيل صوتيّ قالوا فيه إن حكم المحكمة العسكرية في حقّي مجرّد قرصة ولن نسمح له بالوصول إلى 2019. وقد سأل أحدهم المتكلّم: ماذا تقصد بالقول لن نسمح له بالوصول، هل سنقتله؟  فأجابه: وأين المشكل؟ لديه أعداء كثر، لن يشكّ بنا أحد.

الآن، هل هذه التهديدات جدية أم لا تعدو أن تكون فذلكة؟ ليس لدي الإمكانيات لإثبات هذا أو ذاك. فقط قمت بإعلام رئيس مجلس النواب كتابيًا ليتخذ ما يراه صالحًا وأعلمت الجهة القضائية لتقوم بواجبها.

ياسين العياري لـ"الترا تونس": لقد تمّت محاكمتي عسكريًا خمس مرّات.. منذ الاستقلال إلى يومنا هذا لم يحاكم أحد مثلي أمام قضاء عسكري بما في ذلك العسكريون أنفسهم

  • وماذا عن الحكم الأخير الصادر في حقك عن المحكمة العسكرية وتصريحك بأنك ستتنازل عن الحصانة؟

أنا لو تمسكت بالحصانة ما كنت لأحاكم أصلًا. بل ذهبت إلى القاضي وقلت له لن أتمسّك بالحصانة لأنني بريء. هل أنا سارق أم متحرش جنسيًّا مثل عديد النوّاب؟

  • أن تحاكم مواطنًا ونائبًا أمام القضاء العسكري، كيف تصف ذلك؟

لقد تمّت محاكمتي عسكريًا خمسة مرّات. منذ الاستقلال إلى يومنا هذا لم يحاكم أحد بقدري أمام قضاء عكسري بما فيهم العسكريون أنفسهم. أنا أحاول التعامل مع هذه القضايا واحدة بواحدة (يضحك ساخرًا). إحداها حوكمت وسجنت 16 يومًا لأنني وصفت جنرالًا بالحسّاس. واليوم أواجه عقوبة سجنية بـ3 أشهر بناء على تدليس. وهناك قضية أخرى قيل لنا في المحكمة العسكرية إنّ ملفّها غير موجود بعد استظهارنا برقمها للاطّلاع عليها. هذه دولتكم يا توانسة.

  • هذه الأطراف التي تقول إنّها تهدّدك وتلفّق لك التّهم، لمَ تستهدفك؟ أي تهديد تراه فيك؟

هنا مربط الفرس. هم تناولوا الموضوع بشكل شخصي. لقد أذلّوا في ألمانيا وأهينوا إهانة بالغة. شخص لا يعيش في ألمانيا بل في فرنسا أين بعمل 5 أيام  في الأسبوع. ويتنقل إلى ألمانيا يومين فقط ودون إمكانيات بل كل ما خسره 800 يورو دعاية على الفيسبوك. وهما حزبان حاكمان بكل ما أتيح لهما من وسائل وعجزا عن الفوز. أقاموا حفلة لوليد التونسي في بون والنهضة كانت تجول في الشارع تخاطب المتعاطفين معها بالقول "ما تحشموناش مع الباجي ما تنتخبوش العياري انتخبوا متاع النداء". ولكنّهم هزموا فشعروا بالمذلّة. هذا أوّلًا، أمّا ثانيًا، فالصورة نفسها للشباب الذي يجيء من خارج دائرة حساباتهم الضيقة فيفتكّ له مكانًا بينهم أزعجتهم. طبعًا، هؤلاء ليس لديهم مشكلة مع الشباب في العموم، فهم مثلًا يحبّذون الشباب المارينات والدّيكور، أمّا من يتحدّاهم فغير مرحّب به. لقد راهنوا على ترذيل العمل السياسي بغاية أن يقاطع كل الشباب العمل السياسي فتخلو لهم الساحة، ويوم تحلّ الاستحقاقات الانتخابات يحملون نواتهم الصلبة إلى مركز الاقتراع لتصوّت لهم ويتشدّقون بالديمقراطية. وجود بديل قادر على تحقيق الفوز أزعجهم.

  • هذا السيناريو تكرّر كما رأينا في الانتخابات البلدية بصعود القائمات المستقلّة؟

بالضبط. من كان يتخيّل في السابق أن يتفوّق مستقلّون على حركتي نداء تونس والنهضة؟ لكن هذا حدث مؤخّرًا وبأقلّ تكاليف واستثمارات ممكنة الأمر الّذي أزعج الحزبين المذكورين كثيرًا. توة. من تشجّعوا وترشّحوا في قائمات مستقلّة مكّنوا الناخبين من أن يروا فيهم بديلًا حقيقيًا. هناك من كان يعتقد أنّ النداء والنهضة قدرنا الّذي لا مفرّ منه لكن تبيّن في الحالتين أنّ ذلك غير صحيح. وهل تعلمين ما أكثر ما أزعجهم؟ كانوا يتوقّعون أنّه عندما أدخل المجلس سأكون مثل النائب التأسيسي إبراهيم القصّاص أرقص فوق المقعد وأضرب الزملاء بفردة الحذاء لكنّهم وجدوا واقعًا مغايرًا. حكاية أخرى....

اقرأ/ي أيضًا: المحكمة العسكرية قضت بسجنه 3 أشهر: ياسين العياري يؤكد أن دليل إدانته مزور

العياري: لقد راهنوا على ترذيل العمل السياسي بغاية أن يقاطع كل الشباب العمل السياسي فتخلو لهم الساحة ووجود بديل من الشباب قادر على تحقيق الفوز أزعجهم

  • حكاية أخرى ربّما، لكنّك تتّهم بالشعبوية دائمًا كما كان القصّاص وإن بشكل مختلف؟

هل الشفافية في العمل شعبوية؟ لنر أوّلًا ماهو دور النائب؟ له 3 أدوار رئيسية. أوّلًا الدور التمثيلي، وأنا أسافر كلّ شهر إلى ألمانيا، بحرّ مالي وليس على حساب المجلس، لأقابل أفراد جاليتنا هناك وأزورهم حتّى داخل أحيائهم الصغيرة، عكس السياسيين الّذين لا يتوجّهون إلى الناس إلاّ في الفترة الانتخابية، أذهب كلّ شهر لملاقاة أفراد دائرتي وأجالسهم في المقاهي وأستقبل ملفّاتهم. ثانيًا الدور الرقابي، وأنا بصفتي نائب الشعب، يحتّم عليّ موقعي متابعة المسؤولين ومساءلتهم لكي لا يترك الحبل على الجرّار. وأمّا الدور التشريعي، فهو أن يقترح النائب مشاريع قوانين أو أن يصادق على أخرى. بالنسبة لتغيّبي أثناء جلسات مصادقة على بعض القوانين فستجدين أنها كانت توافق مواعيد جلساتي في المحكمة. أمّا عن الاقتراح، فقد قمت بالفعل وفي ظرف 3 أشهر فقط باقتراح مشروعي قوانين جديدين. تخيّلي لو أنّ 217 نائبًا تقدّم كلّ منهما بمشروع قانون كلّ شهرين فقط لكانت البلاد قد تغيّرت نحو الأفضل.

  • فيم تتمثّل بالضبط مشاريع القوانين التي اقترحتها؟

مشروع القانون الأوّل يهمّ أطفال التوحّد، حيث توجّهت إلى الأولياء وقمت معهم بعصف ذهني لمعرفة كيف يمكنني تطويع الأدوات التشريعية التي بيدي لخدمتهم. فأخبروني بأنّهم يرغبون في تركيز كاميرات مراقبة داخل المراكز المخصّصة لإيواء أطفال التوحّد والعناية بهم كي يكون من اليسير على وكيل الجمهورية أو مندوب حماية الطفولة معاينة التسجيلات متى تبلّغ بأيّ شبهة سوء معاملة. وكي أنأى بالقانون عن أي تجاذبات، اخترت أن يكون العشر نواب المساندون له ممثّلين عن المعارضة والموالاة على حدّ سواء. أمّا المشروع الثاني،  فيتمثّل في فرض التزام كل شركة أجنبية أو فرع لشركة أجنبية يتحصل على عقود عمومية تونسية بأن يمكّن شابًا تونسيًا مقيمًا في بلدها الأمّ من إجراء تربّص لديها أو أن تتكفّل بمنحة دراسية لتونسي في إحدى الجامعات. والهدف من ذلك طبعًا هو تعزيز قدرات التونسيين المقيمين في الخارج والّذين سنحتاج لاحقًا إلى كفاءتهم، بتمكينهم من خوض تجربة مهنية في شركة كبرى، وكذلك تدعيم التعليم العالي التونسي. هذا هو تصوّري الشخصي: التغيير الكبير هو عبارة عن مجموعات تغييرات صغيرة. هذه الأدوات التي مكّنني منها القانون وأن تمارس صلاحياتك بالشكل الكامل لا أعتقد أنها من الشعبوية في شيء. الشعبوية هي أن تجديني هنا أنظّف أرضية المجلس مثلًا.

  • ألا تخشى أنه لفرط حرصك في مساءلة المسؤولين قد تسقط في فخّ ارتكاب هفوة أو خطأ؟ كما قد يكون الأمر في موضوع ساعة وزير العدل غازي الجريبي؟

أنظري سيدتي، أنا لم أترشح لأكسب أصدقاء جدد. أنا هنا في مهمة محدّدة أعمل عليها. بخصوص ساعة غازي الجريبي الرّولاكس، يمكنني أن أجزم لك أنه يكذب عندما ينكر امتلاكها. لقد رأيت الساعة رؤية العين... ومن جهتي، كّلفت محاميًا ليرفع ضدّه دعوى قضائية بتهمة نسبة أمور غير قانونية لموظف عمومي، باعتباره قدم إلى المجلس واتّهمني في جلسة مساءلة بالكذب.

  • وهو أيضًا رفع قضية بحقّك؟

يمكنني أن أؤكّد لك أنّ قضيته فاشلة لأن الدستور ينصّ على أنّ النائب لا يساءل على تصريح قام به في إطار أداء عمله. بمعنى أنّني كنت في جلسة عامة وقلت أشياء في إطار أداء عملي فلست معنيًّا بالتالي بالمتابعة القضائية. وقد بلغني أنّ مقرّبين من الوزير سألوه: لم تقاضي العيّاري وأنت تدرك أن القضية خاسرة لا محالة؟ فأجابهم: أعرف، لكنّني أريد أن "أمرمده". من المؤسف حقًّا أنّ وزيرًا في حالته لديه ملفات الداخلية والعدل ومشكلة الإرهاب ويشغل نفسه بـ"شقشقة الحنك" ورفع شكوى ضدّي.

ياسين العياري لـ"الترا تونس": مسار العدالة الانتقالية تمّ اتّخاذه لحماية الجلادين ولم يربح منه الضحايا شيئًا

  • بالنسبة لمحاربة الفساد دائمًا والإثراء غير المشروع، ما الّذي فعلته كنائب بالخصوص؟

من جهتي، قمت برفع عدة دعاوي قضائية في حق كل من سليم عزابي مدير الديوان الرئاسي، وسفير تونس في ألمانيا ووزير الخارجية بتهمة فساد، ووزير التربية بتهمة إهمال القتل الناجم عن إهمال في قضية مبيت تالة. حيث كنت تنقلت بنفسي إلى هناك وتحصّلت على شهادات تفيد بأنّ الإدارة والوزارة على علم بوجود المسّ الكهربائي وغياب التهوئة في المبيت وغياب قيّم عليه ممّا يضطر الحارس إلى غلق الباب من الخارج على من فيه. هذا أدّى إلى أنه عند حدوث الحريق لم تتمكّن المقيمات في المبيت من الخروج.  هناك إذن إهمال واضح رغم الدراية بوجود الاهتراء وخطر المسّ الكهربائي وغياب القيّم. والحال أنّ الوزير معطّل لانتداب القيمين. فله في تقديري وتقدير المحامي مسؤولية جزائية. هذا دوري كنائب، لكن هناك زملاء يعملون فقط بأسلوب شتم الوزراء والمسؤولين وسبّهم. وهذا مهمّ في حدّ ذاته لأنه يعزّز لدى الناس قناعة أنّ الوزير لا يعدو أن يكون موظفًا لدى المواطن يتقاضى مرتّبًا، لكنه غير كاف.

  • بالنسبة لقضايا الفساد دائمًا، هل ترى أنّ القضاء يقوم بدوره على أكمل وجه في هذا الصّدد؟

أرى أنّ أداء القضاء غير كاف وفيه كثير من التعثّر...

اقرأ/ي أيضًا: أشرف عوّادي: وراء كل تبجّح بالفساد نقابي والقضاء يرفض أن يستقلّ (حوار - 2/2)

  • رئيس منظمة "أنا يقظ" أشرف العوّادي قال في حوار معه لـ"الترا تونس" إنّ القضاء لا يريد أن يستقلّ وإنّ عددًا من القضاة يتعمّدون تمديد الآجال، فما رأيك؟

ربما هو قال ذلك لأنّ لديه بالفعل عدّة قضايا معطّلة لكن بالنسبة لي فلم يمض وقت طويل على رفعي للقضايا التي ذكرتها.  لو تعودين لي بعد 6 أشهر من الآن قد أقول غير هذا، لكن حاليًا لا يسعني الحكم على نية القضاء. لا أخجل من أحد ولكنني أفضّل أن أتحدّث بناء على معطيات.في حالتي مثلًا، لديّ مشكلة تتعلّق بموضوع الحبيب عمّار الصادرة في حقه بطاقة جلب صادرة عن القاضي العسكري في قضية تتعلّق بالقتل تحت التعذيب. هذا السيد تغيّب عن حضور 18 جلسة دعي إليها في المحكمة ولكننا نراه يحضر لدى رئيس الجمهورية. نحن هنا أمام أزمة مصداقية دولة فأحد الوزيرين، الداخلية أو الدفاع، المعنيين بالأمر يقوم بمغالطة ويتستّر على مجرم. لم يعد لطفي براهم موجودًا على رأس وزارة الداخلية اليوم وصارت الكرة في ملعب الجريبي، وأنا مازال لديّ نفس طويل لمتابعة مسلسل الحبيب عمّار.

  • يحيلنا هذا إلى موضوع العدالة الانتقالية، ما هو رأيك في المسار الّذي اتّخدته؟ وهل مازال بالإمكان اليوم الحديث عنها بنفس الطريقة قبل سنوات؟

أعتقد أننا لم نكن يومًا نتحدث بشكل إيجابي عن العدالة الانتقالية. هذا المسار تمّ اتّخاذه لحماية الجلادين ولم يربح منه الضحايا شيئًا. لقد كان بالإمكان الاكتفاء بالقانون الجزائي لمحاسبة المخطئين والمجرمين لكنّ العدالة الانتقالية في شكلها هذا أعطت الفرصة لحدوث تجاوزات. هناك أشخاص لا يؤمنون لا بثورة ولا بعدالة أحنوا رؤوسهم قليلًا حتى تمرّ العاصفة ونراها اليوم في الحكم تعتقد أنّها من القوة بما يكفي لتكون فوق المساءلة. سهام بن سدرين ليست سوى شخص، لكنّ الغريب أنّ هيئة الحقيقة والكرامة سمّيت باسمها بهدف ضربها...

  • لكن اللجنة الوطنية لتقصّي الحقائق حول الرشوة والفساد مثلًا كانت تسمّى أيضًا باسم المرحوم عبد الفتاح عمر؟

طيب، هل أسمينا يومًا هيئة الانتخابات بهيئة صرصار أو منصري؟ ربط الهيئة بالشخص كان في إطار السعي إلى ضربها والتشكيك في مصداقيتها ونزاهتها، والحال أنّ ما يشاع عن سيارات هيئة الحقيقة والكرامة خاطئ لأنها في النهاية ستعود إلى الدولة بعد انتهاء أشغالها، وكذلك الأموال التي تتلقّاها تذهب إلى خلاص أجور الموظفين.

  • ألا تعتقد أن ذلك يعود فيما يعود إلى كون بن سدرين شخصية مثيرة للجدل بطبعها وليس هناك إجماع حولها؟

ليس هناك أحد يحدث حوله إجماع، فالرسول محمد نفسه خرج على قومه بالقرآن والحق المبين واختلفوا حوله. من المعلوم أنّه كلما كانت مهمتك أصعب وفيها تحديات أكبر ستواجه بردود فعل أكبر. ربما لو أنّ الهيئة فعلت ما يفعله شوقي الطبيب بهيئته لما واجهت كل هذه المشاكل. ماذا يفعل رئيس هيئة مكافحة الفساد غير الدورات التدريبية واستراحات القهوة؟

  • لكن هذه الهيئة لا تتمتع بصلاحيات هيئة دستورية ولا بالموارد الكافية؟

نعم بالفعل، ولذلك الطبيب لا يفعل شيئًا ولا يزعج أحدًا وهذا هو المطلوب. أمّا العدالة الانتقالية فهي شئنا أم أبينا تمثّل تصادمًا كبيرًا بين مطالب الضحايا. كما أن هناك صحفيين معنيين بالعدالة الانتقالية ولذلك من مصلحتهم أن يذبحوها ذبحًا وكذلك الشأن بالنسبة لعدد من الموظفين ورجال الأمن. أنظري إذن إلى حجم القوة التي تحارب هيئة الحقيقة والكرامة... هذا يعني أنّ بن سدرين ملاك وأنا شخصيًا عندما تطلّب الأمر تقريعها فعلت.

ياسين العياري لـ"الترا تونس": المشكل في وجود صحفيين يباعون كالبغايا على قارعة الطريق ويقبلون بكونهم أدوات بيد السلطة

اقرأ/ي أيضًا: أشرف عوادي: سنعمّم تجربة مقاطعة "نسمة" والتوافق يخلق أرضية للفساد (حوار - 2/1)

  • إلى أيّ حدّ ساهم عدم تسديد بن سدرين لأجور صحفيي "راديو كلمة" في ضرب مصداقيتها برأيك؟

أعتقد أنه في حالة سهام، سيبحث معارضوها عن حجة لضرب مصداقيتها حتى بحجّة أنّها "طلعت فوق المادّة"... بالفعل كان ذلك خطأ منها، لكن في النهاية هو مجرّد عذر لا غير بيد مناوئيها. لنأخذ مثلًا السّبسي عندما قال عبارته الشهيرة : ماهي إلا مرا؟ هل تمّ التشكيك في شرعية بعثه لجنة الحريات الفردية والمساواة باعتباره أساء إلى المرأة التونسية؟ جميع الناس يمكن أن يقعوا في الخطأ...

  • قبل أن تكون نائبًا، أنت مدوّن ولعلّك تمارس التدوين إلى اليوم بشكل أو بآخر، فكيف توصّف واقع حرية التعبير في تونس؟

برأيي أنّ أهمّ توصيف هو عودة الرقابة الذاتية. هناك من لا يريد إزعاج فلان ويرغب في "أكل لقمة العيش" من عند فلان. وهذا يجعلني أجزم أنّ أقصى منسوب لحرية التعبير كان أيام الترويكا، وقد أصبح خلفنا، كل شيء كان مسموحًا وقتها حتى فات الحد. أمّا من في الحكم اليوم فيختلفون عن سابقيهم. المشكل ليس في الشاهد ولا في الباجي، بل في وجود صحفيين يباعون كالبغايا على قارعة الطريق ويقبلون بكونهم أدوات بيد السلطة. لقد تعرّضت شخصيًا إلى أنواع شتّى من الهجومات من قبل صحفيين و"أخجل" من أن أقاضيهم. لو كنت في فرنسا أو ألمانيا مثلًا لأصبحت ثريًا بفضل الدعاوي القضائية، لكن والحال هذه، يستحيل أن أقف في محكمة لأقاضي صحفيًا. في الواقع، عندما نلاحظ أداء جريدتي الشروق والصريح، قبل غلقها، يتأكّد لدينا أن بن علي لم يكن يجبرهم على "البندير" بل كانوا "بندارة" طواعية. الإعلاميون في تونس لم يقوموا بثورتهم ولن يفعلوا مادام منهم من مايزال يعيش على 150 و250 دينارًا في الشهر.

  • لنبق في سياق الأداء الإعلاميّ، ما رأيك في إجراء الرئيس حوارًا لفائدة قناة نسمة وهي التي وصفتها الهايكا بغير القانونية وتتعلّق بها قضايا فساد؟

أقول إنّ ذلك الحوار وصمة عار لا ريب. هناك أمران اثنان سيذكرهما التاريخ للسبسي وهو استقباله الحبيب عمّار الهارب من العدالة والحوار الأخير في قناة نسمة، وكلاهما سيّان عندي. ما فعله الباجي لا يليق بدولة ولا برئيس دولة وضامن للدستور. السّبسي يسخّر رئاسة الجمهورية لخدمة أصدقائه وأحبابه. أخلاقيًا وسياسيًا، "مرمد" الرئيس نفسه ليلتها. وعندما نرى نوعية الحوار ومحتواه ومن أجراه، فإنّنا نجد دليلًا على أنّه إذا كان لرئيس الجمهورية بعض الفطنة السياسية قبل 4 سنوات، فقد فقدها اليوم تمامًا.  

  • هناك من شبّه فترة الحكم الأخيرة للرئيس السبسي بآخر أيام حكم الحبيب بورقيبة؟

نعم، ويبقى السؤال من هي سعيدة ساسي اليوم؟ هل هي سعيدة قرّاش أم نور الدين بن تيشة؟ الفرق الوحيد هو أنّ الحبيب بورقيبة الابن كان أفضل من حافظ قائد السبسي ولم يكن معنيًّا بالصراع السياسي.

  • وماذا عن يوسف الشاهد؟ كيف تقيّم أداءه وطموحاته السياسية؟

الطموحات أمر مشروع للجميع ويكفلها القانون. المشكل أنّ الشاهد مدعوم من الخارج. عندما تصرّح مجموعة السبع الكبار (G7) بأنّها مع الاستقرار الحكومي فحينها لا يترك ذلك مجالًا للشكّ في كون رئيس الحكومة مدعوم من الخارج. هناك من يقولون إنّ الشاهد يحظى بدعم حركة النهضة ولكن الحقيقة أنّ هذه الأخيرة ستبيعه غدًا إذا وجدت فيه سعرًا جيدًا كما فعلت سابقًا مع الحبيب الصّيد.  ما يبدو أنه دعم للشاهد هو في الواقع ركوب لموجة الـG7 لأنّ النهضة تعلم أنّ رئيسنا المفدّى حامي الديار الوطني الغيور يعمل بتعليمات الخارج أكثر من الدّاخل.  فالنهضة في واقع الأمر، "تسمّن في" الشاهد حتى موعد بيعه لا أكثر لا أقلّ.

 

اقرأ/ي أيضًا:

يوسف الصديق: لا عقاب في القرآن للمثلية.. ولا شيء اسمه الشريعة (حوار– 1/2)

يوسف الصديق: الإسلام فتح باب المواطنة.. والإنسان هو مقصده الرئيسي (حوار - 2/2)