21-يناير-2022

تبقى كل الروايات المتداولة مجرد فرضيات في انتظار ما ستفضي إليه مخرجات تحاليل الطب الشرعي (وسيم الجديدي/ Sopa Images)

 

شُيّعت جنازة المواطن التونسي رضا بوزيّان، الخميس 20 جانفي/يناير 2022، في مسقط رأسه بولاية سليانة، بعد يومٍ من إعلان وفاته، و6 أيام من فقدانه إثر مشاركته في مظاهرات 14 جانفي/يناير 2022 بمناسبة الذكرى الـ11 للثورة التونسية التي انتُظمت احتجاجًا على توجهات وسياسات الرئيس التونسي قيس سعيّد.

لئن تعددت الروايات واختلفت حول أسباب وفاة المواطن رضا بوزيان، فإن الرواية الرسمية النهائية التي ستفضي إليها نتائج تحاليل الطب الشرعي لم تصدر بعد

وكانت تحركات 14 جانفي/يناير 2022 قد جوبهت بصدّ أمنيّ وُصف بـ"العنيف" لاسيّما وأن القوات الأمنية لجأت إلى استعمال خراطيم المياه وقنابل الغاز المسيل للدموع والضرب بالهراوات والدراجات النارية لفضّ التجمعات، الأمر الذي أثار انتقادات واسعة محليًا ودوليًا على اعتبار أن هذه الممارسات "غير مسبوقة" في تونس ما بعد الثورة، وفق تقدير الكثيرين.

تشييع جثمان رضا بوزيان في مسقط رأسه بسليانة (ياسين القايدي/ الأناضول)
  • روايات عديدة في انتظار "الحقيقة"

ولئن تعددت الروايات واختلفت حول أسباب وفاة المواطن رضا بوزيان، فإن الرواية الرسمية النهائية التي ستكشف عنها نتائج تحاليل الطب الشرعي لم تصدر بعد.

وقال رئيس الرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان جمال مسلم، الخميس 20 جانفي/يناير 2022، إنه وفق المعطيات التي تحصلت عليها الرابطة عند إجرائها اتصالات بمستشفى الحبيب ثامر بالعاصمة، فإن "رضا بوزيان توفي إثر تعرضه لجلطة دماغية بسبب تمزق شريان دموي، علمًا وأنه مصاب بارتفاع ضغط الدم"، على حد روايته.

رئيس رابطة الدفاع عن حقوق الإنسان: وفق ما وردنا من معطيات من مستشفى الحبيب ثامر فإن رضا بوزيان توفي إثر تعرضه لجلطة دماغية بسبب تمزق شريان دموي

وأضاف، في مداخلة له على إذاعة "شمس أف أم"، أن "حسب ما بلغ الرابطة من معطيات، لم يكن هناك آثار عنف خارجي لدى الفقيد رضا بوزيان"، مستدركًا القول إن "ذلك لا يمنع ضرورة قيام القضاء بالأبحاث اللازمة المعمقة، خاصة وأن هناك عشرات شهود العيان في عملية إيقاف بوزيان ونقله لمركز الأمن بسيدي البشير، ثم نقله إلى مستشفى الحبيب ثامر إثر تدهور حالته الصحية"، على حد قوله.

اقرأ/ي أيضًا: رئيس رابطة حقوق الإنسان: علمنا أن بوزيان توفي بجلطة دماغية إثر تمزق شريان دموي

فيما صرّح القيادي بحركة النهضة عماد الخميري، في ندوة صحفية للحركة انعقدت الخميس حول وفاة رضا بوزيان، أنه "تم الأربعاء إعلام عائلة الفقيد بطريقة غير رسمية بأن هناك مواطنًا توفي في قسم الإنعاش بسبب نزيف حاد في الدماغ، ليتبين أنه رضا بوزيان"، وفق روايته.

وقالت حملة "مواطنون ضد الانقلاب"، في بيان نشرته في 19 جانفي/يناير 2022، إن "المواطن رضا بوزيان توفي مُتأثّرًا بجراحه جرّاء تعنيفه وسحله من قبل البوليس يوم 14 جانفي خلال مظاهرة الاحتفال بعيد الثورة ومواجهة الانقلاب"، على حد تقديرها. 

المحامي مختار الجماعي لـ"الترا تونس": لا يمكن الجزم مبدئيًا بتعرض بوزيان إلى العنف من عدمه في انتظار ما سيعلن عنه الطب الشرعي.. لكن تبقى وفاته مسترابة، ومن المرجح أنها "جريمة قتل عمد مضمر"

أما محامي بوزيان، مختار الجماعي، فقد أكد، في تصريح لـ"الترا تونس" أن "بوزيان لم يكن يشكو من أي مرض، ولو بسيط"، وفقه، مشيرًا إلى أنه لا يمكن الجزم مبدئيًا بتعرض الفقيد رضا بوزيان إلى العنف من عدمه في انتظار ما سيعلن عنه الطب الشرعي، مستدركًا القول: "لكن تبقى وفاة رضا بوزيان وفاة مسترابة، ومن المرجح أنها جريمة قتل عمد مضمر"، وفق تقديره.

في المقابل، كان مكتب الاتصال بالمحكمة الابتدائية بتونس قد قال، في بلاغ تحصلت وكالة تونس إفريقيا للأنباء (الوكالة الرسمية) على نسخة منه، إنه "إثر المعاينة المجراة من طرف ممثل النيابة العمومية، تبيّن أن المتوفّي لم يكن يحمل أية آثار عنف ظاهرة"، حسب روايته.

وتبقى كل هذه الروايات مجرد فرضيات في انتظار ما ستفضي إليه مخرجات تحاليل الطب الشرعي.

  • شكاية من أجل "القتل العمد المضمر" وفتح تحقيق

بمجرد بدء انتشار خبر وفاة المواطن رضا بوزيان، الأربعاء 19 جانفي/يناير 2022، تم فتح بحث قضائي تحقيقي والإذن بعرض جثته على قسم الطب الشرعي، وفق ما أفاد به مكتب الاتصال بالمحكمة الابتدائية بتونس.

وأوضح، في بلاغ له، أن النيابة العمومية لدى المحكمة الابتدائية بتونس، تلقّت بتاريخ 19 جانفي/يناير 2022، إعلامًا صادرًا عن أعوان مركز الأمن بسيدي البشير بالعاصمة، مفاده أنه تم إخطارهم من طرف إدارة مستشفى الحبيب ثامر، بوفاة شخص تم قبوله منذ يوم 14 جانفي/يناير 2022"، مضيفًا أن "التحريات الأولية بيّنت أن إحدى سيارات الحماية المدنية نقلت، بتاريخ 14 جانفي/يناير 2022، شخصًا عُثر عليه بحالة إغماء، قرب قصر المؤتمرات (وسط العاصمة)، إلى مستشفى الحبيب ثامر"، وفق نص البلاغ.

اقرأ/ي أيضًا: النيابة العمومية تأذن بفتح تحقيق في وفاة رضا بوزيان وعرض جثته على الطب الشرعي

وفي الأثناء، كلفت عائلة الفقيد المحامي مختار الجماعي بتقديم شكاية لدى النيابة العمومية بالمحكمة الابتدائية بتونس "من أجل القتل العمد المضمر من قبل موظف عمومي". وأوضح الجماعي لـ"الترا تونس" إن "النيابة العمومية قبلت الشكاية ويبدو أنها أدرجتها مع القرار السابق بفتح بحث تحقيقي في خصوص الوقائع موضوع حادثة وفاة بوزيان"، معتبرًا أنها "وفاة مسترابة، خاصة وأن الظروف التي اختفى فيها الفقيد كانت ظروف اعتداءات بالجملة على المتظاهرين"، حسب توصيفه.

الجماعي لـ"الترا تونس": بعد مشاهدة فيديوهات الاعتداءات بالعنف على المتظاهرين، عائلة الفقيد تعتقد أنه توفي إثر الاعتداء عليه وتوجه شكوكها نحو الجهات الأمنية التي جابهت المظاهرات بكل وحشية

وتابع المحامي: "من الغريب أن رضا بوزيان ظلّ في المستشفى لمدة 5 أيام، دون أن يتم التوصل لمعرفة عائلته حسب مزاعم الروايات الأمنية، لكن بمجرد وفاته تم التمكن من التوصل إليها، وهو ما يثير الاستغراب"، مستطردًا القول: "بعد مشاهدة فيديوهات الاعتداءات بالعنف على المتظاهرين يوم 14 جانفي/يناير 2022، عائلة الفقيد تعتقد أن بوزيان توفي إثر الاعتداء عليه وتوجه شكوكها نحو الجهات الأمنية التي جابهت المظاهرات بكل وحشية"، حسب تصريحه.

  • أحزاب ومكونات سياسية توجه أصابع الاتهام لـ"السلطة"

ولئن تعددت الروايات بخصوص وفاة بوزيان، فإن جل الاتهامات التقت على أن السلطة، ممثلة في الرئيس ووزير الداخلية، هي من تتحمل مسؤولية هذه "الجريمة"، وفق توصيفهم، وفي كل أحداث العنف التي عرفتها مظاهرات الذكرى الـ11 للثورة التونسية.

لئن تعددت الروايات بخصوص وفاة بوزيان، فإن جل الاتهامات التقت على أن السلطة، ممثلة في الرئيس ووزير الداخلية، هي من تتحمل مسؤولية ذلك

وبمجرد إعلان خبر الوفاة، نشرت مبادرة "مواطنون ضد الانقلاب"، الأربعاء 19 جانفي/يناير 2022، بيانًا وجهت فيه أصابع الاتهام "السلطة" في تونس، محملة إياها "المسؤولية الجنائية في هذه الجريمة النكراء، داعية إلى تتبّع الجناة أمام القضاء التونسي ومحكمة الجنايات الدولية وإلى إقامة جنازة وطنية للشهيد تنديدًا بممارسات الانقلاب ووضع حدّ للحكم الفردي القمعي"، ومعتبرة أن ما لحق ببوزيان بـ"الجريمة النكراء التي تضاف إلى سجل الانتهاكات الجسيمة للحقوق والحريات التي ما فتئت ترتكبها سلطة الانقلاب"، وفق تصوّرها.

اقرأ/ي أيضًا: "مواطنون ضد الانقلاب" تحمل السلطات مسؤولية وفاة رضا بوزيان وتدعو لجنازة وطنية

أما بالنسبة لحركة النهضة فقد حمّلت، في بيان نشرته مساء الأربعاء 19 جانفي/يناير 2022، "الرئيس التونسي قيس سعيّد المسؤولية الكاملة عن قتل الشهيد رضا بوزيان، نتيجة السياسات التي انتهجها منذ الإجراءات الانقلابية في 25 جويلية وخطابات التحريض والتعليمات باستخدام العنف ضد المتظاهرين السلميين"، وفق تعبيرها.

وطالبت، في ذات السياق، بإقالة وزير الداخلية توفيق شرف الدين، "باعتباره المسؤول المباشر عن العنف الذي سلّط على المتظاهرين السلميين في عدة محطات وعمليات الاختطاف والاحتجاز القسري خارج القانون".

أحزاب التيار والجمهوري والتكتل: تقديم شكوى للنيابة العمومية والإعلام بجرائم وطلب فتح بحث فيها ضد كل من وزير الداخلية والمدير العام للأمن العمومي وكل من سيكشف عنه البحث

بدورها، حملت تنسيقية الأحزاب الديمقراطية والاجتماعية (أحزاب التيار الديمقراطي والجمهوري والتكتل)، في بيان أصدرته الأربعاء 19 جانفي/يناير 2022، "وزير الداخلية توفيق شرف الدين المسؤولية المباشرة لما حدث ورئيس الجمهورية قيس سعيّد المسؤولية السياسية الكاملة عن انتهاك الحقوق السياسية والتضييق على الحريات العامة والفردية منذ انقلابه على الدستور واستحواذه على كل السلطات".

وفي بيان لاحق نشرته الخميس 20 جانفي/يناير 2022، أعلنت التنسيقية أن الأمناء العامين لأحزاب التيار الديمقراطي والجمهوري والتكتل الديمقراطي من أجل العمل والحريات وممثل عن الشخصيات الوطنية قاموا، الخميس 20 جانفي/يناير 2022، بتقديم شكوى للنيابة العمومية والإعلام بجرائم وطلب فتح بحث فيها ضد كل من وزير الداخلية والمدير العام للأمن العمومي وكل من سيكشف عنه البحث.

وفاة بوزيان، وإن لم يتم الكشف بعد عن أسبابها الحقيقية، فإنها تظلّ حادثة مأساوية باعتبارها جاءت تباعًا لأحداث أقلّ ما يمكن وصفها به بأنها "عنيفة" من قبل المؤسسة الأمنية في صدّ مظاهرات 14 جانفي

وأوضحت الأحزاب المذكورة أن هذا التوجه يأتي على "إثر الأحداث التي جدت يوم 14 جانفي/يناير 2022 واستعمال الداخلية للعنف المفرط لتفريق المتظاهرات والمتظاهرين احتفالاً بعيد الثورة وإيقاف البعض تنفيذًا لتعليمات صادرة عن وزارة الداخلية في مخالفة صريحة للدستور والقانون"، جسب ما ورد في البيان.

اقرأ/ي أيضًا: بسبب "العنف المفرط": أحزاب تقاضي وزير الداخلية ومدير عام الأمن العمومي

أما حزب العمال، فبالإضافة إلى سعيّد وشرف الدين، فقد حمّل أيضًا رئيسة الوزراء التونسية نجلاء بودن مسؤولية وفاة بوزيان وكل "وفي مجمل القمع الذي مورس يوم 14 جانفي/ يناير بالعاصمة"، داعيًا إلى فتح التحقيقات واتخاذ الإجراءات اللاّزمة ضدّ كلّ المتورّطين في هذه الجرائم، المتمثلة في ممارسة التعذيب وكل أشكال التعامل اللاّإنساني والمهين مع البشر، وكل أساليب القمع والمصادرة للحريات"، وفق بيان نشره الخميس 20 جانفي/يناير 2022.

ومن جانبها، طالبت حركة "أمل وعمل"، في بيان أصدرته الخميس 20 جانفي/يناير 2022، بـ"محاسبة أعوان وزارة الداخلية المتورطين في وفاة بوزيان"، محذّرة من "تواصل سياسة الإفلات من العقاب"، وفق ما جاء في بيانها.


وفاة بوزيان، وإن لم يتم الكشف بعد عن أسبابها الحقيقية، فإنها تظلّ حادثة مأساوية باعتبارها جاءت تباعًا لأحداث أقلّ ما يمكن وصفها به بأنها "عنيفة" من قبل المؤسسة الأمنية في صدّ مظاهرات 14 جانفي/يناير 2022، وفق ما وثقته صور وفيديوهات لوسائل إعلام محلية ودولية على حد سواء، وحتى لمواطنين عاديين شاركوا في المظاهرات.

 

 

اقرأ/ي أيضًا:

محامون: "وفاة أحد المتظاهرين في ذكرى الثورة متأثرًا بإصابات جراء تعرضه للعنف"

3 أحزاب تطالب بالكشف سريعًا عن ملابسات وفاة رضا بوزيان وتتبع كل من تسبب فيها

الجماعي لـ"الترا تونس": إيداع شكاية "من أجل القتل العمد المضمر" في وفاة بوزيان