13-أبريل-2022
تعلم عوم

هزت صرخة والدة عمر العبيدي لحظة رؤيتها لأول مرة المتهمين بقتل ابنها أرجاء المحكمة في جلسة 31 مارس 2022 (قمر الزمان الخالدي/ الترا تونس)

مقال رأي

 

إن الخطوة الأولى للقطع مع سياسة الإفلات من العقاب قد تمت دسترتها في تونس ضمن دستور 2014 من خلال إقرار مبدأ عدم سقوط الدعوى بمرور الزمن في جرائم التعذيب، تأسيسًا لاعتراف الدولة بالانتهاكات التي قامت بها الأنظمة المتعاقبة، لكن على مستوى الواقع ظل هذا المسار متعثرًا نوعًا ما خاصة مع توالي الاعتداءات الأمنية على المواطنين في فترة ما بعد 14 جانفي/يناير 2011، والتي راح ضحيتها عدد من الشباب والشابات على سبيل الذكر لا الحصر "أيمن العثماني" "أحمد بن عمارة" "وليد دنقير" "أنور السكرافي" "أحلام وأنس الدلهومي"، ولعل من أبرز الأسماء نذكر مشجع النادي الإفريقي "عمر العبيدي" شهيد المدارج الذي لقي حتفه غرقًا في وادي مليان برادس نتيجة ملاحقة أمنية في محيط الملعب الأولمبي برادس.

والمتداول ممن شاهدوا الحادثة أنه قد استنجد بأحد الأمنيين قائلًا "مانعرفش نعوم" فأجابه ساخرًا "تعلم عوم"، ومنذ ذلك الحين صارت هذه الجملة من أكثر الجمل ترديدًا في المدارج والشوارع حتى أنها أصبحت عنوان حملة مستقلة قادرة على تجميع وتوحيد عدد من المجموعات الرياضية والشبابية كذلك المنظمات والجمعيات الوطنية على هدف واحد وهو العدالة لكل ضحايا المنظومة الأمنية.

إن الخطوة الأولى للقطع مع سياسة الإفلات من العقاب قد تمت دسترتها في تونس ضمن دستور 2014 من خلال إقرار مبدأ عدم سقوط الدعوى بمرور الزمن في جرائم التعذيب

عمر العبيدي ابن الـ18عامًا ومحب النادي الإفريقي صار ودون قصد منه أيقونة عصره، فمهما اختلفت وجوه الضحايا وأسماؤهم ورغم تعدد واختلاف روايتهم إلا أنهم تجمعوا في عيون عمر الحالمة بتونس الجديدة، تحفظ فيها كرامة الإنسان ويحاسب فيها المذنب دون محاصصة ولا تشفٍّ.

والجدير بالذكر أن حملة "تعلم عوم" وبالتشاور مع أغلب مكونات المجتمع المدني قد دعت لإقرار يوم 31 مارس/آذار 2022 من كل سنة يومًا وطنيًا لمناهضة الإفلات من العقاب في بلاغ إعلامي صادر عنها بتاريخ 17 مارس/آذار 2022 تخليدًا لذكرى وفاة عمر العبيدي وتذكيرًا بوجوب القطع مع سياسة الإفلات من العقاب، والتي أضحت سياسة ممنهجة تعتمدها المنظومة الأمنية في تونس، خاصة من خلال ممارسات النقابات الأمنية واستماتتها في الدفاع عن منظوريها المتورطين في انتهاك حقوق الإنسان بكل الطرق من قتل تحت التعذيب والترهيب والتشهير بالمحتجين في بعض الأحيان.

 

وفي إطار المتابعة القضائية للتجاوزات الأمنية، انعقدت جلسة محاكمة المتهمين في قتل عمر العبيدي يوم 31 مارس/آذار 2022 بالمحكمة الابتدائية ببن عروس وسط عسكرة أمنية لمحيط المحكمة للتضييق على الوقفة الاحتجاجية التي نفذتها حملة تعلم عوم بالتضامن مع جملة من مكونات المجتمع المدني.

عمر العبيدي ابن الـ18عامًا صار ودون قصد منه أيقونة عصره، فمهما اختلفت وجوه الضحايا وأسماؤهم ورغم تعدد واختلاف روايتهم فقد تجمعوا في عيون عمر الحالمة بتونس الجديدة

كما كانت هذه الجلسة استثنائية بكل المقاييس، إذ ولأول مرة حضر المتهمون؛ وعددهم 14 متهمًا وقد تم استنطاقهم أمام القاضي في جلسة في ظاهرها علنية، لكن تم منع الصحفيين من مواكبتها رغم أنها قضية رأي عام، وباستنطاقهم أنكر المتهمون التهم المنسوبة إليهم كما أنكروا أنهم على علم بوجود شخص قد توفّي غرقًا في الوادي.

كما أن الجلسة كانت مشحونة بالاستفزازات من طرف ممثلي المتهمين مما أدى إلى رفع الجلسة واستئنافها فيما بعد ليتم تأخيرها ليوم 16 جوان/يونيو المقبل كتأخير نهائي للترافع، وفقًا لطلب هيئة الدفاع عن المتهمين.

ورغم الأصوات المتعالية بين هتافات المحتجين وطلبات هيئات الدفاع، لكن تبقى الصرخة التي هزت أرجاء المحكمة والرأي العام، صرخة والدة عمر العبيدي لحظة رؤيتها لأول مرة المتهمين بقتل ابنها.

وبالعودة على الأحداث، نلحظ أن الهرسلة الأمنية لم تكن حكرًا على كل ما هو محيط بالجلسة بل امتدت إلى كل ما هو محيط بالحملة، إذ تم يوم 23 مارس/آذار 2022 إيقاف تصوير الومضة التحسيسية التي قامت بها حملت "تعلم عوم" تحت عنوان "ماء العدالة" واقتياد صحفيين من موقع نواة إلى مركز الأمن مع حجز معداتهم رغم استظهارهم بما يثبت أنهم بصدد القيام بعملهم الصحفي.

كانت جلسة 31 مارس 2022 استثنائية بكل المقاييس، إذ ولأول مرة حضر المتهمون، وعددهم 14 متهمًا، وتم استنطاقهم في جلسة في ظاهرها علنية، لكن تم منع الصحفيين من مواكبتها رغم أنها قضية رأي عام

وحسب  البلاغ الصادر عن موقع نواة بتاريخ 13 أفريل/نيسان 2022، فإنه من المنتظر أن تم عرضهم على المحكمة الابتدائية ببن عروس يوم الخميس 14 أفريل/نيسان، وفي هذا الإطار عبرت نواة عن إدانتها لاستمرار توظيف المؤسسة القضائية من أجل التضييق على الحريات كما دعت الهياكل النقابية إلى التصدي بجدية للتجاوزات البوليسية في حق الصحفيين وجددت تمسكها بالتتبع العدلي.

وهنا لسائل أن يسأل عن سرعة الزمن القضائي في تحديد حرية التعبير بما يتلاءم مع ما ترغب السلطة في التعبير عنه وبطء الزمن القضائي في إحقاق العدالة والقطع مع سياسة الإفلات من العقاب.

فهل تتجه نية السلط الرسمية إلى مواصلة تكريس هذه السياسة أم القطع معها ومع ما ترسب من انتهاكات في العقود المتتالية؟ خاصة وأنه قد أكد لنا الناطق الرسمي باسم حملة "تعلم عوم" الناشط "أيوب عمارة" أن السلط الرسمية لم تتجاوب مع العريضة الوطنية التي تم إطلاقها في بلاغ 17 مارس/آذار المنقضي والداعية لإقرار 31 مارس/آذار يومًا وطنيًا لمناهضة الإفلات من العقاب.

 

  • المقالات المنشورة في هذا القسم تُعبر عن رأي كاتبها فقط ولا تعبّر بالضرورة عن رأي "ألترا صوت"