19-مايو-2018

ماسكًا الطبلة بيسراه والخشبة بيمناه يخترق بوطبيلة سكون الليل مؤذنًا بقرب موعد الإمساك (صورة تقريبية)

مقدّمة النشرة الجوية في قناة نسمة تدخل الأستوديو مرتدية لباسًا تقليديًا وحاملة طبلًا تدقّ عليه بضربات متتالية ترفقها بكلمات من قبيل "رمضان جاكم توحدوا مولاكم، يا صايم قوم تسحر، يا صايمين قوموا تسحروا يا مؤمنين قوموا تسحروا "، في محاكاة لشخصية "بوطبيلة" الذي ينبه الناس إلى موعد السحور في رمضان. وبهذه الطريقة الطريفة ذكّرت المقدّمة بعادة "بوطبيلة" أو "المسحراتي" كما يسميه المشارقة، وهو شخص يرتدي لباسًا تقليديًا ويحمل طبلًا يقرع عليه في سكون الليل حتى يتمكّن من إيقاظ أهالي الحي الذي يجوبه.

اقرأ/ي أيضًا: أين يقضي التونسي سهراته الرمضانية؟

بزيّه المستوحى من عمق تونس، يقطع الأزقة والشوارع سيرًا في الصلص الأخير من الليل وزاده صوته وطبله. ماسكًا الطبلة بيسراه والخشبة بيمناه يخترق بوطبيلة سكون الليل مؤذنًا بقرب موعد الإمساك، وينقر على طبلته مناديًا إلى السحور فيتردّد صدى القرع في الأثير.

ومهنة بوطبيلة ضاربة في القدم وتمتد جذورها إلى التاريخ الإسلامي وهي لا تتطلب مؤهلات علمية بل صبرًا ومرونة للقيام بدور المنبّه إلى حدود السابع والعشرين من شهر رمضان.

وفي هذا الصدد، يقول الباحث في التراث عبد الستار عمامو لـ"الترا تونس" إن مهنة بوطبيلة مهنة قديمة أخذها الأغالبة عن العباسيين ويمارسها شخص من متساكني الحي يكون من ضعافه عادة حتى يضمن لنفسه بعض الإكراميات البسيطة خلال شهر رمضان، مشيرًا إلى أن هذه العادة لا تقتصر على تونس فقط بل موجودة في عدّة دول أخرى.

عبد الستار عمامو لـ"الترا تونس": لمهنة المسحراتي رمزية اجتماعية وأخرى دينية

اقرأ/ي أيضًا: مدفع رمضان.. موروث تاريخي في المدن التونسية

وفي معرض حديثه عن "بوطبيلة" يلفت عمامو إلى أنه يخرج حاملًا طبلًا قبل موعد الإمساك بحوالي الساعة أو ما يزيد ويجوب الشوارع والأزقة لينبه المتساكنين إلى موعد السحور، منوهًا أنه لكل حي بوطبيلة خاصته وأن لكل جهة عاداتها في الإنشاد المرافق للنقر على الطبل. ويشير إلى أنه من بين المفردات الأكثر شيوعًا "يا صايمين قوموا تصحروا" يردّدها لبعض الوقت حتى يتأكد من نهوض كل أهالي الحي على اعتبار أن تصميم المنازل في الماضي كان لا يمكّن المتساكنين من الإصغاء بسهولة لما يحصل في الخارج، ثم يغادر، وفق قوله.

ويضيف عبد الستار عمامو أن "بوطبيلة" يدأب على عادة قطع الشوارع والأزقة سيرًا داعيًا إلى السحور بالإنشاد ونقر الطبل إلى حدود ليلة السابع والعشرين من رمضان التي يقطع فيها مع عادة الخروج ليلًا قبل موعد الإمساك ويخرج قبل موعد آذان المغرب بساعة ويرابط أمام الأزقة أو المنازل مناديًا بأسماء الذكور فيها فيلبوا نداءه ويحسنون إليه بالمال أو بحلويات العيد.

ولمهنة المسحراتي رمزية اجتماعية وأخرى دينية تتجسّد الأولى في تواصله مع سكان حيه في حين تتعلّق الثانية بالأجر والثواب الذي يكتسبه من إيقاظ الصائمين لتناول وجبة السحور، وفق عمامو.

عبد الستار عمامو لـ"الترا تونس": بعض الأحياء في العاصمة تونس حاولت في الثمانينيات إحياء عادة "بوطبيلة" لكن الأمر لم يدم طويلًا

ويشير إلى أنّ هذه العادة اندثرت في العاصمة وفي مدن أخرى، ولم يعد لها وجود إلا في بعض القرى الصغيرة، مذكرًا أن بعض الأحياء في العاصمة حاولت إحياء هذه العادة في الثمانينيات لكن الأمر لم يدم طويلًا ذلك أن المتساكنين لم يعودوا في حاجة إلى "بوطبيلة".

ويوضح أن بوطبيلة كان موجودًا لأن الساعات قديمًا لم تكن متوفرة لكل الأهالي لكنه اليوم اختفى في ظل تطور المجتمعات، مضيفًا أن هذه العادة اضمحلت لأنه لم يعد لها موجب بعد أن عوضتها وسائل التكنولوجيا الحديثة وأصبح المنبه ثم الهاتف الجوال يقومان بدور "المسحراتي" الذي مازال صامدًا في بعض القرى من باب إحياء التراث الشعبي.

ورغم أن عادة إيقاظ الأهالي للسحور تلاشت، إلا أن ذلك لا ينفي كونها سمة من سمات رمضان في تونس لما تحمله من رمزية دينية واجتماعية وللمكانة التي تحتلها في الموروث الشعبي، وإذا "بوطبيلة" سئل بـأي ذنب وئد، قل إن الطبيعة متغيرة وأن التكنولوجيا الحديثة حلّت محلّه.

 

اقرأ/ي أيضًا:

مدفع رمضان.. دوي بطعم الحنين

أبرزها "حشيشة رمضان".. سلوكيات تميز التونسي خلال شهر رمضان