30-سبتمبر-2018

جدل حول إمكانية التمديد لرئيس محكمة التعقيب الهادي القديري (صورة أرشيفية/محمد كريت)

الترا تونس - فريق التحرير

 

تعرف الساحة القضائية في تونس جدلًا حادًا في الفترة الأخيرة حول إمكانية التمديد الرئيس الأول لمحكمة التعقيب ورئيس المجلس الأعلى للقضاء الهادي القديري الذي أكدت جمعية القضاة التونسيين أنه بلغ السن القانونية للتقاعد بتاريخ 30 سبتمبر/أيلول 2018، داعية رئيس الحكومة يوسف الشاهد ووزير العدل غازي الجريبي بـ"الثبات على التزامهم بعدم التمديد لأي قاض بعد بلوغ سن التقاعد احترامًا لدولة القانون ومبدأ المساواة".

اقرأ/ي أيضًا: معضلة طول آجال التقاضي في المحاكم التونسية (حوار مع القاضي عمر الوسلاتي)

وطالب المكتب التنفيذي لجمعية القضاة في بلاغ السبت 29 سبتمبر/أيلول مجلس القضاء العدلي بالإسراع في فتح باب الترشح لخطة الرئيس الأول لمحكمة التعقيب وتمكين القضاة من تقديم ترشحاتهم في أجل معقول والتناظر بخصوصه وفق معايير الكفاءة والنزاهة والحياد والاستقلالية، وفق نص البلاغ.

وأعربت الجمعية عما اعتبرته استغرابها من "التأخير الكبير وغير المبرر" في الإعلان عن شغور خطة الرئيس الأول لمحكمة التعقيب رغم علم المجلس المسبق بتاريخ بلوغ الرئيس الحالي سن التقاعد، وذلك خلافًا لتعامل المجلس مع شغور الخطط القضائية العليا في الحركتين القضائيتين السابقيتين.

جمعية القضاة التونسيين تحذر من التمديد لرئيس محكمة التعقيب ورئيس المجلس الأعلى للقضاء الهادي القديري بعد بلوغه سن التقاعد

كما عبّر المكتب التنفيذي للجمعية عن "شديد أسفه إزاء ما بلغه من وجود مساع من قبل الرئيس الأول الحالي لمحكمة التعقيب لدى السلطة السياسية بهدف التمديد له بعد سن التقاعد في مشهد مهين ومخل بمقتضيات هيبة السلطة القضائية واستقلالية أعضائها ما سيعيد مرفق القضاء إلى فترة الارتهان الكلي للسلطة التنفيذية''.

وأكد المكتب ما وصفه رفضه المبدئي والقطعي لآلية التمديد للقضاة بعد بلوغ سن التقاعد باعتبارها آلية تمس من استقلالهم وحيادهم وتجعلهم في تبعية مطلقة للسلطة التنفيذية وتنال من مبدأ المساواة بين القضاة وتضر بحقوقهم وحظوظهم في التداول على المسؤوليات القضائية.

جدل دائم حول الهادي القديري

يتولّى الرئيس الأول الحالي لمحكمة التعقيب الهادي القديري، وهو قاض من الرتبة الثالثة، خطته بناء على الأمر رئاسي عدد 81 لسنة 2017 المؤرخ في 14 جوان/يونيو 2017. وهو أيضًا رئيس المجلس الأعلى للقضاء منذ مارس/آذار 2018.

ويُتّهم القديري، المقرب من نقابة القضاة، في بعض الدوائر القضائية بأنه أحد القضاة المقرّبين من حركة النهضة إذ سبق له وأن شغل منصب رئيس ديوان وزيري العدل السابقين نور الدين البحيري ونذير بن عمو. فيما ينفي مؤيدوه هذه التهمة ويؤكدون أنه يقع ترويجها عمدًا لاستهداف استقلاليته. وقد سبق وتحفظت جمعية القضاة على تسميته رئيسًا لمحكمة التعقيب على خلاف ترحيب نقابة القضاة.

يُتّهم القديري، المقرب من نقابة القضاة، في بعض الدوائر القضائية بأنه أحد القضاة المقرّبين من حركة النهضة إذ سبق له وأن شغل منصب رئيس ديوان وزيري العدل السابقين نور الدين البحيري ونذير بن عمو

كما سبق وأصدرت الهيئة الوقتية القضاء العدلي قرارًا لنقلته في نوفمبر/تشرين الثاني 2016 من خطة الرئيس الأول لمحكمة الاستئناف بتونس إلى خطة وكيل الدولة العام وذلك بغاية إقصائه من عضوية المجلس الأعلى للقضاء وفق ما صرح به، غير أنه لم يقع تنفيذ هذا القرار بعد رفض وزير العدل غازي الجريبي الامضاء على جميع ترشيحات هيئة القضاء العدلي بعد انتخابات المجلس الأعلى للقضاء حينها.

اقرأ/ي أيضًا: المحاكم في تونس.. ماهي أصنافها؟ كم عددها؟ وأين مقراتها؟ (2/2)

ليقوم لاحقًا المجلس الأعلى للقضاء بتسمية القديري رئيسًا لمحكمة التعقيب ويصبح بصفته عضوًا في المجلس الأعلى للقضاء الذي أصبح رئيسه منذ مارس/آذار 2018 خلفًا لحاتم بن خليفة الذي استقال احتجاجًا على ما يسّميه سحب صلاحياته بخصوص طريقة تعيين الكاتب العام المجلس الأعلى للقضاء.

وقد تحدثت الرئيسة الشرفية لجمعية القضاة كلثوم كنو تعليقًا على البلاغ الأخير لجمعية القضاة، على حسابها على فيسبوك، أنه "لو يقبل رئيس الحكومة يوسف الشاهد التمديد لرئيس محكمة التعقيب يتأكد ما يدور من حديث بخصوص خضوع يوسف الشاهد لحركة النهضة" وفق تعبيرها.

عدم التمديد للقضاة.. هل تلتزم الحكومة بقرارها؟

دائمًا ما تثير مسألة التمديد للقضاة تحديدًا في الخطط السامية جدلًا وسط اتهام السلطة التنفيذية وتحديدًا وزارة العدل بتطويع آلية التمديد للمسّ من استقلالية القضاء، وذلك رغم إعلان وزير العدل غازي الجريبي في وقت سابق أن الحكومة اتخذ قرارًا يقضي بعدم التمديد للقضاة حفاظًا على استقلالية القضاء. ولكن لازالت الشكوك حول المضي في تنفيذ هذا القرار بمناسبة الجدل الأخير حول التمديد لرئيس المجلس الأعلى للقضاء الهادي القديري.

دائمًا ما تثير مسألة التمديد للقضاة تحديدًا في الخطط السامية جدلًا وسط اتهام السلطة التنفيذية وتحديدًا وزارة العدل بتطويع آلية التمديد للمسّ من استقلاية القضاء

إذ أعلن موقع نسمة وفق "مصادره المطلّعة" في بداية أوت/أغسطس 2018، أن وزير العدل غازي الجريبي وافق على طلب الهادي القديري للتمديد له بعد بلوغ سن التقاعد القانوني، وأن مقترح هذا التمديد تمت إحالته على رئيس الحكومة يوسف الشاهد للتأشير عليه.

فيما حذرت جمعية القضاة من جهتها في بلاغها المذكور إنها مستعدة لـ"اتخاذ كل أشكال النضال القانونية والميدانية المتاحة للتصدي لأي قرار قد يتخذ بالتمديد للرئيس الأول الحالي" محمّلة السلطة التنفيذية المسؤولية كاملة عما قد ينجر عن ذلك من تعطيل لمرفق العدالة.

وكان قد حضر الجدل حول التمديد بقوة نهاية عام 2016 بمناسبة تصريحات إعلامية حادة متبادلة بين الرئيس الأول السابق لمحكمة التعقيب ورئيس الهيئة الوقتية للقضاء العدلي حينها خالد العياري ووزير العدل غازي الجريبي. حيث تحدث العياري أن "جهة كبيرة اعترضت على التمديد له" في حين هاجمه الوزير الذي قال إن الرئيس السابق لمحكمة التعقيب طلبه منه التمديد بصفة شفاهية قائلًا "القاضي الذي يحترم نفسه لا يطلب التمديد"، وهو ما نفاه العياري معبرًا عن صدمته من تصريحات الوزير.

جمعية القضاة تؤكد أنها مستعدة لاتخاذ كل أشكال النضال القانونية والميدانية للتصدي لأي قرار بالتمديد لرئيس محكمة التعقيب الهادي القديري

ويظل السؤال حاليًا، هل ستمضي الحكومة فعلًا في التمديد لرئيس محكمة التعقيب ورئيس مجلس الأعلى للقضاء، وهو سيناريو مرجّح باعتبار أن مجلس القضاء العدلي لم يفتح بعد باب الترشح لسد الشغور وذلك رغم بلوغ الهادي القديري سن التقاعد منذ نهاية شهر سبتمبر/أيلول الماضي، أم سترفض التمديد التزامًا بموقفها المعلن السابق بعدم التمديد للقضاة حفظًا لاستقلالية القضاء؟

 

اقرأ/ي أيضًا:

خاصّ: حقيقة الجدل حول "أول قرار قضائي في تونس يقبل الخيانة الإلكترونية"

نظام تأجير خاص طبقًا للمعايير الدولية.. هل يتحقق مطلب القضاة؟