28-فبراير-2022

عمومًا السياق السياسي العام لا يخدم عزم سعيّد الدفع نحو نظام سياسي لا يرتاح له الغربيون ولا يعتبرونه ضمن تصنيف الديمقراطية الليبرالية (صورة من الحرب في أوكرانيا/Getty)

 

مقال رأي

 

يركز التونسيون هذه الأيام على إحدى هواياتهم الأساسية: الانغماس في الأخبار بمناسبة اندلاع الحرب، ومن ثمة الاصطفاف بعصبية كبيرة مع هذا الجانب أو ذاك. مثلًا الآن يمكن دون مبالغة الحديث عن انقسام بين كتلتين كبيرتين، الأولى تشجع بكل حماس بوتين والأخرى بكل حماس أوكرانيا. يبدو الشأن الداخلي في مؤخرة الاهتمامات، باستثناء ربما وضع التونسيين العالقين في أوكرانيا.

من الواضح أن سعيّد يواجه ضغوطًا من كل صوب وعقبات كثيرة. هل ما يحدث الآن في الوضع الدولي سيشكل فرصة لتفعيل خطته السياسية أم سيزيد من متاعبه؟

ربما من المسائل القليلة التي يمكن أن تواصل لفت انتباهنا رغم كم الأخبار المتلاحقة حول الغزو الروسي لأوكرانيا السؤال التالي: هل يخدم الوضع الدولي قيس سعيد، تحديدًا خريطة الطريق التي قدمها؟

اقرأ/ي أيضًا: عالقون في أوكرانيا.. قصة طالب تونسي زمن الحرب والهروب


من الواضح أن الرئيس التونسي يواجه ضغوطًا من كل صوب وعقبات كثيرة. هل ما يحدث الآن في الوضع الدولي سيشكل فرصة لتفعيل خطته السياسية أم سيزيد من متاعب الرئيس؟

لنبدأ من الوضع السياسي. بدءًا لا يمكن للمعارضة، التي تعول على لفت الانتباه الدولي، أن تقوم بالتأثير بشكل فعال، أمام الانغماس الدولي خاصة في أوروبا وواشنطن في الشأن الأوكراني.

داخليًا، يبدو الوضع الداخلي بشكل ما في حالة انتباه شديد للحرب وحتى بياناتها وتصريحاتها الأخيرة مركزة أساسًا على الوضع الدولي أو في أحسن الحالات العالقين في أوكرانيا.

الأطراف الاجتماعية تبدو أيضًا فاقدة التركيز وستكون منجذبة للتطورات الدولية، وعلى رأسها الاتحاد العام التونسي للشغل الذي يهيئ بعد مؤتمره الأخير لاتخاذ مواقف سياسية بناء على دعوته للحوار والضغط من أجل أن يتشارك مع الرئيس التونسي في الملف السياسي ومن ثمة الخطوات التصعيدية التي يمكن أن يتخذها في مجلسه الوطني الاستثنائي القادم.

الأطراف الدولية التي تمثل الطرف الرئيسي القادر وفق موازين القوى أن تقوم بضغط على سعيّد ستكون منشغلة بشدة بالوضع في أوكرانيا وبعيدة عما يحصل في تونس

الأطراف الدولية التي تمثل الطرف الرئيسي القادر وفق موازين القوى أن تقوم بضغط على سعيّد ستكون منشغلة بشدة بالوضع في أوكرانيا وبعيدة عما يحصل في تونس. غير أنها أيضًا وهي أساسًا الأطراف الغربية تمر الآن بحالة تقارب كبير وذلك خاصة على أرضية مواجهة ليس فقط لروسيا بل أيضًا للتصورات التسلطية.

الخطاب الرسمي الغربي يتحدث بشكل واضح على أن المعركة ليست بين بلدين بل بين مشروعين، الأول تسلطي ويمثل "طغيانًا قوميًا" والآخر يمثل مكاسب الديمقراطية الليبرالية. إذ عمليًا قيس سعيّد لن يكون في رادار القوى الغربية، لكن عمومًا السياق السياسي العام لا يخدم عزمه الدفع نحو نظام سياسي لا يرتاح له الغربيون ولا يعتبرونه ضمن تصنيف الديمقراطية الليبرالية.

اقرأ/ي أيضًا: اجتياح أوكرانيا يرفع أسعار القمح والنفط ومواد أخرى.. أي تداعيات على تونس؟

من الناحية الاقتصادية يجب أن نتوقع تأثيرًا سلبيًا على الوضع الصعب أصلًا. مهما كانت الإجراءات التونسية في الحبوب مثلًا والتي يقول المسؤولون إنهم ضمنوا الحاجات التونسية إلى شهر ماي/آيار القادم، وأن ذلك يؤمن الوضع الغذائي إلى موسم الحصاد منتصف الصيف.

الخطاب الرسمي الغربي يتحدث بشكل واضح على أن المعركة ليست بين بلدين بل بين مشروعين، الأول تسلطي ويمثل "طغيانًا قوميًا" والآخر يمثل مكاسب الديمقراطية الليبرالية

حتى لو كان ذلك صحيحًا فإننا إزاء تأثير ارتفاع أسعار النفط والغاز على النقل البحري ومزيد ارتفاع الأسعار العالمية بما سيؤثر حتمًا على الوضع التونسي. يبقى أنه لا يمكن بالضرورة تحميل قيس سعيّد رئيسيًا مسؤولية هذا الوضع. بمعنى آخر سنجد استعدادًا لتقبل وضع صعب على أساس أنه ناتج عن حالة خارجية، حيث لم يكن وضع ارتفاع الأسعار العالمي يجذب انتباه التونسيين سابقًا، لكن الآن سيفعلون بسبب انتباههم للحرب.

يبقى ملف مفاوضات صندوق النقد الدولي، باستثناء تصريح جاف من قبل الصندوق أن هناك "تقدم إيجابي" في المحادثات الافتراضية التي تمت منذ أسبوع، صندوق النقد يواجه الآن ضغوطًا من أجل تمويل استثنائي من قبل أوكرانيا، ولن تتأخر طلبات مماثلة من دول هشة بداعي حساسية الوضع الدولي مثلما حصل مع مرحلة الكوفيد.

اقرأ/ي أيضًا: الخارجية: سيقع إرسال طائرة لإجلاء 225 تونسيًا بعد مغادرتهم حدود أوكرانيا

وهنا يمكن أن يحصل ما أشرنا إليه سابقًا وهو تمويل خاص وفق "السحب الخاص" مثلما حصل السنة الفارطة بمعزل عن تطورات مفاوضات صندوق النقد. كما أن الوفد التونسي سيستعمل في الجولة القادمة للمفاوضات الوضع الدولي كعامل أساسي لطلب تأجيل تفعيل مباشر لـ"الاصلاحات" الموجعة منها خاصةً.

إن استفاد قيس سعيّد من الوضع الدولي سيكون ذلك إلى حين، والأسوأ من عدم خلاص فاتورة مكلفة هو تأجيلها وتراكم الخطايا والفوائد لكي تصبح فيما بعد أكثر تكلفة بكثير

عمومًا الوضع الاستثنائي الدولي يمكن أن يخدم الوضع الاستثنائي المحلي. وهذا ليس أمرًا بالضرورة جيد. مرة أخرى مناخ الحروب والنزاعات العنيفة إذا كان يذكرنا بأي حكمة فهي بالتأكيد الأهمية القصوى للحوار والحل السلمي والهادئ للخلافات، ومحدودية ولا نجاعة الحلول الفوقية من جانب واحد.

حتى إن استفاد قيس سعيّد من الوضع الدولي سيكون ذلك إلى حين، والأسوأ من عدم خلاص فاتورة مكلفة هو تأجيلها وتراكم الخطايا والفوائد لكي تصبح فيما بعد أكثر تكلفة بكثير. 

 

  •   المقالات المنشورة في هذا القسم تُعبر عن رأي كاتبها فقط ولا تعبّر بالضرورة عن رأي "ألترا صوت"

 

اقرأ/ي أيضًا:

رئيس جمعية الجالية التونسية بأوكرانيا: الدعم المادي ضروري لإجلاء التونسيين

الخارجية: ⁧تونس⁩ تدعو أطراف "الأحداث في ⁧أوكرانيا⁩" إلى تسوية أي نزاع سلميًا