25-سبتمبر-2020

بادر البرلمان بالإعداد للاستراتيجية الوطنية للحوكمة الرشيدة ومكافحة الفساد

مقال رأي

 

قبيل إعفاء العميد شوقي الطبيب من مهامه كرئيس للهيئة الوطنية لمكافحة الفساد، تقرّر صلب لجنة قيادة تنفيذ الاستراتيجية الوطنية للحوكمة الرشيدة ومكافحة الفساد 2016-2020 التمديد في مدة تنفيذ هذه الاستراتيجية لسنة إضافية.

ولئن يعتبر هذا أمرًا غريبًا لاعتبار اتخاذ مثل هذا القرار يستوجب صدوره عن الحكومة التونسية لعديد الاعتبارات التي سيقع عرضها لاحقًا، فقد اتخذ مجلس نواب الشعب مبادرة لا تقل غرابة عن لجنة قيادة تنفيذ الاستراتيجية الوطنية للحوكمة الرشيدة ومكافحة الفساد. 

وتتمثل هذه المبادرة في قيام رئيس مجلس نواب الشعب مؤخرًا بالدعوة للانطلاق في إعداد استراتيجية للحوكمة الرشيدة ومكافحة الفساد ومراقبة التصرف في المال العام للخمس سنوات القادمة "في إطار تعهّد لجنة الإصلاح الإداري والحوكمة الرشيدة بمجلس نواب الشعب بهذا الملف".

يعود إعداد إستراتيجية مكافحة الفساد إلى الدولة وحدها من خلال الصلاحيات الممنوحة للحكومة

وتستدعي، في منظورنا هذه المبادرة لغرابتها، تقديم بعض الملاحظات سنقوم بعرضها في ما يلي:

ينصّ الفصل 91 من دستور 2014 على ما يلي: "يضبط رئيس الحكومة السياسة العامة للدولة، مع مراعاة مقتضيات الفصل 77، ويسهر على تنفيذها". ومن المعلوم أنّ الدولة شخص معنوي من أشخاص القانون العام إلى جانب الجماعات المحلية والمؤسسات والمنشئات العمومية والهيئات المستقلة. ويتمتّع كل من هؤلاء الأشخاص المعنوية بالاستقلاليّة عن الآخر.

وتتكون الدولة من سلطة سياسية وإقليم ومجموعة بشرية، والحكومة باعتبارها أحد مكوّنات السلطة السياسية إلى جانب مجلس نواب الشعب هي مكوّن من مكونات الدولة تضبط سياستها العامة وفق الفصل 91 من الدستور التونسي لسنة 2014 وذلك في جميع المجالات من ذلك مكافحة الفساد.

اقرأ/ي أيضًا: النهضة بين ترتيب المؤتمر 11 وانفلاتاته

وعليه تأسيسًا على ما تقدّم، يعود إعداد استراتيجية مكافحة الفساد إلى الدولة وحدها من خلال الصلاحيات الممنوحة للحكومة. ويتوافق هذا مع ما جاء في الاتّفاقيّة الأمميّة لمكافحة الفساد، التي صادقت عليها بمقتضى الأمر عدد 762 لسنة 2008 مؤرخ في 24 مارس 2008، والتي تنصّ في فصلها الخامس نقطة 1 أن "تقوم كل دولة طرف، وفقًا للمبادئ الأساسـيّة لنظامها القانوني، بوضع وتنفيــذ أو ترسيخ سياسات فعّالة منسّقة لمكافحة الفساد، تعزّز مشاركة المجتمع وتجسّد مبادئ سـيادة القانون وحسن إدارة الشّؤون والممتلكات العموميّة والنّزاهة والشّفافيّة والمساءلة".

وللحكومة عملًا، بمبدأ التشاركية، تشريك أطراف المجتمع المدني وكذلك الهيئات المستقلة المعنية بمجال مكافحة الفساد والحوكمة الرشيدة إذ نصت القوانين المنظمة لها على وجوبية استشارتها.

في هذا الإطار، نص الفصل 3 من المرسوم الاطاري عدد 120 المتعلق بمكافحة الفساد على ما يلي: "تضمن الدولة إدراج مكافحة الفساد كمحور رئيسي في برامج التنمية البشرية والاقتصادية والاجتماعية بناء على منهج:

  • - شمولي يغطي كافة مجالات تدخلها بصورة مباشرة أو غير مباشرة،
  • - تشاركي يسمح بتجنيد كل طاقات المجتمع من أفراد ومنظمات وقطاعات عامة وخاصة،
  • - تفاعلي يمكن من تبادل المعلومات بين مختلف المتدخلين وتنسيق جهودهم".

انطلاقًا من هذا التحليل من الغرابة ما ذهب إليه مجلس نواب الشعب من شروعه في إعداد إستراتيجية للحوكمة الرشيدة ومكافحة الفساد وأخذه بزمام الأمور في ذلك. كما تتجاوز هذه المبادرة البرلمانية الغرابة لترتقي إلى مرتبة الاعتداء الواضح والجلي على دستور 27 جانفي 2014.

في المقابل ووفق قراءة ضمنية لمقتضيات الفصل 95 من الدستور التونسي1 يعود لمجلس نواب الشعب مراقبة تنفيذ الاستراتيجية المذكورة حيث أنّه يضطلع بدور رقابي على الحكومة.

 ترتقي مبادرة البرلمان لإعداد الاستراتيجية الوطنية حول الحوكمة ومكافحة الفساد إلى مرتبة الاعتداء الواضح والجلي على دستور 27 جانفي 2014

ولعله بالعودة إلى الفصل 93 من النظام الداخلي لمجلس نواب الشعب، يتّضح كذلك أن دور لجنة الإصلاح الإداري والحوكمة الرشيدة ومكافحة الفساد ومراقبة التصرف في المال العام، المتعهدة بملف إعداد الاستراتيجية الوطنية للحوكمة الرشيدة ومكافحة الفساد ومراقبة التصرف في المال العام، يقتصر على:

  • متابعة الملفات والمسائل المتعلقة بالفساد الإداري والمالي،
  • متابعة ملف استرجاع الأموال المنهوبة و ملف التصرف في الأموال و الأملاك المصادرة و كذلك ملف التدقيق في البنوك العمومية والمنشآت العمومية،
  • متابعة سبل تطوير الإدارة وتعصيرها وإصلاح الوظيفة العمومية.

يذكر أن مجلس نواب الشعب لم ينضمّ إلى ميثاق تفعيل الإستراتيجية الوطنية للحوكمة الرشيدة ومكافحة الفساد 2016-2020 إلا في ديسمبر/كانون الأول 2019.

 

1- "الحكومة مسؤولة أمام مجلس نواب الشعب".

 

اقرأ/ي أيضًا:

كارتيلات اقتصاديّة ومافيات احتكارية.. أين الدولة؟

ملاحظات حول حركة دبلوماسية "غير عادية"