11-يناير-2019

دعوات لتغيير النظام السياسي بعد 5 سنوات من المصادقة على الدستور (امريك فوهلن/Getty)

 

صادق المجلس الوطني التأسيسي بتاريخ 26 جانفي/كانون الثاني 2014 على الدستور التونسي الجديد، الذي يكرس نظاما شبه برلماني، في محاولة للهروب من عقدة الرجل الأول في الدولة المحتكر لكل السلطات، عقدة لاحقت التونسيين لما يزيد عن نصف قرن حينما استبد الرئيسان السابقان بالحكم.

تتوزع السلطة السياسية، وفق النظام السياسي الجديد، على ثلاث مؤسسات هي مجلس نواب الشعب المنتخب مباشرة من الشعب، ورئيس الجمهورية المنتخب أيضًا مباشرة، إضافة إلى حكومة يمنحها البرلمان الثقة. اليوم بعد أكثر من 4 سنوات على العمل بهذا النظام، تتالت الدعوات لتغيير هذا النظام بتعلّة عدم ملائمته مع خصوصية المشهد في تونس إضافة إلى عدم القدرة على تحديد المسؤوليات في ظل تفرق السلطة بين ثلاث رئاسات، ولعلّ آخر هذه الدعوات جاء من حزب مشروع تونس الذي نادى صراحة خلال اجتماع إقليمي بمدينة صفاقس إلى تغيير نظام الحكم في تونس.

تتعدد الدعوات في تونس لتغيير النظام السياسي الحالي بتعلة عدم ملاءمته مع المشهد التونسي وعدم القدرة على تحديد المسؤوليات في ظله

اقرأ/ي أيضًا: عتبة انتخابية بنسبة 5%.. ماهو موقف الأحزاب والمجتمع المدني؟

كان أمل التونسيين بعد انتخابات 2014 أن تنتهي الفترة الانتقالية وتبدأ مرحلة الاستقرار السياسي والاقتصادي، لكن ربما أن الفترة الانتقالية كانت أكثر استقرارًا مما شهدته تونس خلال الأربع سنوات الأخيرة.

تتجلى مظاهر الأزمة في الأرقام القياسية التي ما انفك يسجلها الاقتصاد التونسي. وتقدّر بعض الأحزاب ومنها حركة مشروع تونس أن سبب الأزمة السياسية يعود إلى نظام الحكم. خولة بن عائشة، النائب بمجلس نواب الشعب عن هذه الحركة، تقول في تصريح لـ"الترا تونس" إن تغيير نظام الحكم في تونس يعتبر من التوجهات السياسية لحزبها.

أكدت بن عائشة أن النظام الحالي يشكو عديد المشاكل عبر نظام برلماني معدل، ورئيس حكومة غير منتخب يمتلك جميع الصلاحيات ورئيس جهورية منتخب من قبل الشعب بصلاحيات محدودة مضيفة بالقول: "إضافة إلى أننا في ظل توزع السلطات بهذا الشكل لا يمكننا تحديد المسؤوليات".

خولة بن عائشة (نائب عن مشروع تونس): لا يمكننا تحديد المسؤوليات في ظل توزع السلطات في النظام السياسي الحالي

يقترح حزب مشروع تونس بذلك تغيير النظام الحالي بنظام رئاسي، تكون فيه لرئيس الجمهورية صلاحيات محددة بالدستور ويراقبه البرلمان، إذ يتولى تعيين رئيس الحكومة الذي يشرع في تكوين حكومته والعمل دون ثقة طيلة 6 أشهر من البرلمان الذي يحق له، في المقابل، سحب الثقة من هذه الحكومة.

وتضيف محدثنا بن عائشة قائلة حول هذا المقترح:" أعتقد أن هذا التمشي سيجنب الحكومة الرضوخ للمحاصصات الحزبية كما سيقدم معيار الكفاءة على جميع المعايير الأخرى".

ينص الفصل 89 من الدستور التونسي على أنه "تعرض الحكومة موجز برنامج عملها على مجلس نواب الشعب لنيل ثقة المجلس بالأغلبية المطلقة لاعضائه. عند نيل الحكومة ثقة المجلس، يتولى رئيس الجمهورية فورًا تسمية رئيس الحكومة وأعضائها". يضطر بهذا التمشي رئيس الحكومة ولضمان تأييد أغلبية البرلمان إلى خوض ماراطون من المشاورات مع الأحزاب.

يفيدنا أستاذ القانون الدستوري قيس سعيد، في مسألة تعديل الدستور، أنه لتغيير نظام الحكم في تونس يجب ضمان أغلبية الثلثين متسائلًا "هل أن الاغلبية الحالية ستقبل بتعديل الدستور؟ وهل أن الاغلبية القادمة التي يجب أن تكون أغلبية الثلثين ستقبل بدورها بمثل هذا التعديل؟".

قيس سعيد: الدعوات لتغيير النظام السياسي ليست نتيجة لخيار نظري بل هي نتيجة لقراءة الأوضاع والتوازنات

اقرأ/ي أيضًا: بعد أكثر من سنتين في رئاسة الحكومة: هل نجح يوسف الشاهد؟

وحول رؤيته للنظام الحالي، يصرح أستاذ القانون الدستوري لـ"الترا تونس" قائلًا: "القرار كان مصدره في أغلب الأحيان قصر قرطاج ثم تغيرت التوازنات بين القصرين فلاهو بالرئاسي الخالص و لا هو بالبرلماني، الخالص. هو نظام تونسي خالص أفرزه الحوار الوطني نابع من توزنات معينة".

وحول الدعوة إلى تغيير نظام الحكم، يرى محدثنا أن هذه الدعوات ليست نتيجة لخيار نظري بل هي نتيجة لقراءة الأوضاع والتوازنات مضيفًا: "في ظل هذه الدعوات، يمكن القول أنه لم يتغير شيء مدام الفكر السياسي يحن إلى أن يكون مركز القرار هو مركز واحد".

دعوات متواصلة لتغير النظام السياسي تواجهها أيضًا معارضة متواصلة، ياسين العياري، النائب بمجلس نواب الشعب، هو من أبرز المعارضين لهذه الدعوات، ويؤكد في تصريح لـ"الترا تونس" أن نظام الحكم الحالي في تونس لا يشكو من أية نقائص، وهو معمول به في كثير من البلدان في العالم وهو مثال ناجح لكن في تونس عندما يفشل الحاكمون يعلقون فشلهم على نظام الحكم، حسب تعبيره.

ياسين العياري: تونس تعاني أزمة حكم وليس مشكل نظام سياسي

ويضيف العياري قائلًا: "الأزمة السياسية جعلت الجميع يعيد النظر في نظام الحكم رغم أنه لا يشكو من شيء، فعندما تطبق شيئا مثاليًا بطريقة خاطئة لا تنظر نتيجة إيجابية" ويشدّد النائب المستقل أن تونس تعاني أزمة حكم وليس مشكل نظام سياسي.

ليس وحده نظام الحكم يؤرق البعض في المشهد السياسي في تونس، وذلك في ظل الدعوات أيضًا لتغيير النظام الانتخابي الذي يرى البعض أنه فشل في إفراز أغلبية حاكمة قادرة إلى الحكم في ظروف مريحة وأنه قاد إلى ائتلافات لم تثمر أي نتائج إيجابية تكون في حجم انتظارات الطبقة السياسية والرأي العام في تونس.

 

اقرأ/ي أيضًا:

تنقيح النظام الانتخابي... أي نظام أنسب لتونس؟ (2/1)

تنقيح النظام الانتخابي... أي نظام أنسب لتونس؟ (2/2)