رأي

هل كانت فلسطين بوصلة المهرجانات الصيفية في تونس؟

29 يوليو 2025
فلسطين مهرجان قرطاج
لقد كنا نتوقع خلال الصائفة الحالية أن يكون الحيز الذي خصص لفلسطين في برمجة المهرجانات بمثابة الأفق الواسع الذي يلتحم مع الأصوات الحرة في العالم (صفحة مهرجان قرطاج)
رمزي العياري
رمزي العياريصحفي من تونس

مقال رأي

 

لا أحد يستطيع أن يطعن في مواقف والتزام تونس وشعبها بالقضية الفلسطينية منذ الانتداب البريطاني لأرض فلسطين واستماتة التونسيين وانتصارهم الطويل وثباتهم على إعلاء حق الشعب الفلسطيني في الحياة بكرامة والسيادة على أرضه كاملة وتمييز القدس لما تمثله لعموم التونسيين ولسائر المسلمين من رمزية وقداسة، ولا أحد أيضًا يستطيع أن يشكك في دور النخب التونسية ومواقفهم في الانتصار لفلسطين والدفاع عنها طيلة المحطات المفصلية والأحداث الكبرى التي عاشها الشعب الفلسطيني وهو يواجه الإبادة والتهجير وآلات الحرب الإسرائيلية منذ سنة 1948 وإلى اليوم.

ومنذ انبلاج الحرب في غزة في 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023 وتلك العملية النوعية والذهبية التي قامت بها المقاومة الفلسطينية والتي أطلقت عليها تسمية "طوفان الأقصى" لم تهدأ تونس، فإلى جانب ثبات الموقف السياسي الرسمي فإن عموم الناس خرجوا ولا يزالوا يخرجون إلى حد هذه اللحظة في المدن والقرى والأحياء الشعبية التونسية في مظاهرات حاشدة وعفوية وبسيطة للتنديد وتحريك ضمائر الشعوب ومطالبة أحرار العالم بالوقوف بشتى الطرق إلى جانب الفلسطينيين والغزاويين على وجه الخصوص وهم يواجهون التقتيل والتشريد والتجويع.

كما تحركت في تونس النخب الثقافية والجامعية لنصرة القضية الفلسطينية، معتبرة أن الفن والثقافة يمكن أن يتحولا إلى وجه من وجوه المقاومة، فشهدت الجامعة التونسية طيلة السنة الماضية عشرات الندوات واللقاءات والأيام الدراسية بشأن القضية الفلسطينية بحضور آلاف الطلبة من الأجيال الجديدة المطالبة بدورها بمواصلة النضال والتضامن مع صمود فلسطين وشعبها ومن ذلك اللقاء الذي نظمه معهد الصحافة وعلوم الاخبار أواخر شهر ماي/أيار 2024 مع الصحفي الفلسطيني وائل الدحدوح. 

لم تسع المهرجانات الواجهة أو المهرجانات الدولية والعريقة والشهيرة في تونس إلى تنظيم فعاليات أيقونية تهم القضية الفلسطينية.. كأن تتم دعوة مطربين كبار ناصروا الحق الفلسطيني وغنوا طيلة مسيرتهم لفلسطين

كما شهدت الحياة المدرسية في تونس، عدة أنشطة تربوية للتعريف بالقضية الفلسطينية ودعم صمود غزة وأهلها من ذلك رفع العلمين التونسي والفلسطيني جنبًا إلى جنب في كل المدارس والإعداديات والمعاهد الثانوية التونسية طيلة يوم 9 أكتوبر/تشرين الأول 2023  وفي بداية هذا اليوم الرمزي الذي دعت إليه وزارة التربية التونسية، حيا أكثر من مليوني تلميذ تونسي النشيدين الوطنيين التونسي والفلسطيني ونذكر أيضًا حملة مناصرة حقوق الطفل الفلسطيني التي دعت إليها "جمعية أطفال تونس" يوم 26 ماي/أيار 2024  تحت شعار "من الطفل إلى الطفل" وذلك تضامنًا مع أطفال فلسطين وأمهاتهم وهي مبادرة فريدة من نوعها على الصعيدين العربي والدولي.

كما عرفت تونس مئات التظاهرات الثقافية والفنية في مختلف مناطق البلاد في مجالات السينما والمسرح والفنون التشكيلية والموسيقى وشارك فيها فنانون تونسيون التزموا بالقضية.

لكن ومع بداية الأنشطة الثقافية الصيفية في تونس لسنة 2025 وخصوصًا المهرجانات المفتوحة المنتشرة في كل الولايات التونسية محليًا وجهويًا والتي تمتد من أواخر شهر جوان/يونيو إلى نهاية شهر أوت/أغسطس من كل سنة كان حضور اسم فلسطين طاغ على "الأفيشات" وخلال الندوات الصحفية التي تسبق هذه المهرجانات (وعددها يناهز 400 مهرجانًا) والتظاهرات الثقافية الموسمية، فأغلب المشرفين على هذه الأنشطة صرحوا لوسائل الإعلام أو كتبوا على صفحاتهم أو صفحات الجمعيات المشرفة على المهرجانات أو من خلال بيانات وبلاغات تهم نشاطهم بأن جزءًا من البرمجة مخصص للقضية الفلسطينية ولدعم فلسطين بالكلمات والأفعال والإبداعات وهو أمر محمود وليس غريبًا عن الثقافة التونسية والمبدعين والفنانين التونسيين.

لكن وبعد أن انطلقت هذه المهرجانات الصيفية لاحظنا أن الحضور الرمزي لفلسطين من خلال البرمجات كان ضعيفًا ويتسم بالارتجال والتسرع وغير مرتب له بالشكل المطلوب والذي يليق بالقضية الرمز، إذا تغيب اللقاءات الشعرية الجادة والسينما الفلسطينية ونوادي الأغاني الملتزمة والموسيقيون الملتزمون والرسامون الذين رسموا الجرح الفلسطيني عبر لوحاتهم وأعمالهم الفنية. فأن تتحول فلسطين إلى يافطة وشكل من أشكال الدعاية الثقافية ويتم إقحامها ضمن ماكينات اتصالية وترويجية لتظاهرات ترفيهية فهو أمر غير محمود. 

كما لم تسع المهرجانات الواجهة أو المهرجانات الدولية والعريقة والشهيرة في تونس إلى تنظيم فعاليات أيقونية تهم القضية الفلسطينية، كأن تتم دعوة نشطاء ثقافيين من ثقافات العالم ومن المجتمعات الحرة الداعمة للقضية أو تنظيم سهرات سينمائية عالمية اشتغلت مواضيعها على فلسطين بحضور مخرجين ونقاد ودعوة الجمهور للمشاركة في النقاش أو دعوة مطربين كبار ناصروا الحق الفلسطيني وغنوا طيلة مسيرتهم لفلسطين حتى تبقى حية في الضمائر على غرار مارسيل خليفة ونصير شمة. كل هذه السهرات وكل أشكال التضامن الثقافي ممكن وليس بعزيز عن القضية الفلسطينية شريطة توفر إرادة صادقة وفرق عمل تحسن التدبير والتنظيم.

بعد انطلاق المهرجانات الصيفية كان الحضور الرمزي لفلسطين ضعيفًا ويتسم بالارتجال والتسرع.. فأن تتحول فلسطين إلى يافطة وشكل من أشكال الدعاية الثقافية ويتم إقحامها ضمن ماكينات اتصالية وترويجية لتظاهرات ترفيهية فهو أمر غير محمود

لقد كان من الممكن ومن اليسير أن تتواصل هذه المهرجانات والتظاهرات الصيفية الترفيهية مع المجتمع المدني التونسي من جمعيات ومنظمات ونواد حرة سبق لها أن نظمت طيلة السنة الفارطة مئات الأنشطة والفعاليات التي تهم فلسطين أو غزة أو القدس. وخاصة منها تلك التي توخت الثقافة والفن والفكر ضمن آليات تنفيذ الأفكار وتحويلها إلى برامج والحال أن الجمعيات التي تهتم بفلسطين تعوزها الإمكانيات المادية.

في حقيقة الأمر لم يكن ما أعلن عنه بداية الصائفة قبل بداية فعاليالت المهرجانات الصيفية في تونس في حجم النبل الصاعد للشعب التونسي الثائر المليء بالمروءة والتضامن وبذل النفس والنفيس في سبيل فلسطين حريتها، فالثابت أن الرسالة الشعب لم تُلتقط ولم تحول إلى سردية ثقافية مغيرة للواقع الفلسطيني ضمن المقاومة الثقافية ولا تكتفي بتشخيصه وتصويره فحسب.     

لقد كنا نتوقع خلال الصائفة الحالية أن يكون الحيز الذي خصص لفلسطين في برمجة المهرجانات بمثابة الأفق الواسع الذي يلتحم مع الأصوات الحرة في العالم حتى يتشكل ذاك الطريق الواسع أمام مديح الحرية لشعب سلب أرضه وظلم لما يناهز القرن من الزمن (من الانتداب البريطاني إلى توطين اليهود).

وتبقى فلسطين أملاً وصنوًا للحرية المستحقة مع المبادرات الفكرية المضيئة والحركات الفنية المستمرة في الزمان والمكان والتي دأب عليها التونسيون منذ عقود حتى يكونوا عظماء أمام أنفسهم وأمام التاريخ.   

 

  • المقالات المنشورة في هذا القسم تُعبر عن رأي كاتبها فقط ولا تعبّر بالضرورة عن رأي "ألترا صوت" 

الكلمات المفتاحية

التآمر فتحي بلعيد أ ف ب Getty

الظّلم ظلمات.. ماذا بعد؟

لا يُمكن تجاوز السّياق الّذي يتنزّل فيه الإضراب الجماعيّ عن الطّعام، إذ تتلقّى منظّمات المجتمع المدنيّ الضّربة تلو الأخرى، عبر آلية تعليق النّشاط، في انتظار ما يمكن أن يكون أعظم


أحمد صواب الشاذلي بن إبراهيم NurPhoto Getty

أمّا التّسلّطيّة فليست مجازًا!

"الحكم ضدّ أحمد صواب يأتي كاشفًا لإمعان السّلطة في التّذكير بأنّ الخلفيّة المهنيّة للمتّهم أو مكانته الاجتماعيّة لا تحميه من بطشها، وهو تكتيك قديم قِدم الأنظمة التّسلّطيّة الّتي تعاقبت على حكم البلاد"


أحمد صواب غيتي Nur photo

قضية أحمد صواب.. ليست محاكمة حتى نسأل عن المحاكمة العادلة

"ستمرّ المحنة يومًا ما وسيغادر أحمد صواب السجن يومًا ما، بقرار من أدخله أو لسبب آخر، ولن نستذكره دائمًا إلا رمزًا لمحاماة منحازة لقيمها ومبادئها.."


التعليم في تونس القايدي.jpg

الإصلاح التربوي في تونس وعطالة الزمنيْن المدرسي والاجتماعي

ذهبت الدراسات إلى أن سوء التصرف في الزمن المدرسي يتسبب في استشراء العنف في الوسط المدرسي وهو فعلًا ما تعيشه المدرسة في تونس في السنوات الأخيرة

istockphoto طقس أمطار.jpg
منوعات

طقس تونس.. أمطار في عدة مناطق وانخفاض طفيف في درجات الحرارة

معهد الرصد الجوي: درجات الحرارة القصوى تتراوح بين 16 و21 درجة في الشمال والوسط، وتصل إلى 27 درجة في بقية المناطق

محتجون في قليبية يطالبون بغلق مصب وادي ليمام وفتح مركز تحويل النفايات
مجتمع

"مصدر انبعاث غازات مسرطنة".. وقفة احتجاجية في قليبية للمطالبة بغلق مصب

انتظمت يوم الاثنين 17 نوفمبر 2025، أمام مقر معتمدية قليبية من ولاية نابل وقفة احتجاجية للمطالبة بالإسراع في غلق المصب العشوائي بوادي ليمام، وذلك بمبادرة من فرع قربة–قليبية للرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان والاتحاد المحلي للشغل قليبية–حمام الغزاز، وبمشاركة عدد من المواطنات والمواطنين المتضررين من الوضع البيئي المتدهور بالمنطقة


إقرار مبدأ الإضراب في القطاع الخاص
مجتمع

كاتب عام اتحاد الشغل بصفاقس لـ"الترا تونس": متمسكون بالإضراب وبحق العمال في الزيادات

أكد الكاتب العام للاتحاد الجهوي للشغل بصفاقس، يوسف العوادني، لـ"الترا تونس"، يوم الاثنين 17 نوفمبر 2025 تمسّك الاتحاد بتنفيذ الإضراب العام يوم الثلاثاء 18 نوفمبر 2025 في القطاع الخاص، احتجاجًا على تعطّل المفاوضات الاجتماعية الخاصة بالزيادة في أجور سنة 2025

الاتحاد الأوروبي يسلم تونس 47 سيارة إسعاف ضمن برنامج "الصحة عزيزة"
مجتمع

تونس تتسلم 47 سيارة إسعاف من الاتحاد الأوروبي

أعلن الاتحاد الأوروبي، يوم الاثنين 17 نوفمبر/تشرين الثاني 2025، عن تسليم 47 سيارة إسعاف كاملة التجهير إلى تونس في إطار برنامج "الصحة عزيزة"، الذي يهدف إلى دعم القطاع الصحي وتعزيز الوصول إلى الخدمات الصحية في الخطوط الأمامية وجودتها

الأكثر قراءة

1
اقتصاد

حوار| مستشار جبائي: ضغط جبائي مرتفع وتشجيع الاستثمار غائب في مشروع قانون المالية 2026


2
سیاسة

تأجيل النظر في قضية "التآمر 1" إلى جلسة 27 نوفمبر 2025


3
سیاسة

تأجيل النظر في قضيتين ضدّ سهام بن سدرين إلى جلسة 5 جانفي 2026


4
مجتمع

نقابة متفقدي التعليم الثانوي: الوضع التربوي يتسم بالفوضى والوزارة عاجزة


5
مجتمع

تجدد الاحتجاجات جرّاء التلوث في قابس وأولياء يرفضون التحاق أبنائهم بالدراسة