30-يوليو-2020

حفّزت أزمة كورونا من أجل تفعيل الإدارة الإلكترونية (فتحي بلعيد/أ.ف.ب)

 

"رقمنة الإدارة وتعصيرها"، عنوان لم يغب عن وعود الأحزاب خلال الحملات الانتخابية ولا عن البرامج التي تعهدت بها حكومات ما بعد الثورة. إذ مثّلت رقمنة الإدارة تحدّيًا أكدت على ضرورته خصوصًا التقارير السنوية للهيئات الرقابية والهيئة الوطنية لمكافحة الفساد لضمان الحوكمة وتقليص قنوات الفساد، إضافة لأهمية رقمنة الخدمات المسداة للمواطنين للاستجابة لمطالبهم في أسرع وقت وبأقل تكلفة. 

وكثيرًا ما يأتي الحديث عن أهمية الرقمنة في عدة مجالات منها على سبيل الذكر الديوانة لمواصلة تبسيط المعاملات وإرساء الشفافية، وكذا القطاع الأثري لتسيير عمليات المراقبة والجرد للقطع الأثرية ومنع سرقتها، وأيضًا في المحاكم بهدف حفظ الملفات وسهولة الولوج إليها.

اقرأ/ي أيضًا: حينما يكشف فيروس "كورونا" هنات المنظومة التربوية في تونس

الجميع يتحدث عن الرقمنة

تحدّث عدة مسؤولين في الحكومات السابقة على ضرورة رقمنة الإدارة، ومن ذلك اعتبار وزير الوظيفة العمومية وتحديث الإدارة السابق كمال مرجان سنة 2018 أنّ الأمر يتعلّق بتحسين دور الإدارة العمومية وضمان حق المواطن في خدمات إدارية ذات جودة. وأعلن أنّه سيقع إرساء منصة للتبادل الرقمي للمعطيات سيتم فيها تجميع كلّ الأنظمة إضافة إلى إطلاق موقع "واب" موحد للخدمات الإدارية على الخط بمساهمة الوزارات المعنية وسيسمح هذا الموقع منذ انطلاقه وفتحه للعموم بسهولة الحصول بكل أمان وسرعة على الوثائق الإدارية. وفي ماي/أيار 2019، قال توفيق الراجحي الوزير لدى رئيس الحكومة المكلف بالإصلاحات الكبرى السابق إنّ "تحديث الإدارة التونسية ورقمنتها عمل دؤوب وتحد أساسي تعمل عليه الحكومة".

مثّلت رقمنة الإدارة تحدّيًا أكدت على ضرورته خصوصًا التقارير السنوية للهيئات الرقابية وهيئة مكافحة الفساد لضمان الحوكمة وتقليص قنوات الفساد

وزير الدولة المكلف بالوظيفة العمومية محمد عبو، في حكومة الفخفاخ، تحدث، في بلاغ إثر استقباله للمديرين العامين للإصلاح الإداري وتكنولوجيات الاتصال، عن "التأخر الكبير" في رقمنة الإدارة مقارنة بما هو موجود في العالم وخاصة في بعض الدول الافريقية فيما يتعلق بالإدارة الإلكترونية، مشيرًا الى أن الظروف التي مرت بها تونس خلال مجابهة وباء كورونا حفزت الحكومة على تكريس رقمنة الإدارة. وأضاف أنّ مشروع رقمنة الإدارة رافقته خلال السنوات الماضية تعقيدات مرتبطة بالقوانين مشيرًا إلى الإخلالات في عمل البواخر في الموانئ بسبب غياب الرقمنة بما يعطل دعم الحركية الاقتصادية.

من جانبه، تحدث وزير تكنولوجيات الاتصال الفاضل كريم، في حكومة الفخفاخ أيضًا، عن أهمية الرقمنة كآداة لتسهيل حياة المواطنين ونجاعة المؤسسات، مشيرًا الى أن بوابة الخدمات الإدارية الإلكترونية الموحدة ستكون محطة بارزة في دعم جهود مكافحة الفساد. وأكد على ضرورة تطوير المنظومات الإلكترونية السابقة على غرار منظومة "إنصاف" التي تتصرف في المعطيات الخاصة بالأعوان العموميين. وبين أن الدولة تقدم اليوم 205 خدمات إلكترونية للمواطنين ولكن بمستويات متفاوتة، مؤكدًا على ضرورة أن تكون رقمنة الإدارة خاضعة لتمش معقول يساهم في تغيير نظرة المواطنين للإدارة.

ضرورة إرادة سياسية لرقمنة الإدارة

حدثّنا كاتب عام نقابة خريجي المدرسة الوطنية للإدارة سيف الدين الرابحي أنّ  الحديث عن رقمنة الإدارة في تونس بدأ منذ سنوات وتحديدًا منذ عام 2000 ثم في قمة المعلومات عام 2005 ثم عام 2009، وثم رُفعت نفس الشعارات حول ضرورة الرقمنة بعد الثورة، وهو ما أصبح ضروريًا، وفق قوله، لا سيما بعد الحجر الصحي وما فرضته الظروف الصحية من حاجة كبيرة للعمل عن بعد، قائلًا: "أصبحنا اليوم في حاجة أكثر للرقمنة والإدارة الالكترونية بصفة عامة لمواصلة العمل".  

اقرأ/ي أيضًا: المواقع الإلكترونية الحكومية: "يبدو أنّه لا يوجد شيء هنا"

وأفاد أن المدرسة الوطنية للإدارة أمنت لأول مرّة الدراسة عن بعد بسبب الحجر الصحي على غرار العديد من المؤسسات الأخرى. وقال إن الإرادة السياسية تبقي هي الضامنة لتحقيق برنامج رقمنة الإدارة كي لا يظلّ مجرّد شعارات، مشيرًا إلى أنّ "الإدارة اليوم تتوفر على العديد من الطاقات الشبابية خاصة أبناء المدرسة الوطنية للإدارة وموجودين على مستوى مركزي وعلى مستوى كافة تراب الجمهورية في كامل الإدارات. يجب تثمين وجودهم والاستفادة من طاقاتهم لتوظيفها في خدمة الإدارة التونسية". 

وتحدث، في نفس السياق، عن وجود إطارات على مستوى الإدارات لا تنتمي للإدارة، وفق تعبيره، وذلك بعد ما اعتبره إغراق الإدارة بعدّة انتدابات بعد الثورة قائلًا: "نحن لا نشكك في كفاءتهم، لكن هم في حاجة إلى مزيد التطوير". وأضاف: "نحن خريجو المدرسة الوطنية للإدارة، نلم بكل شيء يتعلق بالإدارة التونسية سواء على مستوى رقمي أو اقتصادي أو سياسي وفي كل المجالات تقريبًا. أصبحت الرقمنة ضرورة وليست شيئًا ثانويًا. ويبقى الأمر كما أشرت يتطلب إرادة سياسية، ومن يتداولون على السلطة لا بد لهم من الاقتناع بضرورة تكريس رقمنة الإدارة والإدارة الإلكترونية".  

ألفة الشهبي (مستشارة المصالح العمومية): كلّما تمت رقمنة الإدارة كلما ينقص منسوب الفساد نظرًا لدمج كلّ المنظومات ببعضها البعض

من جهتها، اعتبرت ألفة الشهبي مستشارة المصالح العمومية بالهيئة الوطنية لمكافحة الفساد، لـ"ألترا تونس"، أنّه كلّما تمت رقمنة الإدارة كلما ينقص منسوب الفساد نظرًا لدمج كلّ المنظومات ببعضها البعض، وحتى في صورة حصول فساد تسهل الرقمنة عملية الوصول إلى العديد من الوثائق والمعلومات على غرار كوريا الجنوبية التي أرست منظومة e-people للتبليغ عن الفساد. وبالنسبة للإرادة السياسية لإرساء رقمنة الإدارة في جميع القطاعات، أكدت محدثتنا أنّ مستوى رقمنة الإدارة ضئيل ولا يوجد تقدم ملحوظ على هذا المستوى، مشيرة، في المقابل، لمنظومة "tuneps" (منصة خاصة بالشراءات والصفقات العمومية) والتي لم يقع ، وفق تأكيدها، منحها ما يكفي من الامكانيات لإنجاح برنامجها. 

كورونا تحفّز من أجل رقمنة الإدارة 

بما حملته أزمة كورونا من تفويض لإصدار مراسيم، أصدر رئيس حكومة تصريف الأعمال إلياس الفخفاخ عدّة مراسيم لرقمنة الإدارة على غرار المرسوم عدد 17 المتعلّق بالمعرّف الوحيد الذي يجنّب المواطن الاستظهار بوثائق من إدارة أخرى أثناء توجّهه لأي إدارة لطلب خدمة معيّنة، وأيضًا المرسوم عدد 12 المتعلّق بالمحاكمة عن بعد للتخفيف من التنقل بين السّجون ومراكز الإيقاف والمحاكم وتسريع إجراءات التقاضي . 

 ومن المراسيم ذات الطابع الرقمي أيضًا، صدر المرسوم عدد 15 المتعلق بالوصفة الطبية الإلكترونية الذي في فتح المجال للأطباء للعمل عن بُعد ويوفّر لهم إطار قانوني يمكّنهم من تقديم وصفة طبيّة وإرسالها للمريض عبر الأنترنت. كما صدر المرسوم عدد 7 المتعلّق بالعمل عن بعد في الوظيفة العمومية، وأصبح كلّ موظّف قادر عن العمل في منزله عن بُعد دون الحاجة إلى تنقّله إلى مقر عمله، بما يمكن التقليص من استعمال الأوراق والمطبوعات والعمل بالوسائل الإلكترونية.

 كما صادق مجلس الوزراء على مرسوم يتعلّق بإرساء نظام المراقبة الإلكترونيّة في المادة الجزائية وهو يُعتبر نقلة نوعيّة في منظومة تنفيذ العقوبات، مما سيمكّن من استبدال عقوبة السجن بعقوبة المراقبة الالكترونية بالنسبة لعدد معيّن من الجرائم. وفي بلاغ لوزارة العدل بيّنت أن هذا المرسوم يساهم في إقرار آلية تُساعد في معالجة مواطن الإخلال والنقص الواقع تشخيصها في المنظومة الجزائية المعتمدة حاليًا والمتسببة في الاكتظاظ السائد بالمؤسسات السجنية. ويتمثل المرسوم أساسًا في نظام مراقبة إلكترونية يقتضي استخدام "سوار إلكتروني " يُثبّت على مستوى المعصم أو الكاحل يتصل مباشرة بجهاز آخر مركزي يوجد لدى السلطة المكلّفة بالمراقبة يعمل على رصد وتتبع حركات المتهم أو المحكوم عليه عن بعد للتأكد من مدى احترامه للشروط والالتزامات المفروضة عليه وذلك بدل الزج به في السجن.

 

اقرأ/ي أيضًا:

رغم شعارات الرّقمنة: فوضى الخدمات الجامعية تتكرّر سنويًا

رقمنة التراث الموسيقي التونسي