13-نوفمبر-2019

تعاني عديد البلديات من مشاكل عطلت سير أعمالها (صورة تقريبية/ياسين القايدي/وكالة الأناضول)

 

لم تكن الانتخابات البلدية 2018 محطة تاريخية في إرساء الحكم المحلي فحسب بل انطلاقة لمسار طويل ومعقد يواجه اليوم صعوبات جمّة. فما إن بدأ تشكيل اللجان وانتخاب رؤساء البلديات والمساعدين ورؤساء الدوائر حسب حجم الكتل في المجلس وتمثيليتها مثل ما ضبطته مجلة الجماعات المحلية حتى تدخلت المحاصصة الحزبية والتحالفات، لتتحول البلديات إلى برلمان مصغر مشحون بالصراعات السياسية وحتى الأيديولوجية. وفيما تجاوزت بلديات أزمة توزيع المهام بين المستشارين تعمقت الأزمة في بلديات أخرى لتقع في معضلة تسيير للمرفق البلدي.

مرّت، إذًا، أكثر من سنة على انطلاق عمل المجالس البلدية في تونس لتنكشف أزمات داخل المجالس نفسها أو في تعاملها مع الدوائر الحكومية ومكونات المجتمع المدني. وتصاعدت التشكيات من الإدارة بما هي عقدة التسيير ومفصل التواصل نظراً للتعقيدات الإجرائية والقانونية، وعدم المرونة في التعامل بسبب تقاليد متوارثة، وتراكمات تسييرية سابقة، وعدم التشبع بمفاهيم ومبادئ جديدة واردة في دستور 2014 ومجلة الجماعات المحلية.

 اتصل "ألترا تونس" ببعض المستشارين البلديين لاستجلاء مدى الصعوبات التي تعترض المجالس البلدية في الوقت الراهن وحول مدى تأثير نتائج انتخابات 2019 على عمل هذه المجالس

وعرفت، في الأثناء، عديد البلديات استقالات جماعية متزامنة خمسة منها تمت فيها انتخابات جزئية (تيبار، وباردو، والسرس، وسوق الجديد والعيون) وخمسة انحلّت (البطان، والدندان، والقصيبة الثريات، ونفزة ورقادة) و سبعة منها تم التراجع عن الاستقالة (بهرة، وسكرة، ونعسان، وكسرى، وقلعة الأندلس، وفريانة والذهيبة) وذلك حسب آخر تحيين بتاريخ 8 نوفمبر/تشرين الثاني 2019 حسب منظمة "بوصلة".

وأصدرت محكمة المحاسبات تقرير نتائج مراقبة تمويل الحملة الانتخابية لعضوية المجالس البلدية بعد النظر في 106 قائمة تم إصدار قرارات وقتية بإسقاط 84 منها بسبب عدم إيداعهم التصريح بالحسابات، وهو من شأنه أن يدخل إرباكًا على سير عمل البلديات المعنية بالإسقاط في صورة تنفيذ الحكم النهائي.

اقرأ/ي أيضًا: إثر نتائج الانتخابات: مخاوف وتهديدات تطال الحقوق والحريات الفردية؟!

من جهة أخرى، لا تزال عشرات الأحكام الصادرة عن المحكمة الإدارية قيد التنفيذ من بينها أحكام في إعادة توزيع اللجان، وأخرى تهم الصلاحيات، وبعضها تتعلق بالتصرف، وما يُلحظ هو توازي المسار البلدي مع المسار القضائي في المسائل العالقة مما يشدّد آلية المراقبة على أداء المجالس البلدية.

وبعد الانتخابات التشريعية الأخيرة، يبدو أن هبوب رياح التغيير قد تشمل المجالس البلدية من خلال تلاشي كتل حزبية حضرت بقوة في 2018 مثل مستشاري حركة نداء تونس الذين تفرقوا شتاتًا، كما لاحظنا تنامي قوى جديدة في البرلمان مثل "قلب تونس" و"ائتلاف الكرامة" و"تحيا تونس"، لم تشارك في الانتخابات البلدية عام 2018، قد يكون لها صدى داخل عديد المجالس البلدية، مع محافظة حركة النهضة على كتلها الثابتة.

في هذا السياق، اتصل "ألترا تونس" ببعض المستشارين البلديين لاستجلاء مدى الصعوبات التي تعترض المجالس البلدية في الوقت الراهن، وحول مدى تأثير نتائج انتخابات 2019 على عمل هذه المجالس:

مجدي بن غزالة (مستشار في بلدية سوسة): لا يمكن الحسم في مسألة تأثير التشريعيات على البلديات

يقّدر مجدي بن غزالة، المستشار في بلدية سوسة عن التيار الديمقراطي، أنه لا يمكن إصدار حكم حاليًا حول تأثر المجالس البلدية بنتائج الانتخابات الأخيرة لأن الصورة غير واضحة خاصة قبل تكوين الحكومة الجديدة، وفق قوله. ولكنه يعتبر أن انتخابات 2019 ستنعكس إيجابيًا على مستشاري حزبه خاصة وأن مشاريعه المتعلقة باللامركزية والحوكمة المحلية حظيت بتقييم جيد من منظمات مثل "بوصلة"، وذلك رغم الصعوبات في تمرير هذه البرامج حسب تعبيره.

مجدي بن غزالة (مستشار في بلدية سوسة): يجب تفعيل مجلة الجماعات المحلية وتحيين القوانين مثل مجلة المحاسبة العمومية

أما عن تعثر المجالس البلدية، فقد اعتبره أمرًا "بديهيًا" داعيًا إلى إصدار الأوامر الحكومية لتفعيل مجلة الجماعات المحلية، وتحيين القوانين مثل مجلة المحاسبة العمومية ومجلة التهيئة العمرانية لكي تتماشى مع الدستور الجديد ومجلة الجماعات المحلية، مؤكدًا أنه لابد أن تواكب الادارات اللامحورية الجهوية بهيكلة جديدة وخاصة عبر مبدأ التدبير الحرّ.

وفي نفس السياق، اعتبر محدثنا أن هناك مجالس تعاني من ضعف الموارد المالية ولا تستطيع تنفيذ وعودها الانتخابية مما يدفع إلى الإحباط والعجز أو التصادم مع السلط الجهوية والمركزية، مضيفًا أن عدم التعوّد على المجالس الفسيفسائية وضعف ثقافة الاختلاف يغذيان الخلافات ويعززان الرغبة في الهيمنة وعدم التواصل، وفق قوله.

اقرأ/ي أيضًا: الإخشيدي و"قيس بوك" و"نظام قيس".. طرائف ومنحوتات لغويّة تفاعلًا مع قيس سعيّد

أماني الصغير (مستشارة في بلدية الساحلين-معتمر): لا تأثير للانتخابات التشريعية على الانسجام بين المستشارين البلديين

أماني الصغير، وهي مستشارة بالمجلس البلدي الساحلين – معتمر من ولاية المنستير ورئيسة اللجنة الإدارية وإسداء الخدمات، ترشحت عن قائمة مستقلة ثم انخرطت في حركة "تحيا تونس"، وهي تقدّر اليوم أن نتائج الانتخابات التشريعية الأخيرة لا يمكن أن تؤثر على مسار الانسجام بين مستشاري بلدية الساحلين – معتمر.

أماني الصغير (مستشارة في بلدية الساحلين-معتمر):  من عوامل نجاح البلدية هو الانسجام بين الإدارة والمستشارين المنتخبين

واعتبرت أن من عوامل النجاح هو الانسجام بين الإدارة والمستشارين المنتخبين، مؤكدة أن الالتفاف حول مصلحة المدينة جعل من الجميع متعاونًا خلال تمرير المشاريع والمصادقة عليها وبالتالي ضمانة سيرورة المجلس. كما أكدت على  أهمية عنصر الشفافية في المعاملات بين المجلس البلدي والمواطنين وذلك رغم قلة الموارد البشرية والتقنية بما يشكل عائقًا لتقديم معلومة حينية، وفق تأكيدها.

أمينة حسن (مستشارة في بلدية حمام سوسة): المستشارون البلديون في حالة انضباط حزبي

من جهتها، اعتبرت أمينة حسن، مستشارة ببلدية حمام سوسة، أن من أهم المشاكل التي تقوض المجلس البلدي هو عدم قدرة رئيسه على لمّ الشمل والتواصل مع الأعضاء ومع مكونات المجتمع المدني، إضافة لعدم القدرة على تطبيق القانون الداخلي للمجلس.

أمينة حسن (مستشارة في بلدية حمام سوسة):  من أهم المشاكل التي تقوض المجلس البلدي هو عدم قدرة رئيسه على لمّ الشمل

و أضافت، في حديثها لـ"ألترا تونس"، أن من بين أسباب إخفاق المجلس البلدي كذلك القطيعة بين المجلس البلدي والإدارة البلدية، مؤكدة وجود موظفين لا يريدون التنازل عن صلاحياتهم للمجلس المنتخب. وتحدثت عن وجود أعضاء في بلدية حمام سوسة من كتل حزبية متنوعة تعمل على تعطيل سير أعمال المجلس، وفق قولها.

أما عن تداعيات نتائج الانتخابات التشريعية على أداء المجلس البلدي بحمام سوسة، قالت محدثتنا إنها لا ترى تأثيرًا كبيرًا باعتبار أن المستشارين البلديين في حالة انضباط حزبي، والجميع يسعى للحفاظ على مكاسبه وفق تعبيرها.

 

اقرأ/ي أيضًا:

المشاركة السياسية للمرأة.. وقود انتخابي وتمثيل ضعيف

"لا رجوع".. رهان استكمال مسار العدالة الانتقالية