هل استهدف الكيان الصهيوني تونس؟ الجميع يبحث عن إجابة
26 سبتمبر 2025
مقال رأي
يوم 9 سبتمبر/أيلول 2025، أفادت هيئة تسيير وتنظيم أسطول الصمود المغاربي أن السفينة الإسبانية "فاميلي"، وهي إحدى سفن أسطول الصمود العالمي الراسية في ميناء سيدي بوسعيد، تعرّضت عند الفجر لاستهداف عبر طائرة مسيرة مما أدى إلى اندلاع حريق على متنها. لكن سرعان ما نفت الإدارة العامة للحرس الوطني ذلك مؤكدة أن المعاينات الأولية تبيّن أن سبب الحريق يعود إلى اندلاع النيران في إحدى سترات النجاة على متن الباخرة المذكورة نتيجة اشتعال قداحة أو عقب سيجارة، وجازمة أنه لا وجود لأي عمل عدائي أو استهداف خارجي. وهو ما أكدته وزارة الداخلية في بلاغ آخر بعد أقل من ساعة.
ولكن بعد ساعات، أكّد أسطول الصمود العالمي مجددًا أن سفينة "ألما" التي ترفع العلم البريطاني تعرضت بدورها لهجوم بطائرة مسيرة على غرار الهجوم السابق. غاب التفاعل الرسمي السريع مثل المرة الأولى، لتصدر وزارة الداخلية مساء اليوم الموالي، 10 سبتمبر/أيلول 2025، بيانًا أكد أن اعتداء الأمس هو "مُدبّر". وأضاف أنه "تتولى مصالح وزارة الدّاخليّة إجراء كُل التحرّيات والأبحاث لكشف الحقائق كُلها حتى يطلع الرّأي العام لا في تُونس وحدها بل في العالم كُلّهُ على من خطط لهذا الاعتداء وعلى من تواطأ وعلى من تولى التنفيذ".
ظلّت تتعزّز قرائن حول وقوف الكيان على الهجوم بتصريحات صادرة عن رؤساء دول ومسؤولين.. لكن ليس من المريح مطلقًا تكرار مسؤولين رسميين أجانب بينهم رؤساء دول أن تونس تعرّضت لاعتداء من الكيان الصهيوني مقابل غياب أي إقرار تونسي رسمي بذلك
كان واضحًا، هنا، تعزيز القناعة المشاعة أن الكيان الصهيوني يقف وراء هذا الاعتداء الذي يستهدف إفشال تحرّك الأسطول الذي يستعدّ للإبحار نحو غزّة لفكّ الحصار عنها وتقديم مساعدات لأهاليها. إذ بغض النظر عن ملابسات الهجوم الأول، والجزم اليقيني من السلطات الأمنية أنه مجرّد حادث عرضي بسبب قداحة أو سيجارة، كان الخطاب مختلفًا في الهجوم الثاني. وكان أيضًا الوعد بكشف الحقائق للعالم وليس لتونس فقط سواء تخطيطًا أو تواطئًا أو تنفيذًا. ولكن رغم مرور أسبوعين، مازالت الإجابة الرسمية التونسية غائبة.
اقرأ/ي أيضًا: اعترافات دولية بدولة فلسطين.. تفاعل تونسي وتحركات تضامنية
ولكن في المقابل، ظلّت تتعزّز قرائن حول وقوف الكيان حول الهجوم بتصريحات صادرة عن رؤساء دول ومسؤولين. إذ صرح الرئيس التركي رجب طيب أردوغان خلال القمة العربية الإسلامية بالدوحة أن "بعد فلسطين، هاجمت إسرائيل كلا من لبنان واليمن وإيران وسوريا، واستهدفت كذلك السفن المدنية قبالة سواحل تونس"، وتباعًا صرّح المبعوث الأمريكي إلى سوريا توم باراك أن "إسرائيل تهاجم سوريا وتهاجم لبنان وتهاجم تونس"، وآخرها قال الملك الأردني عبد الله الثاني إن "إسرائيل لا تلقي بالًا لسيادة الدول الأخرى كما في لبنان وسوريا وتونس وأخيرًا في قطر". ولا يبدو أنّ هكذا تصريحات رسمية هي من قبيل الاختلاق أو التخمين أو مجرّد إعادة تكرار ما تمّ تداوله.
ويظلّ السؤال حول سبب غياب الإعلان التونسي الرسمي بتحديد الجهة التي تقف وراء الهجوم وهي الكيان الصهيوني بحسب ما يتأكد من ملابسات الحادث من جهة ومن تصريحات لمسؤولين رسميين أجانب من جهة أخرى. الصورة قد ترتبط بفتح بحث قضائي يقتضي السرية ضمانًا لسلامة الأبحاث، ولكن ذلك لا يبرّر، والحالة تلك، غياب التحرك السياسي والدبلوماسي في هكذا ملفات تفترض معالجة مزدوجة ليس القضائي والأمني إلا جانب منه، فيما أن المعركة الحقيقية هي معركة دبلوماسية خاصة وأنها مواجهة ضد دولة مارقة في نهاية المطاف.
الخطاب الرسمي في تونس الذي يرفع السقف عاليًا في دعم الحق الفلسطيني، يفترض على الدولة التونسية أن توظّف الهجوم على الأسطول في سيدي بوسعيد، لخوض معركة دبلوماسية ضد الكيان لمزيد استغلال العزلة الدولية المتصاعدة ضده والعمل على توسيعها قدر الممكن
ففي عام 1985، حينما شنت إسرائيل غارتها على "حمام الشط"، حيث قيادات منظمة التحرير الفلسطينية، استطاعت الدبلوماسية اختطاف بيان إدانة من مجلس الأمن دون إعمال الولايات المتحدة لحق النقض. وهو بيان جاء على خلفية شكاية من الدولة التونسية بشأن انتهاك سيادتها والتعدي على أراضيها وسلامتها الإقليمية، وقد تضمن القرار إدانة للعدوان طالبًا دولة الكيان بالكف عن اقتراف أعمال عدوانية، بل أقرّ الحق التونسي في الحصول على تعويضات مناسبة. ولازال لليوم استصدار هكذا قرار دون إفشاله من الحليف الأمريكي للكيان مثالًا عن نجاحات الدبلوماسية التونسية في الساحة الدولية.
فليس من المريح مطلقًا تكرار مسؤولين رسميين أجانب بينهم رؤساء دول أن تونس تعرّضت لاعتداء من الكيان الصهيوني مقابل غياب أي إقرار تونسي رسمي بذلك. فإن ما كان مردّ هذا الغياب هو نفي الاعتداء، على النحو الحاصل في الحادثة الأولى، فذلك يقتضي تكذيبًا رسميًا لتصريحات المسؤولين الأجانب، وأمّا إن كان مردّه غياب الموقف أسباب أخرى فمن حقنا معرفتها.
اقرأ/ي أيضًا: البوصلة: نستنكر صمت السلطات المستراب أمام اعتداء خارجي متكرر على السيادة التونسية
فلا يمكن التقدير مبدئيًا أن الصمت السياسي والدبلوماسي مردّه تحرّج من إقرار بحصول عدوان على تونس بانتهاك مجالها الجوي واستهداف سفن في مينائها وبما قد يظهره من فشل في التصدّي، باعتبار أنّ دولة الكيان استباحت دولًا مثل إيران وقطر وغيرها، فالحرج بهذا المعنى هنا مردود عليه. ولكن ربما ذهب التقدير أن محدودية الضرر باعتبار أن الانتهاك هو تحرّش استفزازي أكثر منه عدوان مؤدي لأضرار جسيمة، دفعت نحو عدم التصريح بتوجيه الاتهام الدبلوماسي بما يستلزم خوض معركة عبر الآليات الدولية. ولكن لو فرضًا كان ذلك السبب، فهو أيضًا مردود عليه باعتبار أنّ الخطاب الرسمي في تونس الذي يرفع السقف عاليًا في دعم الحق الفلسطيني وصولًا للتأكيد على حق الدولة الفلسطينية عاصمتها القدس الموحدة أي بما يتجاوز القرارات الدولية، يفترض على الدولة التونسية أن توظّف هذا الهجوم لخوض معركة دبلوماسية ضد الكيان ليس فقط بمنطق مبدئي، وهو لزوم الدفاع عن النفس ومساءلة المعتدي، ولكن أيضًا مزيد استغلال العزلة الدولية المتصاعدة ضد الكيان والعمل على توسيعها قدر الممكن.
لا يمكن اعتبار أن الصمت السياسي والدبلوماسي مردّه تحرّج من إقرار بحصول عدوان على تونس بانتهاك مجالها الجوي واستهداف سفن في مينائها وبما قد يظهره من فشل في التصدّي، نظرًا لأنّ الكيان استباح دولًا مثل إيران وقطر وغيرها
يوجد، في الأثناء، تقدير آخر وهو أن الدولة التونسية اختارت تأجيل توجيه الاتهام الدبلوماسي إلى ما بعد إتمام الأبحاث باعتبار أن بلاغ الداخلية تحدث عن وعد بكشف للحقائق للعالم وليس للرأي العام المحلي فقط. ولكن حقيقة، لا يعدّ ذلك من قبيل الالتزام المؤجل التنفيذ في ظل ما تعوّدنا عليه من وعود بإعلان حقائق من هنا وهناك في ملفات معيّنة ولكن ذهبت البلاغات أدراج الرياح ولم تنشر أي حقائق.
بالنهاية، يوجد تقدير متصاعد في الوسط المتابع للشأن الدبلوماسي، أنّ أداء الدبلوماسية التونسية يشهد نكوصًا في السنوات الأخيرة على النحو المسجّل على سبيل المثال في خسارة تونس قدرتها على أداء دور الوسيط التاريخي في الفضاء المغاربي بعد نشوب أزمة دبلوماسية غير مسبوقة مع المغرب، دونًا عن انكفاء واضح في الحيوية على نحو معاينة ندرة الزيارات رفيعة المستوى إلى تونس ومحدودية الحضور الرسمية في المناسبات الإقليمية والدولية. غير امتداد هذا النكوص إلى غياب الاستجابة الدبلوماسية الحيوية مع عدوان إسرائيلي هو موضع سؤال، إلا إن كان هذا العدوان هو مجرّد افتراض فقط، وأن أطرافًا "متآمرة" أخرى تقف خلفه! وحتى في هذه الصورة، فإن الإجابة الرسمية تظل مطلوبة: هل تعرّضت تونسي لعدوان صهيوني عبر طائرات مسيرة في ميناء حلق الوادي؟ الاحتمالات محدودة والمؤشرات معلومة ولكننا نريد حسمًا رسميًا باسم حق الرأي العام في المعلومة في أقل الأوجه!
- المقالات المنشورة في هذا القسم تُعبر عن رأي كاتبها فقط ولا تعبّر بالضرورة عن رأي "ألترا صوت"
الكلمات المفتاحية

الظّلم ظلمات.. ماذا بعد؟
لا يُمكن تجاوز السّياق الّذي يتنزّل فيه الإضراب الجماعيّ عن الطّعام، إذ تتلقّى منظّمات المجتمع المدنيّ الضّربة تلو الأخرى، عبر آلية تعليق النّشاط، في انتظار ما يمكن أن يكون أعظم

أمّا التّسلّطيّة فليست مجازًا!
"الحكم ضدّ أحمد صواب يأتي كاشفًا لإمعان السّلطة في التّذكير بأنّ الخلفيّة المهنيّة للمتّهم أو مكانته الاجتماعيّة لا تحميه من بطشها، وهو تكتيك قديم قِدم الأنظمة التّسلّطيّة الّتي تعاقبت على حكم البلاد"

قضية أحمد صواب.. ليست محاكمة حتى نسأل عن المحاكمة العادلة
"ستمرّ المحنة يومًا ما وسيغادر أحمد صواب السجن يومًا ما، بقرار من أدخله أو لسبب آخر، ولن نستذكره دائمًا إلا رمزًا لمحاماة منحازة لقيمها ومبادئها.."

تونس توقّع اتفاق تمويل مع البنك الدولي بـ430 مليون دولار لدعم التحول الطاقي
البنك الدولي: يساعد المشروع على خفض تكاليف إمدادات الكهرباء بنسبة 23%، وتحسين نسبة استرداد تكاليف الشركة التونسية للكهرباء والغاز من 60 إلى 80%

أيام قرطاج المسرحية 2025.. يحيى الفخراني والفاضل الجعايبي في الافتتاح
تتضمن برمجة هذه الدورة من أيام قرطاج المسرحية، 12 عرضًا ضمن المسابقة الرسمية، و15 عرضًا في قسم "مسرح العالم"، و16 عرضًا تونسيًا، و6 عروض عربية وإفريقية

تعرّف على نصاب زكاة الزيتون والتمر في تونس للعام الهجري 1447
أعلن ديوان الإفتاء في تونس، يوم الخميس 13 نوفمبر 2025 عن نصاب زكاة الزيتون والتمر وسائر الثمار للموسم الفلاحي الحالي 1447هـ ـ 2025 م، وذلك مواكبة لانطلاق موسم جني الثمار، وفق بلاغ له

هيئة المحامين: إنشاء مرصد لمتابعة احترام معايير المحاكمة العادلة في تونس
عقدت الهيئة الوطنية للمحامين بتونس جلسة عامة إخبارية في دار المحامي، يوم الأربعاء 12 نوفمبر 2025 بدعوة من العميد بوبكر بالثابت، أكدت خلالها على ضرورة حضور جميع الجلسات والترافع لضمان حضور المتهمين شخصيًا في قاعات المحاكم، مع رفض المحاكمات عن بعد لما تفتقر إليه من شروط قانونية، وتعد انتهاكاً لمبدأ المحاكمة العادلة عبر حرمان المتهم من الدفاع دون مبرر قانوني

