04-أبريل-2018

خيّروا العمل بصمت بعيدًا عن الأضواء (أمين الأندلسي/ الأناضول)

عن نواب لا نعرفهم، أولئك الذين نسيتهم "ماكينة الإعلام" ولم تلتفت إليهم. أولئك الذين يجلسون تحت الأضواء، التي لم تطلهم يومًا وبقوا مجهولين لطيف واسع من الرأي العام، كسرّ إلهي جعل من بين أيديهم "سدًا ومن خلفهم سدًا". فلم نبصرهم يومًا غير "ذوات جالسة على المقاعد"، داخل اللجان أو الجلسات العامة لا أكثر، ورقمًا بين 217  ممثلًا للشعب.

هم ليسوا أقلية وإنما عشرات من النواب الصامتين الذين لا يتغيبون إلا لأمر جلل ويتحركون في صمت

هم نقيض تام لذلك النمط المألوف من النواب، الحاضرين بالغياب بيننا فنتلقّف أخبارهم ونحصي غياباتهم الكثيرة وإذا ما تكلموا صنعوا حدثًا. هم ليسوا أقلية وإنما عشرات من الصامتين الذين لا يتغيبون إلا لأمر جلل، يتكلمون نادرًا، ويتحركون في صمت، فإذا ما اجتمعوا شكّلوا "كتلة موجودين في البرلمان". أغلبية صامتة قد تنتهي المدة النيابية قبل أن نسمع آراءهم أو نعرف عنهم شيئًا عدا أسمائهم والقائمات التي انتخبوا عنها. عن هؤلاء يتحدث هذا المقال.


أسباب "الصمت" كثيرة، فبعضهم اختاره منهجًا وطريقًا، وآخرون غُيّبوا عمدًا وقصدًا من قبل كتلهم وتم تحجيمهم من قبل أحزابهم، وآخرون لم تكن السياسة يومًا هوايتهم ولا القانون يغريهم في شيء غير أن نظام التصويت على القائمات وأكبر البقايا حشرهم في قائمات حزبية كانت بحاجة لمرشح أو مرشحة إضافي/ة لتستوفي الشروط القانونية، ولعبت الصدفة دورها في صعودهم ووجدوا أنفسهم نوابًا في البرلمان و"إصبعًا للضغط على زر التصويت" ليس أكثر. والمجموعة الأخيرة حاضرة بكثافة في الكتل البرلمانية الأغلبية خاصة في كتلتي حركتي النهضة ونداء تونس أو كتل أحزاب صغيرة استنجدت بأسماء معروفة في جهاتها ولا يجمعها بها روابط نضالية أو فكرية لتترشح على قائماتها بحثًا عن مقعد إضافي.

وإن كانت الجلسة العامة للمجلس التي تبث مباشرة على موقع يوتيوب والقناة الوطنية الثانية، فرصة لكل النواب "المغمورين" ليحيوا جهاتهم عبرها ويثبتوا تواجدهم في البرلمان عبر الحديث عن مشاكل الجهة في مداخلاتهم، فإن فئة منهم تتجنب أيضًا الحديث في الجلسات العامة التي لم تتخلف عنها.

اقرأ/ي أيضًأ: الولاء للوطن.. كتلة برلمانية جديدة

عبد الوهاب الورفلي (نائب في البرلمان التونسي): النواب الصادقون والأحزاب التي ترفعت عن الرداءة ذهبت ضحية النأي بنفسها عن الصراعات والنزاعات السياسية

بعض النواب اختاروا المشاركة في اجتماعات لجان البرلمان وابتعاد عن الظهور الإعلامي (أمين الأندلسي/ الأناضول)

"نتجنب الرداءة"، ذلك كان رد النائب عبد الوهاب الورفلي، الممثل الوحيد للحزب الجمهوري بالبرلمان، على سؤال "الترا تونس" حول أسباب صمته. يضيف الورفلي أن هناك "خوفًا من أن يجمع في سلة واحدة مع بعض النواب الذين يتخذون الرداءة عقيدة"، فالوضع غير مشجع في تقديره على التدخل والحديث طالما أن هناك أطرافًا عملت على ترذيل المشهد السياسي في البلاد وإخراجه في أسوء مظهر حتى يعزف التونسيون عن متابعة الشأن العام.

واعتبر محدثنا أن النواب الصادقين والأحزاب التي ترفعت عن الرداءة ذهبت ضحية النأي بنفسها عن الصراعات والنزاعات السياسية، سيما إذا ما كان تمثيلها ضعيفًا في البرلمان فإن النائب يفقد فاعليته فيكتفي بالصمت والعمل. ولئن كان الورفلي قد اختار أن يتجنب وسائل الإعلام وأن يصدح برأيه في اللجان والجلسات فزعًا من أن يصبح جزءًا من "الرداءة" والتشنج، فإن آخرين تشبثوا بذات الطريقة حفاظًا على خصوصيتهم، وعلى حياتهم القديمة مخافة أن تفسدها الأضواء.

ويقول النائب عن حزب حراك تونس الإرادة إبراهيم بن سعيد لـ" الترا تونس" إن اقتصار حضوره الإعلامي على مداخلات حول القوانين أو الجهة التي يعود إلى اختيار شخصي، وذلك ليحافظ على خصوصيته وحياته العادية التي اعتادها قبل انتخابه نائبًا في البرلمان. وأبرز أن الظهور في الإعلام لغاية الظهور فقط، كما يفعل آخرون، ليس هدفًا في حد ذاته، فالشهرة التي تأتي من فراغ تؤول إلى فراغ أيضًا وسرعان ما يكتشف التونسيون أن اللاهثين من شاشة إلى أخرى يكرّرون أنفسهم.

والأهم من ذلك في نظر بن سعيد، هو الضمير الذي يفرض عليه وعلى الصامتين أمثاله الحضور والمشاركة في أشغال البرلمان وخدمة الجهة والدفاع عنها بدل أن تتلقفه "البلاتوهات" ويدخل في السجال السياسي وينسى وظيفته الأصلية كممثل للشعب.  

آمنة بن حميد (نائب في البرلمان التونسي):  من يريد الشهرة بين النواب فعليه أن يلتزم بسياسة الإثارة و"البوز"

ولا يحجب ذلك أبدًا، دور وسائل الإعلام في خلق "نجوم صف أول" من بعض النواب عبر فتح الأبواب أمامهم، فيما صدت أبوابها أمام آخرين. وقد يعود ذلك لكاريزما النائب وتمكنه من الملفات، أو دوره المحوري في حزبه أحيانًا، أو علاقاته ونفوذه في أحيان أخرى. فيما تختار قنوات وإذاعات ضيفها وفق حدة تصريحاته والأثر الصادم لها وحجم تداولها، ويصبح نجم شباك إذا ما كان من سليطي اللسان والشخصيات المتشنجة، طالما ستجلب تصريحاته المستشهرين في إطار سياسة البحث عن "الإثارة".

اقرأ/ي أيضًأ: أبرز 5 مداخلات للنواب في جلسة الحوار مع رئيس الحكومة

وتلقي النائب عن حركة النهضة آمنة بن حميد، المكلفة بالإعلام في الكتلة الأكبر عددًا في مجلس نواب الشعب، علمًا وأنها الأقل حضورًا بين زملائها في الكتلة، اللوم على وسائل الإعلام التي تنتقي من تستضيف وتفسح المجال للبعض للحديث وتتجاهل آخرين.

وأكدت أن من يريد البروز عليه أن يلتزم بسياسة الإثارة و"البوز" ويخلق حوله جدلًا. وبينت أن الوضع مريح بالنسبة إليها سيما وأنه يتيح لها الاهتمام بالجهة ومطالبها والعمل على مراكمة المعارف وتحسين قدراتها وفهم مشاريع القوانين المعروضة والمساهمة فيها. وتفضل بن حميد دائمًا إحالة الدعوات للحضور في وسائل الإعلام لقياديين سياسيين في الكتلة هم أكثر خبرة في التعاطي الإعلامي وتفادي فخاخ الأسئلة والتعبير عن مواقف الحزب.

ولئن اختلفت أسباب اختيار هؤلاء  النواب الصمت، فإن الكتلة الصامتة في البرلمان تعدّ ظاهرة لافتة للانتباه خاصة وأنها تسلّط الضوء على إخلالات يعاني منها المشهد السياسي التونسي أسفرت عن ظهور طبقة سياسية لها نصيب الأسد في الحضور الإعلامي وإثارة الجدل وأخرى آثرت الابتعاد وطبقة أخرى لم يربطها بالسياسة إلا قانون انتخابي قادهم إلى قائمات حزبية انتخابية.

 

اقرأ/ي أيضًأ:

تونس.. هل تقع الإطاحة بمحمد الناصر من رئاسة البرلمان؟

تعديل قانون مكافحة الإرهاب، قانون الميزانية وغيرها.. ذات أولوية في البرلمان