07-مارس-2023
أحمد نجيب الشابي

عودة على أبرز محطات مسيرة المناضل التونسي أحمد نجيب الشابي

مقال رأي

 

مشبوكَ الذراعين مع شركائه في المعارضة ومدفوعًا بأتباعه، الذين وإن لم يتقاسموا معه بالضرورة نفس الفكر فإنهم يشاطرونه اليوم نفس الهدف الراهن ألا وهو إنهاء ما يسمونه "العبث السياسي" بقيادة الرئيس التونسي قيس سعيّد، يتقدّم المعارض التونسي ورئيس جبهة الخلاص الوطني (معارضة) أحمد نجيب الشابي بثبات في مسيرة انتظمت يوم 5 مارس/آذار 2023 تنديدًا بانتهاك الحريات في تونس، على ضوء التطورات الأخيرة في علاقة بحملة الإيقافات التي شملت شخصيات بارزة في المشهد التونسي.

صورٌ تناقلتها وكالات أنباء عالمية وصفحات على منصات التواصل الاجتماعي توثّق مضيّه قدمًا وسط الحشود، تتجاذبه الأيدي من هنا وهناك، متجاوزًا الحاجز الأمني الذي نُصّب بغاية منع المسيرة من التقدم من "الباساج" في اتجاه شارع الحبيب بورقيبة بتونس العاصمة، أثارت عديد التفاعلات المتراوحة أبرزها بين الإعجاب والدهشة من إصرار هذا المعارض الذي ناهز عمره 79 عامًا على مواصلة الكتابة بخطّ ثابت في دفتر مسيرة نضاله التي لو عُدّت لعادلت ما يقارب ثُلثي سنوات عمره، والاستياء والسخط من أن يُوضع رجل بتاريخ نضالي زاخر في موضع تدافع وتصادم مع أعوان أجهزة الدولة الصلبة، هو الذي يكرّس عمره من أجل هذه الدولة.

 

 

 

فيما يلي محاولة للعودة على أبرز محطات مسيرة المناضل التونسي أحمد نجيب الشابي، التي انطلقت في المشهد السياسي التونسي منذ ستينات القرن الماضي مُذ كان يزاول تعليمه الجامعي، وكان من أبرز الوجوه التي رفعت الصوت عاليًا في وجه نظام بن علي وحفرت لها وقعًا غائرًا في مجلّد تاريخ تونس.

  • بين ساحات النضال وسراديب السجون

بدايات نجيب الشابي النضالية، وهو من مواليد عام 1944، كانت في سنّ العشرينات لدى مزاولته التعليم العالي، الذي تخصّص فيه في دراسة القانون، بعد أن عدَل عن دراسة الطب إثر سنتين من مزاولتها بفرنسا. ولم تكن المرحلة الجامعية بالنسبة إلى الشابي باليسيرة البتة، إذ تم اعتقاله سنة 1968، وهو في الـ24 من العمر، عقب تحركات طلابية في علاقة بنشاط خلايا البعث، لينقطع سنتئذٍ عن تعليمه الجامعي، وحُكم عليه آنذاك بالسجن لـ11 سنة، لم يقضِّ منها إلا سنتين. لكن بالكاد مرّ أسبوعان على خروجه من السجن ليتلقّى الشابي قرارًا بإخضاعه إلى الإقامة الجبرية في ولاية باجة بالشمال الغربي التونسي لمدة 10 سنوات كحكم تكميلي للحكم الأصلي بالسجن.  

بدايات نجيب الشابي النضالية كانت لدى مزاولته التعليم العالي إذ تم اعتقاله سنة 1968، وهو في الـ24 من العمر، عقب تحركات طلابية لينقطع سنتئذٍ عن تعليمه وحُكم عليه بالسجن لـ11 سنة، لم يقضِّ منها إلا سنتين ثم تم إخضاعه للإقامة الجبرية بالشمال الغربي

أثناء إقامته الجبرية بمدينة باجة عمل بالشركة الجهوية للنقل هناك، وانخرط في النقابة بالشركة، وإثر اجتماع "ساخط" (وفق توصيف من قبل الشابي في مقابلة تلفزية على قناة التاسعة المحلية بتاريخ 1 مارس/آذار 2022)، تقرر نقله إلى السرس لاستكمال ما تبقى من الـ10 سنوات من الإقامة الجبرية، وعمل هناك ككاتب ببلدية السرس. وكان الشابي في تلك المرحلة أمام خيارين "إما الاستسلام لتلك الوضعية والبقاء في الإقامة الجبرية أو أن يلتجئ إلى ما وراء الحدود لمواصلة النشاط السياسي"، هكذا ورد على لسانه في الحديث عن تلك الفترة. وبالتالي قرر آنذاك اجتياز الحدود التونسية نحو الجزائر، سرًّا، وطلب اللجوء السياسي هناك. وفي الجزائر تم إيقافه 24 يومًا حتى تسنى للسلطات التثبت من وضعيته ومن مدى صحة روايته، لتتم الاستجابة إثر ذلك بمنحه اللجوء السياسي والانخراط في الجامعة الجزائرية، واستكمل السنة الثانية في دراسة الحقوق -بعد أن كان قد انقطع عنها في تونس-، ليتوجه من هناك إلى باريس.

في بداية السبعينات، انضمّ أحمد نجيب الشابي إلى منظمة العامل التونسي، وكان من بين أبرز أعضائها الناشطين في المهجر. ومنظمة العامل التونسي هي حركة يسارية تونسية كانت نشطة بين أوائل السبعينات ومنتصف الثمانينات. 

في بداية السبعينات، انضمّ نجيب الشابي إلى منظمة العامل التونسي وكان من بين أبرز أعضائها الناشطين في المهجر، وهي حركة يسارية تونسية كانت تعبر عن حاجة وطنية عميقة في التخلص من هيمنة الحزب الواحد

ويقول الباحث وعضو جمعية البحوث والدراسات التونسية توفيق المديني في تعريفها في مؤلّفه "المعارضة التونسية: نشأتها وتطورها": "مع تجذر الحركة الطلابية في النضال الديمقراطي في آخر الستينات وعجز تجمع الدراسات والعمل الاشتراكي، الذي كان تعبيراً راديكالياً عن اتجاه داخل الحركة اليسارية التونسية، عن تقديم مشروع فكري وسياسي يقدم أجوبة واقعية للمعضلات التي يعاني منها المجتمع التونسي، بادر عدد من أعضائه السابقين في باريس ممن كانوا على خلاف فكري وسياسي مع "الكراس الأصفر" حول القضية الفلسطينية، الذي كان سبباً ودافعاً لخروج العديد من المناضلين من "التجمع "، إلى تأسيس منظمة جديدة سميت بمنظمة العامل التونسي، عرفت باسم مجلتها "العامل التونسي" التي تحرر باللهجة التونسية المحلية، وذلك من سنة 1969 إلى سنة 1973، وقد عوضت نشرة "آفاق " وأصبحت لسان حال المنظمة".

 

صورة
صورة الغلاف الخارجي لأحد أعداد مجلة "العامل التونسي" (جويلية 1974)

 

ويضيف: "كانت منظمة العامل التونسي متأثرة بمناخ الحركات اليسارية الماوية والتروتسكية التي سجلت حضوراً قوياً في الساحة الأوروبية وبأطروحتها، خاصة حول ما يتعلق بالصراع الأيديولوجي بين قطبي الحركة الشيوعية العالمية الصين والاتحاد السوفياتي. وكانت الحركة الطلابية التونسية التواقة إلى التغيير الثوري والجذري، والتي تعبر في الوقت عينه عن حاجة وطنية عميقة في التخلص من هيمنة الحزب الواحد، تستجيب وتتفاعل مع هذه الأطروحات العالمية".‏

في موفى سنة 1977، عاد أحمد نجيب الشابي إلى تونس سرًّا، بعد اعتقال مجموعة من قيادات منظمة "العامل التونسي"، رغم صدور أحكام غيابيّة في حقّه مجموعها 21 سنة سجنًا.

في تأريخه لتلك الفترة، دوّن المديني في كتابه أنه قد "بلغ عدد معتقلي المنظمة في العام 1974 وحده عدة مئات من الكادرات والأعضاء والأنصار، وقدم منهم للمحاكمات 202 شخصًا معظمهم من الطلبة والطالبات، صدرت بحقهم أحكام مختلفة بالسجن.‏ وفي العام التالي 1975 تم اعتقال أعداد أخرى، وبلغ عدد من قدم إلى المحاكمة 151 متهماً، وصدرت ضدهم أحكام بالسجن راوحت بين السجن لمدة ستة أشهر وتسع سنوات، استناداً إلى التهم التالية: الانتساب إلى منظمة غير مشروعة، إهانة شخص رئيس الدولة، التعريض برئيس دولة أجنبية، التشهير بأعضاء الحكومة، نشر أخبار زائفة والتحريض على التمرد".‏

 أسّس نجيب الشابي جريدة "الموقف" وأصدر أوّل أعدادها في 12 ماي 1984، وكانت جريدة أسبوعية تعبر عن مواقف نقدية من النظام القائم، وتعرضت عدة مرات للحجز خلال الثمانينات أولاها سنة 1985

سنة 1981، قرر أحمد نجيب الشابي الظهور إلى العلن، وساهم سنة 1983 في تأسيس حزب "التجمع الاشتراكي التقدمي" (الحزب الديمقراطي التقدمي لاحقًا) الذي يجد جذور نشأته في الظروف المحيطة بالانفتاح السياسي الّذي أعلنت عنه حكومة مزالي سنة 1981 تحت ضغوط التّوترات الاجتماعية الّتي شهدتها تونس في تلك الفترة على غرار أزمة 1978 مع الاتحاد العام التونسي للشغل ثمّ الأزمة الأمنية بقفصة سنة 1980، وغيرها. وقد تحصل الحزب على ترخيص للنشاط القانوني سنة 1988.

سنة 1984، أسّس نجيب الشابي جريدة "الموقف"، وأصدر أوّل أعدادها في 12 ماي/أيار 1984. وكانت الجريدة الأسبوعية تعبر عن مواقف نقدية من النظام القائم، وتعرضت عدة مرات للحجز خلال الثمانينات أولاها سنة 1985. وفي عهد زين العابدين بن علي اشتكت الصحيفة من المضايقات أكثر من مرة مثل حجزها في شهر مارس/آذار 2008 وتعطيل توزيعها في الأكشاك.

 

صورة
نجيب الشابي ومية الجريبي من مقر جريدة الموقف (صورة بتاريخ 10 نوفمبر 2008/ فتحي بلعيد/ أ.ف.ب)

 

كما كان نجيب الشابي من بين السياسيين التونسيين الممضين على الميثاق الوطني سنة 1988. ووثيقة الميثاق الوطني هي وثيقة تم توقيعها في قصر قرطاج الرئاسي في تونس من قبل معظم القوى السياسية وقوى المجتمع المدني في 7 نوفمبر/تشرين الثاني 1988، سنة بعد انقلاب زين العابدين بن علي على الحبيب بورقيبة في 7 نوفمبر/تشرين الثاني 1987، وذلك بهدف تنظيم الحياة السياسية بالبلاد.

سنة 2005 خاض الشابي إضرابًا عن الطعام إلى جانب 7 مناضلين آخرين لمدّة شهر تزامنًا مع "القمّة العالمية لمجتمع المعلومات"، وذلك احتجاجًا على التضييق على الحريات.  وقد كان ذلك منطلق تأسيس هيئة 18 أكتوبر

لكن سرعان ما أعلن نجيب الشابي سنة 1991 قطيعته مع نظام بن علي بسبب معارضته للنهج الأمني في معالجة القضايا السياسية. وترشّح سنة 2004 وسنة 2009 للانتخابات الرئاسية لكنّ ترشّحاته كانت تواجه بتعديلات دستوريّة تقصيه في كلّ مرّة. 

في سنة 2005 خاض إضرابًا عن الطعام إلى جانب 7 مناضلين آخرين لمدّة شهر تزامنًا مع "القمّة العالمية لمجتمع المعلومات"، وذلك احتجاجًا على التضييق على الحريات.  وقد كان ذلك منطلق تأسيس هيئة 18 أكتوبر للحقوق والحريات هي إطار عمل سياسي شكلته في 24 ديسمبر/كانون الأول 2005 عدة أحزاب وشخصيات تونسية معارضة لنظام بن علي، وأخذت اسمها من تاريخ 18 أكتوبر/تشرين الأول 2005 تاريخ بداية إضراب الجوع. وقد وحّدت تلك الهيئة جزءًا هامًّا من المعارضة التونسية على قاعدة الدفاع على الحريات السياسية لجميع التونسيين في تلك الفترة. 

 

صورة
الشابي في ندوة صحفية بتاريخ 18 نوفمبر 2005 للإعلان عن تعليق إضراب الجوع الذي انطلق في 18 أكتوبر (فتحي بلعيد/ أ.ف.ب)

 

كما خاض أحمد نجيب الشابي إضرابًا ثانيًا عن الطعام سنة 2007 إلى جانب المناضلة السياسية الراحلة ميّة الجريبي، دفاعًا على مقرّ جريدة الموقف ومقرّات الحزب الديمقراطي التقدّمي في الجهات، عندما انطلق النظام في إخراجهم منها. يشار إلى أنه، في سنة 2006 وبعد 23 سنة من قيادة الحزب، ترك أحمد نجيب الشابي منصب الأمانة العامة لمية الجريبي لتكون بذلك أول امرأة تتولى منصب مماثل في تونس.

 

صورة
ندوة صحفية بتاريخ 17 أفريل 2007 هددت فيها قيادات الحزب الديمقراطي التقدمي ببدء إضراب جوع إذا تم غلق مكاتب الحزب (فتحي بلعيد/ أ.ف.ب)

 

وبعد سقوط نظام  بن علي، انضم أحمد نجيب الشابي إلى أول حكومة بعد الثورة التونسية، وتقلد خطة وزير التنمية المحلية. وإثر ذلك انتخب سنة 2011 نائبًا في المجلس الوطني التأسيسي، وأعلن في 29 جانفي/ يناير 2012 تأسيس حزب "الأمل". 

 

صورة
أحمد نجيب الشابي حين كان نائبًا بالمجلس الوطني التأسيسي (صورة بتاريخ 8 جانفي 2014/ فتحي بلعيد/ أ.ف.ب)

 

  • تصدّر الصفوف الأولى لمعارضة مسار قيس سعيّد

منذ الإعلان عمّا عُرفت بـ"الإجراءات الاستثنائية" التي أقرّها الرئيس التونسي قيس سعيّد في 25 جويلية/يوليو 2021، وعزّزها بالأمر عدد 117 لسنة 2021 الشهير والذي ثبّت به أقدامه في المسار الذي اتخذه، كان موقف أحمد نجيب الشابي واضحًا ومبدئيًا بمعارضة هذا النهج واعتباره، منذ البداية، "انقلابًا". 

 

 

ولم يتردّد الشابي في الإفصاح عن رفضه للمسار الذي يقوده الرئيس، على الرغم من أن الكثيرين في البداية عبروا عن مساندتهم له. وبعد سلسلة من اللقاءات والمشاورات التي تواصلت لأسابيع، أعلن أحمد نجيب الشابي، في ندوة صحفية بتاريخ 26 أفريل/نيسان 2022، عن تشكيل الهيئة التسييرية لـ"جبهة الخلاص الوطني". وبعد حوالي شهر، في 31 ماي/أيار من العام ذاته، تم الإعلان رسميًا عن تأسيس جبهة الخلاص الوطني كتجمع سياسي تونسي، يضم عدة كيانات سياسية تونسية معارضة لمسار قيس، بهدف "إنقاذ تونس واستعادة الديمقراطية من خلال إجراء حوار وطني وتشكيل حكومة إنقاذ".

منذ الإعلان عمّا عُرفت بـ"الإجراءات الاستثنائية" التي أقرّها قيس سعيّد في 25 جويلية كان موقف نجيب الشابي واضحًا ومبدئيًا بمعارضة هذا النهج ولم يتردّد في الإفصاح عن موقفه منذ البداية على عكس كثيرين غيره

ومن بين المشاركين في الجبهة حركة النهضة وحزب الأمل وحراك تونس الإرادة وائتلاف الكرامة وقلب تونس وحراك مواطنون ضد الانقلاب والمبادرة الديمقراطية واللقاء الوطني للإنقاذ وحراك توانسة من أجل الديمقراطية واللقاء من أجل تونس واللقاء الشبابي من أجل الديمقراطية والعدالة الاجتماعية وتنسيقية نواب المجلس.

ومنذ ذلك التاريخ ما انفكت "جبهة الخلاص الوطني"، بقيادة المناضل أحمد نجيب الشابي، تنظم سلسلة من المظاهرات والتحركات الاحتجاجية الوطنية والجهوية واللقاءات والندوات السياسية، في إطار الهدف الذي تم وضعه ألا وهو وضع حدّ لنظام الحكم الراهن بقيادة قيس سعيّد. 

 

  • المقالات المنشورة في هذا القسم تُعبر عن رأي كاتبها فقط ولا تعبّر بالضرورة عن رأي "ألترا صوت"