مجتمع

موجة جديدة من حوادث الاختناق في قابس.. "حجم تلوث كارثي وموت بطيء"

28 سبتمبر 2025
قابس
مهدي العبدلي، مختص في الشأن البيئي لـ"الترا تونس": الوضع في قابس ليس وليد اللحظة، بل هو نتيجة سياسات اعتمدتها الدولة منذ أواخر السبعينيات (ياسين القايدي/الأناضول/Getty)
حكمة مصدق
حكمة مصدقصحفية من تونس

شهدت ولاية قابس خلال الأيام الأخيرة موجة جديدة من حوادث الاختناق بين سكانها، خاصة في صفوف التلاميذ، نتيجة الانبعاثات الغازية المنبعثة من المجمع الكيميائي التونسي. وأكدت حملة "أوقفوا التلوث" يوم السبت 27 سبتمبر/أيلول 2025 تسجيل عشرات حالات الاختناق في المدرسة الإعدادية شاطئ السلام، لترتفع بذلك الحصيلة الإجمالية منذ بداية الشهر إلى خمسين حالة، فيما تعد هذه المرة الرابعة خلال سبتمبر/أيلول الحالي التي تُسجّل فيها حوادث جماعية مماثلة بعد حالات سابقة في غنوش يومي 9 و10 و16 من الشهر نفسه.

"حالة ذعر متواصلة جراء الانبعاثات في قابس"

وفي هذا الإطار صرح خير الدين دبية، ناشط بيئي في حملة "أوقفوا التلوث"، لـ"الترا تونس": "المواطنون أصبحوا يعيشون في حالة ذعر وخوف دائم، يترقبون الانبعاثات القادمة التي ستتسبب في اختناقهم واختناق عائلاتهم. لقد فقدوا الثقة في المسؤولين، خصوصًا بعد أن جاءت لجنة من وزارة الصحة وتوقعت أن تتوقف الانبعاثات، لكن ما حدث هو أنها توقفت ليوم واحد فقط، ثم عادت المشكلة بشكل أقوى".

خير الدين دبية، ناشط بيئي في حملة "أوقفوا التلوث"، لـ"الترا تونس": نتحدث عن حالات اختناق متكررة أربع مرات في شهر واحد، والأعداد المتضررة تفوق بكثير تلك التي تم الإعلان عنها رسميًا والجو خانق بشكل دائم في قابس

وأضاف دبية: "نتحدث عن حالات اختناق متكررة أربع مرات في شهر واحد، والأعداد المتضررة تفوق بكثير تلك التي تم الإعلان عنها رسميًا. الجو خانق ومليء بالملوثات، لكن المواطنين اعتادوا عليه وأصبح جزءًا من حياتهم اليومية. من يأتي لأول مرة إلى قابس، وخاصة إلى المناطق المحيطة بالمجمع الكيميائي، يشعر بصعوبة شديدة في التنفس واختناق واضح".

وتابع دبية: "لسنوات ونحن نطالب بحلول. التلوث بلغ مرحلة كارثية وسكان قابس يموتون ببطء بسببه، ونحن نشهد تدهور الصحة العامة والبيئة، لكن دون أي حلول من الجهات الرسمية".

ناشط بيئي لـ"الترا تونس": سكان قابس يموتون ببطء بسبب التلوث (صورة أرشيفية/حسن مراد/Getty)

كما تواصل "الترا تونس" مع رباب الجلالي، والدة إحدى التلميذات اللواتي تعرضن للاختناق، وكشفت: "تعرض عدد من التلاميذ، بما في ذلك ابنتي، للاختناق وفقدان الوعي في المدرسة الإعدادية. وصلت سيارات الإسعاف لنقلهم إلى المستشفى، وتم تقديم الإسعافات الأولية لهم. شعرت بخوف شديد على ابنتي، ولا يفارقني المشهد الذي رأيتها فيه وهي فاقدة للوعي".

وتابعت: "نحن نعيش يوميًا في خوف، لا نعلم متى ستظهر التداعيات الخطيرة للتلوث على صحتنا، مع أننا نعاني بالفعل من بعض التداعيات إذ نستيقظ يوميًا ونحن نشعر بآلام شديدة في عظامنا، هذا إلى جانب الشعور بالتعب المتواصل حتى دون بذل أي جهد".

والدة تلميذة تعرضت للاختناق في قابس لـ"الترا تونس": نحلم فقط بهواء نستطيع استنشاقه، كل ما نريده هو الحق في التنفس. لم نعد نطالب بغلق الوحدات الصناعية الملوثة، لقد فقدنا الأمل في ذلك، وكل ما نطالب به هو على الأقل تقليل الانبعاثات"

وأضافت رباب: "أنا أيضًا تعرضت للاختناق أكثر من مرة بسبب الانبعاثات. نحلم فقط بهواء نستطيع استنشاقه، كل ما نريده هو الحق في التنفس. لم نعد نطالب بغلق الوحدات الصناعية الملوثة، لقد فقدنا الأمل في ذلك، وكل ما نطالب به هو على الأقل تقليل الانبعاثات".

مختص في البيئة: الوضع في قابس ليس مفاجئًا وحجم التلوث كارثي 

وحول نفس الموضوع، قال مهدي العبدلي، مختص في الشأن البيئي، أوضح لـ"الترا تونس": "الوضع في قابس ليس مفاجئًا ولا وليد اللحظة، بل هو نتيجة سياسات اعتمدتها الدولة التونسية منذ أواخر السبعينيات، وقد بدأت تدريجيًا بين سنتي 1969 و1972، مع تركيز الوحدات الصناعية ووقع اختيار قابس لموقعها الاستراتيجي لقربها من البحر، ما يسهل عمليات تصريف المواد الملوثة، ومن جهة أخرى لتسهيل التصدير عبر الموانئ".

مختص في البيئة، مهدي العبدلي لـ"الترا تونس": حجم التلوث في قابس كبير وكارثي وهو ناجم عن مادة الفوسفوجيبس، الناتجة عن معالجة الفسفاط لإنتاج حمض الفسفوريك، وهذا التلوث يؤثر على الهواء والبحر والتربة، إلى جانب المخاطر الإشعاعية

وأضاف العبدلي: "حجم التلوث في قابس كبير وكارثي. في السابق، كان الصيادون أول من احتج على تركيز الوحدات الصناعية، إذ كانوا أول من لاحظ الضرر المباشر على الثروة السمكية بسبب نفوق الأسماك وتراجع الإنتاج البحري. اليوم، التلوث ناجم عن مادة الفوسفوجيبس، الناتجة عن معالجة الفسفاط لإنتاج حمض الفسفوريك، والتي تحتوي على معادن ثقيلة مثل الرصاص وبقايا مبيدات، وتؤثر على الهواء والبحر والتربة، إلى جانب المخاطر الإشعاعية المحتملة بسبب احتوائها على اليورانيوم".

مختص في البيئة لـ"الترا تونس": تراكم الفوسفوجيبس في البحر يقضي على الكائنات البحرية (ياسين القايدي/الأناضول/Getty)

وتابع العبدلي: "تراكم الفوسفوجيبس في البحر يقضي على الشعب المرجانية والكائنات البحرية، ويؤدي إلى نفوق الكائنات الحية. التعرض المستمر لهذه المادة يسبب أمراضًا تنفسية وجلدية، سرطانات، اضطرابات هرمونية وأمراض العين، بل وتشوهات جينية. على الرغم من أن دولًا عديدة مثل الولايات المتحدة وأوروبا منعت تصريف الفوسفوجيبس في البحر، ما زلنا في قابس نصرفه مباشرة دون معالجة، وفي بعض الحالات أكثر مما كان عليه سابقًا".

اقرأ أيضًا: تونس تقرر حذف الفوسفوجيبس من قائمة النفايات الخطرة.. أي استراتيجية؟

وأشار العبدلي إلى أن "حالات الاختناق اليومية في قابس ناجمة عن تركيز الغازات السامة، خاصة في أيام السكون الجوي، حيث يصبح الهواء خانقًا وخطرًا على الصحة، مع انبعاث غازات مثل ثاني أكسيد الكبريت والأمونياك".

وفي وقت سابق، حذرت حملة "أوقفوا التلوث" من "المخاطر المتزايدة في المنطقة الصناعية واهتراء الوحدات المنتصبة منذ أكثر من خمسين سنة، وغياب الصيانة والمعايير الكافية للسلامة"، مشيرة إلى أن "التسربات أصبحت أكثر حدة وتواترًا، وتشكل خطرًا جديًا على صحة السكان وأرواحهم"، وفقها.

من جهته، اعتبر المنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية أن حوادث الاختناق تمثل "جريمة دولة مسكوت عنها" ضمن سلسلة طويلة من الانتهاكات البيئية في قابس منذ عقود، بما في ذلك اختناق التلاميذ في أكتوبر/تشرين الأول 2023 وحوادث سابقة في معمل الإسفلت عام 2021، مؤكدًا أن "عدم تنفيذ قرارات سابقة مثل قرار 29 جوان/يونيو 2017 القاضي بتفكيك الوحدات الملوثة وإيقاف سكب الفوسفوجيبس في البحر يمثل تواطؤًا ضمنيًا ضد حق الأهالي في بيئة سليمة".

الكلمات المفتاحية

العمل الحر في تونس.. واقع يتوسع خارج المنظومة الرسمية وسط تحديات الاعتراف والإدماج

العمل المستقل في تونس.. حرية مهنية تواجه هشاشة قانونية وإدارية

شهدت السنوات الأخيرة في تونس توسعًا ملحوظًا في ظاهرة العمل المستقل أو ما يُعرف بـ"العمل الحر" (Freelance)، حيث اختار العديد من الشباب هذا النمط من الشغل بحثًا عن حرية مهنية واستقلال مادي خارج أطر الوظيفة التقليدية، إلا أن هذا التوجّه المستجد يثير إشكالات متعددة تتعلق بوضعية هؤلاء داخل المنظومة القانونية والإدارية والاجتماعية الوطنية


مقاهي نادل Getty Dominika Zarzycka NurPhoto

سرديات تُضيء مهنة النادل في تونس

في آلاف المقاهي المنتشرة على طول البلاد التونسية، هناك شريحة مهنية لا يُستهان بها تضم آلاف الندل.. ثمة شخصيات وهبتها الحياة ما لم توهبها المدارس، استثنائية وألمعية بحضورها الطاغي أثناء أدائها لعملها


الكفيف في تونس

الكفيف في تونس.. مسيرة مضنية بين عزلة رقمية وفجوة معرفية

"الترا تونس" نقل من خلال التقرير التالي تجارب تلاميذ وطلبة من ذوي الإعاقة البصرية في مسيرة التحصيل الدراسي


طلاق بسبب البنات.. أو حين يُحاسب رحم الأم على جنس المولود

طلاق بسبب البنات.. أو حين يُحاسب رحم الأم على جنس المولود

ثريا التيجاني (محامية) لـ"الترا تونس": هذه الظاهرة غير مرئية إحصائيًا لكنّها حاضرة في الواقع القضائي والمجتمعي خاصة في المناطق الداخلية والجنوب التونسي أين لا يزال يُعتبر الذكر حارسًا للإرث واسم العائلة

تونس توقّع اتفاق تمويل مع البنك الدولي بـ430 مليون دولار لدعم التحول الطاقي
اقتصاد

تونس توقّع اتفاق تمويل مع البنك الدولي بـ430 مليون دولار لدعم التحول الطاقي

البنك الدولي: يساعد المشروع على خفض تكاليف إمدادات الكهرباء بنسبة 23%، وتحسين نسبة استرداد تكاليف الشركة التونسية للكهرباء والغاز من 60 إلى 80%

أيام قرطاج المسرحية 2025.. عروض متنوعة ويحيى الفخراني في الافتتاح
ثقافة وفنون

أيام قرطاج المسرحية 2025.. يحيى الفخراني والفاضل الجعايبي في الافتتاح

تتضمن برمجة هذه الدورة من أيام قرطاج المسرحية، 12 عرضًا ضمن المسابقة الرسمية، و15 عرضًا في قسم "مسرح العالم"، و16 عرضًا تونسيًا، و6 عروض عربية وإفريقية


تعرف على قيمة الزكاة في الزيتون والتمر
مجتمع

تعرّف على نصاب زكاة الزيتون والتمر في تونس للعام الهجري 1447

أعلن ديوان الإفتاء في تونس، يوم الخميس 13 نوفمبر 2025 عن نصاب زكاة الزيتون والتمر وسائر الثمار للموسم الفلاحي الحالي 1447هـ ـ 2025 م، وذلك مواكبة لانطلاق موسم جني الثمار، وفق بلاغ له

هيئة المحامين: إنشاء مرصد لمتابعة احترام معايير المحاكمة العادلة في تونس
سیاسة

هيئة المحامين: إنشاء مرصد لمتابعة احترام معايير المحاكمة العادلة في تونس

عقدت الهيئة الوطنية للمحامين بتونس جلسة عامة إخبارية في دار المحامي، يوم الأربعاء 12 نوفمبر 2025 بدعوة من العميد بوبكر بالثابت، أكدت خلالها على ضرورة حضور جميع الجلسات والترافع لضمان حضور المتهمين شخصيًا في قاعات المحاكم، مع رفض المحاكمات عن بعد لما تفتقر إليه من شروط قانونية، وتعد انتهاكاً لمبدأ المحاكمة العادلة عبر حرمان المتهم من الدفاع دون مبرر قانوني

الأكثر قراءة

1
میدیا

زياد دبار: تعليق نشاط جمعية "نواة" سابقة خطيرة وهو قرار سياسي مغلف بقرار إداري


2
اقتصاد

حوار| مستشار جبائي: ضغط جبائي مرتفع وتشجيع الاستثمار غائب في مشروع قانون المالية 2026


3
سیاسة

هيئة الدفاع: فتح تحقيق إداري في الاعتداء على جوهر بن مبارك بعد نقله للمستشفى


4
سیاسة

أحزاب تونسية: إدانة للتنكيل الممنهج بالسجناء السياسيين ودعوة لإطلاق سراحهم


5
سیاسة

تأخير النظر مجددًا في القضية الاستعجالية لإيقاف نشاط الوحدات الملوثة بقابس