03-أبريل-2019

تعرّض بعض المبلغين عن الفساد لنقل تعسفية وهرسلة من إداراتهم (Getty)

 

لم تتقدم تونس سوى بنقطة واحدة في مؤشر مدركات الفساد لعام 2018 الذي تصدره سنويًا منظمة الشفافية الدولية مقارنة بعام 2017، بحلولها في المرتبة 73 عالميًا بـ 43 من 100 نقطة.  لكن تعمل تونس، ما بعد الثورة، على القيام بمجهودات لمكافحة الفساد من خلال إحداث الهيئة الوطنية لمكافحة الفساد، و كذا من خلال القوانين على غرار قانون هيئة الحوكمة الرشيدة ومكافحة الفساد وهي هيئة دستورية لم تر النور بعد إضافة إلى قوانين أخرى يراهن عليها المجتمع المدني والفاعلين في المجال السياسي من أجل مكافحة الفساد ولعل من أهمّها قانون حماية المبلغين عن الفساد.

نشرت منظمة "أنا يقظ" شهادات لمبلغين عن الفساد قيل إنه تم تسريب معطياتهم الشخصية ما جعلهم عرضة للهرسلة والعقوبات الكيدية

مؤخرًا نشرت منظمة "أنا يقظ" شهادات لمبلغين عن الفساد قيل إنه تم تسريب معطياتهم الشخصية ما جعلهم عرضة للهرسلة والعقوبات الكيدية. نعيمة باشا، مواطنة تونسية تعمل كمتفقدة بالقباضة المالية بباب سويقة، تقدمت قبل سنوات بملف للهيئة الوطنية لمكافحة الفساد يحتوي على عدد كبير من الوثائق والمستندات التي تثبت بشكل قاطع، حسب نعيمة، تورط سلسة كاملة من المسؤولين في عمليات فساد بداية من القباضة المالية التي تعمل بها وصولًا إلى وزارة المالية.

تحدثت نعيمة لـ"ألترا تونس" عن ظروف عملها، مبينة أن القباضة المالية كانت تتبع المحلات الصغيرة والتجار الصغار وأصحاب الدخل الضعيف، مؤكدة أنه عندما يتعلق الأمر برجال الأعمال وكبار المحاميين وعدول التنفيذ تأتي التعليمات بعدم المساس بهم رغم الثروات التي يمتلكونها.

اقرأ/ي أيضًا: خاص: شبهة فساد في مناظرة انتداب عمّال حضائر ببلدية طبربة (وثائق)

بدأت القصة، وفق محدثتنا، عندما اكتشفت أن أحد المسؤولين الكبار في وزارة المالية يتستر على متهربين من دفع الضرائب من خلال شبكة من العلاقات في عدد من القباضات المالية إضافة إلى قرارات بــــ"رفع يد" على عدد من الحسابات البنكية بدون وجه حق وبدون حتى خلاص مستحقات الدولة. جمعت نعيمة عددًا كبيرًا من الوثائق تثبت تورط مسؤولين كبار في الدولة في شبهات فساد، موضحة لـ"ألترا تونس": "دخلت هذه المغامرة إيمانًا مني بأن تونس تحتاج أشخاصًا شرفاء للارتقاء بها. لقد اكتشفت شبكة من الفساد عبر موظف يحتمي بمسؤول إداري ومسؤول إداري يحتمي بمسؤول جهوي ومسؤول جهوي يحتمي بمسؤول وزاري وهكذا".

تضيف نعيمة، في حديثها معنا، أنه يوجد دليلان ضمنيان يؤكدان أن الملف المقدم من جهتها هو ملف دقيق ولا تشوبه شائبة، مشيرة أولًا لتسبب الملف في إبعاد اثنين من المسؤولين الكبار وقد وردت أسماؤهم في الملف وهو إبعاد دون محاسبة، وثانيًا تناول تقرير الهيئة الوطنية مكافحة الفساد لسنة 2016 المعلومات الواردة في الملف وهو ما يمثل اعترافًا بصحة ما ورد فيه، وفقها.

نعيمة باشا (مبلّغة عن الفساد) لـ"ألترا تونس": دخلت مغامرة التبليغ عن الفساد إيمانًا مني بأن تونس تحتاج أشخاصًا شرفاء للارتقاء بها

وأخبرتنا محدثتنا أنها توجهت إلى الهيئة الوطنية لمكافحة الفساد برفقة خبير في الاقتصاد، لكن قالت إنها تفاجئت بعد يومين من إيداع الملف باتصال من إحدى محققات الهيئة لتتساءل فيما إذا كانت قد ذهبت إلى مقر القباضة المالية لتعلم زملاءها بتقديم الملف ضدهم. تعلّق نعيمة: "لقد كان السؤال مضحكًا.. فبهذا سأعرض نفسي لخطر كبير".

وأكدت نعيمة في حديثها معنا أن مكتب هذه المحققة يوجد في منطقة باب سويقة، مضيفة أنها اكتشفت بعد أيام أن أحد الموظفين الذين قدمت في شأنهم هذا الملف توجه إلى الهيئة الوطنية لمكافحة الفساد للقاء رئيسها، وشددت محدثتنا أنها على يقين بأن هذه المحققة هي من سربت المعطيات المقدمة إلى الهيئة إلى المعنيين بالأمر المتورطين في الملف.

وقد نشرت منظمة "أنا يقظ"، في نفس السياق، شهادة لأحد الموظفين يعمل بمنشئة عمومية قام بالتبليغ عن عمليات فساد يتهم نفس المحققة بتسريب معطياته الشخصية.

الصحفي بمنظمة "أنا يقظ" محمد الجلالي، وفي تصريح لـ"ألترا تونس"، أكد أن منظمته لديها شهادات من زملاء الموظف المذكور تقول إن المحققة ذهبت إلى الإدارة التي يعمل بها لإعلامه بأن المبلغ عن الفساد قدم ملفًا للهيئة الوطنية لمكافحة الفساد. وأضاف محدثنا أن هذه المحققة تعمل لدى الهيئة وفي نفس الوقت متعاقدة مع مؤسسة عمومية وهي محل شبهة فساد وذلك بين سنتي 2014 و2018.

وقال الجلالي إن الهيئة اعترفت في بيان لها بهذا التقصير وبعدم اتخاذها أي إجراء لمنع تضارب المصالح. ويعرّف القانون تضارب المصالح بأنه'' الوضعية التي يكون فيها للشخص الخاضع لأحكام هذا القانون مصلحة شخصية مباشرة أو غير مباشرة يستخلصها لنفسه أو لغيره، تؤثر أو من شأنها أن تؤثر على أدائه الموضوعي والنزيه والمحايد لواجباته المهنية".

محمد الجلالي (أنا يقظ) لـ"ألترا تونس": لدينا شهادات تثبت أن محققة في هيئة مكافحة الفساد أعلمت إدارة محل شبهة فساد بوجود ملف تبليغ من موظف ضدها

حاول "ألترا تونس" الحصول على تصريح مباشر من الهيئة الوطنية لمكافحة الفساد لكنه لم يفلح بسبب "انشغال رئيس الهيئة". وأرسلنا في محاولة أخرى أسئلتنا للمكلفة بالإعلام في الهيئة أملًا في الحصول على إجابة من رئيس الهيئة ولكن لم يصلنا رد إلى حد نشر هذا المقال.

يُذكر أن الهيئة سبق أن أجابت على جميع هذه الاتهامات عبر بلاغ صحفي تضمن مجموعة من الوثائق، مؤكدة أن المُبلغ في قضية الحال تقدم بنفسه بطلب لكشف هويته وتم تمتيعه بالحماية في 18 أفريل/نيسان 2018 ليقع إيقاف قرار الحماية بتاريخ 9 أكتوبر/تشرين الثاني من نفس العام بقرار المحكمة الإدارية بعد تقدم الهيكل موضوع الملف بطلب طعن.

اقرأ/ي أيضًا: الرسم العقاري 6648.. هنشير النفيضة غنيمة الدولة عبر العصور

في المقابل، يقول محمد الجلالي، الصحفي في منظمة "أنا يقظ"، في حديثه مع "ألترا تونس" إن "الهيئة تعمّدت مغالطة الرأي العام بتنصيصها على تقدم المبلّغ بعريضة إليها بتاريخ 5 جوان/يونيو 2017، بينما تفيد مراسلة بعثت بها الهيئة إلى الهيكل العمومي محل البلاغ لطلب معطيات أن أول تبليغ يعود إلى سنة 2016. وأِشار إلى أن المنظمة راسلت الهيئة في طلب نفاذ إلى المعلومة للحصول على قائمة المحققين الذين يعملون لديها لكنها لم تستجب".

وثيقة نشرتها الهيئة الوطنية لمكافحة الفساد

ويعتبر الجلالي أن قانون حماية المبلغين يحتوي على ثغرة وهو وجوب كشف هوية المبلغ في حال طلب الحماية وعلى الهيئة مراجعة هذه النقطة والتقدم بطلب لتنقيحها.

وتقول منظمة "أنا يقظ" إنه إلى حد الآن أحصت 3 حالات لمبلغين عن فساد تم تسريب معطياتهم الشخصية. ولم تحصل نعيمة باشا حسب أقوالها إلى اليوم على شهادة مبلغ ولا على قرار حماية وقد تم نقلها من عملها في القباضة المالية إلى خطة مقتصد في أحد المعاهد الثانوية، مؤكدة أنها تتعرض إلى إنذارات مجانية وإلى هرسلة كبيرة. فيما خضع المبلغ الآخر إلى أكثر من 3 نقل تعسفية وتأخير في صرف راتبه إضافة إلى إجراءات اعتبرها كيدية على غرار عدم تمكينه من وثائق للحصول على قرض بنكي.

دون مبلغين لا يمكن مكافحة الفساد ووضعية نعيمة باشا وعدد من المبلغين يمكن القول إنهما أسوأ رسالة يمكن إرسالها لمن ينوي في المستقبل كشف عمليات فساد بهدف إيقافها ومحاسبة المسؤولين عنها.

 

اقرأ/ي أيضًا:

مركز الإحاطة والتوجيه الاجتماعي بصفاقس يلفظ أبناءه إلى الشارع (تحقيق)

تقرير دائرة المحاسبات: 10 خروقات خطيرة في مستشفى عزيزة عثمانة