من الترفيه إلى الإدمان.. كيف نواجه تعلّق الأطفال بالشاشات؟
15 مايو 2025
باتت شاشات التلفاز والهاتف وخاصة منها الذكية بمثابة بوابات سحرية، داخل بيوتنا، تنتقل بنا إلى عوالم متنوعة، تجمع بين الترفيه والتعليم وتفتح أمام مستخدميها آفاقًا لا حصر لها، فتستقطب اهتمام الكبار منهم وخاصة الصغار من أطفال ومراهقين.
ولئن تُوفّر أجهزة الحاسوب والهواتف الذكية منصات تفاعلية تتيح الوصول إلى المعلومات والألعاب التعليمية ومنصات التواصل الاجتماعي، مما يعزز من مهارات التفكير النقدي والتعلم الذاتي، فإن الاستخدام المفرط للشاشات خاصة بالنسبة للأطفال والمراهقين، والانغماس المستمر في هذا العالم المضيء دون مرافقة واحترام للشروط التي توصلت إليها دراسات علمية، يحمل في طياته تحديات صحية ونفسية تستدعي الانتباه.
"الترا تونس" فتح من خلال تقريره التالي، الباب لتدارس ظاهرة التعلق بالشاشات والإدمان عليها خاصة لدى الأطفال والمراهقين، وحاور الأخصائي النفسي ورئيس الجمعية التونسية لصعوبات واضطرابات التعلم، طارق السعيدي، والطبيبة النفسية للأطفال منال دردور قايد، للتعرّف على مخاطر الإدمان على الشاشات وسبل مواجهتها والتدابير اللازمة للحد منها، وتوصيات للاستفادة من عالم الشاشات بشكل صحي وآمن.
"الترا تونس" فتح الباب لتدارس ظاهرة التعلق بالشاشات والإدمان عليها خاصة لدى الأطفال والمراهقين، وحاور أخصائيين لكشف مخاطر الإدمان على الشاشة وسبل مواجهتها
تعلّق الأطفال بالشاشات.. هل يصل إلى حدّ الإدمان؟
في بداية حديثه مع "الترا تونس"، قال طارق السعيدي الأخصائي النفسي ورئيس الجمعية التونسية لصعوبات واضطرابات التعلم، إن "الشاشات تعد سلاحًا ذو حدين، إذ من غير المنصوح منع الأطفال والمراهقين من استعمال الشاشات بصفة كلية، ولكن من الضروري اتباع الطرق السليمة لاستعمالها الآمن".
واعتبر أنه "يمنع تعريض الأطفال دون سن 3 سنوات إلى الشاشات، لأن ذلك يحدّ من تفاعل الطفل مع محيطه، في حين أن الطفل يطوّر مهاراته المعرفية واللغوية والحركية من خلال تفاعله مع المحيط وفق علم النفس العصبي، وبالتالي فإن مشاهدة الأطفال للشاشات في هذا العمر تتسبب في بطء نمو هذه المهارات الضرورية".
وأفاد طارق السعيدي الأخصائي النفسي ورئيس الجمعية التونسية لصعوبات واضطرابات التعلم، بأن ذلك "يولد اضطرابات اجتماعية وعلائقية ومعرفية وحركية ولغوية أيضًا"، واعتبر أنه "من المستحسن أن يكون عرض الطفل على الشاشة بعد عمر 3 سنوات، لغايات تعليمية وبحضور الولي لإضفاء التفاعل مع الطفل وهو ما يسمى "بالمشاهدة المرافقة" التي تستمر إلى غاية سن 7 سنوات تقريبًا".

وأضاف أن "الطفل الذي يتعرّض بشكل كبير إلى الشاشة، سيعاني من اختلال علاقته بمحيطه وخاصة الوالدين، مما سيجعل منه هشًا من الناحية النفسية والعاطفية وهو ما يفرز لاحقًا مشاكل نفسية".
واعتبر أن مسألة الإدمان على الشاشات، تبقى محل اختلاف على المستوى العلمي، إذ أن هناك دراسات علمية تؤكدها في حين تدحضها دراسات أخرى، وفق قوله، معتبرًا وفق تقديره أن "الإدمان ليس على الشاشة في حد ذاتها ولكن على محتوياتها وما يُعرض عليها".
طارق السعيدي (أخصائي نفسي) لـ"الترا تونس": الطفل الذي يتعرّض بشكل كبير إلى الشاشة، سيعاني من اختلال علاقته بمحيطه وخاصة الوالدين، مما سيجعل منه هشًا من الناحية النفسية والعاطفية وهو ما يفرز لاحقًا مشاكل نفسية
أما الطبيبة النفسية للأطفال منال دردور قايد فقد أكدت لـ"الترا تونس" أن "تعلّق الأطفال بالشاشات يصل في كثير من الأحيان إلى درجة الإدمان، إذ أن لدى الأطفال قابلية أكثر للتعلق والوقوع في الإدمان، نظرًا لنقص النضج الدماغي لديهم وهو ما يصعّب عملية تحكمهم في رغباتهم".
وأضافت الطبيبة النفسية للأطفال أنه "كلما يكون الطفل أصغر سنًا، ترتفع إمكانية إدمانه على شاشة الهاتف أو التلفاز".
علامات الإدمان على الشاشات
وبينت أخصائية الطب النفسي للأطفال منال دردور قايد في حديثها لـ"الترا تونس" أن "علامات إدمان الطفل على الشاشات يمكن استشعارها من خلال نوبات الغضب والصراخ التي تظهر عليه عند محاولة منعه من مواصلة مشاهدة الشاشة".
وشددت على أنه "يمنع مشاهدة شاشة التلفاز أو الهاتف على كل طفل لم يبلغ من العمر 3 سنوات، حتى وإن كان لمدة قصيرة لا تتجاوز 15 دقيقة"، معتبرة أنه "ما إن يتجاوز عمر 3 سنوات حتى يسمح له بذلك وفق شروط معينة، أبرزها مشاهدة شاشة التلفاز مرفوقًا بالولي لمدة لا تتجاوز نصف ساعة على أقصى تقديره".
وأضافت أن "أكبر خطأ يقع فيه معظم الأولياء هو توفير هواتف ذكية لأبنائهم قبل بلوغهم سن 13 سنة".

مخاطر الإدمان على الشاشات
تحدثت أخصائية الطب النفسي للأطفال عن جملة من المخاطر الصحية والنفسية التي يسببه هذا الإدمان على الشاشات للأطفال والمراهقين، مؤكدة أن الآثار النفسية تختلف من عمر إلى آخر.
وبينت أن إدمان الأطفال دون سن الـ3 سنوات على الشاشات يجعلهم عرضة للإصابة باضطراب طيف التوحد، الذي يصيب الفتيان عادة أكثر من الفتيات.
وكشفت عن مختلف المخاطر الصحية والنفسية الأخرى التي تظهر على الطفل في هذا السن، والتي قد تشير إلى إصابة الطفل بطيف التوحد، ومن ضمنها تأخر النطق والكلام والتصرفات والاهتمامات المتكررة والمحدودة، وفسرت ذلك بإدمان الطفل على أغنية أو مقطع فيديو يطلب عرضه وتكراره بشكل متواصل.
منال دردور قايد (طبيبة نفسية للأطفال) لـ"الترا تونس": إدمان الأطفال دون سن الـ3 سنوات على الشاشات يجعلهم عرضة للإصابة باضطراب طيف التوحد، الذي يصيب أكثر من طفل على كل 100 طفل في تونس
كما أوضحت أن هذا الإدمان يخلف أيضًا اضطرابات على مستوى التواصل الاجتماعي للأطفال، يظهر من خلال ضعف أو انعدام التواصل البصري مع الآخرين، أو لا مبالاة تامة تجاههم، ومن خلال سلوك يبين عدم الرغبة الكبيرة لدى الطفل في المشاركة عند اللعب مع أطفال آخرين على سبيل المثال.
أما بالنسبة للأطفال الذين تتجاوز أعمارهم 3 سنوات، فقد بينت أخصائية الطب النفسي للأطفال منال دردور قايد في حديثها لـ"الترا تونس"، أن المخاطر التي يكونون عرضة إليها بفعل إدمانهم على الشاشات، تصل إلى قلة التركيز واضطراب فرط الحركة وصعوبات التعلم وعسر أو بطء الكتابة.
وبينت أن عديد الأولياء يشتكون اليوم من بطء الكتابة لدى أبنائهم التلاميذ، الذي يمنع التلميذ من كتابة دروسه أو إنجاز امتحاناته كاملة، وهي مظاهر آخذة في الانتشار بكثرة اليوم جراء استعمال الأطفال للشاشات وخاصة الهواتف في سن مبكرة.

ولفتت إلى أن بعض الدراسات العلمية تؤكد أن الأطفال الذين يكونون عرضة للشاشات في عمر مبكّر، يصبحون أكثر عرضة لمواجهة صعوبات التعلم في المراحل اللاحقة.
وقالت إن المراهقين أيضًا عرضة لمخاطر الإدمان على الشاشات، التي تسبب لهم ضعفًا في التركيز والذاكرة، وقلة النوم وبالتالي تدني النتائج الدراسية، فضلاً عن كون كل الأطفال والمراهقين المعرضين للشاشات وخاصة لمواقع التواصل الاجتماعي، معرضون لخطر التحرش الجنسي والتأثر بأي سلوكات عنيفة يشاهدونها على الشاشات.
طارق السعيدي (أخصائي نفسي) لـ"الترا تونس": هناك قلة وعي لدى العائلات التونسية بمخاطر الشاشات على النمو العصبي والدماغي للأطفال، والضغوطات اليومية التي يعاني منها الأولياء تؤدي إلى استسهال وضع الطفل أمام الشاشة والتفرغ لقضاء شؤون أخرى
كما لفتت إلى أن "القيم التي يكتسبها المراهقون في فترة عمرية حساسة متسمة بانسياقهم لتقليد بعضهم البعض، تتأثر بالقيم التي يشاهدونها سواء عبر الهاتف أو التلفاز، مضيفة أن بعض المراهقين يكونون عرضة أيضًا لخطر الإدمان على المواقع الإباحية، وهو ما سجّل حتى عند الأطفال الذين يستعملون الهواتف الذكية دون رقابة من الأولياء".
هل يعي التونسيون بمخاطر الشاشات على الأطفال؟
أكدت الطبيبة النفسية للأطفال منال دردور قايد في حديثها لـ"الترا تونس"، أنه لا وجود لمعطيات وأرقام دقيقة في تونس بخصوص موضوع إدمان الأطفال على الشاشات في تونس، إلا أن الأرقام المتصلة باضطراب طيف التوحد تواصل الارتفاع.
وبيّنت أن هذا الاضطراب الذي ينتج عن إدمان الطفل على الشاشة في عديد الأحيان، يصيب أكثر من طفل على كل مائة طفل في تونس، مضيفة أن "هذه المؤشرات تعود إلى بضع سنوات مضت ولا يوجد أرقام محينة، إلا أنها أرقام الإصابات بطيف التوحد مرشحة للارتفاع"، على حد قولها.

بدوره أكد طارق السعيدي الأخصائي النفسي ورئيس الجمعية التونسية لصعوبات واضطرابات التعلم في تصريحه لـ"الترا تونس"، أنه "لا يوجد أي أرقام ومعطيات دقيقة حول واقع علاقة الأطفال التونسيين بالشاشات، إلا أن ما يُلاحظُ في العيادات وعلى أرض الواقع هو أن العائلات التونسية لا تحترم هذه الشروط، وهناك قلة وعي بمخاطر الشاشات على النمو العصبي والدماغي للأطفال".
ولفت من جانب آخر إلى أن "الضغوطات اليومية التي يعاني منها الأولياء تؤدي إلى استسهال وضع الطفل أمام الشاشة، والتفرغ لقضاء شؤون أخرى، وهو ما يعرّض الأطفال إلى المخاطر والاضطرابات العصبية، التي قد تتطور إلى مشاكل نفسية بعد ذلك".
توصيات لمواجهة إدمان الأطفال على الشاشات
في هذا الباب، أوصت الطبيبة النفسية للأطفال منال دردور قايد في حديثها لـ"الترا تونس"، بضرورة إحياء عديد الأنشطة والألعاب الحركية والتفاعلية التي كان الأطفال يمارسونها قبل ظهور الشاشات، فضلاً عن أنشطة التنزه مع العائلة، وذلك خاصة بالنسبة للأطفال في سن دون 3 أعوام حيث يمنع تعريضهم للشاشات.
منال دردور قايد (طبيبة نفسية للأطفال) لـ"الترا تونس": من الضروري إحياء عديد الأنشطة والألعاب الحركية والتفاعلية التي كان الأطفال يمارسونها قبل ظهور الشاشات، فضلاً عن أنشطة التنزه مع العائلة، وتمكين الطفل من ممارسة أنشطة رياضية وثقافية متنوعة
كما دعت إلى الحرص على تمكين الطفل من ممارسة أنشطة رياضية وثقافية متنوعة، لتقليص أوقات الفراغ والملل التي تؤدي به للإدمان على الشاشة، وتشجيع الأطفال في سن الدراسة على المطالعة، وممارسة ألعاب فكرية، لتفادي إدمانهم على الشاشات أو لمواجهة تعلقهم بها.
ونصحت الأولياء بأن يكونوا قدوة لأطفالهم والتحكم في استعمالاتهم للشاشة في صحبة أبنائهم.

وبدوره بيّن طارق السعيدي الأخصائي النفسي ورئيس الجمعية التونسية لصعوبات واضطرابات التعلم في تصريحه لـ"الترا تونس"، أن الشاشة سهلت الولوج إلى المواد الإدمانية، مضيفًا أنه "في حال توفر للطفل في محيطه، ما يعرض على الشاشات، فإنه سيترك الشاشة ويهتم بما توفر لديه في الواقع".
وأضاف أن "عديد المراهقين يدمنون وسائل التواصل الاجتماعي على سبيل المثال، لأنه يسهل عليهم الحصول على الإطراء الاجتماعي من خلال حجم التفاعلات والإعجاب بمنشوراتهم، وهو ما يفتقدونه على أرض الواقع".
بدورها أصدرت منظمة الصحة العالمية جملة من الإرشادات، التي تؤكد أنه لا يجب ترك الأطفال الصغار أمام شاشة التلفاز أو غيرها من الشاشات بمفردهم، وتضيف أن "مشاهدة أو استخدام الشاشات، بما في ذلك ألعاب الفيديو، بهدف التسلية فقط أو الإلهاء يجب ألا يحدث قبل أن يبلغ الطفل عامين".
كما حددت الحد الأقصى لمن تتراوح أعمارهم بين سنتين وأربع سنوات بساعة واحدة يوميًا، على أقصى تقدير.
وتحذّر منظمة الصحة العالمية بصفة خاصة من المشاهدة السلبية - أي ترك الطفل أمام الشاشات لمجرد التسلية أو الإلهاء، دون أي تفاعل أو غرض تعليمي.

الكلمات المفتاحية

قافلة الصمود.. "الترا تونس" يحاور مشاركين قرروا خوض المغامرة
كانت قافلة الصمود البرية، أشبه بالحجر الذي ألقي في بركة توشك على الركود كل مرة، فأعادت إحداث دوائر فيها لا تكاد تنتهي

تتعدّد الدوافع والمصير واحد.. عن تجارب تونسيين ضحّوا بحياتهم في سبيل إنقاذ غيرهم
روح التضحية في سبيل إنقاذ الآخر مبثوثة في الجنسين ذكورًا وإناثًا.. تصدر عن المربّي والطبيب والعاطل وغيرهم من الفئات الاجتماعيّة، لكنّ لا بدّ أن نعترف بأنّ الشباب أكثر اندفاعًا إلى التضحية من أجل الآخرين

"علوش En ligne".. الأضحية في تونس بين الأصالة والرقمنة
تخيّل أنك بلمسة زر من بيتك تستطيع أن تتجوّل وسط "رحبة الأضاحي". لا ضجيج ولا أجواء مشحونة، فقط خراف مصوّرة من كل الزوايا وخدمة توصيل مجانية..

حريق ضخم في باجة يلتهم مساحات مزروعة بالقمح
رئيس الاتحاد الجهوي للفلاحة والصيد البحري بباجة لـ"الترا تونس": كل متر من الأراضي الزراعية يحترق يمثل خسارة فادحة للاقتصاد الوطني، والحرارة المرتفعة لعبت دورًا مباشرًا في توسع رقعة الحريق

مدير أمن معبر رأس جدير يؤكد دخول قافلة الصمود إلى ليبيا بشكل قانوني
مدير أمن معبر رأس جدير: التعامل مع قافلة الصمود تمّ وفق الإجراءات المعمول بها، حيث خضعت جميع الحافلات والسيارات للتفتيش الكامل، ولم يُسمح لأي شخص بالدخول قبل استيفاء الشروط القانونية

منظمة الأطباء الشبان: نستنكر بشدة التدخل الأمني في اختيار مراكز التربصات
المنظمة التونسية للأطباء الشبان: هناك عنصر أمني داخل الاجتماع بين ممثلي المنظمة والوزارة مع رفضه الإفصاح عن هويته، ما يشكل تجاوزًا خطيرًا ويثير تساؤلات المنظمة والأطباء الشبان حول الرسالة التي تريد سلطة الإشراف إيصالها

أصحاب المشارب الشاطئية بالمنستير يحتجون ويلوّحون باللجوء إلى القضاء
عدد من أصحاب المشارب الشاطئية بالمنستير: نتحصل على رخص الإشغال الوقتي مباشرة من وكالة حماية الشريط الساحلي، وليس من البلدية، ويتم خلاص معلوم التمركز في القباضة المالية لفائدة الوكالة المذكورة