17-يونيو-2020

حينما يتأكد أن الحب أقوى من العنصرية

 

في حين تتوالى الأحداث المسيئة لأصحاب البشرة السوداء وتكثر الحوادث التي تنمّ عن عنصريّة مقيتة تجاههم، تزهر علاقات من نوع آخر تجاوزت الألوان وامتزجت فيها الأرواح لتخلّد قصص حب كانت أقوى من المتنمّرين والمعارضين، هي علاقات أينعت فأثمرت براعم من أجمل ما يمكن أن ترى في تمازج الأجناس (les metis).

التقى "ألترا تونس" اللاعب السابق للمنتخب التونسي علي الزيتوني والمهندسة المقيمة بالولايات المتحدة عزيزة بن مصباح، وهما ممن عاشوا تجارب حب كسرت حاجز العنصرية

قد تكون الصورة جميلة بهذه الكلمات، ولكن أن تكون أسود البشرة وتعيش مع بعض أفراد المجتمع ممن ترى قتامة قلوبهم قبل بياض بشرتهم فهي من أسوء التجارب التي قد يمرّ بها الإنسان. فإن كانت مصدر قوّة وإثبات للذات عند البعض، فقد كانت سببًا لانطفاء شمعة الحياة عند البعض الآخر.

في هذا الإطار، التقى "ألترا تونس" اللاعب السابق للمنتخب التونسي علي الزيتوني والمهندسة المقيمة بالولايات المتحدة عزيزة بن مصباح، وهما ممن عاشوا قصص حب كسرت حاجز العنصرية.

اقرأ/ي أيضًا: كيف يتعايش طلبة إفريقيا جنوب الصحراء في المجتمع التونسي؟

مواقف العنصرية قوّت المودّة بين الزوجين

"علي زيتونة" كانت هذه الكنية ترهق كاهل المهاجم السابق للمنتخب التونسي والهداف السابق للترجي الرياضي التونسي علي الزيتوني منذ نعومة أظافره، كيف لا وقد كانت تشعره بدلالات سيئة رغم صغر سنّه. ورغم أن لون البشرة لم يكن بالمسألة الغريبة في محيطه خاصة وأنه أصيل مدينة قابس وترعرع بين مارث ووذرف إلا أنه كان يفضل أن يُنادى باسمه كاملًا.

في حديثه عن المجتمع التونسي والعنصرية، أكد الزيتوني لـ"ألترا تونس" أن الجميع ليس متسامحًا وأن العديد يتبجح بمناهضته لهذه الممارسات أمام الكاميرا ولكن ترى العنصرية الحقيقية في حياته اليومية على حد تعبيره.

"كبرنا على هذه الحكاية لذلك لا جدوى من الدخول في هذه المعارك الخاسرة بالأساس، فإما أن تتقبل المسألة وتعيش بروح رياضية وإما أن تستسلم للاستفزاز" هكذا يقول محدثنا وقد اختار ألا يجره تيار الاستفزاز. فرغم ما تعرض له من تنمر وكلمات عنصرية من جماهير الفرق المنافسة لفريقه إلّا أنّ ردّه كان في الملعب بأهداف في مرمى الخصم تلجم أفواه منتقديه.

علي الزيتوني: يتبجح العديد بمناهضة الممارسات العنصرية أمام الكاميرا ولكن ترى العنصرية الحقيقية في حياته اليومية

ومن أكثر الحوادث التي بقيت راسخة في ذهنه تلك المباراة التي تلت وفاة والده، فلم يكتف أحدهم بنعته بأبشع الأوصاف بل زاد في وجعه بكلمة "يا يتيم"، ولكن كانت هذه الحادثة سببًا في ازدياد قوته وتقدمه ووصوله لما عليه اليوم، كما حدثنا.

اختار علي الاستقرار في تركيا التي وجد فيها نفسه ويعيش فيها مرتاحًا مع عائلته الصغيرة. يقول إن الأتراك يحبون المسلم مؤكدًا أن الأفارقة يعيشون في سلام خاصة في إسطنبول، مضيفًا أنه لم يوجّه إليه يومًا أي كلام عنصري ولكنه لم يسلم من نظرات التعجب والاستغراب عندما يكون رفقة زوجته التركية.

وفي حديثه عن قصة زواجه، يقول علي: "تزوجت عن حب وقد تعرفت على زوجتي عن طريق بعض الأصدقاء التونسيين. قبلتني كما أنا، قبلت شكلي وكانت تجهل شهرتي. خبرتها واختبرتها ووجدتها نعم الرفيقة في جميع الأوقات". وأضاف أن والدته عارضت هذا الزواج في البداية خاصة أنه يعتبر تمردًا على تقاليد ونواميس عائلة الزيتوني، فهو الاستثناء الوحيد الذي تزوج امرأة بيضاء البشرة بل ومختلفة الجنسية. ولكن تغير الأمر لاحقًا عندما تعرفت والدته على زوجته ونشأت علاقة وطيدة بينهما جعلت علي يكون أكثر ارتياحًا بسبب تقبل والدته لخياره.

 اللاعب السابق للمنتخب التونسي مع زوجته التركية

 

ولأن الطبيعة البشرية مؤذية في كثير من الأوقات، لم يسلم الزوجان من نظرات الاستغراب والتعجب والتساؤل بسبب ارتباطهما أو عند تنقلهما في الأماكن العامة. وقد تعرضا لبعض المواقف سواء في تركيا أو تونس، ولكن هذا لم يزدهما سوى مودة ورحمة، كما تحدث الزيتوني لـ"ألترا تونس".

الحب ينتصر

قد يحتاج الأمر لبضع ساعات أو أيام لتتجاوز موقفًا عنصريًا تعرضت له، وقد تحتاج مدة من الزمن للتأقلم داخل مجموعة مختلفة لكن يختلف الأمر كثيرًا في العلاقات العاطفية. وكم من قصص حب وئدت قبل ولادتها؟ وكم نفوس انكسرت بسبب عدم قدرتها على تقبل الكم الهائل من الكراهية في نفوس البعض؟ وكم من روايات الحب التي جف حبر كاتبها بسبب اختلاف في اللون أو العرق أو الديانة؟ ولكن تجربة عزيزة بن مصباح كانت مختلفة وتعتبر درسًا في رقي العلاقات الانسانية.

اقرأ/ي أيضًا: "الوحلة في الكحلة أما البيضة خذات راجل".. إرث العنصرية في الأمثال التونسية

تعرّفت عزيزة، 31 سنة وهي مهندسة في إحدى الشركات الأمريكية، على زوجها في قاعة رياضية بولاية ميريلاند الأمريكية. والحب لا يعترف بالاختلافات يصيب روحًا فتهيم بصاحبها إلى أن يبلغ به المصاب للوصال وهذا ما أكّدته عزيزة في حديثها لألترا تونس: "نظرة فابتسامة فلقاء هكذا كانت مراحل علاقتنا، ما شدّني إليه طيبته وصدقه وروحه المرحة وهذا ما سهّل تعارفنا الذي دام سنة كاملة حاولنا فيها اكتشاف مدى توافق طبائعنا".

لا يعترف الحب باختلاف ألوان الزوجين

 

وعن مدى تقبّل محيطها للعلاقة، قالت إن عائلتها أخذت بعض الوقت للتفكير في هذا الارتباط ومن ثمّ وبعد سلسلة من اللقاءات عبر الأنترنت، وافقت العائلة وكانت الغاية الوحيدة هي أن تكون ابنتهم سعيدة على حدّ تعبيرها. فيما تبيّن أن الأصدقاء، في المقابل، تردّدوا في البداية وطلبوا منها التفكير مليًا في المسألة خاصّة وأنّ هذا الاختلاف من الممكن أن يؤثر على مستقبل العلاقة.

تباعدت عزيزة عن زوجها "كيفين بانكس" لمدّة سنة ونص بسبب ظروف عمله الذي يعمل طبيب أسنان للأطفال ولكنّ زاد هذا البعد العلاقة صلابة، وفق قولها.

وعن المواقف العنصرية التي تعرّضت لها، توضّح محدثتنا أن ولاية ميريلاند متعدّدة الثقافات لذلك لم تواجه أي موقف مستفزّ في شأن زواجها المختلط، ولكن تؤكد أن النظرة للسود بصفة عامة في أمريكا هي نظرة دونيّة وهذا أجّجته الحادثة الأخيرة المتعلّقة بمقتل جورج فلويد.

وقد ساهمت محدّثتنا بشكل كبير عبر مواقع التواصل الاجتماعي في التعريف بهذه القضية خاصّة في تونس قائلة:" يومًا ما سيكون لي أبناء من ذوي البشرة السوداء ومن المهمّ أن أدفع وأناضل من أجل عالم يتقبّلهم كي لا يعيشوا أي شكل من أشكال العنصريّة".

وقد أكّد زوجها كيفين، من جانبه، لـ"ألترا تونس" أنّه تعرّض لعديد المواقف العنصريّة منذ طفولته في رياض الأطفال، ولكنّ إحاطة أبويه وتوعيتهما له جعلته أكثر صلابة وأكثر إصرارًا لإثبات ذاته مضيفًا: "أقرأ كثيرًا عن الحركات السياسية والاجتماعية في أمريكا والمشوار مازال طويلًا هنا، ولكنّي أؤمن أنّ العالم غدًا سيكون أفضل".

 

اقرأ/ي أيضًا:

عقوبة بالسجن ولجنة وطنية.. ماذا تعرف عن قانون القضاء على التمييز العنصري؟

أبعاد العنصرية: تابوه التمييز العرقي في تونس