28-مايو-2018

حينما تتحوّل الأم إلى قاتلة لأبنائها (getty)

الأمّ هي المدرسة التي تعدّ جيلاً طيب الأعراق، والآلهة المتجسدة في صورة إنسان يغمر العالم بالخصب والحبّ. الأم هي الصدر الذي نغمّس فيه في بؤسنا ونحنّ إليه في غربتنا، وهي عنوان الحنان منذ الخلق وديباجة الصّبر في كلّ أصقاع العالم. فكيف إذًا تتحوّل التي تحمل ابنها تسعة أشهر شداد، وتتحمّل من أجله مخاض الولادة، وتدرأ عنه بطش العباد وسوء الطبيعة إلى قاتلة تسفك دماء أبنائها دون رحمة أو شفقة؟

نعود وإياكم لقصص أمهات قاتلات اُنتزع من قلوبهنّ الحبّ، واندلع في رؤوسهنّ الجنون. هن أمهات اختلفت جنسياتهن وظروفهن وحيثيات قضاياهنّ ولكنهنّ اشتركن في بشاعة الجريمة.

اقرأ/ي أيضًا: مونولوج الإجهاض: "لن أحمل مجددًا لأني لم أكبر بعد"

أندريا ياتز.. قاتلة باسم الدين

هزّت جريمة أندريا ياتز الرأي العام في الولايات المتحدة سنة 2001 حينما قامت هذه الأم بقتل أطفالها الخمسة وذلك بإغراقهم في حوض الاستحمام واحدًا بعد الآخر. وقد قامت الأم القاتلة بالتبليغ عن نفسها إثر إنتهائها من الجريمة.

وتبيّن من خلال التحقيق أنّ هذه الجريمة حفّت بعوامل اجتماعيّة ودينيّة أدّت إلى وقوع الكارثة، فأندريا وزوجها روسيل كانا شديدا التديّن، وقرّرا في حفل زفافهما سنة 1993 وأمام الجميع إنجاب أطفال بالقدر الذي تسمح به الطبيعة. إذ أنهما كان يعتقدان أن موانع الحمل من المحرمات التي تغضب الرب ومن أجل الأطفال، تركت أندريا عملها بالتدريس الجامعيّ مكرّسة حياتها لتربية أطفالها والعمل بأقوال الربّ.

عانت القاتلة أندريا ياتز من كآبة بعد إنجابها وساهمت معتقداتها الدينية في دفعها لارتكاب جريمة قتل بشعة بقتلها لأطفالها الخمسة

ولكن بعد إنجاب ثلاثة أطفال، أصيبت أندريا بانهيار عصبيّ شخّصه الأطباء على أنه "كآبة الإنجاب" وهو مرض نفسي وقتيّ يصيب النساء بعد الولادة، وقد نصحها الأطباء بالتوقف عن الإنجاب لكنها حملت بعد ذلك بطفليها الأخيرين مما زاد في توعّك حالتها.

واعتقدت أندريا نتيجة لمشاكلها النفسيّة أنها أمّ غير صالحة، وهذا ما أسقط اللعنة على أطفالها حيث عبّرت عن معتقداتها دون خوف خلال التحقيق قائلة: "إنها الخطايا السبع المميتة الموجودة في العقيدة الكاثوليكية. أطفالي لم يكونوا صالحين، وكانوا ينحرفون عن الطريق لأني أمّ شريرة. طريقة تربيتي لهم لم تكن لتسمح لهم بالحصول على الخلاص". وصدر حكم مؤبد بالسجن على أندريا مع عدم إمكانية الحصول على سراح شرطي إلا بعد مرور 40 سنة.

اقرأ/ي أيضًا: تونس: الجنس متاح لمن استطاع إلى "اللّوكال" سبيلًا..

بلجيكية تقتل أبناءها الخمسة

اقترفت هذه الأم جريمة اعتبرت من أبشع الجرائم على وجه الأرض، إذ قامت بذبح أبنائها الخمسة ثم قامت بالتبليغ عن نفسها قائلة إنها تنوي الانتحار قبل وصول الشرطة. وقد فوجئ رجال الأمن بالمشهد الذي اعترضهم بالممر المؤدي إلى غرفة الجلوس بالمنزل، حيث وجدت الأم جينيف جالسة على الأرضيّة وسط بركة دم، وكانت لا تزال على قيد الحياة فسارعوا بنقلها إلى المستشفى.

أم بلجيكية تقتل أبناءها الخمسة ذبحًا في واحدة من أبشع الجرائم في التاريخ وقد حُكم عليها بالسجن المؤبد

وُجدت، في الطابق الثاني، أربعة جثث لأطفال كانت أجسادهم مخضبة بالدماء، ويتأبط كلّ واحد منهم دمية. الضحية الخامسة كانت نورا وعمرها 12 سنة قتلتها أمها مثل البقية لكنها وضعت جثتها في الحمام.

تمكّن الطاقم الطبي من إنقاذ الأم وفور تمكنها من الحديث، بدأ التحقيق معها حيث لم تخف وقائع الجريمة بكل وضوح. لقد خططت جينيف لقتل أطفالها قبل عودة والدهم من رحلة عمل بالمغرب. استدعت، في البداية، ابنتها الكبرى ياسمين البالغة من العمر 14 سنة، وطلبت منها الاستلقاء على الكنبة وإغماض عينيها. ظنت الفتاة المسكينة أن أمها ستفاجئها بشيء مفرح، لكن هذه الأخيرة ضربت رأس الفتاة بعمود رخاميّ أفقدها وعيها، وأسرعت بذبحها من رقبتها دون رحمة. وواصلت هذه العملية مع أطفالها الأخرين واحدًا بعد الآخر، وهم مريم (10 سنوات)، ومنى (7 سنوات) ومهدي (3 سنوات). وقامت بعد ذلك بالاتصال بالشرطة ثم طعنت نفسها لكنها لم تمت.

كانت حجة جينيف هي أنها عانت كثيرًا في زواجها، وأنها لم تجد الراحة النفسية المنشودة في هذه العلاقة مما أجبرها على الرحيل بعيدًا صحبة أطفالها. وحُكم عليها بالسجن المؤبد وهو أقصى عقوبة في القانون البلجيكي.

أم تونسية تقتل 6 من فلذات أكبادها

ولتونس من هذا الصنف من الجرائم نصيب، إذ عرفت جريمة لا تقلّ بشاعة عمّا سبق ذكره في القضيتين السابقتين. فهذه الأم أصيلة معتمدية فوسانة من ولاية القصرين عاشت حياة عاديّة في إحدى الأحياء الشعبية إلى حدود بلوغها سنّ الرابعة عشر. وتروي عند مباشرة الشرطة العدلية التحقيق معها أنه تم اغتصابها في هذه السن الصغيرة من قبل خالها في بيت العائلة، و لم تخبر أحدًا بذلك خوفَا من الفضيحة، ولكنها مارست بعد ذلك علاقات جنسية أخرى وحملت في سن الخامسة عشر من شخص لم ترد أيضًا الوشاية به.

اقرأ/ي أيضًا: المواليد خارج إطار الزواج.."إذا وصفونا بأبناء الحرام.. سنقول نحن آدميون"

وقد ساعدتها خالتها على إجهاض جنينها بطريقة عشوائية بواسطة الأعشاب مستعينة بامرأة مختصة في هذه الأمور، وقامت بدفنه في بيت خالتها. لم تكن الخالة بعد ذلك أهون من قسوة المجتمع إذ أدخلت ابنة أختها إلى عالم الدعارة، وجعلتها تمارس الجنس بمقابل مع رجال عدّة. 

وتزوجت الفتاة سنة 2002 في السادسة عشر، وأنجبت طفلًا لكنها سرعان ما تطلّقت بعد أربع سنوات متخلية عن ابنها لفائدة خالتها. وقد قالت إن الطفل مات غرقًا ووقع دفنه في "وادي الخروب" بسوسة لكن الأبحاث لم تنف أنها قتلته.

أم تونسية ضحية استغلال جنسي من أقاربها تقتل 6 من أبنائها للتخلص من عار إنجابهم وذلك في واحدة من أشنع الجرائم التي عرفتها تونس

ثم تزوجت مرة ثانية، وكما هو الشأن في زيجتها الأولى قتلت رضيعها ودفنته بمقبرة "حي النور" بالقصرين، وفي الأثناء قام خالها بمعاشرتها أثناء زواجها لتنجب منه طفلًا قامت بقتله في عمر الأربعة أيام ودفنه في نفس المقبرة التي دفنت فيها أيضًا ابنًا شرعيّا آخر. بعد هذه السلسلة الخماسية من جرائم القتل عادت الفتاة بضغط من خالتها إلى عالم الدعارة، وأنجبت مرة أخرى طفلًا من ابن خالتها سرعان ما قتلته عبر تسميمه باستخدام مبيد حشرات وضعته له مع الحليب.

وفي سنة 2015، عادت بها الخالة إلى القصرين، وتزوجت زواجًا عرفيًا أي على خلاف الصيغ القانونية من رجل أصيل المنطقة بقيت معه إلى الساعة التي كشف فيها عن شبكة الجرائم المرعبة التي قامت بها. وتم تكييف الوقائع الحاصلة على أنها استغلال الأقارب للقصّر جنسيًا، وهو ما يدخل في نطاق قانون الاتجار بالبشر الصادر في 3 أوت/أغسطس 2016 مع جريمة زنا المحارم والقتل العمد. وهكذا تكون قضيّة قتل الستة أطفال قضية شائكة طالت الأبحاث فيها، ولم يصدر بعد حكم ضد هذه الأم القاتلة رغم مرور سنتين من اكتشاف جرائمها. 

وسيلاحظ القرّاء عدم ذكرنا لاسم الأم المتهمة على خلاف بقية القضايا وهو ما يعود لعدم صدور حكم في شأنها، ولكن أيضًا لأن القضاء التونسي لا يصرّح لوسائل الإعلام بكل المعطيات الشخصية في مثل هذا النوع من الجرائم وذلك لحساسيتها ولحماية المتهمين.

 

اقرأ/ي أيضًا:

أجهضت طفلي.. أنقذته من الحياة!

تحليل قانوني: العلاقات الجنسية في القانون التونسي