31-أكتوبر-2020

أفراد من عائلة منفذ هجوم نيس يروون لـ"ألترا تونس" تفاصيل نشأته (فالوري آشي/ أ ف ب)

 

بين فطرة الأبوّة ووصمة العار، بين رابط الدم ومشاعر النكران هكذا يعيش بعض العائلات التونسيّة التي خرج من رحمها إرهابيون. أبناء حمّلوا آباءهم أوزار أفعالهم فتبرّأ منهم من تبرّأ، وصدم منهم من صدم، وعاش العديد صراعًا بين ما تحمله النفس من محبة فطرية وشناعة.

هذا ما تعيشه اليوم عائلة  "إبراهيم العويساوي" الشاب التونسي ذي 21 ربيعًا والمتهم بذبح امرأة وقتل رجلين بالقرب من كنيسة في مدينة نيس الفرنسية.

"إبراهيم العويساوي" هو الابن التاسع لعائلة تتكون من إثنيْ عشر فردًا ، عائلة متوسطة الحال يعمل فيها الأب حارسًا لشركة خاصة وتسهر فيها الأم على تربية سبع بنات وثلاثة أولاد

عمليّة إرهابية أثارت جدلًا واسعًا وتعدّدت الروايات المتعلّقة بحيثياتها خاصّة وأنها جاءت في سياق دقيق ووضع حساس تعيشه الجالية المسلمة في فرنسا إثر قتل وذبح مدرس التاريخ والجغرافيا "صمويل باتي" على يد شاب شيشاني الأصول بسبب عرضه لرسم كاريكاتوري للنبي الكريم محمد (ص).

فمن هو إبراهيم العويساوي؟ أين نشأ؟ وكيف عاشت عائلته خبر قيامه بالعملية الإرهابية ؟

أسئلة يجيب عنها "ألترا تونس" في هذا التقرير.

شاب ذو سوابق إجرامية

صوت حائر ومثقل بالألم، صوت أعياه ما تلقاه من مكالمات هاتفية للسؤال عن ابنه، صوت مصدوم بأثر خبر جعل العائلة محلّ أنظار ومتابعة الأمنيين والصحفيين وحتى المتطفلين.

والدة منفذ هجوم نيس إبراهيم العويساوي (حسام الزواري/ الأناضول)

هكذا كان حال "محمد العويساوي" ، والد المتهم الأول في عملية نيس الإرهابية، في الجانب الآخر من السماعة عندما تواصلت معه "ألترا تونس" لمعرفة تفاصيل عن منشأ إبراهيم وكانت هذه روايته عن حياة ابنه .

"إبراهيم العويساوي" هو الابن التاسع لعائلة تتكون من إثنيْ عشر فردًا ، عائلة متوسطة الحال يعمل فيها الأب حارسًا لشركة خاصة وتسهر فيها الأم على تربية سبع بنات وثلاثة أولاد.

محمد العويساوي (والد منفذ هجوم نيس) لـ"ألترا تونس": أنا مصدوم ولم أستوعب إلى حد هذه اللحظة ماحدث.  كنت أعتقد أنه ذاهب للعمل وتحسين وضعه الاجتماعي ووضع العائلة لكني صدمت بخبر ذبحه لأبرياء.. أنا أتبرأ منه.. لم يعد ابني!

وكحال أغلب أبناء منطقة حي النصر طريق قابس من ولاية صفاقس، لم يكمل إبراهيم مشواره الدراسي وانقطع عن التعليم في السنة التاسعة من التعليم الأساسي بسبب ضعف نتائجه.

اقرأ/ي أيضًا: قصة "حارق" تونسي إلى فردوس لامبيدوزا الإيطالية (صور)

ولم يكن لديه خيار في ذلك الوقت سوى الالتحاق بورشة لإصلاح السيارات ليستطيع تأمين مصاريفه اليومية، ولكن طبعه العنيف جعله يطعن أحد زملائه في العمل إثر مشاجرة حصلت بينهما حسب ما رواه والده لـ"ألترا تونس". هذه الحادثة كانت سببًا في دخوله للإصلاحية في سن لم يتجاوز 18 سنة.

من سجين لبائع للبنزين المهرب

أنهى إبراهيم مدّة سجنه، وعند خروجه عمل بمعصرة زيتون وجمع مبلغًا من المال جعله يفتح محلًا صغيرًا لبيع البنزين المهرّب.

العويساوي كان يشرب الخمر ويتعاطى مادة القنب الهندي  "الزطلة" منذ مراهقته، كما أكدت أخته سعاد العويساوي لـ"ألترا تونس"،  مضيفة :" كانت أمي كثيرًا ماتترجاه للتوقف عن التعاطي  وتطلب منه مساعدة أبي في تسديد فواتير الماء والكهرباء عوضًا عن صرف المال على مايهلك جسده ."

والد وشقيقة منفذ هجوم نيس إبراهيم العويساوي (فتحي بلعيد/ أ ف ب)

لكن هذا الشاب الذي كان يجد في المسكرات متعته، تغير منذ سنة ونصف وأصبح يقوم بفروضه الدينية ممضيًا كامل يومه بمحله ولم يكن له أي علاقات مشبوهة وفق ما أكدته محدثتنا.

" لم أكن أعلم ماذا يفعل ابني بنقوده لكن أعتقد أنه كان يحاول جمع المال للحرقة"  كان هذا رد والد إبراهيم عن سؤال "ألترا تونس" حول حيثيات ذهابه لإيطاليا.

والد "إبراهيم" : "أنا أتبرأ من ابني"

في منتصف شهر سبتمبر/أيلول الماضي، غاب إبراهيم عن البيت ولم يحدث أحدًا من أفراد أسرته عن نواياه لاجتياز الحدود خلسة. أمضت عائلة العويساوي مدة من الزمن في بحث عن ابنها إلى أن جاءهم اتصال منه ليخبرهم أنه غادر البلاد لإيطاليا بحثًا عن عمل.

وكغيرها من العائلات التونسية التي هاجر أبناؤها، لم يبقَ لهم سوى الرجاء بأن يحالفه الحظ هناك أو تلقي بعض الاتصالات القليلة التي كان يقوم بها سواء لوالدته أو لأخته.

شقيقة منفذ هجوم نيس لـ"ألترا تونس": كان أخي يشرب الخمر ويتعاطى "الزطلة" منذ مراهقته، وكانت أمي كثيرًا ماتترجاه للتوقف عن التعاطي وتطلب منه مساعدة أبي في تسديد الفواتير عوضًا عن صرف المال على مايهلك جسده

وآخر اتصال كان يوم الأربعاء المنقضي على الساعة الثامنة ليلًا ، حين قال إبراهيم لوالدته إنه وصل إلى نيس الفرنسية وإن الطقس بارد وإنه سينام تحت درج إحدى العمارات وأخبرها بأنه سيبحث في الغد  عن عمل ومكان يستقر به.

"مولدك مبروك"  كانت، هذه أيضًا، آخر رسالة أرسلها إبراهيم لأخته سعاد بعد دردشة أخبرها فيها عن سبب انتقاله لفرنسا وهو أن إمكانية الحصول على شغل في فرنسا أفضل من إيطاليا وأن الكثير من أصدقائه نصحوه بالانتقال هناك لأنه سيجد الكثير من التونسيين الذين سيساعدونه في الاستقرار حسب ما أفادت به سعاد لـ"ألترا تونس" وأضافت: "أريد الاطمئنان على حالة أخي الصحية وأطلب من السلطات الفرنسية أن تنشر فيديو العملية أرجوكم أوصلوا صوتي".

شقيق منفذ هجوم نيس (فتحي بلعيد/ أ ف ب)

يكمل والد ابراهيم حديثه متألمًا :"أنا مصدوم ولم أستوعب إلى حد هذه اللحظة ماحدث.  كنت أعتقد أنه ذاهب للعمل وتحسين وضعه الاجتماعي ووضع العائلة لكني صدمت بخبر ذبحه لأبرياء. " وقال بصوت مختنق:  "أنا أتبرأ منه ..لم يعد ابني ...لتفعل به فرنسا ماتريد ولتسلط عليه أقسى العقوبات".

كانت هذه آخر كلمات لوالد "إبراهيم العويساوي" الذي لم يخفِ خيبته مما وصله من أخبار عن ابنه.

خيبة لم تُصب العائلة فقط بل أصابت آلاف التونسيين، والجالية التونسية بفرنسا خصوصًا، بعد أن أصبحوا موضع اتهامات من مختلف طبقات المجتمع الفرنسي.

 

اقرأ/ي أيضًا:

هجوم نيس الإرهابي: إدانة واستنكار كبيران في تونس

"حمودة".. حكاية أب تحطّمت كلّ سفنه