ملف قيس سعيّد القادم تحت عنوان "الثورة الإدارية"
24 يونيو 2025
مقال رأي
يتحدث الرئيس قيس سعيّد منذ فترة تتجاوز العام لكن بشكل متصاعد عن أن هناك "تعطيلًا" من قبل الإدارة لمشروعه. أصبح يتحدث بالتدريج عن ضرورة تغيير النخبة الإدارية ليس على أساس الكفاءة بل على أساس الالتزام الوطني. ثم انتهى للحديث عن "ثورة إدارية". نحن على الأرجح إزاء تغيير سيكون دراميًا ربما ينتهي إلى تغيير عدد ضخم من المديرين في عدد من الوزارات والمؤسسات. مثلما أشرت سابقًا يمكن أن نتحدث في الأشهر القادمة عن إدارة جديدة مرتبطة بالرئيس. موضوع الإدارة التونسية طبعًا أكثر تعقيدًا ومن الواضح كذلك أن خطاب الرئيس يعكس نهجه في تفسير أي إشكالات أو إخفاقات تحت طائلة التفسير المؤامراتي. لكن هذه المعركة تعكس أيضًا الهوية السياسية للرئيس.
مبدأ "أنا أمثّل الشعب الصالح ضد نخبة طالحة"، أي المبدأ الأساسي الذي يميز التموقع الشعبوي، لا يشمل باستعدائه فقط النخبة السياسية. بل يشمل أي جهة أو فئة يمكن أن تبرز على الأقل في التمثل الاجتماعي كفئة مميزة بشبكة مصالح وتتحكم في سلطات ما. في السياق التونسي، ورغم أنها تمثل عصب توازنات وجود الدولة عبر تاريخها بما في ذلك بعد الاستقلال، كانت الإدارة دائمًا محل ريبة وموضع تشكيك الجمهور المعني بها. هي في هذا التمثل الشعبي العام مصدر الفساد والزبونية و"التدخلات" على أساس الولاء وضرب الكفاءة والجمود وغياب النجاعة تحت عنوان المصطلح السلبي "البيروقراطية". لكن للمفارقة حلم عديد العائلات أن يكون ابنها أيضًا "مسمار في حيط" الإدارة، المكان المضمون حيث إن هناك امتيازات مادية ووجاهة تتجاوز الراتب، تتعلق بالأساس بأن الإدارة هي واجهة الدولة الأثيرة وهي الصورة الطاغية لها.
أصبح قيس سعيّد يتحدث بالتدريج عن ضرورة تغيير النخبة الإدارية ليس على أساس الكفاءة بل على أساس الالتزام الوطني. ثم انتهى للحديث عن "ثورة إدارية"
بعد الثورة، راج مصطلح محدد خاصة بين كواليس النخبة السياسية وهو "حزب الإدارة". كان التعبير يحيل أساسًا على معنى سلبي يعكس تبرّم الطبقة السياسية من كتلة إدارية مؤثرة قادرة على فرض آرائها وتصورها على الأحزاب السياسية المنتخبة. كان ذلك جزئيًا يعكس عجز ومحدودية الأحزاب التي تقلدت السلطة ولتبرير إخفاقها. لكن كان أيضًا تعبيرًا عن معطى موضوعي وهو قدرة الإدارة التونسية المخضرمة على التأقلم وفرض تصورها على نخبة سياسية غير مجربة ولا تحمل خبرة طويلة في "دواليب" الدولة.
يعود تاريخ الدولة التونسية المعاصرة إلى بداية الاحتلال أساسًا. مثلما تفسر المؤرخة فاطمة شلفوح في كتابها عن الموضوع، نحن إزاء تقاطع مصالح اجتماعية وسياسية عميقة. قامت سلطات الاحتلال بخلق طبقة جديدة موالية ضمن الإدارة القائمة أعادت فيها تشكيل وربط المصالح وإعادة إنتاج طبقة نافذة. تأقلمت الإدارة مع "التحولات" في السلطة السياسية خاصة مع تغيير رأس السلطة، وفهمت عمومًا أنّ طريق البقاء ومن ثمة الارتقاء وتكديس شبكة المصالح والامتيازات، هي طاعة رأس الدولة وحاشيته.
زمن بورقيبة تم إرساء قواعد محددة أهمها: الإدارة متماهية مع الحزب عبر الشعب المهنية، هناك كتل جهوية وازنة يجب احترامها تعكس الكتل الجهوية الوازنة في قيادة الحزب، وأيضًا أن الطاعة العمياء للقرار السياسي. خلق هذا التوجه مع حلول السبعينيات وفي سياق الاهتمام المتزايد بالقطاع الخاص اندماجًا قويًا بما أدى إلى أن أي تفكير في خلق رأسمالية جديدة يتم عمومًا عبر إداريين موالين ومطيعين يستقيلون من مهامهم للتموقع في مجالات الأعمال حسب اختصاصهم وتسهيلات واسعة من السلطة وأجهزتها العقارية والتمويلية.
يمكن أن نتحدث في الأشهر القادمة عن إدارة جديدة مرتبطة بالرئيس. موضوع الإدارة التونسية طبعًا أكثر تعقيدًا ومن الواضح كذلك أن خطاب الرئيس يعكس نهجه في تفسير أي إشكالات أو إخفاقات تحت طائلة التفسير المؤامراتي
بحلول بن علي، تمت إضافة عنصر أساسي للمقومات العامة أهمها أن الإدارة في خدمة نخبة اقتصاد الريع الآتي من شبكة العائلات المتصاهرة مع عائلة الحكم. الإدارة لن تصبح منبع رجال الأعمال بل خادمة لهم. التراتبية الهرمية الجديدة ستجعل الإدارة ممثلة خاصة في وزير أول مطيع بعيد عن الأضواء، أهم مثال محمد الغنوشي، تسيّر الدواليب في سياق تنمية ثروة العائلات.
الثورة كانت مجالًا انتقاميًا لعديد الفئات. الإدارة طهرت نفسها بأدائها المطيع الروتيني في حالة الفوضى بما بدا كأنه إنجاز. لكنها سرعان ما واجهت كل أنواع التمرد، والعصيان، وحملات الطرد "الديغاج". انهارت الشعب المهنية التي كانت تضمن سيطرة نخبة مفوضة سياسيًا على إداراتها وانفلت عقال النقابات الأساسية. تشكلت جمعيات للدفاع عن وجاهة الإداريين ورفضهم أيضًا "تدخل السلطة السياسية"، وتم إرساء حالات غريبة من نوع "استقلالية" الإدارة حتى في مواقع سياسية بامتياز مثل المعتمدين والولاة. انتقلنا من الطاعة العمياء للسلطة السياسية إلى استقلالية مفرطة تمنع التنزيل الإداري للمشروع السياسي للحاكمين الجدد.
الصراع داخل الدولة الذي انتهى إلى 25 جويلية/يوليو كان في جزء منه انتقامًا إداريًا من السياسة. لكن المسألة أعقد طبعًا. الالتقاء بين إرساء حكم فردي رئاسوي انتهى أيضًا إلى موازين قوى تفرض على الإدارة العودة إلى بيت الطاعة السياسي. الغربلة تتم ببطء لكن بوضوح، البقاء والارتقاء مرتبط بالانخراط في مشروع الرئيس. يبقى هل أنّ للرئيس جيشًا إداريًا مواليًا قادرًا على تعويض القديم؟ خاصة أنه لا يملك جهازًا حزبيًا؟ العودة إلى النموذج السابق يستحضر هذه المعادلة الغائبة خاصة في ظل غياب مؤسسة أخرى مهيمنة وقادرة على إعادة الانتشار.
- المقالات المنشورة في هذا القسم تُعبر عن رأي كاتبها فقط ولا تعبّر بالضرورة عن رأي "ألترا صوت"
الكلمات المفتاحية

المحاكمة السياسية في تونس.. لسان الدفاع "جاهز" رغم الحصار
الملاحقات القضائية ضد المحامين لا يجب أن تنجح في عرقلتهم عن أداء مهامهم وإن كان التحدّي متصاعدًا في مناخ تعسّف وقهر

بورقيبة.. المادّة!
يمكن القول إنّنا ورثنا من تلك الحقبة البورقيبية مدوّنة هامّة تُغري أيّ باحث للتوغّل فيها، وهو ما لم تُتحه حقبة زين العابدين بن عليّ

قافلة الصمود.. شهادة على الحلم المحاصر
في وقت من الأوقات، تحوّلت قافلتنا التي خرجت لكسر الحصار، إلى قافلة محاصرة، وتمادى القمع لدرجة منع سيارة إسعاف من نقل مريض.

وزارة التربية تتعهد باستكمال إدماج الأساتذة والمعلمين النواب سنة 2026
أعلن وزير التربية نور الدين النوري، يوم الاثنين 14 جويلية 2025، عن انطلاق الوزارة في التحضير لإدماج الدفعة الثانية من الأساتذة والمعلمين النواب، وذلك بداية من سنة 2026، مؤكدًا أن الملفات المعنية ستخضع للدراسة خلال الفترة القادمة لضمان التحاقهم بالوظيفة العمومية بصفة رسمية

بعد دعوات لمقاطعة حفل الشاب مامي.. مدير مهرجان الحمامات يرد
أثار إعلان مشاركة الفنان الجزائري الشاب مامي، ضمن فعاليات مهرجان الحمامات الدولي لسنة 2025 موجة من الانتقادات وفي المقابل، دافعت إدارة المهرجان عن خيارها

أنس جابر تتراجع إلى المرتبة 71 عالميًا بعد انسحابها من ويمبلدون
شهد التصنيف العالمي الجديد لرابطة محترفات التنس (WTA)، الصادر يوم الاثنين 14 جويلية 2025، تراجعًا جديدًا للاعبة التونسية أنس جابر، التي خسرت 12 مركزًا لتتراجع إلى المرتبة 71 عالميًا

الرباعي الراعي للحوار الوطني في تونس يرشّح فرانشيسكا ألبانيزي لجائزة نوبل للسلام
فرانشيسكا ألبانيزي هي محامية وخبيرة قانونية دولية إيطالية، تشغل منذ عام 2022 منصب المقررة الخاصة للأمم المتحدة المعنية بحالة حقوق الإنسان في الأراضي الفلسطينية المحتلة