مفاوضات اجتماعية عسيرة تنتظر اتحاد الشغل وسط دعوات لإعادة ترتيب البيت الداخلي
25 فبراير 2025
يستعد الاتحاد العام التونسي للشغل لجولة جديدة من المفاوضات الاجتماعية في الوظيفة العمومية في ظرف استثنائي يحف به من داخل الدار ومن خارجها.. مفاوضات مقبلة تبدو عسيرة ولكنها ضرورية بالنظر للمؤشرات الاقتصادية الأخيرة والصعوبات في المالية العمومية وتراجع المقدرة الشرائية غير المتناسبة مع ارتفاع الأجور.
وشرع اتحاد الشغل في إعداد ندوات جهوية حول المفاوضات الاجتماعية في كافة الجهات والتوعية بضرورة الإعداد الجيد للمفاوضات المقبلة مع السلطة، ولم يغب في ذلك الشأن الداخلي للاتحاد الذي اتسم بالتوتر في الأشهر القليلة الفارطة بين الداعين إلى مؤتمر استثنائي وبين من يفضل الإبقاء عليه في موعده العادي.
جولة جديدة من المفاوضات الاجتماعية في الوظيفة العمومية، يستعد لها اتحاد الشغل في ظرف استثنائي يحف به داخليًا وخارجيًا
وذكر محمد الشابي الأمين العام المساعد المكلف بالوظيفة العمومية في تصريح لمراسل "الترا تونس" أثناء انعقاد ندوة بسوسة، أنّ آخر مفاوضات اجتماعية كانت في جويلية/يوليو وأوت/أغسطس 2022 وتوّجت باتفاق 2023 في القطاع العام والوظيفة الاجتماعية.
وأضاف محمد الشابي أن "المفاوضات حق اجتماعي ويجب أن ترتكز المفاوضات على مبادئ أساسية، والمبدأ الأول أنّ الاتحاد يبقى شريكًا اجتماعيًا أساسيًا وليس مفاوضًا تحت الضغط" وفق قوله.
وأكد الشابي على أن احترام النقابيين والحق النقابي جزء من حقوق الإنسان، وقال: "نرى أمورًا خارجة عن النطاق مضادة للعمل النقابي ومعرّضة النقابيين للهرسلة من زج بالسجون والنقل التعسفية والعرض على مجالس التأديب" وفق قوله.
محمد الشابي (الأمين العام المساعد المكلف بالوظيفة العمومية): تعرّض النقابيين للهرسلة والزج بالسجون والنقل التعسفية والعرض على مجالس التأديب هي أمور خارجة عن النطاق ومضادة للعمل النقابي
من جهته، أكد سامي الطاهري الأمين العام المساعد المكلف بالإعلام خلال مداخلة له في ندوة سوسة المنعقدة في 14 فيفري/شباط 2025 على أهمية المفاوضات في الجانب الترتيبي وذلك بمراجعة القانون العام للوظيفة العمومية والقوانين الخاصة بالقطاعات الذي يتضمن تفاصيل مهمة في خصوص الترقيات والخطط الوظيفية وهذا ما يحفظ الحقوق وله تبعات مالية قد تفوق الزيادات المطلوبة، وفقه.
ودعا الطاهري إلى التركيز على جملة من الإشكالات أهمها "إن كان بالإمكان أن تقع مفاوضات بالنظر للسياق السياسي بالبلاد والوضع الإقليمي والدولي".
كما أشار إلى الخلافات الداخلية في الاتحاد العام التونسي للشغل متسائلًا: "هل يمكن أن يدخل الاتحاد إلى المفاوضات في ظل اختلافات؟ وكيف يمكن تجاوزها من أجل الخروج إلى مفاوضات اجتماعية ويصبح الهدف الرئيسي مفاوضات تفضي إلى الاستحقاقات وتلبي الانتظارات؟".
وأكد سامي الطاهري على أنّه "وقع تأخير تنفيذ الاتفاقيات السابقة، ويجب أن يحسم في أذهاننا الاستعداد لهذه المفاوضات بالشكل الكافي"، ودعا في هذا السياق، إلى "تأجيل الخلافات الداخلية واعتبارها عنصر قوة في وقت الشدة" وفق قوله.
محمد الشابي: الجولة الجديدة من المفاوضات يجب أن ترتكز على مبادئ أساسية عنوانها الأكبر: إلزامية أن يبقى الاتحاد شريكًا اجتماعيًا أساسيًا له الحق في ممارسة العمل النقابي
وأكد محمد الشابي الأمين العام المساعد للاتحاد العام التونسي للشغل، خلال مداخلته في مقر الاتحاد الجهوي للشغل بسوسة على أن المنظمة الشغيلة تسعى لأن تكون الجولة الجديدة من المفاوضات الاجتماعية بالوظيفة العمومية مرتكزة على مبادئ أساسية عنوانها الأكبر "إلزامية أن يبقى الاتحاد شريكًا اجتماعيًا أساسيًا له الحق في ممارسة العمل النقابي باعتباره جزءًا لا يتجزأ من حقوق الإنسان الذي صادقت عليه تونس في الاتفاقيات الدولية".
وتابع الشابي أنه لا بدّ أن تشمل هذه المفاوضات مسألة الانتدابات، داعيًا إلى تدعيم كل مركز عمل قار بانتداب خاص واستدل بوضعية النواب الذين يقضون 16 سنة وهم بمثابة أعوان وقتيين، وفق قوله.
وفي إطار الاستعداد للمفاوضات الاجتماعية القادمة، تم التعرض إلى قانون الوظيفة العمومية وضرورة مراجعته بشكل تشاركي يجمع السلطة بالمنظمات الوطنية وإرساء تغييرات جوهرية تنزع نحو النجاعة وتحقيق الأهداف الاجتماعية والاقتصادية المطلوبة.
وفي هذا السياق قدم الخبير الاقتصادي عبد الرحمان اللاحقة، الأستاذ في الجامعة التونسية، مداخلة بيّن فيها أهداف مراجعة قانون الوظيفة العمومية وضرورة المراجعة الشاملة والجذرية من حيث الشكل والمضمون وذلك بإفراد الحق النقابي بباب خاص يعرف الحق النقابي وحق الإضراب وينص على حرية تكوين النقابات والحق في التفاوض والإعلام والتسهيلات الواجب توفرها وحماية المسؤول النقابي والتفرغ النقابي، وهي المسألة التي عرفت تذبذبًا في مواقف الطرف الحكومي، وفقه.
سامي الطاهري: هل يمكن أن يدخل اتحاد الشغل في مفاوضات في ظل اختلافات؟ أدعو إلى تأجيل الخلافات الداخلية واعتبارها عنصر قوة في وقت الشدة
ومن بين الأهداف أيضًا، وفق اللاحقة، إفراد جانب الحقوق والواجبات بباب خاص، ذلك أن القانون الحالي يتعرض لها في فصول متفرقة وغير مواكبة لتطورات التشاريع الوطنية والدولية، وتضمين باب جديد يتعلق بالتكوين باعتباره حقًا من حقوق العون العمومي قبل الانتداب وبعد الانتداب ومدخلًا للترفيه، والتأسيس لمقاربة جديدة للتصرف في الموارد البشرية عبر وضع نظام للتقييم والتحفيز ينبني على الجدارة وعلى مؤشرات مضبوطة لقيس النجاعة والمردودية.
وشدد عبد الرحمان اللاحقة على أن الإطار العام لمراجعة قانون الوظيفة العمومية يكون على أساس اتفاق 22 سبتمبر/أيلول 2015 بين الاتحاد والحكومة والذي نص على تكوين لجنة مشتركة لمراجعة قانون الوظيفة العمومية، وضرورة ملاءمة قانون الوظيفة العمومية مع أحكام دستوري 2014 و2022، والملاءمة مع المعايير الدولية والحق في العمل اللائق.
وأكد اللاحقة على أنه من الطبيعي بعد سنتين وأربعة أشهر ونحن على مشارف انتهاء الاتفاق السابق، التقييم الموضوعي للوضع الراهن والاستعداد للمفاوضات القادمة، مذكرًا أن حكومات ما بعد جويلية/يوليو 2021 "تعتبر كأكثر الحكومات التي تمتعت على المستويين الداخلي والخارجي بمعنى ملائم للعمل والتنفيذ الإصلاحات المستوجبة والمنتظرة من قبل الشعب التونسي إذ تراجعت الآثار السلبية للحرب الروسية الأوكرانية من خلال تراجع أسعار المواد الأساسية، وشبه الاستقرار لأسعار الطاقة، وغياب شبه كلي للاحتجاجات الاجتماعية"، متسائلًا في هذا الإطار عن مدى وفاء الحكومة بوعودها؟
وفي تحليله للوضع الراهن يقول الخبير الاقتصادي عبد الرحمان اللاحقة، إنّ الاتفاق لم يستجب لتطلعات العديد من الشرائح، وأبدى العديد من العمال عن امتعاضهم من مستوى المفعول المالي.
عبد الرحمان اللاحقة (خبير اقتصادي): يجب مراجعة قانون الوظيفة العمومية مراجعة شاملة وجذرية من حيث الشكل والمضمون وذلك بإفراد الحق النقابي بباب خاص
وبيّن أنه من وجهة نظر الاتحاد العام التونسي للشغل، فإن الاتفاق كان فرصة لتكريس الحوار الاجتماعي التوافقي والانكباب على الأولويات الوطنية، في المقابل لم تحترم الحكومة تعهداتها على عدة مستويات أهمها إرجاع عجلة الاقتصاد للدوران والتقييم الدوري لآثار الاتفاق على العمال، وتنفيذ عديد الاتفاقيات القطاعية وعلى رأسهم اتفاق 6 فيفري/شباط.
وكشف عبد الرحمان اللاحقة المسار التفاوضي لمراجعة قانون الوظيفة العمومية، إذ شهدت الفترات الأولى تقدمًا ملحوظًا في المسار التفاوضي والمقاربة التشاركية وسجلت اتفاقًا في عديد النقاط، ثم شهدت الجلسات انقطاعًا في بعض الفترات نتيجة للتحويرات الحكومية العديدة على رأس الوزارة المشرفة على الوظيفة العمومية.
ومن العوائق كذلك، التغير المتواصل للهياكل الحكومية المشرفة على قطاع الوظيفة العمومية (وزارة، كتابة دولة، هيئة عامة، إدارة عامة..) مما أدى إلى تغير تشكيلة الوفد المفاوض للحكومة بصفة متواترة عكس الوفد النقابي الممثل لقسم الوظيفة العمومية، وفق توصيفه.
ومن بين ما حفّ بالمفاوضات، التراجع في بعض المناسبات عن الاتفاقات السابقة، وغياب الحسم في عديد النقاط حتى الرجوع لسلطات القرار للوفد الحكومي وكذلك للوفد النقابي. كما بين عبد الرحمان اللاحقة نقاط الاتفاق في المفاوضات وذلك بإدراج المبادئ الدستورية (دستور 2014 و 2022) ضمن باب الأحكام العامة وتتضمن الحوكمة والحياد والمساواة والشفافية والنزاهة والنجاعة والمساءلة، مع تضمين أهم معايير العمل الدولية في قانون الوظيفة العمومية (الحق النقابي، حق الإضراب، الحق في العمل اللائق، عمل خال من العنف والتحرش منع أشكال التشغيل الهش).
عبد الرحمان اللاحقة: التراجع في بعض المناسبات عن الاتفاقات السابقة، من بين عوائق المفاوضات، فضلًا عن التغير المتواصل للهياكل الحكومية المشرفة على قطاع الوظيفة العمومية
كما دعا أيضًا إلى إفراد الحق النقابي بباب خاص يعرّف الحق النقابي وحق الإضراب وينص على حرية تكوين النقابات والحق في التفاوض والإعلام والتسهيلات الواجب توفرها وحماية المسؤول النقابي.. بالإضافة إلى إفراد باب خاص بالحقوق (الحق في العمل، التدرج، الترقية، التكوين، الحماية من الانتهاكات، ممارسة الحريات العامة، التغطية الاجتماعية، الحق في الصحة والسلامة المهنية، الحق في التقاضي، النفاذ إلى المعلومة، حماية المعطيات الشخصية..).
وخلال مداخلة الخبير عبد الرحمان اللاحقة، أكد على أنه بقيت بعض النقاط الخلافية بعد جلسات عديدة تفاوضية لم يتم الاتفاق حولها وترجع أساسًا إلى اختلاف جوهري في المرجعيات والمنطلقات بين رؤية الاتحاد لمرفق عام في إطار الدولة الاجتماعية، مع ضرورة تحسين المردودية وجودة الخدمات الإدارية واعتبار العنصر البشري محور العملية الإصلاحية من خلال التحفيز والتكوين ورؤية الحكومة من خلال الاستراتيجية الوطنية لتحديث الإدارة التي تنطلق من إملاءات من الدوائر المالية العالمية وخاصة صندوق النقد الدولي والتي تهدف إلى التقليص من دور المرفق العام وإقحام القطاع الخاص في الوظيفة العمومية وإدخال آليات تصرف للحد من ضمانات واستقلالية الموظف العمومي.
ومن أهم النقاط الخلافية، وفق تعبيره، إمكانية الإلحاق في القطاع الخاص والتي يعتبرها الطرف النقابي مدخلًا لتضارب المصالح ومسًا من استقلالية الوظيفة العمومية. مشددًا على رفض صيغة التعاقد كآلية من آليات الانتداب في الوظيفة العمومية وغيرها من أشكال التشغيل الهش التي لا توفر ضمانات استقلالية الموظف العمومي، حسب ما جاء على لسانه في مداخلته بندوة سوسة.
الكلمات المفتاحية

قضايا جديدة ضد 3 محامين في قضية "التآمر".. هرسلة مستمرة للسان الدفاع
قضايا جديدة ضد 3 محامين في قضية "التآمر".. ليست الأولى ضد محامين في هيئة الدفاع في هذه القضية على وجه الخصوص، وليست الأولى أيضًا إثر شكايات من الهيئة العامة للسجون على وجه التحديد

أحزاب تونسية: إدانة للتنكيل الممنهج بالسجناء السياسيين ودعوة لإطلاق سراحهم
تفاعلت عديد الأحزاب السياسية، مع مستجدات "إضراب الجوع الذي يخوضه عدد من السجناء السياسيين في تونس"، خاصة بعد تأكيد شقيقة جوهر بن مبارك "تعرّضه للضرب الشديد في السجن لإجباره على تناول الطعام"

"اعتداء على جوهر بن مبارك داخل السجن".. تنديد سياسي وحقوقي ودعوة للمحاسبة
الناشط السياسي وسام الصغير: الاعتداء الأخير على جوهر بن مبارك ليس معزولاً عن ما تشهد البلاد من التصفية السياسية لكل صوت حر، حتى داخل الزنزانات

طقس تونس.. غيوم جزئية مع أمطار في عدد من المناطق
معهد الرصد الجوي: درجات الحرارة القصوى تتراوح بين 21 و25 درجة بالشمال والوسط، وتصل إلى 30 درجة في بقية المناطق

التمديد للهيئة التسييرية للنادي الرياضي الصفاقسي لثلاثة أشهر
انعقد مساء السبت 15 نوفمبر 2025، اجتماع اللجنة العليا للدعم بالنادي الرياضي الصفاقسي، بمركب الفريق، بحضور رئيسها سفيان لوعزيز، ونائبيه عماد المسدي وعبد الرحمان الفندري، إلى جانب عدد من الأعضاء ورؤساء سابقين وممثلي هيكل السوسيوس والهيئة التسييرية

احتجاجات شط السلام بقابس.. الأهالي يواجهون تسربات المجمع والغاز المسيل للدموع
شهدت منطقة شطّ السلام بولاية قابس، مساء السبت 15 نوفمبر 2025، احتجاجات ليلية للمواطنين على تسربات الغاز الملوّث الصادرة عن المجمع الكيميائي، وهو ما أدى إلى تدخل أمني استخدم فيه الغاز المسيل للدموع بشكل مكثف، ما أسفر عن حالات اختناق واعتقالات في صفوف المتظاهرين، وفق ما أكده رئيس فرع الرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان بقابس، أحمد شلبي لـ"الترا تونس"

نائب في البرلمان: "المناخ العام لم يعد آمنًا والشعب يشعر بأنه في حالة سراح مؤقت"
شدّد النائب في البرلمان التونسي مليك كمون، يوم السبت 15 نوفمبر 2025، خلال جلسة عامة عُقدت السبت للنظر في ميزانية وزارة العدل، على أنّ "أخطر ما يهدد الدولة اليوم هو فقدان المواطن ثقته في المنظومة القضائية وقدرة مؤسساتها على ضمان محاكمة عادلة وشفافة دون وساطات أو ضغوط". وقال في مداخلته: "الخطر اليوم هو أزمة الثقة بين المواطن وقدرة الدولة على ضمان محاكمة عادلة وشفافة"، وفق تعبيره

