08-يناير-2019

يطالب الاتحاد العام لطلبة تونس باستقالة مدير المعهد

 

شهد المعهد العالي للعلوم الإنسانية (ابن شرف) أزمة حادة بين الطلبة ومدير المعهد أدّت إلى تعطيل الدروس وإيقافها يوم 22 أكتوبر/تشرين الأول 2018. إذ أعلن مدير المعهد نور الدين النيفر غلق المؤسسة الجامعية وإيقاف الدروس، وذلك على خلفية تسجيل أحداث عنف داخل الحرم الجامعي قام بها بعض الطلبة مستعينين بمجموعة من الغرباء، وفق قول المدير.

وأشار النيفر في تصريحات إعلامية سابقة إلى أنّ "القرار صدر بعد انعقاد المجلس العلمي، على إثر قيام بعض الطلبة بأعمال شغب خصوصًا من قبل طالبة تمّ طردها من المعهد إثر اعتدائها على طالبة أخرى بالعنف الشديد والتسبب لها في كسر على مستوى أنفها"، مضيفًا "أنّها رفضت قرار الطرد وقامت بإثارة الشغب والاعتصام داخل المعهد رفقة عدد من الأشخاص الغرباء. كما أقدمت على منع الطلبة من الالتحاق بقاعات التدريس، إضافة إلى اقتحامها مكتبه والإقدام على تكسير معدّات المعهد والاعتداء على حرّاس الجامعة".

في المقابل ندّد الاتحاد العام لطلبة تونس بقرار الغلق وبتصريحات مدير المعهد، معتبرًا أنّ مدير المعهد لم يعد إلى المجلس العلمي لاتخاذ قرار الغلق، إنّما اتّخذه بشكل فردي وهو أمر غير قانوني. كما وجّه الاتحاد الاتهام إلى الاتحاد العام التونسي للطلبة بممارسة العنف على نشطائه، معتبرًا أنّ هذا "العنف الغريب عن الجامعة لا يشذ عما دأبت عليه حركة النهضة وذراعها النقابي ومجاميع الإسلام السياسي في إقصاء الخصوم ورفض الديمقراطية واعتماد العنف والإرهاب والتكفير منهجًا في إدارة الصراع"، وفق بيانه الصادر في أكتوبر/ تشرين الثاني الماضي.

أعلن المكتب الفيدرالي للاتحاد العام لطلبة تونس أن يوم الثلاثاء 8 جانفي 2019 سيكون بداية إضراب عام مفتوح إلى حين إعفاء مدير معهد العلوم الإنسانية بتونس من منصبه

اقرأ/ي أيضًا: غلق المعهد العالي للعلوم الإنسانية لأجل غير مسمى بسبب "خطورة الأوضاع"!

ورغم مرور أكثر من شهرين على الحادثة إلاّ أنّ الإشكال لم يحلّ ولم تهدأ الأوضاع بين الطلبة والمدير، ليتجدد الاحتقان بعد تسريب تسجيلات صوتية يُقال إنّها توثق عملية تحريض المدير لأحد الأشخاص للقيام باعتداءات على الأساتذة.

التسجيل المسرّب أثار غضب الطلبة الذين عبروا عن تنديدهم بتصرّف المدير وطالبوا بفتح تحقيق للتدقيق في صحة التسجيل ومطابقة الصوت. وقد قرّر الاتّحاد العام لطلبة تونس شنّ إضراب عام خلال هذا الأسبوع. وبناء على ذلك أعلن المكتب الفيدرالي للاتحاد العام لطلبة تونس أن يوم الثلاثاء 8 جانفي/كانون الثاني 2019، سيكون بداية الإضراب العام المفتوح إلى حين إعفاء نور الدين النيفر من منصبه وقبول مطالب المعتصمين.

كما دعا الاتحاد في بيان له المجلس العلمي وسلط الإشراف إلى التفاعل الإيجابي والسريع مع المطالب النقابية الطلابية، مؤكدًا تشبثه بموقف الأساتذة وكل مكونات المعهد العالي للعلوم الإنسانية، ويدعوهم لمساندة التحركات الطلابية المشروعة، وفقه.

طالبة بالمعهد لـ"الترا تونس": التسجيل المسرّب لمدير المعهد فيه تهديد لسلامة الأساتذة والطلبة على حد سواء ويجب فتح تحقيق

من جهتها، قالت الطالبة مفيدة (اسم مستعار)، لـ"الترا تونس"، إنّ "الأزمة منذ بدايتها لا تعدو أن تكون مجرّد مناوشات بين كل من طلبة الاتحاد العام لطلبة تونس والاتحاد العام التونسي للطلبة، وهو أمر عادي في إطار اختلاف توجهات كلا النقابتين الطلابيتين، إلا أنّ مدير المعهد هوّل الأمر مما تسبب في طرد إحدى الطالبات. ولم تنته الأزمة منذ شهر أكتوبر/ تشرين الثاني بل أثرت حتى على سير الدروس وإجراء الامتحانات".

وأضافت أنّها بحكم رسوبها وإعادة السنة فإنّها لاحظت أنّ بعض المحاضرات والدروس تلقتها السنة الماضية في أشهر لكن اليوم تم تلقيها في ظرف أسابيع قليلة بسبب انقطاع الدروس وتعطّلها، إضافة إلى تعطل إجراء بعض الامتحانات.

على صعيد آخر، أشارت محدثتنا إلى أنّ "التسجيل المسرّب أثار استغراب كل طلبة معهد ابن شرف من التصرف الذي أقدم عليه المدير والذي من شأنه أن يؤجج المشاكل من جديد"، مضيفة أنّ "الأمر فيه تهديد لسلامة الأساتذة والطلبة على حد سواء، ويجب فتح تحقيق في الغرض".  

منير السعيداني (أستاذ باحث بالمعهد) لـ"الترا تونس": المعهد العالي للعلوم الإنسانية بتونس يعيش أزمة متفاقمة الحدّة منذ شهور عدّة

اقرأ/ي أيضًا: رغم شعارات الرّقمنة: فوضى الخدمات الجامعية تتكرّر سنويًا

الأستاذ الباحث في علم اجتماع وأنتروبولوجيا الثقافة منير السعيداني قال من جهته إن "المعهد العالي للعلوم الإنسانية بتونس يعيش أزمة متفاقمة الحدّة منذ شهور عدّة. وعلى الرّغم من محاولات متكررة لحل الأزمة أو على الأقل لتفكيك عناصرها، فإن الوضع لم يزد إلا تعفنًا وخطورة على الجميع".  

وأضاف أن " اجتماعات استثنائية للمجلس العلمي الموسع للمؤسسة انعقدت، وكذلك اجتمعت لجان أستاذية إمَّا لتيسير المفاوضات بين لجنة الطلبة المعتصمين والاتحاد العام لطلبة تونس من جهة وإدارة المؤسسة من جهة ثانية، أو لتفكيك بعض الأوضاع المتفجرة مثل التدخل لإحالة طلبة على أنظار القضاء بحالة سراح عوضًا عن حالة الإيقاف، وجلسات مناقشات مع الطلبة الممثلين لزملائهم نقابيًا أو من خلال عضويتهم للمجلس العلمي، واتصالات برئاسة جامعة تونس المنار".

وبيّن السعيداني أن هذه الجهود تتمّ في أجواء من العنف ومزيد الشحن، إلى جانب حملات تشهير منظمة، ومعلقات حائطية في المعهد (موجودة ومتجددة منذ أشهر)، بالإضافة إلى منشورات على شبكة التواصل الاجتماعي فيسبوك، مبرزًا أن "مدير المؤسسة عمل على خلق أجواء من التفتين بين الأساتذة وبينهم وبين باقي أطراف المؤسسة من عملة وإداريين، وبفعل كل ما سبق، صارت كلّ مقومات الحياة الجامعية السليمة مفقودة من انتظام لنسق الدروس واطّراد التحصيل العلمي، وتواتر للأنشطة البحثية والأكاديمية، وتواصل بيداغوجي واجتماعي".

ولاحظ منير السعيداني أنّ "الأوضاع كلما اقتربت من منعرج انفراج بلغت فيه نقطة بالغة الحساسية، سرعان ما نصير فيها، بقدرة قادر، عاجزين عن الإمساك بأي خيط من خيوط الوضع فنرى مكاسب ما قمنا به على امتداد أسابيع يذوب بين أيدينا. فلقد كان تشريف زملائي لي بالإشراف على تيسير المفاوضات بين الطلبة والإدارة خلال الأسابيع الأولى من شهر أكتوبر/ تشرين الثاني 2018 مثلًا، وحضوري لاجتماعين متتاليين للمجلس العلمي الموسّع في الغرض، وإجرائي محادثات مطوّلة مع الطلبة، مناسبات عاينت فيها كيف يمكن أن تتبخر ثمرات جهود مضنية توصّلت خلالها إلى اتفاق على تلبية 24 مطلبًا نقابيًا وبيداغوجيًا وعلميًا للطلبة من جملة 26".

منير السعيداني لـ"الترا تونس": أدعو أعضاء المجلس العلمي للمعهد إلى سحب الثقة من مدير المعهد وإطلاق إجراءات تعويضه بما ينص عليه القانون

على صعيد آخر، أشار محدثنا إلى أنّ "الاتحاد العام لطلبة تونس وأنصارهم يرفعون مطالب طلابية وهي محقة ومشروعة وغايتهم الحقيقية إرباك الإدارة ودفعها للتراجع عن قرار طرد الطالبة"، مبينًا أن "المدير يتظاهر بالاستجابة إلى مطالب الطلبة في حين لا يكف عن التحريض عليهم وعلى مطالبهم وعلى التنسيق مع الأمنيين الذين يعرفهم ومع من يمكن أن يصل إليه هؤلاء من المسؤولين في الأوساط القضائية. وهو يتظاهر بالموافقة على ما ينصحه به الأساتذة وما تساعده عليه الجامعة من تصوّر للحلول وما تقدمه له الإدارة المركزية من استشارات قانونية تُبطل ما كان قد مضى فيه من القرارات. ولكنه في الحقيقة لا يتصرف إلا بما يراه، عاملًا على مزيد تعفين الوضعية لإلباس مسؤوليتها للطلبة المضربين".

وأكد أنّه "ليس بإمكان مدير المؤسسة الحالي أن يستمر في تحمل مسؤولية إدارتها بسبب انعدام الثقة في شخصه وفي تصرفه وفي كيفية إدارته للأزمة، هو ما يوجب التصريح بعدم أهليته لإدارة المؤسسة عمومًا ولإدارة هذه الأزمة خصوصًا".

وأضاف السعيداني أنه يدعو أعضاء المجلس العلمي للمعهد العالي للعلوم الإنسانية بتونس إلى سحب الثقة من مدير المعهد وإطلاق إجراءات تعويضه بما ينص عليه القانون وذلك اعتبارًا لعدم قبول مدير المعهد تقديم استقالته كما اقتُرح عليه ونصح به من العديد من ذوي الشأن مرارًا وتكرارًا، وفق تصريحاته. وختم منير السعيداني بالقول إن سحب الثقة ليس إلا خطوة أولى في اتجاه معالجة جذرية لأوضاع المعهد.

 

اقرأ/ي أيضًا:

الحركة الطلابية في تونس.. مرآة الصراع السياسي والأيديولوجي

فوضى وامتحانات غير مراقبة: أيّ مصداقية للتعليم العالي الخاص؟