27-فبراير-2019

عمليات سبر الأراء هي إحدى "تكتيكات" السلطة لتوجيه الرأي العام (فتحي بلعيد/أ.ف.ب)

مقال رأي

 

طالما لا يوجد قانون ينظم طريقة عمل شركات سبر الآراء، يُعتبر كل معطى جديد يسوّق للعامة بمثابة آلية توجيه الرأي العام لتشكيل المشهد السياسي والمشهد النيابي القادم كما تريده السلطة صانعة للقرار. إن النسب والإحصائيات المنشورة بين الفينة والأخرى لا تعبر حقيقة عما يخالج المواطن التونسي من رغبة وتصور بل هي إحدى "تكتيكات" صانعي القرار، وهي خالصة الأجر من كل راغب في التموقع في السلطة القادمة.

"حزب الإدارة التونسية"، أو "حزب السيتام،" الذي ظهر سابقًا بعد الثورة سنة 2012 على شاكلة تنظيم حزب نداء تونس وتموقع فجأة بعد اجتماع المنستير في المرتبة الثانية حينها بنسبة 7 في المائة في بدايته قبل عودته للصندوق، ها هو يعيد ممارسات الماضي ويدغدغ ذكرياتنا بإعادة التشكل في تنظيم سياسي جديد يُدعى "تحيا تونس" يقوده رئيس الحكومة يوسف الشاهد.

 يُعتبر كل معطى جديد يسوّق للعامة بمثابة آلية توجيه الرأي العام لتشكيل المشهد السياسي كما تريده السلطة صانعة للقرار

وفق آخر عملية سبر أراء لشركة "امرود كونسلتينغ" نشرتها جريدة الصباح بتاريخ 27 فيفري/شباط الجاري، حلت حركة "تحيا تونس" في المرتبة الثالثة من بين 217 حزبًا بنسبة 3.9 في المائة وذلك بعد ندوة صحفية لمنسقها العام سليم العزابي. والملفت للانتباه هاته المرة هو إدراج حزب التحرير في أعلى الترتيب، رغم أنه حزب مقاطع للانتخابات ولا يؤمن بهذه الآلية الديمقراطية في أدبياته، وذلك بغاية دفع الرأي العام إلى المربع الايديولوجي الهووي من جهة، وتسهيل تمرير حزب الدولة المصلحية من جهة أخرى.

ما هو مؤكد أن صانعي القرار سيواصلون في منهجية الرفع من نسبة المصوتين لحزب رئيس الحكومة بعد تنظيم مؤتمره في أفريل/نيسان القادم، ومن الممكن أن يسوّقوه كالحزب الأول قبيل الانتخابات التشريعية التي ستجرى في أكتوبر/تشرين الأول القادم متفوقًا حتى على حركة النهضة وذلك بغية المواصلة في الاستقطاب الثنائي وتجميع كل تفرعات حزيبات الإدارة التونسية تحت راية حزب "تحيا تونس" وزعيمه السياسي رئيس الحكومة يوسف الشاهد.

اقرأ/ي أيضًا: يسار مفاوض حزبيًا و"ثوري" نقابيًا: ما وراء الأكمة؟

إن نفس العقلية تؤدي إلى نفس الممارسات، ونفس الممارسات تؤدي بالضرورة الى نفس النتائج سواء كان ذلك في الحوكمة الداخلية لأحزابهم أو في حوكمة الدولة وتسيير دواليبها. لقد أدت نفس هاته العقلية لمنظومة حاكمة وحكومة فاشلة الى نتائج اقتصادية، واجتماعية وسياسية دق بها كل الخبراء ناقوس الخطر بين المنطقة الرمادية والمنطقة السوداء وذلك بجعل تونس في وضعية كما كانت مع خزندار خلال القرن التاسع عشر.

حقيقة إن معركة الشعب ليست معركتهم، ومبلغ اهتمامنا ليس مرآهم، فلا يعنينا يمينهم من يسارهم وتركات صراع ماضيهم وجامعاتهم. كما لا يعنينا أيضا من يعبر عن تصوراتهم فهم وجهان لعملة واحدة، حزبان يمينيان أحدهما يختفي وراء واجهة الإسلام، والثاني يختفي وراء موروث الدولة وإدارتها.

الطرح الذي يراود كل متابع للشأن السياسي وكل قريب من هموم المواطن هو أن هذه التشكيلة السياسية النيوليبرالية لا تعبر حقيقة عن تطلعات أغلبية الشعب التونسي

الطرح الذي يراود كل متابع للشأن السياسي وكل قريب من هموم المواطن، هو أن هذه التشكيلة السياسية النيوليبرالية لا تعبر حقيقة عن تطلعات أغلبية الشعب التونسي وعن إرادته، أي أن هذه التمثيلية السياسية الفاشلة لا تشبه في الواقع المواطن.

فأي معركة على التونسيين خوضها ونحن إزاء محطة انتخابية مفصلية في تاريخ الانتقال الديمقراطي؟ أي معركة قادرة على تجذير الشعب الاجتماعي الديمقراطي في الحكم و قادرة على تدعيم الثقة بين كل مكونات المجتمع والسلطة وأيضًا قادرة على دفع الشعب إلى مزيد الإنتاج؟

اقرأ/ي أيضًا: سيف الدين مخلوف نائبًا عن الشعب التونسي؟!

وجب أن تتأسس المعركة الواجب خوضها على الوعي والتمييز بين عقلية قديمة وأخرى جديدة وليس بين يمين ويسار كما يسعون لتسويقه، فالمعركة يجب أن ترتكز على دغدغة وعي الشعب المفقر والمجوّع.

يدعو الشعب التونسي إلى نظام يقوم على العدالة الاجتماعية والتوزيع العادل للثروة، ويضمن مجانية التعليم للجميع والتغطية الصحية لكل الفئات، ويكفل المبادرة الخاصة والملكية الفردية والمنافسة الحرّة مع اضطلاع الدولة بدور تعديلي وأيضًا بالاستثمار العمومي والمحافظة على الملكية العمومية للقطاعات الحيوية وتأهيل القطاع العام.

وجب أن تتأسس المعركة الواجب خوضها على الوعي والتمييز بين عقلية قديمة وأخرى جديدة وليس بين يمين ويسار كما يسعون لتسويقه

ويدعو الشعب لضمان حقوق الإنسان في كونيتها وشموليتها ويؤمن بأنّ للحريات حدودًا ضرورية في المجتمعات الديمقراطية توضع لحماية حقوق الغير والأمن العام والصحة العامة. ويرى أنّ الدولة الدّيمقراطية تضمن لمواطنيها ممارسة حقوقهم وحرياتهم، وتعمل على فرض سلطة القانون على الجميع، وأنّ الدولة الديمقراطية تكرس مبدأ المساواة بين المواطنين بقطع النظر عن انتمائهم الجهوي أو الديني أو العرقي أو النوعي، مع العمل على دعم مشاركة المرأة في مراكز القرار على أساس الكفاءة.

يشجّع الشعب على العمل الجمعياتي، ويدعو إلى استقلاله التام عن السّلطة القائمة، وعن سائر الأحزاب، وعن الصراع السياسي والانتخابي. ويريد دعم منظمات حقوق الإنسان المستقلة التي تدافع عن الإنسان دون تمييز، ويدافع عن استقلال السلطة القضائية، وعن تحسين وضعية القضاة، كما يدعو إلى إقصاء المورطين منهم في الفساد وفي تنفيذ التعليمات وكلّ من تهاون في الدفاع عن استقلاليتهم وحيادهم.

تبقى الثقة عالية في قدرة الشعب التونسي على معاقبة المنظومة المتحيلة الفاشلة بصناديق الاقتراع عبر التصويت العقابي

 يدعو أيضًا على أن تولي الدولة العناية اللازمة بالبيئة، وتجعل من حمايتها ومن حسن التصرف في الموارد المنجمية والطاقية غير المتجددة والمياه مسالة ذات أولوية في سياساتها التنموية بما يحفظ حقوق الأجيال القادمة. ويجب على الدولة أن توفّر أكبر قدر من الإمكانيات المتاحة لتطوير التعليم، ودعم البحث العلمي وأيضًا تشجيع الثقافة والإعلام والرياضة.

هذا ما تريده حقيقة أغلبية الشعب التونسي الذي يجب أن تكون مستعدة لبذل الغالي والنفيس حتى ترى تعبيرات مطالبها متمثلة حقيقة أمامها على أرض الواقع، وهذا للأسف ما لم تستطع العقلية القديمة البالية الحاكمة تجسيده في وطن منكوب متألم في الوقت الحاضر.

ختامًا، تبقى الثقة عالية في قدرة شعب استطاع أن يجبر دكتاتورًا على الهروب عام 2011، وأن يعاقب هاته المنظومة المتحيلة الفاشلة بصناديق الاقتراع بالتصويت العقابي وذلك حتى يواصل الكتابة بخط ذهبي تاريخ تونس الحديث.

 

اقرأ/ي أيضًا:

طلاب قارعوا النظام لتغييره وانتهوا حراسًا لإدارته!

الشباب التونسي.. بين المشاركة والبقاء على الهامش